دبابيس




جعفر حمزة*

التجارية ٢٧ أغسطس ٢٠٠٨م

كان بانتظار مكالمة تهمه من أحد الأخوة، وإذا بصوت الهاتف النقال يعلن وصول رسالة "مسج"، فأسرع بفتحها ظاناً بأنها متعلقة بما ينتظره، وكانت "المسج" تتغنّج له وتُغريه بدخول في مزاد علني للظفر بهاتف نقال جديد "آخر موديل"، ولم يكن منه إلا حذفها على الفور، وقد اغتاظ من ذلك، فمن لديه الحق بأن يأخذ رقم هاتفي ويضعه في يد هذه الجهة أو تلك الجهة لتكون مثل "السبيل" لكل من هب ودب ليرسل ما يريد

كان ذلك لسان حال صاحبنا الذي ما زال منتظراً لخبر هاتفي قادم يهمه، وما هي إلا دقائق معدودات فإذا برسالة ثانية أعلنت وصولها، فأسرع بفتحها مستبشراً أو وجلاً فإذا هي تعلن عن "طبق عشاء خاص" من إحدى المطاعم وبأسعار تفضيلية، فإذا شكه تحول إلى يقين فيما يتعلق ب"استغلال" منظم لخصوصية فردية تقوم بها بعض الجهات، حيث أصبح هاتفه "لوحة إعلانات" تستقبل هذا الإعلان وذاك دون "دق باب" صاحب الهاتف। فكم واحد منا يتلقّى هاتفه العديد من الرسائل النصية الترويجية في اليوم الواحد؟ وهل تم أخذ أذنه في استقبال ذلك أصلاً؟ بالطبع لا।

لقد أخذ التطور في المجتمعات في الجانب الرقمي بتشكيل العديد من العلاقات بين الأفراد فيما بينهم من جهة، وما بينهم والشركات من جهة ثانية، وبينهم والحكومات من جهة ثالثة، ليصبح ذلك الجانب المتمثل في وسائل الاتصال والتفاعل المختلفة وسيطاً يتم تقديم من خلاله العديد من الرسائل -بغض النظر عن محتواها وهدفها-، وكانت من أولويات تلك العلاقة تقنينها ووضعها في أطر عملية حيث لا يكون هناك تداخل بين موضوع الحصوصية الفردية وبين حق الوصول للمعلومات
। (ومنذ مطلع السبعينيات بدأت دول العالم تتبنى قوانين حماية الخصوصية إما عن طريق القوانين الشمولية التي تعترف بالحق وتقر المبادىء الأساسية وتقدم الإطار القانوني الموضوعي والإجرائي لحماية خصوصية المعلومات أو حماية البيانات التي تتصل بالأفراد وحياتهم الخاصة (البيانات الشخصية)، أو عن طريق حزمة قوانين قطاعية تتعلق بالبيانات في قطاعات معينة، كالبيانات الصحية أو المالية أو بيانات الأحوال المدنية أو غيرها)। (١)

إنّ مفهوم الخصوصية يتعدى التعريف المتداول والمتمثل في الخصوصية المادية أو المعنوية، حيث تتمثل الأولى في الأشياء المادية التي يمتلكها الفرد ويحميها عنها القانون بحكم ملكيته لها، وأما الجانب النعنوي فيتمثل في حماية القيم والعناصر المعنوية للشخص، ومع تطور وسائل الاتصال المختلفة أصبح مفهوم الخصوصية ملحاً في إبعاد الفرد وحمايته من استغلال جهات وشركات ومؤسسات لمعلوماته الشخصية من أجل الترويج ونشر ما تريد من قيم ورسائل وخدمات ومنتجات وإلى غير ذلك. لقد تم تحويل الفرد بطريقة أو بأخرى عبر وسائل الاتصال الحديثة إلى ما يشبه "لوحة الإعلانات" ولكي يثبت أي إعلان لا بد من وضع "دبوس" عليه ليركز في الذاكرة أو السلوك اليومي، ولكي نثبت ما ندعيه إليكم "الدبابيس" التالية، أقصد الأمثلة التالية :

