قلوب على الرفوف


قلوب على الرفوف

جعفر حمزة

التجارية ٢٧ فبراير ٢٠٠٨

لم تكن الأموال ولا المسافات تُبعدني عنها، فهي لم تغيّر هويتها ولا اسمها، بل احتفظت به طوال تلك السنين، وقد أحببتها وعشتُ معها، ولا مانع لدي أن أعيش السنوات القادمة معها، ما دامت محتفظة بقلبي عندها.
لقد تخطيت مثيلاتها بألوانهنّ البراقة وبأسمائهنّ الفاتنة، ولم يكن قلبي يميل إلا لسواها، فاقتربت منها ومددتُ يدي لآخذها لتكون بقربي في..... سلة الشراء.
فقد كانت تلك الماركة محبوبتي على الدوام، وعلاقتي معها ليست بالقصيرة لأتخلّى عنها بسهولة.
تلك العلاقة الودية بين الفرد والماركة التجارية مستمرة يومياً، فعندما نذهب للشراء ، فإننا نستقبل آلاف الماركات التجارية، ومن بين ذلك الكم الضخم منها، فإننا قد نبحث عن السعر، أو الجودة أو الاسم، وكل ذلك صور من الحب، في التوفير والصحة والضمان والعلاقة والإرتباط والذاكرة، وكلها تؤدي إلى صياغة سلوك الشراء لدى الفرد، وبالتالي تتحرك المنتجات من على الرفوف لتذهب وتأتي أخرى مكانها، وهكذا تتم عملية التصنيع من جديد، وتستمر دائرة الإنتاج والإستهلاك بناء على تلك العلاقة الودية بين الفرد والماركة التجارية.


وبناء تلك العلاقة الودية فضلاً عن الإحتفاظ بها ليس بالأمر السهل في ظل تنافسية شديدة على قلب هذا الفرد المستهلك، حيث يتم اتباع كل الوسائل الشرعية وحتى غير الشرعية أحياناً للظفر بقلب هذا الفرد، ليكون “متيّماً” بحب هذه الماركة أو تلك، لا لضمان دفعه لقيمتها فقط، بل للإرتباط بها زواجاً دائماً. وهي العلاقة التي يحب أن يطلق عليها المدير التنفيذي لشركة “Saatchi & Saatchi” السيد “Kevin Roberts” بما يسميها بــ”Lovemarks”، والتي تمثّل الإستراتيجية الجديدة في التسويق وصناعة الإعلان الحديث، وقد ألّف كتاباً يحمل الإسم ذاته.

حيث يمثّل “الحب” النقلة الحديثة لرسم العلاقة بين الفرد والماركة، فقد بات الأمر أكثر من مجرد شراء الفرد للمنتج أو استعمال الخدمة، فهناك علاقة متواصلة يكون فيها الشراء والإستعمال إحدى صور “الإعجاب” و”الحب” بينهما، وليست كل العلاقة.

وما يقوم بخلق تلك العلاقة هو التعاون بين الشركة صاحبة الماركة التجارية ووكالة الإعلان، علاقة لا يمكن أن تحضر الماركة لوحدها، كما لا يمكن بغيابها أن يكون الإبداع وحده، وبالتالي يكون مدار الحديث في صناعة الإعلان الحديث هو عن علاقة التفاهم بين صانعي الحب وهما الشركة صاحبة الماركة التجارية ووكالة الإعلان، حيث كلما كانت العلاقة بينهما وطيدة ومبنية على التفاهم والأخذ والرد الإيجابيين والمنتجين، كلما تناسقت الأفكار الوليدة وباتت أكثر قرباً، وبالتالي تبدأ بذرة “الحب” للماركة بالنمو والظهور.

وعند الحديث عن تلك العلاقة في السوق المحلية نرى أن مفهوم الحب أصبح غائباً وضعيفاً ويصل إلى مرحلة الملل في كثير من الأحيان، وذلك بسبب غياب آلية الخطاب والبحث عن “قلب” المستهلك الفرد والمتمثلة فيما يسمونه بالـــ”Insight” لدى الفئة المستهدفة من خطاب “الحب”. حيث تغيب عن الكثير من الشركات ووكالات الإعلان معاً.

