خربشة الجدران الإلكترونية



أسئلة في "خربشة" الجدران الإلكترونية

جعفر حمزة
هل تشكل المدونات الفضاء المسموح "الهايد بارك" الذي لا قانون فيه إلا غياب القانون والأعراف والدين وغياب كل شىء؟

تمثّل المدونات إحدى النوافذ لعالم لم نصحبه طويلاً في الزمن منذ ظهوره وهو عالم الإنترنت، حيث مثّل ثورة في صياغة العلاقة بين الفرد ونفسه وعلاقته مع الآخر، حالنا مثل ”أليس” التي دخلت “حفرة الأرنب” لتنتقل إلى عالم عجيب يغيب عنه القانون الفيزيائي والمجتمعي، وقبل الحديث عن “المدونات” وهي غرفة في مبنى عالم الإنترنت، لا بد من التطرق إلى المبنى نفسه، فثورة الاتصالات لم تبدأ حين اُخترع الهاتف، بل بدأت حين تم “خلق” وصناعة عالم خاص لكل فرد بضغطة زر، لينتقل من شعور إلى منطق ومن هوى إلى غريزة، وهكذا أصبح الإنسان في هذا العصر،متنقلاً من حال إلى حال، فكيف تتصور إفساح المجال لمجموعة كبيرة من الناس بدخول محل للملابس وأخذ ما يريدون دون مقابل ، ستكون الفوضى والهَوَس بأخذ كل ما تطاله اليد وحتى القدمين هي “الثيمة” المسيطرة في ذلك الوقت، وبعد فترة يتم الإعلان عن إفساح المجال لدخول محل أطعمة وأخذ ما يودون دون مقابل أيضاً، ستكون الفوضى بل وقد يصل الأمر إلى الشجار في كثير من الأحيان ويكون سيد الموقف، وتستمر الحكاية، والحال هو نفس الحال في عالم الإنترنت الآن، حيث تبقى أعصاب المتصفحين مشدودة ومترقبة لكل “عرض” جديد يسمح لهم بدخول هذا المحل أو ذاك وأخذ ما يريدون بالمجان.وتلك الحالة من “الإنتظار” و”الإندفاع” و”الصدام” و”الاستمتاع” ومن ثم تُعاد الكَرّة مرّة أخرى هي معادلة “الجذب” التي لا تتوقف في العالم الافتراضي. وتمثل المحلات التي ذكرناها مثالاً حالات مادية كالبضائع والخدمات وحالات فكرية كالعقائد والتوجهات والسلوك، لذا يكون مرتادوا الإنترنت في حالة “غازية” دائماً، أي أن ذرات “إثارتهم” لا تتوقف على الإطلاق، ولا يكون ذلك إلا من خلال “لهب” يضمن بقاء حالة المادة الموجودة عند الأفراد في وضع “مُثار” دائماً، نقصد بالمثار هنا هي أي حالة تترتب عليها علاقة تواصل مستمرة بين الفرد والإنترنت. وتمثل المدونات إحدى صور ذلك “اللهب” المتقد، فبالرغم من وجود مثلث الاشتعال وهو الوقود والحرارة والأكسجين، إلا أن ذلك المثلث في الإنترنت لا وجود له، فليس هناك قانون أصلاً. وما يُكسب المدونات حضورها هو خيار تغييب الكثير إن لم تمكن كل الأطر القانونية والعرفية والأخلاقية والدنيية إلخ منها . وهو ما يجعلها بمثابة “الهايد بارك” بل أكثر منه، فلا يجوز لك في “الهايد بارك” أن تشتم أو تتعرض للملكة، أما في المدونات بالإنترنت بصورة عامة، فليس هناك خط أحمر على الإطلاق، والفضاء مفتوح إلى أبعد الحدود، ونتيجة لذلك تظهر الكثير من الأفكار والسلوكيات فضلاً عن نمو العديد من المرجعيات الفكرية الغريبة -بقياس رأي الكاتب بالطبع-، وبعبارة أخرى فإن المدونات هي محلات مفتوحة على الهواء ، ومقياس ربحها هو مقدار ما تقدم للفرد من قناعة أو فكرة أو سلوك أو خاطرة، ولا مجال لتلك المحلات بالخسارة، فلا أجار ولا انتظار لبضاعة، والدعاية لها بالمجان -وقد أدركت شركات التصفح والبحث هذه الميزة فأخذت في تأجير الفضاءات الإنترنتية-، وهو ما يشجع أصحاب المحلات “المدونات” في خلق الكثير من التوجهات فضلاً عن كونها “مرآة” لا تعكس بالضرورة حقيقة صاحب المحل، بقدر ما عكس ما”يود” أن يكون عليه، وبالتالي فنحن نتعامل مع أطروحات متنوعة ومختلفة في مدونات لا يحكمها منطق بالضرورة، ومن هنا تكمن الصعوبة في التعامل مع المدونات بناءً على “منطق” أو “دين” أو... ولئن كانت المدونات للبعض تمثل “نافذة” شخصية للعالم، فإن البعض يجعلها نافذة من واقعه للعالم، وهو من أخطر المدونات وأشدها أثراً، لأنها ستكون نافذة في جدار ممنوع، وإذا رأيت جداراً كبيراً ولا نهاية له، وفيه فتحة صغيرة فإن الفضول يدفعك للنظر من خلاله، وخصوصاً إذا تناهى إلى سمعك أصوات من خلف ذلك الجدار. وهو بالفعل ما يُزعج السلطة وتستدعي قواتها ليس “لغلق” الفتحة، بل و”إبعاد” الناس عنها و”معاقبة” من فتحها. ومن الأمثلة في عالمنا العربي هو المدون “أحمد محسن” صاحب مدونة “فتح عينيك” الذي تم اعتقاله في مصر،بسبب كشفه لممارسات التعذيب الوحشية لوزارة الداخلية بمحافظة الفيوم، فبالرغم من غياب كل القوانين الفيزيائية من الزمان والمكان، والقوانين العرفية والدينية، إلا أنه ما زال هناك قانون لا يستطيع “مصادرة” المحل الإلكتروني لكنه بإمكانه أن “يُوقف” صاحبه.

-هل تشكل المدونات الجدران التي يمكن لأي أحد أن "يخربط" عليها دون أن تأتي قوات الشغب لمحوها؟ وما دلالات ذلك؟
“الخط” و”المساحة” هما الأداتان الأوليتان للفرد ليعبّر عن رأيه وتوجهاته “غضباً” “فرحاً” “كرهاً” والقائمة تطول.
وما انتشار المدونات في العالم العربي إلا نتاج الغياب الحقيقي للخط والمساحة المعبرة عن الفرد تارة أو نتيجة “تطلع” الفرد إلى ما هو أبعد من الموجود تارة أخرى،أو تعبيراً عن الذات وهي مسألة إنسانية عامة تجدها في العالم العربي أو الغربي على حد سواء. وعند الحديث عن الفضاء المحلي، فإننا نعتبر المدونات هي بمثابة الجدران التي تستدعي المدونين للكتابة أو الرسم أو التعليق عليها، فقد أصبحت هي الفضاء المُشاع والتي لا يحدها عدد الكلمات أو مقص الرقيب أو الإخراج الفني، وبذا تصبح المدونات “الجدران” هي الخيار الأنسب والأفضل لـ”قيس” ليكتب عليها عبارات الحب لليلى، أو يخط ثائر كلمات المقاومة والكرامة، أو يتلثّم طائفي ليذبح الوطن باسم الدين، وهكذا تصبح الجدران بين “عاشقة” و”ثائرة” و”طائفية”. لو أعطيت كل الحرية للصحافة لأن تكتب ما تشاء -على سبيل المثال- فإن الجدران “المدونات” ما زال الخيار المفضل، فالوقت والحدث والصياغة والصورة والتقديم كلها مُلك يمين من يحمل “الرش” أعني صاحب المدونة، ولا يمكن الاعتماد على قوات الشغب لمحو كل العبارات والرسوم، فالجدران لا تنتهي، ولا يمكن حراستها كلها، إذ تتطلب جيوش العالم لتحرس كل جدار لكي لا يُكتب عليه.