الدبوس الأول: الرسائل النصية القصيرة "المسجات": أصبح الهاتف النقال للفرد "مرتعاً خصباً" للإعلانات والترويج للبضائع والخدمات، وذلك دون إذن من صاحبه، فهل يحق لشركات الاتصال "وضع" أرقام مشتركيها في يد شركات أو مؤسسات أو جهات أخرى لتقوم الأخيرة بإرسال ما تشاء إلى الأفراد دون أذن منهم؟ وهو سؤال جوهري يدخل في صميم انتهاك حق أصيل للفرد بالخصوصية وعدم الإزعاج، فما الفرق بين من يزعجك بدق جرس منزلك كل مرة وبين من يرسل "مسجات" إليك لا تريدها أصلاً؟ ولا أذكر عندما اشتريت رقم هاتفي أن من ضمن بنود الاتفاقية بيني وبين شركة الاتصال أن يكون رقم هاتفي "سبيلاً" لمن أراد أن يعرض بضاعته وخدماته علي. حالها كحال ذلك البائع لذي يدخل في وسط بيتك ليعرض بضاعته عليك، ليقول لك إذا لم ترد سأخرج من البيت حالاً. والأمر سيان حيث يرد أولئك "المروجون" بأن ما يلزمك هو "ضغطة زر الإلغاء" للرسالة وكفى، ولا داعي لتكبير الموضوع।

فإذا دخل بيتك بائع جوال دون إذنك وعرض بضاعته هل ستكتفي بعدم رغبتك في الشراء؟
تلك هي عين الخصوصية التي تتمثل في بيتي، سجلي الصحي، بياناتي الوظيفية، سجلي الأمني، ورقم هاتفي أيضاً، لا يحق لأحد أن يستعملها دون إذن مني، إلا في حالة أمنية طبعاً على سبيل المثال لا الحصر. واعتقد أن من حق أي مواطن أن يرفع قضية على شركة الاتصال التي اشترى منها رقم هاتفه، حيث تعدّت على خصوصيتك الرقمية، والتي تم إقرارها في العالم منذ الستينيات وتأصلت بعد عقد من الزمن، في حين يتم تداولها كأوراق اليانصيب بين شركات الاتصال وشركات ومؤسسات مختلفة.

وسؤال "برىء" لهيئة تنظيم الاتصالات في البحرين، أين موقعها من الإعراب من هذه القضية؟ ألا يمثل ذلك "استغلالاً" لقاعدة بيانات شخصية ومعلومات فردية ووضعها في يد الغير دون موافقة الزبون "صاحب الرقم"؟

الدبوس الثاني: إعلانات الطرق يكفيك أن ترى بعض شوارع البحرين، لتظن أنها معرضٌ للإعلانات -بغض النظر عن مستواها الإبداعي-، حيث أصبحت مصدراً لتزاحم بصري غير مريح، فبعضها يفتقد التثبيت الآمن لها، لتسقط إن هبّت رياح عليها، وقد تسبب في أضرار مادية أو حوادث مرورية، والبعض الآخر يتم وضعها لتحجب الرؤية في دوار أو منعطف. لقد أصبح الكثير من إعلانات الطرق تفتقد لعنصر السلامة، فأين وزارة البلديات عن هذا الموضوع؟ أصبحت تلك الإعلانات تزاحم المدى البصري للأفراد في السياقة والانتباه، وتحولت الشوارع إلى "دبوس" آخر ليتم تركيز هذه الماركة أو تلك الرسالة للفرد، وقليل ما هو مريح للبصر। وباتت الطرق سبيلاً آخر للتعدي على خصوصية الفرد في التحرك البصري الحر، بل تكالبت عليه تلك الصور واللافتات لتصغر من مداه البصري المريح।
وإن كانت تلك دلالة على التطور في السوق ودخول سوق إعلانات الطرق بقوة في إيصال الرسائل للفرد، إلا أنه ما زالت هناك العديد من الفرص والأفكار التي يمكن أن "يتفاعل" معها الفرد عوض أن "تزاحمه". وتلك مهمة ثلاث جهات" الشركات المعلنة ووكالات الإعلان ووزارة البلديات".