هناك الكثير من الماركات التجارية العالمية التي أخذت مساحة ملفتة من قلوب “المحبين” المستهلكين، وهي تتمتّع باستمرارية بذلك الحضور نتيجة خطة إعلامية لا ترتكز على الحضور الفعلي للمنتج أو الخدمة فحسب، بل على تأصيل علاقة حياتية تتقمصها الماركة التجارية ويكون جزءً من هويتها، وبالتالي يكون إستذكارها لدى الفرد سهلاً ودائماً في حياته اليومية، سواء للمنتجات ذات القيمة المادية البسيطة كالمشروبات الغازية والعصائر والمواد الغذائية الأخرى، أو المنتجات ذات القيمة المادية المرتفعة كالسيارات والكاميرات، أو ما يُطلق على الأولى بـ”Low involvement products ” و على الثانية بـ”
High involvement products”
في عالم التسويق والتجارة.
وتأخذ الكثير من الماركات التجارية العالمية المعروفة من فلسفة الحياة هوية لها وسبيلاً للحضور المكثف، فما دامت القاعدة التسويقية للمنتج أو الخدمة مستنداً على مفهوم أو فكرة من قلب حباتنا اليومية، فسيكون حضورها المتكرر تحصيل حاصل، وبالتالي تضمن وجودها وبقائها المتجدد بالقرب من الفرد، منها على سبيل المثال “Nike” والتي اتخذت شعار “Just Do It”وشركة “Apple” بشعارها “Think Different”.
إنّ العلامة التي تفوز في موقفين مهمين، هي العلامة التي تضمن ظهورها وحضورها وبقائها تصنيعاً وترويجاً، “إن أفضل الماركات هي التي تفوز في لحظتي الحقيقة. أولها من على الرف، حين يختار المستهلك أي ماركة يريد. والثانية في المنزل، عندما يستخدم الفرد الماركة ويتمتّع بها”. A.G. Lafley، المدير والرئيس التنفيذي لشركة “Procter & Gamble” العالمية.
فماذا عن الماركات العربية؟، فالعلاقة التفاعلية بين الماركة والفرد تأتي من خلال ثلاث دوائر، هي جودة المنتج، والترويج الذكي، وتحوّل الماركة إلى نمط حياتي أو “أيقونة” “Brand to Icon”. ومع وجود التقنية الحديثة في متناول اليد إستيراداً وتصنيعاً، فإن الماركات العربية تتمتّع بالجودة والمستوى الرفيع، وبعضها دخل الدائرة الثانية في الترويج الذكي، إلا أن الدخول للدائرة الثالثة لم يتحقق بعد بصورة واضحة.
إلا أنّ ما يجعل من الماركات العربية والمحلية ذات قدرة كامنة للتميّز عن مثيلاتها العالمية، هي أن مباراة “الحب” والظفر بقلب المستهلك تجري بين “أرض” و”جمهور” الماركة المحلية، فضلاً عن وجود توجه عالمي للحديث مع الأسواق العربية والمسلمة، وذلك التوجه يأتي من شركات وكالات إعلان عالمية مثل شركة JWT الأم بأمريكا، ومن الأوراق التي قدمتها بهذا الخصوص ورقة موسموة بـ”Marketing to Muslims:U.S Study”. (١)

وليس الأمر بمستغرب إذا عرفنا أن أسواق البلدان المسلمة في العالم تمثل نسبة لا يُستهان بها من الإستهلاك العالمي، فضلاً عن التجمعات المسلمة في البلدان الغربية، وتمثل الأغذية الحلال حضوراً بارزاً في صناعة الأغذية. تقول مديرة معرض “الحلال العالمي” والذي عُقد في أبوظبي في ديسمبر الماضي، السيدة “كريستين ويفر”: ( يشكل سوق الأغذية الحلال حالياً ما مقداره 12% من التجارة العالمية في المنتجات الغذائية. ومن المتوقع أن يشكل المسلمون 30% من عدد سكان العالم في العام 2025، مما يعني أن أغذية الحلال ستشكل بسهولة 20% من التجارة العالمية في المنتجات الغذائية مستقبلاً). (٢)