تأثير الديمينو




جعفر حمزة*
التجارية ٢٦ مارس ٢٠٠٨

كانت على وشك أن توقف تصنيعها لأحذيتها التي شهدت ركوداً ملحوظاً في مبيعاتها، إلا أن “نقطة التحول” لديها بدأت ما بين أواخر ١٩٩٤ وبداية ١٩٩٥، حيث انتشر اسم ماركة أحذية “Hush Puppies” بسرعة وأصبحت “موضة” يبحث عنها مصممو الأزياء مثل المصمم “جون بارليت” وانتقلت عدوى هذه الأحذية إلى مصمم آخر هو “جويل فيتزجيرالد”، وهكذا بدأت عدوى العلامة التجارية تنتقل من مكان إلى آخر، نتيجة ظهور هذه الماركة بطريقة معينة وبأثر معين نطلق عليه اسم “تأثير الدمينو -Dynamo Effect” ويطلق عليه “"Malcolm Gladwell"” مؤلف كتاب “The Tipping Point” صفة “الوباء - Epidemic”، وهو الذي أسرد ذلك المثال ضمن طرحه لجواب سؤاله وهو “كيف يمكن للأشياء الصغيرة أن تحدث تغييراً كبيراً؟”.

ولئن كانت نظريته تنسحب في المجال الاقتصادي والاجتماعي نوعاً ما، إلا أننا نؤمن بأن ما سرده المؤلف ينسحب على كل مجال وفي أي بلد في العالم، حيث أن مفردات طرحه مشتركة لدى معظم المجتمعات الإنسانية في العصر الحديث.

لم أنهِ ذلك الكتاب بعد، حيث وصلت في نصف بحره الصغير، فقَفَزَت إلى ذهني أمثلة مختلفة، تترجم معنى “الوباء” كما يقول Gladwell“ أو Dynamo Effect” كما أحب أن أسميها، ومن الجيد التفكير فيها بروية كما هي مجردة دون تعليق، فيكفي سردها وللقارىء مهمة التحليل والتفكير فيها، ليعرف أين هو من موقع قطع الدمينو. أعتقد سيكون في معظمها إن لم يكن كلها.

القطعة الأولى:
قلة السواحل العامة والحدائق العامة تؤدي إلى توجه الناس نحو المجمعات التجارية، والنتيجة تواجد الناس في بيئة تبث إشارات شرائية متواصلة، وتقوم بصياغة اللباس المناسب لتلك المجمعات، على الأقل ستكون نسبة مضمونة ولو قليلة من عملية الشراء نتيجة تواجد ذلك العدد الكبير من الناس في المجمعات.

القطعة الثانية:
يؤدي غلاء الأسعار إلى البحث عن مصادر دخل مختلفة تتمثل في العمل بوظيفتين، أو العمل لساعات طويلة “نوبات” للحوق بركب ارتفاع المستوى المعيشي، والنتيجة ارتفاع نسبة الإرهاق بالعمل وما يسببه من أمراض في القلب والجهاز العصبي والتنفسي وغيرها، فضلاً عن ارتفاع نسبة حوادث العمل.

القطعة الثالثة:
بالإضافة إلى أن غلاء الأسعار نتيجته غياب الأب على أحسن تقدير والوالدين كليهما في أسوأ تقدير عن المنزل والأولاد، والنتيجة قلة عملية التلاقي بين الأبناء وآباءهم، وهذا له كبير الأثر في التربية ومتابعة الدراسة والتأديب للأولاد، بحيث يخرجون باردين عاطفياً وهذا يوثر في صياغة شخصيتهم مستقبلاً، وتبعات ذلك على المجتمع.

القطعة الرابعة:
يؤدي الغلاء في المستوى المعيشى إلى نتيجة مفادها التوجه نحو مفهوم الربح السريع والمتمثل في الدخول في المسابقات أو في انتظار أرباح معينة تقدمها بعض الشركات قبال وضع رأس مال محدد فيها، بدلاً من التفكير في الاستثمار وتشغيل المال.

القطعة الخامسة:
أما التمييز الوظيفي فيؤدي إلى تدني مستوى العمل وإنتاجيته، والنتيجة خلق الحساسيات في جو العمل، والذي سيوثر في كفاءة العمل بالمؤسسة والشركة والوزارة.

القطعة السادسة:
هضم حق المواطنين نتيجة التجنيس العشوائي، والنتيجة تأخير حق المواطنين المنتظرين لخدمات الدولة من إسكان وخدمات صحية وبلدية وغيرها، حيث يأخذ ذلك النوع من التجنيس وقتاً ومساحة وحقاً من كل بحريني للتمتع بالخدمات الواجب على الدولة توفيرها له.



القطعة السابعة:
يؤدى الانفتاح الاقتصادي إلى تنوع الخيارات الاستثمارية، وتنوع الخيارات المطروحة للمواطن منتجاً أو بضاعة، والنتيجة زيادة ثقافته الاستهلاكية نتيجة التنوع وحجمه.

القطعة الثامنة:
يقوم الانفتاح الفضائي بعملية تغيير في سلوكيات الأفراد، والنتيجة تغيير في نمط حياتهم، والذي يمثل اللباس والأكل والترفيه أحد مظاهرها الأولية، حيث يصوغ الإعلام السلوك الشرائي، وتزداد مبيعات سلوك شرائي لماركة تجارية دون أخرى.

القطعة التاسعة:
تكون عملية البحث عن ارتباط جديد في مجتمع افتراضي نتيجة الانفتاح الإلكتروني (الإنترنت) ضمن ما يُسمّي “cyber community” أي مجتمع السايبر. والدخول الذكي للإعلانات فيه، والنتيجة إكساب الفرد مساحة من التعبير والثقة بصوت مسموع. وأثر ذلك في صياغة سلوك الأفراد وتفاعلهم فيما بينهم سلباً وإيجاباً.

القطعة العاشرة:
يؤدى الانفتاح التعليمي إلى تعدد الخيارات والاختصاصات، وبالتالي عملية الإختيار تحتاج إلى بحث وتقصٍ، والنتيجة صياغة عقلية منفتحة واعية في اختيار التخصص المناسب لسوق العمل.

القطعة الحادية عشرة:
إن الانفتاح الوظيفي المتمثل في عدد الشركات المحلية والأجنبية شكل أرضية خصبة في طرح التنوع في الوظائف المطلوبة، وبالتالي تحدياً في تنمية المهارات اللازمة وضرورة تقديم خيارات متنوعة، والنتيجة زيادة عدد المعاهد والجامعات.

وهناك العديد من القطع الصغيرة غير الملحوظة، وكمثال على ذلك العلاقة بين وزارة الأشغال وزيادة أرباح الكراجات، فالترصيف غير المكتمل وغير المنتظم نتيجته ضرر في الـ” Suspension” للسيارة ، ودفع مبلغ تصليحه للكراج.