الدبوس الثالث: القصاصات وهذا الدبوس آتٍ من رحم المجتمع نفسه।حيث بات البعض يضع إعلانات "الحملات الدينية" على الواجهة الأمامية للسيارة، وتوزع بالمئات إن لم تكن بالآلاف في مناسبات معينة "كصلاة الجمعة" أو الاحتفالات الدينية، ويتم وضع تلك القصاصات الإعلانية على السيارات دون إذن من أصحابها، وهذا تعدٍ على خصوصية لا يمكن إنكارها، و النتيجة مئات القصاصات تُرمى في الشارع।ويمكن وضع تلك القصاصات في مكان معين بحيث يمكن للفرد أخذها إذا أراد. فليضع أصحاب الحملات ذلك في عين الاعتبار، ومن أراد الترويج لحملته، فهناك أكثر من طريقة ليس من بينها وضع الإعلانات على السيارات دون إذن من أصحابها.

الدبوس الرابع:صناديق البريد وهذه التي قصمت ظهر البعير كما يقولون، فدفع الشخص لرسوم سنوية أو نصف سنوية لاستئجار صندوق بريد، لا يعني أن يكون صندوقاً للترويج ووضع الإعلانات والعروض فيه. ولا أعتقد بوجود بند في الاستئجار يعطي الأحقية لمن أراد الترويج في وضع إعلاناته في صندوقي البريدي. تلك خصوصية لا يمكن التفاوض فيها وتأويلها على "المزاج"، فأين وزارة المواصلات عن ذلك؟ إلا إذا ظن القائمون على ذلك بأن صندوق البريد حاله كحال صندوق البريد الإلكتروني "الإيميل"، حيث يمكن إرسال الإعلانات إليه كما يشاء المعلنون!!

وهناك الكثير من "الدبابيس" التي لا يسعنا "وضعها"، إلا أنه من المهم هو منح الخصوصية الفردية حقها الطبيعي في ظل ظروف تصاعدية ترسمها التطورات العمرانية والتحديات التقنية، فضلاً عن "التصارع" في السوق والمنافسة الشديدة والتي أفضت إلى أساليب تتعدى على "الخصوصية الفردية" وكأنها تضرب "تحت الحزام" في الكثير من المجتمعات، وتغض الطرف عن مكون أساسي في المجتمعات الديمقراطية وهي
(خصوصية الاتصالات، والتي تغطي في تطورها الراهن سرية وخصوصية المراسلات الإلكترونية والبريد الإلكتروني وغيرها من وسائل الاتصال والتحادث في البيئة الرقمية الى جانب ما تغطيه وفق مفهومها التقليدي من خصوصية كافة أنواع المراسلات والاتصالات العادية ، كالبريد والهاتف وغيرها ।( )٢(

يقول "آلان ويستن" مؤلف كتاب "الخصوصية والحرية" عام ١٩٦٧م بشأن خصوصية المعلومات بأنها تعني " حق الافراد في تحديد متى وكيف والى أي مدى تصل المعلومات عنهم للآخرين"، ويقول "ميلر" مؤلف كتاب "الإعتداء على الخصوصية"، بشأن تعريفه خصوصية المعلومات بأنها "قدرة الأفراد على التحكم بدورة المعلومات التي تتعلق بهم". وفضلاً عن كل تلك التعريفات، يبدو الأمر منطقياً عندما نتحدث عن الخصوصية وهي حق طبيعي للأفراد، فهل تستمر تلك الدبابيس في "الغرز" اليومي، حيث يتم استغلال المعلومات الخاصة للفرد للترويج واستهدافه أينما كان "الهاتف، صندوق البريد، السيارة، الطريق، المنزل"؟ أم أن الدائرة الشخصية الصغيرة والتي بدأت تتقلص شيئاً فشيئاً أصبحت بمثابة "منتجاً" يمكن بيعه لأطراف أخرى؟


مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي.

( ٢،١)
دور حماية الخصوصية في تشجيع الاندماج بالمجتمع الرقمي، المحامي يونس عرب.