وبناءً على كل تلك المعطيات، تكون فرصة حضور الماركات العربية، سواء في مجال الأطعمة وهي التي تأخذ نصيب الأسد أو في مجالات أخرى، لن يكون حضورها مطلوباً فحسب، بل تميزها في ظل منافسة من ماركات عالمية معروفة.
وستزداد حدة المنافسة بين الماركات العربية والغربية نتيجة عاملين مهمين، هما توافر التقنية وأدوات الترويج الحديثة لكليهما، حيث باتت في متناول اليد، ومع وجود وكالات إعلان ذات خبرة وتجربة، والعامل الثاني هو “المنافسة” على نفس “أرض الملعب”، أي في نفس البلدان العربية والمسلمة، وخصوصاً لتلك البلدان التي لديها اتفاقيات تجارة حرة مع البلدان الغربية، حيث ستكون أسواقها مفتوحة.
ومع ذلك سيكون للماركات العربية نقاط عديدة لصالحها، فأهل البيت أدرى بما فيه، ولا يكون ذلك إلا من خلال إنفتاح على الأفكار الجديدة في الوقت الذي تحافظ فيه على هويتها، وبتلك الثنائية، يمكن “خطف” القلوب من الرفوف، بل والإحتفاظ بها لسنوات عديدة، لأنها ببساطة تمثل جزءً من خوية وثقافة، وقوة الماركة في أنها تصبح ضمن منظومة السلوك الفكري والثقافي للفرد،وهو ما تملكه الماركات العربية وتفتقده مثيلاتها الغربية.
فهل يمكن بعد ذلك أن تمد يدك إليها بكل ثقة ولا شعورياً لتحتضن “ماركتك” العربية من على الرف؟

(١) www.jwtintelligence.com
(٢) www.arabianbusiness.com/

مهرجان عاشوراء السينمائي


يهدف مشروع "مهرجان عاشوراء السينمائي" إلى تقديم صور متعددة ومن زوايا مختلفة ترصدها عيون صانعو الأفلام والمهتمين بالسينما لكربلاء كقضية ولمحرم كذكرى وممارسة وتفاعل، وذلك بطرق مختلفة، سواء من الناحية التاريخية أو التوثيقية التسجيلية أو غيرها من الطرق، وبالتالي يكون استعراض واقعة كربلاء وشهر محرم من عدسة الكاميرا التي ترصد المشاعر والمواقف وتستخلص العبر وتوثق الفكرة ورصد الزوايا المختلفة في الشعائر الحسينية.