ما أوردناه من أمثلة هي ترجمة للطرح الذي قدمه المؤلف في كتابه، بالإضافة أنه واقع حسابي تأخذ به الدول المتقدمة، ويُطلق عليه الرياضيون “التتابع الهندسي الرياضي” أو الدالة التتابعية “Sequences Function”، وهي اللبنة الأساسية للتغيير والإصلاح الذي يعتمد عليها التخطيط الاقتصادي للمجتمعات الحديثة، حيث تتمثل في فهم البدايات والنهايات وما بينهما قبل حصولها وتجهيز الأدوات المناسبة لها.
ونعتقد أن كل واحد منّا لديه أكثر من عشر قطع يراها يومياً أو يعايشها وجهاً لوجه، ومن المهم معالجة تلك القطع منذ البداية، حيث لا ينفع التحليل بعد سقوط القطعة الأخيرة من الدمينو.

* باحث في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي.

من العُلب المعدنية إلى التجارة الإلكترونية



من العُلب المعدنية إلى التجارة الإلكترونية

جعفر حمزة*

التجارية ١٩ مارس ٢٠٠٨

كنّ أكثر من عشر فتيات قمن بصف بضع طاولات في المجمع، وكنتُ وصاحبي نتجاذب أطراف الحديث، ولم يكن منظرهنّ يلفت النظر، على الأقل بالنسبة لي، إلا أنّ صاحبي المبادر دائماً بالكلام أشار إلى تلك المجموعة وسألني هل تعرف ما سبب تجمهعنّ هنا؟، فأجبت بالنفي، فضلاً عن عدم اهتمامي بالسبب، إلا أنّ صاحبي لم يترك لي فرصة مواصلة حديثنا، حيث قال لي إن تجمع تلك الفتيات منتظم، وهو نفس سبب وجود مجموعة من الشباب قد جلسوا خلفنا مباشرة، وهناك مجموعة ثالثة ورابعة، وقد بدا لي الأمر بأننا الوحيدين من خارج ذلك السرب، وهو ما دفعني لمعرفة الإجابة من صاحبي، حيث قال إنّ ما يجمع كل تلك الفتيات والشبّان هي الربح.
عندها تأملت لثوانٍ سريعة قبل أن يُكمل صاحبي إجابته، حيث لم تبدوا على ملامحي التعجّب مع وجود متغيرات معيشية تتطلب البحث عن مدخول إضافي والابتكار في البحث والتحصيل، ويواصل صاحبي القول، هناك تجارة إلكترونية كما تعرف، وما تقوم به هذه المجموعات في هذه اللحظة هو عرض تلك التجارة على أفراد جدد ليدخلوا ضمن شبكة تلك التجارة، وليأخذ كل واحد منهم نصيبه من الربح حسب شطارته وعلاقاته وطريقة إقناعه للآخرين بالإنضمام إلى شبكته، وتتلخص المهمة في شراء العضو الجديد لمنتج من الشركة صاحبة التجارة الإلكترونية بمبلغ معين على أن يكون تحت فرد مشترك أصلاً، وكلما أقنع العضو الجديد أفراداً في شراء منتجات الشركة فستكون له نسبة أرباح، وكل عضو جديد يأتي من تحته مباشرة أو بصورة غير مباشرة من قبل الأفراد الذين جلبهم ستكون نسبة إرباحه كبيرة بناء على العدد، وهو ما يُسمّى بتجارة الشبكة وأسميها تجارة الجذور، فكل فرع صغير من الجذر سيدر الربح على الجذر الرئيسي الذي تفرع منه.
وقد ذكر أنّ أحد الشباب قد ربح من وراء أحد أصدقائه في دولة عربية مالاً كثيراً نتيجة اشتراك أكثر من ٧٠٠ شخص من تحت يديه بصورة غير مباشرة.

وعندما إنته صاحبي من الحديث وكان ذكياً في اختياره مكان اللقاء، حيث وضعني في وسط التجربة عبر الجو الذي عايشته، وسألني مبتسماً، هل تريد الإنضمام إلى الشبكة؟.
وهذا مثال واحد لأمثلة استرجعتها ذاكرتي قبل أشهر عديدة، حيث تم توزيع قصاصات ورقية في إحدى صلاة الجمعة واختيار الترويج كان موفقاً، حيث تذكر القصاصة إمكانية دخولك في مشروع لا يتجاوز رأس ماله ١٠٠ دينار عن طريق شرائك لشجرة مانجو معدلة وراثية بحيث تنتج طوال السنة ضمن مزرعة في إحدى البلدان الآسيوية، والأرباح تأتيك تباعاً بعد كل صفقة بيع من “شجرتك”، وكلما اشتريت أكثر كان الربح أكبر.
وهناك أمثلة عديدة، سواءً للتجارة الإلكترونية أو تجارة من نوع آخر، مثل تداول الأسهم إلكترونياً، وهكذا تتعدد الأمثلة والشواهد عن طفرة تجارية في متناول الجميع، حيث باتت عملية التجارة وعقد الصفقات ممكناً ويدر أرباحاً ملموسة، كما لمسها صاحبي شخصياً.
وبين كل تلك المبادرات والأفكار، يكون هناك الغث والخدعة والإحتيال. لقد أصبحت التجارة الإلكترونية والتجارة عبر المحيطات مصدراً لدخل إضافي واستثمار متجدد لمن يعرف أساس اللعبة ويتقنها بدقة.

لقد انتقلت عقلية البحث عن مصدر دخل إضافي من جمع الُعلب المعدنية من الشارع والدكاكين قبل سنوات قليلة إلى الإبحار السريع في الإنترنت من شباب لا يتجاوز عمرهم خمسة عشرة سنة. لم يعد الحديث يقتصر على البحث عن دخل إضافي نتيجة الغلاء المعيشي فحسب، بل البحث عن فرص استثمارية ومردود مالي يمكن الحصول عليه عبر معادلة معطياتها الأمور التالية:
وسائل الاتصال الحديث.
العلاقات الشخصية.
التجارة الحديثة.

وتعكس هذه العقلية نمطاً جديداً في أسلوب التعاطي مع المتغيرات المعيشية، والتي أصبحت تتطلب أكثر من سداد المستلزمات الرئيسية للحياة، فحد الكفاف لا يكفي البعض، وبالتالي تتطور الوسائل والأفكار للبحث عن مصدر دخل ثان، وثالث ورابع، وهكذا يصبح ذلك البحث سبباً للإبتكار والتنوع.

لقد شكّل الإنترنت وسهولة التخاطب بين العالم، ضمن لغة واحدة هي لغة الأعمال فرصاً لا تنتهي لمن يفك شفرة الربح والتطور. بالإضافة إلى الاقتصاد العالمي المفتوح الذي لم تعد فيه حواجز أو تعقيدات، فالعالم أصبح مليئاً بالفرص لمن يعرف الباب الصحيح للدخول إلى المستقبل، ونرى شباباً يلبسون ماركات ثياب مشهورة، ويحملون هواتف نقالة من موديلات حديثة جداً، فضلاً عن استعمالهم لحواسيب محمولة جديدة.