المبرمج وصاحب الذرة






جعفر حمزة*

التجارية ٢٠ أغسطس ٢٠٠٨م

كنتُ أفكر في طريقة أسهل لوصف عنوان منزلي للمطعم الذي طلبت منه العشاء في تلك الليلة، ولم يكن بالأمر العسير على المطعم। سألني المطعم "نريد رقم المنزل والطريق فقط لا غير"، فذكرت له العنوان، وتوقعت أن تصل الطلبية بعد وقت طويل، إلا أن المفاجئة هي أن الطلبية أتت في دقائق معدودات عند باب البيت। ودفعني فضولي لسؤال موصل الطلبية عن كيفية معرفته لعنوان المنزل بهذه السرعة دون وصف تفصيلي، والذي أقدمه كالعادة. فقال "سيارة الطلبية مركب فيها نظام الجي بي إس".

ويمثل ذلك دلالة على تحرك سريع وملحوظ في العديد من الأعمال التي تنطوي تحت مسمى "المؤسسات الصغيرة والمتوسطة" "إس إم إي"، والتي تحاول أن تكون في موقع متقدم للزبائن، نتيجة اشتداد المنافسة وتوسع الأعمال وتداخل الفئات المستهدفة من المنتج أو الخدمة، وبالتالي لا يكون الحديث حول إمكانية فتح مشروع ما بقدر استمراره وتوسعه. وما ذكري لهذه الملاحظة إلا تلميح إلى تلك المشاريع الصغيرة والمتوسطة في مجتمعنا والتي "تنبت" من قلب المجتمع -حيث طلبت العشاء من مطعم محلي-। والذي يُعتبر وجودها أمراً ضرورياً، بل لا بد منه في خضم التوسع الاقتصادي والمنافسة في السوق، ونرى أهمية متصاعدة للتطرق إلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ودورها في رفد الاقتصاد الوطني بطاقة متجددة। وعند الخوض في هذا الموضوع لا بد من طرح الحقائق والتحديات، وخصوصاً في اقتصاد "فتي" يمتلك الكثير من المؤهلات للنهوض بنموذج متميز إن تعدّى الأمر سن القوانين إلى تنفيذها والانتقال من دائرة "التصريح" إلى دائرة "التفعيل"، والتي نعتقد أنه بالإمكان فعل ذلك بوجود إرادة سياسية وخطة اقتصادية وعمل جماعي.

فما هي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؟ تعتبر المؤسسة صغيرة إذا كان عدد العاملين فيها يتراوح بين 5-19 موظفاً، وتعتبر متوسطة إذا كان عدد العاملين فيها يتراوح بين 20-99 موظفاً[١]।
ويُعد العامل الرئيسي في تصنيف المؤسسات في حجمها هي أدوات كمية كعدد العاملين، وأصول المؤسسة وحجم المبيعات ، وذلك أمر واقعي نوعاً ما، بالرغم من تجاهل الأصول الكيفية المتمثلة في الملكية الفكرية (براءات الاختراع، التصميم الصناعي، الأسرار التجارية).

ما الذي يجنيه المجتمع من وجود تلك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؟
تواجد ذلك التنوع من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في أي مجتمع، يمثل "رئة صحية" للواقع الاقتصادي، فهي بمثابة الأشجار التي تنظف الجو وتمده بالأكسجين اللازم من أجل بيئة صحية معافاة।
فما الذي تقدمه تلك "الرئة" للواقع الاقتصادي للمجتمعات؟

أولاً: مع تعدد تلكا لمؤسسات في شتى المجالات، تكبر مساحة الخيارات لدى المستهلك في الإنتقاء والاختيار من بينها، وتنجح المشاريع التي تفهم ما يريده المستهلك وتمازجه مع هامش الربح التي تنشده

ثانياً: تمثل تلك المؤسسات مرفداً عملياً و"ورشة عمل" لفئتين، هما أصحاب المؤهلات وغيرهم। وذلك عبر تطوير مهاراتهم واكتساب الخبرات، ومن ثم الانتقال إلى المستوى الاحترافي الأكبر في المؤسسات الكبيرة। أو البقاء في تلك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والنمو فيها والتوسع مستقبلاً।