www.ashoorafilm.com



LEGO




جعفر حمزة

التجارية، ٢٠ فبراير ٢٠٠٨
كانت لديهما نفس اللعبة، ولم يُطلب منهما شيء، فليس هناك داعٍ لذلك، فقد أخذ كل منهما لعبة تركيب قطع الــ ”LEGO” المعروفة، ولم تكن تلك نهاية الحكاية بل بدايتها، فكانت القطع تتناثر يمنة ويسرة بين يدي الأول دون أن يركّب ولو شيء بسيط، في حين كانت تتكاتف في يد الآخر لتمثل مجسمات وأشكالاً جميلة . تلك هي صورة لعب طفلين بتلك القطع التي تهدف إلى تعزيز القدرة الذهنية في التركيب لدى الطفل، وبالتالي تعزيز النمو الإدراكي والمخيلة. لستُ بصدد تفسير نفسي أو تربوي لذلك المشهد، إلا أن ما شدني في ذك المشهد هو تطابق واقعي لصورة أكبر تشهدها الساحة العلمية وتأثيراتها الاقتصادية والمعيشية في البلاد العربية، ولنكون أكثر دقة، فالحديث يدور هنا حول المشهد المحلي وغياب القدرة الإدراكية في تعزيز النفََس العلمي والإنتاج الذاتي والابتكار، ويبدو أن الصورة الحالية تميل إلى ذلك الطفل الذي يرمي القطع “الموارد البشرية والمادية” دون تكوين حقيقي لشكل أو مجسم معين “إنتاج واعتماد على الذات”. والحديث مع الطفل بإمكانية استخدام ما بين يديه في تكوين ما هو مفيد لن يكون مجدياً ما لم نقدّم له مثالاً حياً لنفس تلك القطع وبطفل في نفس عمر على الأقل، ليقتنع بأن ما نطرح عليه ليس تنظيراً أو حديثاً في الفضاء بل بالإمكان القيام به. وتمثل التجربة الإيرانية في التقدم العلمي والصناعي وفي مجال البحوث الأكاديمية حجة مضاعفة للقراءة المتأنية لغياب الاستفادة المثلى من قطع الــ “LEGO ” التي بين يدينا على الساحة المحلية، حيث بتنا نضع تلك القطع في أفواهنا أو نحطمها وفي أحسن الأحوال نرميها جانباً بدلاً من وضعها في مكانها الصحيح والخروج بشكل أو مجسم مفيد. لقد وضعنا مواردنا المعرفية والمالية في مكان لا تنتمي إليه. فبتنا نرسم الترف الفكري بأموال أرضنا، ونقذف بالكوادر خارجاً عنّا. إننا نقرأ بين ضفتين، ضفة انغمست حتـى النخاع ولعبت حتى القاع في تلك القطع دون فائدة وبددت كوادرها وطاقتها، وضفة أخرى جارة لنا على الأقل جغرافياً اهتمت في تعمير العقول وصقلها، لأن لديها تحدٍ وحافز “Challenge & Motivator”، وبغض النظر عن طبيعة ذلك الحافز، فإن إيران باتت مجتمعاً منتجاً لا مستهلكاً ومعتمداً على نفسه لا على غيره، بالرغم من كل الظروف المحيطة به. ونحن أولى أن نكون أفضل من ذلك، فقطع اللعب التي لدينا أكثر وحجمها أكبر ومساحة تنفيذ ما يمكننا العمل به أوسع، إلا أن هناك عقليات تميل إلى ترف فكري يقلل ما لدينا من كوادر، ويحجّم مساحة البحث والإنتاج الذاتي، فقد باتت مسابقات الخيول والسيارات وشعر اللاشعر حاضرة وتغيب مسابقات الرياضيات والعلوم، ومنافسات الابتكار والاختراع، لا لشيء سوى أن قطع التركيب للمستقبل ليست بذات أهمية، وبعيداً عن التنظير أسرد لكم ما في الضفة الأخرى (إيران) من إنجازات في المجال الطبي في غضون سنوات قليلة فقط، وإليكم القائمة: إنتاج علاج لمرضى تقرحات القدم السكري، إمتلاك أكثر تقنية متطورة لطب العيون في العالم، إنتاج عقار لمعالجة الجلطة القلبية، إنتاج قصبة صناعية للرئة، إنتشار صناعة العظام في إيران، المرتبة الرابعة في زارعة الكلية في العالم، إنتاج أقوى لاصق ذكي للأنسجة، تشخيص الهوية بواسطة قزحية العين، التوصل لطريقة جديدة لمعالجة سرطان الثدي (١). هذا فضلاً عن الأبحاث العلمية والصناعية الأخرى في مجال الروبوت والكيماويات، وتميز لافت في المسابقات الدولية للرياضيات والفيزياء. لقد بات العالم في صراع علمي وتقني ومعرفي لا مجال للتوقف أو الإبطاء أو التغنّي بشعر نبطي هنا أو هنا، نحن في صراع مع الزمن وصراع مع أنفسنا في كيفية التوظيف الأمثل للموارد البشرية التي بين أيدينا، بتنا في عالم معرفي لا يعرف إلا لغة العلم والمعرفة والتطور التقني، وأين نحن من كل ذلك؟ وما تقديم إيران كمثال إلا لإسقاط حجة أن المعرفة والتقنية ليست محصورة في العالم المتقدم فقط، فإيران وماليزيا أوضح مثالين على الإرادة المخططة للإعتماد على الذات، مثالين من بلدين مسلمين أحدهما في الضفة الأخرى من الخليج والآخر يبتعد عن تجمع العالم الإسلامي الجغرافي آلاف الأميال، فلا حجة عندئذ لمن لا يعرف تركيب القطع والبدء بالإنتاج! وعوداً إلى الطفل صاحب الترف البصري، والذي لا يقدر قيمة ما بين يديه من قطع ”موارد”، فإليكم بعض من قائمة نستطيع تطويرها لنكوّن منها أنموذجاً مُنتجاً لا فاغراً فاه فقط: دعم المبادرات الرسمية والمجتمعية من أجل تطوير سوق العمل المحلي، منها على سبيل المثال مبادرات صندوق العمل. - إنشاء مراكز بحوث أكاديمية وعلمية تبتعد عن الاستنساخ البصري لبرامجها، وتقدّم ما هو ملموس على الساحة المحلية. - تعزيز الإبداع العلمي عبر ضخ ميزانية سنوية للمعاهد والمدارس والمراكز وتقييم مدى إنتاجيتها وتقويمها. -اتباع سياسة التغذية الراجعة الإبداعية، من خلال تخصيص جزء من ميزانيات مشاريع ضخمة للأبحاث والتطوير، مثل مشروع الفورمولا واحد والمشاريع العقارية والسياحية الضخمة في البلد. - التركيز على التعاون العلمي والبحثي في الاتفاقيات الثنائية التي عقدتها الدولة مع الدول الصديقة والجارة، منها اتفاقية FTA مع أمريكا، ووضع خطة زمنية لتخريج كوادر علمية مؤهلة في المجالات التي بها نقص بالسوق المحلية. - سد “فجوة المهارات Skills Gap” في السوق المحلية، من خلال التنسيق بين الجامعات المحلية ومتطلبات سوق العمل خلال عشر إلى عشرين سنة القادمة. -دعم مبادرات إنشاء المعاهد العلمية والبحثية والمصانع في البلد شريطة وجود أجندة لتدريب الكوادر المحلية وتبؤها لمناصب صنع القرار. - إقامة المعارض العلمية وزيادة عددها في العام، من خلال تبنّي الحكومة لها وتعزيز الاستفادة منها. إعادة النظر في المناهج وبث روح الإبداع والإنتاج فيها، يمكن الرجوع للتقرير الخاص بالتعليم في الدول العربية لنرى حجم القطع المتناثرة في أرضنا العربية. ولن تكفيني مساحة العمود لأسرد كمية القطع التي يمكننا أن نستخدمها في سد فجوة المعرفة لدينا. ولكن هذا غيض من فيض. إن قطع الـLEGO موجودة بين أرض الوطن وابن الوطن، إلا أن ماسك تلك القطع لا يبدو راغباً في تكوين شيء مفيد وذو مردود بعيد المدى، ربما لخوف الطفل من أن تُبث الحياة في تلك القطع وتشكل له مزاحمة في وجوده، حاله مثل “دينكيشوت” الذي تخيل أن طواحين الهواء عمالقة يريد محاربتها.
www.arabic.irib.ir(١)