وبالتالي تكون معادلة البحث عن مصدر دخل إضافي تتعدّى نطاق المكان والزمان، ليصبح الحديث جارياً في مجموعات شبابية وفي مجالس بيوت في القرى، وأخرى عبر الإنترنت. ومن هنا يمكن الحديث عن فرصاً جديدة معادلتها المعرفة والتوظيف الحقيقي للأفكار، ولئن كانت هناك بعض التجارة الإلكترونية الناجحة والآتية من الخارج، فبالإمكان توظيف الأفكار الإبداعية والبدء بنشرها من الداخل، خصوصاً في ظل تنامي الاستثمار الأجنبي المباشر FDI وتوقيع اتفاقيات التجارة الحرة وانفتاح السوق، وهو ما يجعل للأفكار الإبداعية بيئة خصبة للنمو والإنتشار.
ولن يكون هناك من يجمع العُلب -حيث تم توظيف عمالٌ لذلك-، بل سنرى من يجمع الأفكار ويروّج لها ويكسب من ورائها ما يتطلّع إليه.

* باحث في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي.

القطعة المفقودة



القطعة المفقودة

جعفر حمزة
التجارية ١٢ مارس ٢٠٠٨
توقفت عيني عندما كنت في زيارة للسعودية، حيث لفت انتباهي سيارة “Pick Up” من نوع “Toyota”، ولم يكن فيها أمرٌ ملفت سوى أنّ صاحبها قد وضع علامة “Chevrolet” كبيرة على سيارته الــ”Toyota”، و الأمر بالمثل عندما لاحظت وجود سيارات يضع عليها أصحابها ماركات لسيارات أخرى. ما الداعي لفعل ذلك؟ هل هو تمنّي في اقتناء السيارة الأخرى، أم هو إسقاط للصورة النمطية المقدمة لتلك السيارة على السيارة الحالية؟ يستدعي هذا السؤال البحث عن قوة الإعلان في صناعة الصورة “Image” للماركة، ودور الإبداع “Creativity” في تفعيل تلك الصورة وجعلها أنموذجاً حياتياً مُعاشاً، وبالتالي أخذ الماركة لمساحة مؤثر في حياة الفرد اليومية، سواءً كانت لماركات غالية الثمن كالسيارات أو لماركات زهيدة الثمن كالمشروبات الغازية والشوكلاته. قد تكون تلك الأسئلة ذات حضور فعلي ولا تحتاج إلى نقاش معمّق فيها في الدول الغربية، نتيجة لتمرسها في فهم الإعلان ودوره في حياة الفرد، مع ملاحظة غياب الحواجز الدينية والاجتماعية لدى المستهلك الغربي، فضلاً عن دور الإعلام الحر في تلك المجتمعات، والتي اتخذت منها صناعة الإعلان قناة للخطاب المباشر والإبداعي مع الناس، مما يجعل التحرك الربداعي في الإعلان ضمن فضاءات مفتوحة. ويبقى الحديث والسؤال هنا، حول أهمية الإبداع في صناعة الإعلان في العالم العربي، بمعنى فهم ألف باء الأفكار المؤثرة في المجتمع وإعادة صياغتها بطريقة موثرة، والإعلانات الموجودة حالياً تنقسم إلى ثلاثة أقسام، معظمها خارج ما يُسمّي بـ”Local Insight” فهناك إعلانات “Glopalization” أي المعولمة، حيث لا هوية لها وتسري في أي وسط حول العالم، مثل إعلانات “Coca Cola”على سبيل المثال لا الحصر، وهناك إعلانات “Copy-Paste”، حيث تكون الفكرة موجودة، فما على بعض شركات الإعلان سوى نسخها ولصقها في السوق العربية بنكهة محلية، وأما الصنف الثالث فيجهد في التفكير وتقديم شيء جديد يبقى ويلصق في الذهن. وعوداً إلى من يضع ماركة سيارة على سيارة من نوع مختلف، تُرى ما السبب الذي دفعه لذلك؟ قد يكون حلمه هو في اقتناء تلك السيارة ولم يستطع، ولم يريد تلك السيارة بالذات؟ لقد اختلفت مفاهيم الاستهلاك عن السابق، فالإنفجار الكمي والكيفي في المنتجات والخدمات أحدث تغييراً جوهرياً في المجتمع الإنساني، فالعلاقة أصبحت بين الفرد و المنتج أو الخدمة عوضاً عن العلاقة بين الأفراد أنفسهم، كما يقول السيد “Jean Baudrillard” بروفسور فلسفة الثقافة والنقد الإعلامي )1(، ويُضيف القول: “لم تعد الحاجة إلى المنتج هو في الاستهلاك في حد ذاته، بل أصبح البحث عن القيمة في المنتج وإسقاطها على الفرد في حياته هي النمط العام والعلاقة المباشرة”. ولخلق تلك العلاقة بين الفرد والمنتج لا بد من “جاذبية” يقع فيها الفرد لتتم “الخطبة” بينه وبين المنتج، لتنتقل بعدئذ إلى “الزواج” الدائم، حيث تتفنن الماركة في “استمالة” قلب الفرد إليها بطرق ندعوها “الإبداعية- Creativity”، ولقد برزت تلك الجاذبية بصورة واضحة في الثمانينات، حيث كانت عملية الإنتقال من الإعلان الكلاسيكي إلى الإعلان الإبداعي، والذي يستند فيه على الصورة المقدمة للفرد، وما يحصل عليها من المنتج، بدلاً من تسويق مزايا المنتج نفسه. فعلى سبيل المثال كان الإعلان الكلاسيكي لفرشاة الأسنان يقدم قدرة تلك الفرشاة على جعل الأسنان بيضاء، في حين يقدم الإعلان الإبداعي الثقة والشعور بالرضى مع استخدام تلك الفرشاة. لقد أصبحت المسألة مرتبطة بالقيمة والشعور والصورة التي يبحث عنها الفرد في منتج يعكس تطلعه نحو قيم جمالية متعددة في حياته اليومية. للوصول إلى تلك النوعية من الإعلانات الإبداعية، هناك عاملان مهما، هما: نوع الوسيلة الإعلامية: مع تعدد الوسائل الإعلامية، أصبح من المهم معرفة الوسيلة المناسبة لإيصال رسالة الإعلان، من خلال تحديد الفئة المستهدفة ونوع الخطاب الموجه ومضمون الرسالة، حيث تساهم كل تلك الأمور في اختيار الوسيلة الفعالة، فلا يصلح مثلاً وضع إعلان لماركة شبابية رياضية من الفئة العمرية ١٢-٢٥ في مجلة رجال أعمال يتم توزيعها في نقاط محدودة. البحث في أسلوب الحياة: يشكل أسلوب الحياة للفئة المستهدفة صياغة لطبيعة الخطاب وتشكيله واللعب على الوتر الإبداعي الذي يمكن تقديم الفكرة إلى تلك الفئة. ومن خلال ذينك العاملين، الوسيلة الإعلامية وأسلوب الحياة، يمكن لوكالات الإعلان البحث الجاد عن الوسيلة الإبداعية في تقديم رسائل الشركات، ومن ثم إثراء السوق الإعلانية بنماذج من الإبداعات التي ترفع من مستوى الإنتاج الحالي. إنّ تقديم الماركات في السوق الإعلانية ينقصها روح الإبداع، والذي يضمن تفاعلاً حقيقياً بين الفرد والماركة، لا لأجل الشراء والاستخدام فحسب، وإن كانت تلك هي أهم خطوة للشركة صاحبة الماركة، إلا أنّ ضمان ذلك غير وارد، وبالتالي لا بد من خلق تلك العلاقة التفاعلية والتي تضع الماركة كترجمة مادية يبحث عنها الفرد. إنّ تحويل القيم والمشاعر الإنسانية في قالب ماركة هي من أهم وأصعب خطوات الإبداع في سوق الإعلان العالمي. حيث يتم تحويل القيمة الاجتماعية والفردية إلى تمثيل ملموس يأخذ شكل سيارة، لباس، طعام، أجهزة إلكترونية، إلخ. ونعتقد بأن الأمر طبيعي، حيث يميل الإنسان إلى “ملامسة” القيم و”معايشتها”، فبالتالي تكون عملية ترجمة النجاح والجاذبية في سيارة BMW فعالة وذات مردود ملحوظ. واستعمال صابونة سباحة “Dove” تقدم قيمة تبحث عنها المرأة، وهو الجمال الواقعي التي هي عليه. قد أصبح السباق جاداً ويبتعد عن الأفكار “الكليشيه” والمستهلكة، ومع وجود طفرة في السوق المحلية والإقليمية متمثلة في الكم الهائل من المشاريع والإندماجات ورؤوس الأموال المتدفقة، يبقى السؤال هو فيمن سيصمد أخيراً في سوق متصاعدة ومتنامية بسرعة، ويكفي معرفة أن حجم الإنفاق الإعلاني في دول مجلس التعاون قد بلغ ٦.٣ مليار دولار في العام ٢٠٠٧ بزيادة ١٥٪ عن العام ٢٠٠٦. وهذا يستدعي التأمل و”التدريب المتواصل” من أجل البقاء في صف من يقدمون الإبداع ويخدمون طرفين، هما الشركة صاحبة الماركة والمستهلك، ليبقى صاحبنا محتفظاً بعلامة سيارته دون الحاجة لوضع ماركة سيارة أمريكية على سيارته اليابانية، ونعتقد بأن سبب ذلك هو ما ذكرناه والتي تمثل القطعة المفقودة في الصورة الإعلانية الموجودة حالياً في السوق العربية.