ثالثاً: كلما زادت عدد تلك المشاريع والمؤسسات زادت مساحة المنافسة، وبالتالي يتم الرهان على الإبداع والابتكار في المشاريع لضمان التفوق في المنافسة، وهو ما يندرج تحت "الملكية الفكرية"، والتي تتضمن "براءات الاختراع، العلامات التجارية، التصميم الصناعي، حقوق المؤلف، الأسرار التجارية"

هل هناك ميزات معينة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في البحرين؟ عند الحديث عن تلك الموسسات، يجب الأخذ بعين الاعتبار "خصوصية" كل مجتمع "حاضن" لتلك المؤسسات، فما الميزات التي تتمتع بها تلك المؤسسات في المجتمع البحريني؟

أولاً: نتيجة لصغر المساحة الجغرافية للبحرين، فهي تعتبر ميزة لخلق "شبكة اجتماعية" تمثل قاعدة معلومات للزبائن، وذلك عبر الأقارب والأصحاب والجيران والمعارف، واللذين بدورهم ينقلون "تجربتهم الخاصة" لتلك المؤسسات إلى الآخرين، وهكذا تتشعب العلاقات وتكبر نتيجة التجارب الشخصية المعتمدة على الشبكات الاجتماعية।
ثانياً: ميزة جغرافية أخرى تتمثل في إمكانية توسيع وتلبية الطلبات وتغطيتها।
ثالثاً: توافر التقنية يمثل ميزة إن تم استخدامها بالطريقة الصحيحة، فهي موجودة، لكن يبقى السؤال في استخدامها في تطوير العمل وتوسعته وبقاءه بقوة (كحال صاحب المطعم مع "جي بي إس")।
رابعاً: ما يزيد من عدد المؤسسات هو تنامي الحركة الاقتصادية في البلد، ومن ضمنها العقارات والتي شكلت نوعاً من "الهَوَس" المبالغ فيه في هذه الجزيرة الصغيرة، وبالرغم من التحفظات الكثيرة على ذلك النوع من الحركة العمرانية ، إلا أنها شكلت مصدراً غنياً لتنامي عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المجالات ذات العلاقة. فضلاً عن تزايد عدد السكان وزيادة حركة السياح. بالإضافة إلى تغير السلوكيات الشرائية للناس، حيث تشكل "حافزاً" للبدء بمشاريع صغيرة ومتوسطة تلبي وتُشبع رغبة تلك السلوكيات.
ومع وجود تلك الميزات، إلا أن التحديات ما زالت ماثلة أمام من "ينوي" أو "يعمل" أو "يطور" مشروعه। وما تلك التحديات بجديده في أي مجتمع في دولة نامية، ومع ذلك تمثل بعضها "خصوصية" للبحرين دون غيرها، فما هي التحديات التي "تقلّم" أجنحة تلك المؤسسات وتمنعها عن الطيران؟

أولاً: قابلت الكثير من الأخوة والأخوات ممن لديهم الفكرة "الجهنمية" كما يقولون، للدلالة على الفكرة الناجحة والمميزة، حتى أن بعضهم قد درس السوق المنافسة وتعب على المشروع من ناحة نظرية على الورق، إلا أن العامل المادي "الميزانية" تقف ك"فزّاعة" تطرد كل طيور الأمل لدى صاحب الفكرة. ومن هنا ينبغي الوصول إلى حل عملي لهذه المشكلة، وذلك من خلال الاستفادة من المتوفر من خيارات والخروج بأقل الخسائر الممكنة. ويمثل بنك البحرين للتنمية وصندوق العمل خيارين جيدين، إلا أنهما وحيدين في الساحة، حيث يلزم توافر خيارات تمويلية أخرى من البنوك ليكون "مشروعاً وطنياً" يرفد أصحاب المشاريع بقروض تنافسية جيدة وواقعية. وستكون النتيجة النهائية لصالح الجميع دون استثناء من ضمنهم البنك الممول، حيث سيحصل بالإضافة إلى رأس المال المدفوع على هيئة قرض ميسر على زبائن جدد "الموظفين في المؤسسة التي تم تمويلها وتقديم القرض لها".