ضفادع مسلوقة


ضفادع مسلوقة

جعفر حمزة


للحصول على ضفادع مسلوقة ذات نكهة خاصة، ينبغي أن تكون الضفادع حية وموضوعة في الإناء لضمان الحصول على طعام مميز وشهي، والأمر ليس بالعسير كما يبدو، فما عليك إلا وضع ضفدع حي في إناء به ماء فاتر، حتى تضمن بقاء الضفدع فيه دون حراك، وبعدها عليك برفع درجة حرار الماء ببطء شديد، وفي النهاية ستحصل على ضفدع مسلوق.

ليست تلك بوصفة لطبق من شرق آسيا أو من بدع طبخات الغرب الغريبة، بل هي وصفة لطبق يتم تقديمه في مجال السياسة والاقتصاد والدين، ويعود الفضل إلى علم النفس والبيولوجيا،
حيث من المعروف ردة فعل الضفادع السريعة إزاء التغيرات المحيطة بها، وفي وصفتنا المقدمة لا يمكن بحال من الأحوال أن نضع الضفدع في ماء حار منذ البداية، فآليات دفاعات جسمه الطبيعية سترسل إشارات سريعة بضرورة القفز من الإناء؛ لأنه يلحظ درجات الحررارة القاتلة فوراً.