http://en.wikipedia.org/wiki/Jean_Baudrillard#Bibliography



X-files



X-files

جعفر حمزة

التجارية ٥ مارس ٢٠٠٨
لم تكن تٌثنيهما الأبواب الموصدة، والمؤامرات التي تُنسج في ليل، فضلاً عن قائمة طويلة من الوسائل المنوعة لصدهما وإيقاف بحثهما عن الحقيقة الموضوعة على الرفوف. كانا ينشدان الحقيقة أين ما كانت، وكنتُ كغيري من ينتظر خطوتهما القادمة في كل اسبوع على شاشة التلفزيون. هما “ مولدر” و”سكالي” بطلا المسلسل الأمريكي الناجح “ملفات إكس”، حيث استمر هذا المسلسل لتسعة مواسم من ١٩٩٣م إلى ٢٠٠٢م، وتحول إلى سلسلة كتب وفيلم سينمائي ومجموعة من ألعاب الفيديو. وقد اشتهر المسلسل بالجو الغامض والأفكار الغريبة في قصصه المطروحه، وموسيقته المتميزة على يد الموسيقي “مارك سنو”. ويحكي المسلسل عن عميلين للـ”إف بي آي” هما “مولدر”و”سكالي” يحققان في القضايا الغريبة التي تنتمي إلى عالم ما وراء الطبيعة، وهو يتضمن الكثير من الكلام عن مؤامرات الكائنات الفضائية، والتعتيم الإعلامي الذي تفرضه الحكومة الأمريكية على هذه الأمور، والتي تكون متورطة في تلك المؤامرات في كثير من الأحيان. اشتهرت حلقات السلسلة كثيراً، خاصة بشعاريها "الحقيقة هناك" و"لا تثق بأحد" ويعتبر المسلسل ثاني أكثر المسلسلات التليفزيونية شعبية في التاريخ بعد “ستارتريك”. ويبدو أن هذا المسلسل تعدّى استوديوهات هوليوود، ليصل إلى استيديوهات الإنتاج المحلي هنا في البحرين، والتي تنافس “هوليوود” في الإخراج والتمثيل، بل وحتى الموسيقى التصويرية المتمثلة في تصريحات لا تخدم الاستقرار السياسي والاقتصادي للبلد، لتكون “ثيمة” لكثير من الملفات المحلية ذات الأثر المعيشي والاقتصادي المباشر على حياة المواطن البحريني. بل أن هناك إمكانية لتكملة “ملفات إكس” وبطول المسلسلات المكسيكية التي لا تنتهي، فالمشكلة التي كانت تواجه كلاً من “مولدر” و”سكالي” والمتمثلة في تستر الحكومة عن المعلومات أو في تقديمها بصورة ناقصة،موجودة بواقع ملموس عند الحديث عن الكثير من الملفات الغامضة الموجودة على الساحة المحلية، والتي إن أراد البعض وسمها بالصفة السياسية البحتة، وما لذلك من تبعات في التأويل والتبرير والتفسير، إلا أنّه ليس هناك مجال للغموض عندما نقرأ تأثير تلك الملفات على المستوى المعيشي للمواطن، والنمو الاقتصادي للبلد. “الحقيقة هناك" كان الحق الذي يبحث عنه “مولدر” و”سكالي” لكشف غموض الكثير من الملفات، وهو حق أصيل يُعرف بـ”حق الحصول على المعلومة”، والتي أقرتها المنظمات الحقوقية والتشريعات الدولية، ونحن لسنا ببعيدين عن تحولات عالم اليوم، وضرورة الركوب في تلك الموجة، والتي تحترم حقوق الإنسان، وتوفر المعلومة الصحيحة للمواطن بدون تزوير أو غموض أو تحريف. حيث تمثل المعلومة رأس المال المبدئي للتطوير والنمو والسعي لبناء الدولة الحديثة، ومن تلك المعلومات الأساسية التي تم لف الغموض حولها قبل سنوات، وتقديمها كصدمة للمراقبين والمواطنين على حد سواء هو تعداد السكان في مملكة البحرين. “يبلغ عدد سكان أصغر اقتصاد في الخليج العربي ١.٠٥ مليون نسمة مع نهاية شهر ديسمبر مقارنة بــ ٧٤٢.٥٦٠ قبل عام واحد. وهذا ما ذكره بنك البحرين المركزي في موقعه الإلكتروني الرسمي. وقد ارتفعت كثافة غير البحرينيين ٨٢.٥٪ إلى ٥١٧.٣٦٨ نسمة، وهي قرابة نصف السكان، كما تشير المعلومات”. (١) والحصول على معلومة مهمة ووطنية كمعرفة عدد سكان مملكة البحرين أصبحت تتداولها وكالات الأخبار غير البحرينية وتتناول الجوانب السياسية والاقتصادية في تلك الزيادة إثر عمليات التجنيس المتزايدة في الفترة الأخيرة، ويبدو أننا دخلنا غرفة الملفات الغامضة، حالنا كحال المفتشين “مولدر” و”سكالي”، إلا أننا في البداية، وما نريد الوصول إليه هي الحقيقة التي لا يبدو أنها بمتناول الجميع، بالرغم من ضرورة كونها كذلك، خصوصاً في ظل نهضة نريد أن يكون الشعب جزءً منها، بل هو كلها، فالثروة البشرية هي رأس المال الحقيقي لأي دولة. فتلك المعلومة أصبحت متضاربة، وباتت كالكرة، ففي حين تذكر مصادر مستقلة أعداد السكان في البحرين، تنفي بعض الجهات الحكومية ذلك وتقدم أرقاماً أخرى، وهذ كاف للتوقف وفتح إحدى “ملفات إكس”، وهو التجنيس وتبعاته الاقتصادية والاجتماعية في بلد يمتاز بتركيبته الاجتماعية المؤالفة منذ نشأة الدولة في هذه الجزيرة، بل وقبل ذلك. وفي ظل “تكتم” على مثل هذه المعلومات، فإن تبعات ذلك ستنعكس على طبيعة الاستثمار في البلد ونوعيته، فالمستمثر الأجنبي يريد أن يمتلك أبجديات الاستثمار في البلد، منها معرفة تعداد سكان البحرين، ليعرف ماذا، وكيف وأين وإلى من يستثمر ويوجه استثماره ومنتجاته وخدماته. وإن كان أمر الملفات السرية موجودة في نفس تلك الغرفة التي لا تريد إدارة دائرة التحقيقات من أي كان الاقتراب منها، وخصوصاً المحققان “مولدر” و”سكالي”، فإنّ الأمر سيّان هنا على بُعد آلاف الكيلومترات من إستديوهات “هوليوود”، والفرق هو أنّ ما لدينا “واقع” لا تمثيل. وإن كانت الملفات المحرمة على ذينك المفتشين هي حول الأطباق الطائرة، والكائنات الفضائية، فضلاً عن الظواهر الغريبة غير القابلة للتفسير، فإنّ الملفات المحرمة التي لدينا أشد خطراً وفتكاً من تلك الكائنات الفضائية والأطباق الطائرة، فما لدينا من تلك الملفات على سبيل المثال لا الحصر، التجنيس، التمييز الوظيفي، سرقة السواحل والأراضي والفساد الإداري وتدمير البيئة والإمعان في الدق على أسفين الطائفية وغيرها من الملفات الواضحة واقعاً والغامضة طرحاً ومعالجة. وكل تلك الملفات لا تُساهم بأي طريقة في وضع مملكة البحرين ضمن مصاف التحدي الاقتصادي والنمو المجتمعي. وإن كان تدفق الاستثمار لا يتوقف، وأرصدة البنوك الاستثمارية في تصاعد مستمر، وفتح شركات ومصانع هو ما نسمعه بين فترة وأخرى في الصحف المحلية، فإن النظر بتمعّن ومنهجية يُحتّم على المراقب المنصف التوقف ومشاهدة تلك الملفات الغامضة “المحرمة” ودورها في “ابتلاع” كل تلك المنجزات الحاضرة والمستقبلية. فليست هناك دراسة موضوعية تبيّن أثر تلك الملفات “التجنيس مثالاً” على الاقتصاد الوطني، وحركة السيولة المالية من وإلى البحرين، وأثر التمييز الوظيفي في تآكل الموارد البشرية المؤهلة والقادرة على بناء الدولة الحديثة وتبعات الفساد الإداري في ترهّل الاقتصاد الوطني من الداخل، وانعكاس تدمير البيئة على الصحة العامة وإندثار الثروة البحرية لجزيرتنا الصغيرة، وغياب مورد كان بالإمكان استثماره والاعتماد عليه كمورد مؤثر للاقتصاد الوطني والمتمثل في تنمية الثروة البحرية وإنعاشها. والحديث عن ما عدا ذلك هو “إلهاء” عن أساسيات الإنفتاح الاقتصادي والسياسي، وما لذلك من تبعات تسري على جميع نواحي الحياة المعيشية للمواطن والمقيم والمستثمر على حد سواء، وعلى رأس القائمة المواطن بالطبع. ولئن كانت التقارير الغريبة والتي لا ترغب دائرة الإف بي آى التحقيق فيها أو الحديث عنها، قد وُضعت في غرفة مغلقة، وحذّرت المفتشين من الاقتراب منها بما فيهم المحققين “مولدر” و؛سكالي”، فإنّ الملفات ذات الأثر الاقتصادي والسلم المجتمعي ملموسة يومياً، ونعيش آثارها، إلا أن الحديث عنها بات مُحرماً، وبتنا “نقيّم” الوضع و”نتحدّث” عن الكثر من العناوين البراقة دون جرأة في فتح إحدى تلك الملفات ومعالجتها من الأساس، لنعرف حقيقة الكائنات الفضائية والأطباق الطائرة، أقصد لنعرف المتسببين ونعالج الأمر بناء على القانون وروح الدستور. والوصول إلى المعلومة حق أصيل لكل فرد، وضرورية في نفس الوقت، “لا شك أن للمعلومات أهمية كبيرة للقيام بأي مشروع تنموي أو تطوير ، إذ بات من الضروري عند تنفيذ مشروع ما الاستناد إلى معلومات دقيقة مقولبة في أسرع وقت ، ذلك أن المشروع لابد أن تعتمد معطياته على معلومات صحيحة ، ولكي تكون تلك المعلومات على الدرجة المطلوبة من الدقة لابد أن تسند مهمة جمعها إلى جهاز قوي قادر على مجاراة الزمن بتطوراته المتمثلة في التقدم العلمي وتكنولوجيا الاتصالات التي جعلت من العالم قرية واحدة” (٢) وهو ما تتطلبه التغيرات الإقليمية والدولية للحاق بالقطيع الإلكتروني. الذي لم يعد ينتظر من يضع ملفات مصيرية في غرفة مُغلقة لتكون “ملفات إكس”، فتلك الثيمة لا وجود لها لمن يريد النمو ااقتصادي والتطور المدني، وتحسين المستوى المعيشي، واللحاق بالنهضة الحديثة. لذا لا بد من فتح كل الملفات ومعالجتها بصراحة وحرفية مرتفعة، لينتهي مسلسل لا نريد إكماله بالمرّة، وأما عن مسلسل “ملفات إكس” فيسعدني مشاهدته مرة أخرى، وشتان بين الإثنين.

www.arabianbusiness.com/512344-bahrain-witnesses-population-explosion?ln=en(١)
(٢) http://www.cio.gov.bh/

ملحمة كربلاء قراءة في الدعاية والإعلام


منع الماء وقتل الأطفال وسبي النساء

ملحمة كربلاء قراءة في الدعاية والإعلام



منع الماء وقتل الأطفال وسبي النساء
ملحمة كربلاء قراءة في الدعاية الإعلام


جعفر حمزة


لم يأت الزمن بملحمة تحمل عناوين أخلاقية الإعلام و الدعاية للمبادئ من جهة و التضليل الإرهابي في الإعلام من جهة أخرى كمثل ما قدمته واقعة كربلاء.

فما زالت تلك الواقعة تقدم المزيد من دروس فهم الذات و محاورة الآخر، أياً كان توجهه و مذهبه، و هي من القيم الإعلامية الكربلائية المهمة التي وظف الإمام الحسين (عليه السلام) المفردات الصورية و الكلامية في محاورة الآخر، و إكمال الحجة عليه، إذ لم يكن التحرك الحسيني منطلقاً من قراءة المعاش آنذاك دون الأخذ الفعلي بالتعتيم الإعلامي القائم و المغلف بالصبغة الدينية الكفيلة لتوجهات السلطة القائمة حينئذ بتمرير تصوراتها السياسية التي تصب في مصلحتها الخاصة وضرب القوى المعارضة تحت الحزام.