ثانياً: قد يُسعف البعض بوجود رأس مال "محترم" ونية للبدء بمشروع صغير أو متوسط، إلا أن ما ينقصه ضمن مثلث المشروع (المال، الخطة، التطوير)، هو غياب الضلعين الآخرين (الخطة والتطوير)، وبالتالي ضياع الضلع الأول أيضاً (رأس المال)। وذلك الضعف في الاستراتيجية التسويقية والإدارية يجعل الكثير من المشاريع تأفل بسرعة.
ولعلاج هذا التحدي يلزم الاستفادة من الخبرات المحلية المتوفرة، فضلاً عن الخدمات التي يمكن أن تقدمها بعض الجهات (غرفة تجارة وصناعة البحرين، وزارة الصناعة والتجارة، بنك البحرين للتنمية، صندوق العمل)।

ثالثاً: بما أن هناك العديد من المشاريع تنطلق من دائرة المجتمع الصغير "العائلة أو القرية" ، فإنها ترتبط بصورة كبيرة بالتشجيع أو التحبيط من تلك الدائرة। ويتم الحديث هنا عن العقل الجمعي للمحيط، ولا يمكن طرح حلول لها هنا، فهي نتاج تراكمات وتربية وعقلية يمارسها المجتمع ويتخذها سلوكاً له،، وتتحكم فيها الكثير من العوامل، وعلى الأقل يمكن التطرق إلى فهم المحيط ومتطلباته وتحويل التحبيط إلى عامل حفاز لنجاح المشروع

رابعاً: عدم الأخذ بالأدوات الجديدة في التسويق، فضلاً عن إغفال الجانب التقني في تسيير الأعمال مع وجود منافسة لن تبقي للمتخلف عن الركب الظفر بنسبة واحد في المئة من الربح في السوق.

خامساً: غياب ثقافة الملكية الفكرية، والتي تحفظ مرتبة كل مشروع وتجعله متميزاً عن غيره، سواء من قبيل ابتكار أدوات جديدة في الخدمة أو ما يدخل ضمن حقوق الاختراع أو العلامات التجارية والابتكار। وضرورة معرفة جوانب الملكية الفكرية تطبيقاً واستفادة، وخصوصاً مع تزايد المنافسة، ودخول الشركات الأجنبية وخصوصاً الأمريكية على خط المنافسة، بعد اتفاقية التجارة الحرة "إف تي أيه"।
ويمكن توجيه السؤال هنا إلى وزارة الصناعة والتجارة والدور الذي تقوم بعه في توعية وإشراك أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لإدراك أهمية الملكية الفكرية في تطوير وحفظ مشروعاتهم، خصوصاً مع وجود هذه الثقافة أو الأداة في يد كبريات الشركات المحلية، وتواجدها منذ البداية في استراتيجية الشركات الأجنبية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة على حد سواء।
فهل هناك وعي عملي ملموس بمثل هذه الحقوق والآليات لدى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومن هو داخل في هذه المهمة؟
ومع كل الذي قلناه من مزايا وتحديات تبقى البيئة الاقتصادية البحرينية المحلية مهيأة لظهور مشاريع ناجحة، مع وجود حركة استثمارية عامة نشطة في البلاد، وتوسع في خدمات شبكات الإنترنت، والتي ستكوت رافداً مهماً وعصباً رئيسياً للكثير من تلك المؤسسات في المستقبل القريب جداً، فضلاً عن توافر التقنيات الحديثة في متناول اليد، والتي تجعلها "بذرة" جيدة للزراعة في سوق مكتظة، يمكن لبائع "الذرة" أن يجد له مكاناً يبيع فيه، كما يمكن لبائع البرمجيات أن يجد له زبائن أيضاً.

(١)
Information International 2001

*مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي.