وسر الطبق هو في عبور دفاعات جسم الدفاعات من خلال رفع درجة الحرار ببطء، بحيث تتقبّل آليات الدفاع لديه الوضع الجديد الصغير وتتكيّف معه، لحين وصول درجة حرارة الماء للغليان، وعندها لن يكون بمقدور الضفدع الهرب ويتحول إلى ضفدع مسلوق!

ولئن كان الضفدع المسلوق ليس شهياً لدى الكثيرين من الناس إلا أنّه يمثل الوجبة المفضلة التي تعدها العديد من الدوائر السياسة والاقتصادية حول العالم من أجل اختراق الدفاعات الطبيعية لدى الفرد من أجل الوصول إلى ضفادع مسلوقة، أقصد أفراداً مبرمجين على الوضع الجديد.
يبدو أن واقع التغيرات المبرمجة في هذه الجزيرة الصغيرة ليست بمنأى عن الوصفة "العالمية"، ولكل طبق نكهته الخاصة حسب البلد والبهارات المطلوبة وطريقة التقديم.

تمثّل التغيرات في الملف الاقتصادي على الساحة المحلية درجات الحرارة المتدرجة التي تجتاز "آليات الدفاع الطبيعية" للمواطن، وذلك نتيجة تراكم القرارات والسياسات التي تواصل في "تخدير" المواطن، وبالتالي تعدّى خطوط دفاعاته الأساسية وتنتقل إلى مرحلة متقدمة من التغيرات لتصل إلى مرحلة "السلق".

ولئن كانت التغيرات أمرٌ لا بد منه والحركة شيء طبيعي ومن "ألف باء" التحولات العالمية، إلا أن السؤال هو في أي اتجاه نتحرّك وأي تغيير نريد؟؟

القرارات المعيشية التي لا تراعي معادلة رياضية بسيطة تتمثل في جمع إيرادات الدولة وقسمتها من أجل وضع معيشي مستقر يتناسب مع دولة نفطية وصاحبة "الثقب الأسود" في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة FDI. تلك القرارات تمثل إنتقالاً لدرجات حرارة مرتفعة بالتدرج، وهكذا تصبح التغيرات المعيشية جزء من حركة تراكمية لا نعي خطواتها المتتابعة؛ لأنها تأتي على فترات متدرجة، لنكون مثل الضفدع الذي يتصور أنه في حمام معدني فاخر في حين أن الغلي والسلق هو ما سيحصل عليه في النهاية.


ومن الملفات التي ترفع درجة الحرارة و"تُبرمج" المواطن ليكون في وضع "لا بد منه" هي الملفات التالية:
-أزمة السكن وشحة الأراضي.
التمييز الوظيفي.
البطالة المقننة.
ارتفاع الكلفة المعيشية.
تدمير البيئة ومصادرة الأراضي.
التجنيس خارج إطار القانون.

فضلاً عن ملفات محرمة أخرى لا يجوز الحديث عنها بسبب وجود سياج قانوني يمنع الاقتراب أو تناولها بموضوعية.

كل تلك الملفات التي تعني بالشأن الحقوقي والمعيشي للمواطن باتت "مبرمجة" لدرجة أنه لا يشعر بالتغيرات التدريجية الحاصلة في نمطه المعيشي اليومي.
وتبعات ذلك تتمثل في "إنشغال" المواطن في لقمة العيش وتوفير المستوى المعيشي له ولأهله، في حين تتسابق بقية المجتمعات الجارة والبعيدة في التطوير المعرفي والعلمي والاقتصادي الذي ينعكس على المستوى المعيشي للمواطن.