و الناظر لخارطة الإعلام الحسيني منذ بدء الإنطلاقة الأولى للتحرك نحو كربلاء إلى ما بعد واقعة الطف، يلحظ الكثير من خطوات "التعبئة الرسالية" التي كان يحملها الحسين في قبال " التشويه الإعلامي" التي اتخذته السلطات الحاكمة في عصره ، و التمثل الأكبر في ثورة الخطاب الإعلامي الحسيني اتخذ من كربلاء محطة له ، لقد كان التصعيد الإعلامي الحاكم و المشوه لمسيرة الإمام الحسين (عليه السلام) أخذ أكثر من بُعد، فتارة يتحرّك ذلك التصعيد بحجة دينية عبر وضع الأحاديث التي تتقص من حركة الحسين تارة ، أو من خلال إرهاب إعلامي مصاحب في كل من الكوفة و البصرة لسد طريق الصوت الحسيني لأهل العراق تارة أخرى، إذ كان التسلط الإعلامي الواحد قد أخذ مكانته في نفوس الناس بترغيب و ترهيب من السلطة الحاكمة آنذاك.

و في هذه القراءة المقتضبة نتناول أبرز الصور الإعلامية التي شهدتها واقعة الطف من معسكر الإمام الحسين(علية السلام) ومعسكر يزيد بن معاوية بقيادة عمر بن سعد، إذ يتضح مبدأ الأخلاقية الدعائية و الإعلامية في الحرب و المواجهة العسكرية.


الصورة الأولى : مصارحة الأصحاب

إمتاز الإعلام الحسيني في عاشوراء بالصدق و الصراحة و الواقعية ، و لم يمارس فيه الخداع و التضليل ، و قدم الحسين كل المعلومات المتوفرة لديه و المتوقعة على الساحة لأصحابه و أهل بيته دون استثناء ، و استمر الحسين(ع) في ذلك من بدء إنطلاقه لكربلاء إلى آخر ليلة له قبل قتله، و انعكس ذلك الإعلام الصادق في خطب الحسين لمعسكر بن سعد حيث لم يستخدموا اللف و الدوران و التدليس في طرح الحقائق ، و إنما عرضوا نصائحهم و آرائهم واضحة لا لبس فيها و لا غموض.


الصورة الثانية : خطب الإمام الحسين(ع)

تمثل خطب الإمام الحسين(ع) في كربلاء تعرية واضحة للإعلام المضلل الذي أخذ أثره في بعض الناس ممن كانوا مع جيش عمر بن سعد، و دفع بعضهم بعد سمعاها إلى الإنضمام إلى معسكر الإمام الحسين(ع) بالرغم من الفارق العددي الواضح بين الجيشين ، فكثير من الروايات تذكر بأن جيش عمر بن سعد كان يبلغ تعداده سبعين ألفا كحد أقصى وثلاثين ألفاً كحد أدنى في حين كان أصحاب الإمام الحسين(ع) لا يتعدون خمسة و سبعين رجلاً أو ثلاثة وسبعين رجلاً على رواية ثانية.


" أيها الناس أنسبوني من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها و انظروا هل يحل لكم قتلي و انتهاك حرمتي ،ألست ابن بنت نبيكم و ابن وصيه وابن عمه و أول المؤمنين بالله و المصدق لرسوله بما جاء من عند ربه ؟" كانت الخطبة تصريحاً واضحاً و مباشراُ لمكانته لمن يريدون قتله و إكمال الحجة عليهم ، ولم يكتف الحسين بذلك، فالرسالة الإعلامية يجب أن تصل بشتى الصور ليتسع انتشارها، و كانت الخطبة الثانية ذا حركة أبلغ و خطاب أشد ، فقد أخذ الإمام الحسين مصحفاً ونشره على رأسه و وقف بإزاء القوم و قال :” يا قوم إن بيني و بينكم كتاب الله و سنة جدي رسول الله (ص)”، ثم استشهد على نفسه و ما عليه من سيف النبي (ص) و لامته و عمامته ، فأجابوه بالتصديق، فسألهم عن إقدامهم على قتله ، فقالوا : طاعة للأمير عبيد الله بن زياد.

وكان رد الإمام الحسين (ع) :" ألا و أن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة و هيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك و رسوله و المؤمنون".

ويكشف الخطاب الثاني إقراراً من معسكر بن سعد بمكانة الحسين الدينية، وما احتكامه لكتاب الله و سنة جده الرسول الأكرم(ص) إلا إعلام قد اكتملت ملامحه للطرف الآخر في معرفة من يقاتل ، وما جوابهم له بالتصديق بأنه حفيد الرسول الأكرم و رغبتهم بنزوله على طاعة ابن زياد وإغفالهم للاحتكام إلى كتاب الله و سنة رسول الله الذي قدمه و تم رفضه من قبلهم، إلا دليل آخر على إتمام الحجة الإعلامية المقدمة من معسكر الحسين(ع)، و كانت من نتائج ذلك توبة الحر بن يزيد الرياحي أحد القادة الكبار في جيش عمر بن سعد و انضمامه إلى معسكر الإمام الحسين (عليه السلام).


الصورة الثالثة : توبة الحر بن يزيد الرياحي

شكل الخيار الذي اتخذه الحر بانضمامه لمعسكر الحسين(ع) ضربة قوية للإعلام لعسكري لجيش بن سعد،و كانت نتيجة ذلك الخيار انسحاب جزء من الجيش و إن كان بسيطاً، و الملاحظ الدقيق لحادثة كربلاء بتفاصيلها الثانوية يرى أن الافراد المنسحبين أو المتعاطفين من جيش ابن سعد شكل خللاً كبيراً في المصداقية العسكرية الإعلامية التي جهد على تنفيذها مراراً و تكراراً حتى بعد قتل الإمام الحسين (عليه السلام) وما أمر ابن سعد للجنود بحرق خيم نساء معسكر الحسين(ع) بقوله"إحرقوا بيوت الظالمين " إلا محاولة يائسة في عملية لتغليف الظلم و العدوان بتعابير دينية للتبرير ، فضلا عن " الشريط الإخباري" الذي يُلقى على الناس عن سبايا الحسين بأنهم خوراج".


الصورة الرابعة : منع الماء

بالرغم من تقلص مساحة التعاطف وتقدير ظروف الآخر في ساحة المعركة والصاع بين طرفين، إلا أن هناك زساسيات ُوم هذه الجهة أو تلك بالإريحية والقوة والنخوة والشهامة، وكل تلك القيم التي تغيب أكثرها إن لم تكن كلها في ساحة الصراع و على أرض المعركة التي تشرب الدماء، ومع ذلك نرى أنموذجاً إنسانياً نبيلاً يحتفظ بالعناوين العامة للإنسانية حتى مع وجود الخلاف الذي يؤدي إلى سفك الدم والإحتراب بين الإنسان وأخيه.
ومنع الماء من الخصم، لا يمثل قوة للجهة المانع، بل ضعف فيه يحاول أن يتمسك بمطلب حياتي يسلبه من الخصم، وما قام به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في معركة صفين من السماح لجيش معاوية بن أبي سفيان بشرب الماء، بالرغم من منع الأخير الماء عن جيش الإمام علي إلا مثال على القيم الإنسانية النبيلة التي يتبنّاها أهل البيت (ع).
وقد منع جيش ابن سعد الماء عن معسكر الإمام الحسين، وحاولوا بشتى الطرق منعه عنهم، ليس عن الكبار والمحاربين من جيش الإمام الحسين، بل حتى عن الأطفال والنساء. ويمثل هذا الموقف دنو في أخلاقيات الحرب والمواجهة، وهي التي تعتبر بمثابة إختراق لقوانين الحرب في العصر الحالي.