صلاة "غوتشي"




جعفر حمزة*

التجارية ١٣ أغسطس ٢٠٠٨م

شدتنّي بالرسم الموضوع عليها، فكانت بيضاء وما زاد بياضها وشمٌ أسود، فلا عتب على الناظر إن تأمل فيها ونظر، وكانت من بين أخريات "عاديات"، فهي "المُلفتة" -على الأقل بالنسبة لي-، فاقتربت بُغية "التعرّف" عليها، فصافحتها بيدي، فكانت رقيقة وخفيفة، فطمعت أكثر، فنظرت إلى ذلك الرسم، وتعجبت، أنّى لها بذلك الرسم لماركة معروفة، وتضعه عليها وتُعلنه؟

قلبتُ تلك "الشيلات" الموجودة على الرف في سوق "شعبية" بالسالمية في الكويت، تراءى لي العديد من تلك "الموديلات"، بين "شيلات" و"حجاب" و"ثياب نسوية محتشمة"

، فما الرسالة من وراء ذلك؟ وهل "تلتفت" تلك الماركات العالمية إلى السوق المحلية، سواء المسلمة أو غيرها لتقدم "المنتج الثقافي المحلي" بعلامة جودة ماركة عالمية؟
وهل يمثل "التقرب" الذي تقوم به تلك الماركات خطوة سُتضيف لها الكثير في ميزانيتها التي تُعد بالملايين بل أكثر؟

غني عن القول أن الماركات العالمية لا تصل إلى صورتها الحالية، إلا بعد تثبيت مكانتها في العقول عبر تثبيتها البصري، والذي يصل في الأخير إلى مرحلة السلوك المندفع للشراء، والحصول على "الصورة المرتبطة بالماركة"، وما يتم دفعه للماركة هما عنصرين أساسين، قيمة المنتج وصورته المقدمة।

وعوداً إلى مكانة الماركات العالمية في المجتمعات المحلية ومكوناتها الثقافية المختلفة، فإن العنصر الثاني هو الذي يتحرك ليقدّم صورة "مقربّة" من المجتمع فيما يؤمن وفيما "يسلك"، وبالتالي يكون دخول الماركات العالمية بنكهات محلية شيء طبيعي، بل ومطلوب في كثير من الأحيان، وخصوصاً إذا تعلق الأمر بمجتمع له تمثيلات ثقافية متعددة. كالإلتزام بالحجاب -بصورة عامة، لا بالمعنى المحافظ- والبحث عن الطعام "الحلال"، وتلك السلوكيات في المجتمعات العربية والمسلمة يسري أمر الأخذ بها بطريقة مختلفة في مجتمعات مختلفة، فالمجتمع الذي لا يأكل اللحوم-على سبيل المثال- تكون ماركات الطعام النباتي خياره الأول، وبالتالي تكون فرص بقاء تلك الماركات وتميزها وحساب الأرباح أوفر حظاً من مثيلاتها من اللحوم أو المأكولات البحرية.

وبعبارة أخرى، فإن الماركات العالمية تبحث عن "حضور" في كل مجتمع يمكن لها أن تتحدث بلغته، لتكون قريبة منه، وبالتالي تتحول إلى جزء من حياتهم اليومية، والوصول إلى تلك المرحلة هو نجاح مستمر، ما دامت الناس تؤمن وتسلك ما تعتبره هوية كامنة فيه، ولا تنفك عنه।
والسؤال الأهم، هل هناك ماركات تبحث عن هوية المجتمعات و"تراعي" لها؟ ربما نعم، وربما لا، فهناك ماركات تبحث في أسواق المجتمعات ذات الطبيعة الثقافية المعينة، والتي -بشرط- تشكل سلوكياتهم الشرائية، فتدخل تلك الماركات لتحجز "مساحتها" عبر يافطات متعددة، منها:

أولاً: المعروض مباشرة والذي لا "تلاعب فيه"، كأن يكون الطعام المقدم مذبوحاً وفق الشريعة الإسلامية، أي أن يكون "حلالاً"، وتنظر الكثير من سلاسل مطاعم الوجبات السريعة "فاست فود"إلى هذا الأمر بجدية وبخطة متكاملة في مراحل متقدمة، ليس في البلدان المسلمة فقط، بل في المجتمعات المسلمة في الغرب أيضاً. فهم قوة شرائية قبل كل شيء.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، قدّمت "ماكدونالد"الكثير من الأطعمة مع وجود كلمة الجذب "حلال" على منتجاتها والعديد من أطباقها في الدول العربية।
ثانياً: تتسع دائرة المظلة الثقافية، لتصل إلى "المذاق المحلي" عبر تقديم منتجات وأطعمة بنكهة عربية، كالذي فعلته "ماكدونالد" وبعض سلسلة المطاعم السريعة العالمية، بتقديم بعض منتجاتها بالخبز العربي مثلاً.