ويتمثّل العلاج في أهمية إدراك التغيرات ولو كانت طفيفة والتعامل معها معالجة لا تسلمياً وتحليلاً لا عرضاً، وتأتي المعالجة من خلال توفير صمامات الأمان ودعمها، والمتمثلة في التالي:
أولاً: مساحة التحرك البرلماني الضامن للحد من ارتفاع درجة حرارة الغليان، عبر تشريع القوانين والحد من حركة التغيرات المتسارعة السلبية.
ثانياً: القيادات الشعبية والجمعيات وهيئات المجتمع المدني الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية، والتي تمثل مشاركة فعلية في صياغة ملامح التغيرات في المجتمع.
ثالثاً: الوعي الشعبي بالمتغيرات وضرورة وضع آليات من قبل الجهات الثلاث الأولى بما يتناسب مع درجة التفاعل الشعبي ووضعه.


يبدو أن ارتفاع درجات الحرارة المتسارعة أظهرتها مؤسسة «كارنيجي» الأميركية ومؤسسة «فرايد» الإسبانية حول وجود التمييز في البحرين، وهو ما أنكرته بعض الكتل النيابية المنتخبة من الشعب!

ومع ارتفاع درجات الحرارة الحالية في الملفات المعيشية، لا ينفع الضفدع أن يكون الإناء الذي هو فيه مصنوع من ذهب أو فضة، ما دام سيتم سلقه في النهاية.


--















سمبوسة أوهمبرجر
جعفر حمزة

أخذت تلاطفه في صورها ورائحتها، تقرّبت منه ولامست شهيته وتغنجّت باسمها، إلا أنّه امتنع وصد عنها لا لعيب فيها بل كان راغباً فيها إلا أن "العين بصيرة واليد قصيرة"، وبدلاً منها اقترب من أخرى أقل فتنة وأخذها بين يديه والتهمها وهو ينظر إلى الأولى حسرة لبعده عنها.

كانت الأولى هي شطيرة همبرجر معروف والثانية كانت مجرد "سمبوسة" اقتنع بها صاحبنا وأخذها لتُسكت جوعه الذي رضي أن تكون "السمبوسة" هي الــ Fast Food الخاص به.

وبين الهمبرجر والسمبوسة تغيرات اقتصادية ترسم سلوكيات جديدة للفرد وعلاقته بالمنتج أو العلامة التجارية، لتكون فترة "الطلاق الرجعي" قائمة بين المستهلك والمنتج، لحين عودة المياه إلى مجاريها، وكلما طالت فترة ذلك الطلاق كان الرجوع إليها صعباً، حيث يمكن أن تدخل علامات جديدة أو بديلة على الخط و"ترتبط" بالمستهلك، وهو ما يؤدي إلى دخول الأخيرة بقوة في الأسواق التي تعاني من الأزمات الاقتصادية وتشكّل علاقات "ود" جديدة مع المستهلك.

إلا أن المنتج البديل في زمن الأزمات لا يبدو الخيار الأوحد، ولا يمكن أن يعلن نفسه منتصراً، خصوصاً في مجتمعات عاشت وكونّت لها صورتها الخاصة في نمط المعيشة ومستوى الاستهلاك، كالمجتمع البحريني مثالاً، حيث يقع ضمن منظومة اقتصادية متشابهة نوعاً ما، وهي منظومة دول الخليج العربية، فالمستوى المعيشي والصورة النمطية لاستهلاك مواطني هذه الدول يختلف عن بقية البلدان العربية نتيجة اعتمادها على مصادر دخل ثرية كالنفط، فضلاً عن توجهها الحالي في بقية حقول المصادر المختلفة كالطاقة والصناعة والصيرفة الإسلامية والمشاريع العقارية وغيرها.

إن عملية الإنتقال ستكون صعبة من مستوى معيشي تمثل العلامات التجارية الصورة الأبرز في المجتمع إلى مستوى آخر تظهر فيه علامات "ضعيفة" وليس لديها حضور يعكس الصورة التي تناسب دولاً نفطية غنية كدول الخليج والبحرين خصوصاً، وعند الحديث عن المستوى المعيشي فإننا نعني جانبين مهمين، الأول مستوى المنتجات والخدمات الأساسية التي تتناسب طردياً مع حجم مدخول الدولة وانفتاح اقتصادها، فكلما زاد دخل الدولة انعكس على المستوى المعيش للمواطني وزادت رقعة الدعم الحكومي للمنتجات والخدمات للمواطنين، فضلاً عن تكوين قواعد جديدة للاقتصاد وإثراء التنوع في الدخل القومي.
والثاني مستوى عقلية الفرد المستهلك وتعامله مع العلامات التجارية كجزء من تركيبة سلوكه المعيشي.