الصورة الخامسة : قتل الرضيع

كانت الصورة الأبرز في معركة كربلاء ، إذ تمثل الطفولة البراءة و السلام بأجلى معانيها ، فعندما أتى الحسين بابنه عبد الله الرضيع نحو القوم يطلب له الماء بعد أن حوصر و منع من الماء ، شكلت تلك الصورة المأساوية في جيش بن سعد تضارباً في آراء الجيش، ففرقة من الجيش بكت عندما رأت الرضيع ، و أخرى طلبت له الماء و ثالثة رفضت ذلك، فما كان جواب القائد العسكري(عمر بن سعد) إلا قتل الرضيع بسهم من حرملة الأسدي و ذبحه على صدر أبيه الحسين(عليه السلام)،كانت الصورة مشهودة للجميع بلا استثناء ، صورة إنسانية صافية لم تدع لمعسكر العدو من حجة في البقاء لقتال الحسين.




الصورة السادسة: صلاة الحسين(ع) و أصحابه

صورة إعلامية تفند المزاعم الدينية التي دفعت جيش العدو لمحاربة الحسين(ع)، و هو النزول على أمر من كان حاكماً باسم الإسلام آنذاك، فلم يُسمح للحسين و أصحابه بإقامة الصلاة ، إذ كان رد العدو لهم رمي السهام و الرماح عليهم و قتل من كان يحمي ثلة من أصحاب الحسين(ع) المصلين معه، و سقط قناع الديانه كما سقط قناع الإنسانية ، و جرد الحسين(ع) كل المبررات الواهية لجيش بن سعد التي دعته لقتاله ، و لم يبق لهم من الإنسانية إلا صور وجوههم و من الدين إلا بعض أسمائهم لا غير.


الصورة السابعة : رض جسد الحسين

إن كانت محاربة حفيد الرسول وقتله مبرراً تحت طائلة “الخروج على ولي الأمر”، وما ولي الأمر إلا ساقط للشرعية ديناً وسياسة ومنطقاً، ويكفي القارىء للتاريخ أن يعرف ما قيل في حق ولي الأمر آنذاك “يزيد بن معاوية”
إن كان قتال الحسين مبرراً، فأي مبر يمكن سوقه لحز رأس الحسين ورفعه فوق القنا، ورض جسده بالخيول، وسلب ما عليه من ثياب وهو ميت، فضلاً عن سلب خفه وخاتمه؟؟
أي صورة هذه الذي يقدمها جيش ابن سعد للعالم، ا الهدف من حز الرإس، أرمعان في القتل وتبرير للإنحطاط بغلاف ديني أسموه “الخروج على ولي الأمر” و”الخوارج”؟؟
لم تكن كل تلك المسوغات والحجج تصمد أمام ما ارتكبوه من “مجزرة” و”تمثيل” و”إنتهاك” لمعنى الإنسانية.


الصورة الثامنة : سلب النساء

لم يكن قتل الإمام الحسين (ع) وأهله وأصحابه بما فيهم عبدالله الرضيع، حتى أتى “الإرهاب الأموي” على ما تبقى من معسكر الحسين (ع)، حيث تم الهجوم على نساء الحسين وسلب ما عليهنّ من مقانع وحُلي، لا ليسقط القناع الأخير من حقيقة الحرّك الأمو يالمتمثل في جيش عمر بن سعد فقط، بل ليظهر الوجه القبيح البعيد عن كل مفردات الإنسانية البسيطة، فهل كان سلب النساء وضربهنّ مبرراً؟، وهل ترويعهنّ ومعاملتهنّ والأطفال بوحشية مسوغاً؟، ربما يكون الجواب “نعم” لعقلية الجيش الذي يحارب تحت مبرر ديني، فمعسكر بن بنت رسول الله وخليفة المسلمين الشرعي “حتى على المستوى الرسمي، بعد وثيقة الصلح بين الإمام الحسن (ع) ومعاوية)، هذا المعسكر بات مُستهدفاً لإسقاط كل الرحشية والقمع لأنه “خارجي”، وهذا المبرر يفتح الباب على مصراعيه لرفع كل المحظورات في التعامل مع “الخوارج”.
ويمثل سلب النساء تحطيماً لآخر ما بقي من صور الإنسانية في جيش عمر بن سعد.

وتكفي صورة واحدة مما قدمناه، وهناك الكثير لإسقاط كل الحجج والمبررات التي كانت والتي ما زال البعض يصدع بها ليومنا هذا رزاء ثورة الإمام الحسين (ع).

و يستمر الإعلام الحسيني بامتداد زينبي سجادي لما بعد واقعة كربلاء ، حيث كان يلزمها سنداً إعلامياً في قبال الدعائية الرسمية للنظام الحاكم المروج لمقولة "الخوارج" التي حاول إلصاقها بسبايا الحسين(ع) ، فقد كانت الدعاية الرائجة في الكوفة و الشام بأن السبايا "خوارج" على النظام "الشرعي" القائم و المستبد "شرعيته" من الأحاديث النبوية الشريفة الموضوعة، و كانت حكمة الحسين(ع) إصطحاب النساء معه ، و أي نساء ، فقد كانت أخته السيدة زينب (عليها السلام) القناة الإعلامية المتنقلة لمبادئ الحسين(ع) و لبث الحقائق التي حوصرت في كربلاء ، و كانت "المراسلة" الكفؤ بعد الإمام زين العابدين لنقل الوقائع للمجتمع المسلم آنذاك ، و نزع غشاوة " العقل الجمعي" الذي صاغته القنوات الرسمية الحاكمة .

و كانت خطب السيدة زينب (ع) و فاطمة بنت الحسين و أم كلثوم و الإمام السجاد(ع) إعلاماً رسالياً متنقلاً يبث الحقائق ليس على المستوى الشعبي فقط ، بل كانت المواجهة الإعلامية قد بلغت أوجها في مجلس بن زياد حيث أخذت السيدة زينب (ع) بالمبادرة في صد" التضليل الإعلامي" و الآخر بثنائية قوية جمعت بين الإمام السجاد و السيدة زينب في مجلس يزيد بن معاوية، و ما اختيار الزمان والمكان لتقديم الرسائل الإعلامية الرسالية التي حجبت عن الكثير من المسلمين ممن "بُرمجوا " إعلامياٌ على القناة الرسمية الحاكمة فقط دون غيرها، إلا دلالة على قراءة واقعية و ذكية تميزت ببعد نظر مطلوب في ظل "إرهاب" رسمي و حجب الناس عن معرفة الحقائق.

إنّ القراءة المتأنية لإعلام كربلاء يستلزم الوقوف العلمي لمعرفة أسس الخطاب الرسالي و التوظيف الواقعي لمفردات الزمان و المكان في خطاب الآخر، الآخر المسلم و الآخر الإنسا، لظل كربلاء نبع متحدد وهي كذلك في خطاب الذات والآخر، وما زالت واقعة لطف سبيلاً لإستهلام القيم والمبادىء والخطط في بناد الفرد والمجتمع إلى يوم القيامة، وذلك لسبب بسيط هو أن كربلاء “صبغة الله” التي لا يففاضل عليها، و”سنة الله” التي لا تتبدّل.