إن التغيرات الاقتصادية تخلف "ثغرات" معيشية يؤثر على نمط الشراء للمنتجات، فضلاً عن نظرة الفرد للعلامات التجارية ذات المستوى المرتفع في السعر، ونتيجة لتلك التغيرات التي تمثّل تحدياً لطبيعة تفكير الفرد وعلاقته بالمنتجات والخدمات، فإن الآثار المترتبة على ذلك تتوسع من دائرة الإنفاق إلى دائرة إشباع التملك والظهور إلى دائرة التميز والتفرد، ومن تلك الآثار:
أولاً: التغيير في جدولة الإنفاق لدى المستهلك والبحث عن بدائل رخيصة الثمن مع الحفاظ قدر الإمكان على الجودة.
ثانياً: محاولة بعض العلامات التجارية الحفاظ على ظهورها وحضورها عبر العروض الخاصة.
ثالثاً: البحث عن بدائل شبيهه بالمنتج الذي يميل إليه المستهلك، وخصوصاً فيما يتعلق بمنتجات الألبسة والإكسسورارات.
رابعاً: تنامي سوق البضائع المقلدة وإثراء صناعة التقليد، وتبعاتها في الصحة والأمن على المستهلك.


وهناك العديد من الآثار المترتبة على إنخفاض معدل الدخل للفرد وطريقة التعايش مع وضع اقتصادي متأزم، إلا أن ما يثير الإنتباه هو تنامي حدة الصراع الداخلي بين الرغبة في امتلاك نمط معين من العلامات التجارية وبين واقع الميزانية التي لا تشجع على امتلاك تلك العلامات أو استخدامها، ويأتي ذلك الصراع ويشتد نتيجة الصور المُعلنة وربطها بمستوى معين من أسلوب العيش.
وخصوصاً في ظل تنانمي الفضائيات الموجهة والتخصصية التي تُثري الذاكرة البصرية للمشاهد لاقتناء هذه العلامة أو تلك.

فعندما تقتني إمرأة حقيبة من "Channel" فذلك يعكس نمط معيشتها والمستوى المعيشي الذي أتت منه، وقد لا تكون بالضرورة لديها المال الكافي لامتلاك تلك العلامة التجارية إلا أن الجو العام للتفكير في إظهار مستوى معيّن من المعيشة يدفعها لشراء تلك الحقيبة.

لقد أخذ الصراع بين المطلوب والموجود حدته لدى الكثير من الناس من ذوي الدخل المتوسط بل والضعيف، حيث يسعى البعض وربما الكثير في اقتناء علامات تجارية تحتاج لسيولة مالية جيدة، وقد يصل البعض إلى إغراق نفسه بالديون ليكون من ضمن الصورة "المحترمة" في المجتمع من خلال تلك المنتجات، ويذكرني هذا الأمر بأحد الأخوة الذي لا يبقى من راتبه إلا النزر القليل ويسكن في منزل أجار ولديه بنات في الروضة، حيث اتخذ قراره بشراء سيارة دفع رباعي من الوكالة ولديه سيارته الخاصة، وعجبي كيف سيعيش بعدها، ربما بأكل السمبوسة صباحاً وتناول النخج على العشاء!
وعلى المستهلك التعايش مع الأمر بخطوتين، هما التعامل مع الوضع الاقتصادي المتأزم بواقيعة بعيداً عن سحر صور العلامات التجارية وبريقها، ثانياً زيادة مستوى الدخل عبر تأمين مصادر مالية إضافية وادخارها وقت الحاجة.
ولا عيب أن تأكل السمبوسة بدلاً من الهمبرجر، فكلاهما يذهب للمعدة، ولله ال