ثالثاً: هي خطوة متقدمة عندما تقدم الماركة "نمطاً" ثقافياً جديداً يتواءم مع الشخصية المحلية للمجتمع। من خلال صياغة "كلام محكي" تستأثره لنفسها، أو من خلال صورة ثقافية محلية يتم تقديمها مع الصورة الأم للماركة. ولم نرَ ذلك الثقل لأي ماركة عالمية وصلت لهذا الحد إلى الآن في الوطن العربي.
وما ذكرناه آنفاً، يسري على تلك الماركات العالمية التي تريد حضوراً يومياً وتسعى إليه. وليست كل تلك الماركات تقدم "تمثيلاتها الثقافية المحلية" وهي تقصد ذلك، فهناك ماركات تظهر على الصور الثقافية المحلية دون أن تدري هي أصلاً، حيث يقوم طرف ثالث بـ"استغلال" قوة الماركة ويتم طرح بضائع باسمها في الأسواق، وما على البائع إلا انتظار "الانجذاب" الطبيعي لتلك الماركة متمثلة في "حجاب، شيلة، حقيبة، إلخ".

لقد رأيت الكثير من "الشيلات" التي تحتضن ماركات مشهورة في الحقائب "غوتشي"، بل ووصل الأمر إلى أن تتحول ماركة "كاديلاك" للسيارة الأمريكية إلى "موضة" في الكويت للفتيات، حيث بات موضوعاً على ثياب نسائية مختلفة، و"شيلات "وحقائب يدوية وغيرها، ليصل سعر إحدى قطع الثياب إلى ٤٥ ديناراً كويتياً فقط!
وعند سؤالي للبائعة عن السبب في هذا "الاندفاع" إلى ماركة سيارات موجودة على مستلزمات نسائية، قالت وبثقة، لأن " كاديلاك" معروفة بفخامتها واسمها، وتحب النساء أن يلبسن شيئاً يرمز إلى ذلك، فهو يعكس "مقامهم" وقبل كل شىء، فهي "موضة"، ولا يحتاج الأمر إلى سؤال أو تحليل.

ونرى أن هناك حركتين تُشكل حضور الماركات العالمية في الكثير من المجتمعات ذات الطابع الثقافي السلوكي عندها، كالمجتعمات العربية والمسلمة، وكل تلك المجتمعات ذات السلوك الثقافي المميز لها يومياً في هويتها من أقاصي شرق الصين مروراً بالهند وأفريقا وأوروبا وانتهاءً إلى مدن أمريكا اللاتينية. وتلكم الحركتين هما:

الأولى: من المجتمع إلى الماركة: متمثلاً في قوة الشراء الحاضرة في ذهن المستهلك، والنتيجة تقديم الماركة لنماذج تتناسب مع "مجموعات شرائية" لم يشملها الخطاب العام، لذا تقدم "دعوة خاصة" لتلك المجموعات عبر التحدث بلغتها، لتشملهم دائرة الاستهلاك، وتلك هي الطريقة الرأسية، فهي من الماركة إلى المجتمع مباشرة।

الثانية: من الماركة إلى المجتمع: حيث يبدأ "خطاب الود" بين الطرفين من الماركة عبر تقديمها لنماذج متعددة ومتنوعة ليقترب منها المجتمع، ومن بعدها تتوسع "اجتماعياً" أي بالطريقة الأفقية. وفي كلتا الحركتين، يكون مقياس النجاح ليس في انتهاء البضاعة من على الرفوف أو الصحون، إذ يكون الربح "مؤقتاً"، بل النجاح يكمن في بقاء صورة الماركة في ذهن المستهلك لينجذب إليها الآن وغداً وما بعد غد.
وذلك الأسلوب في الخطاب أي التحدث بلغة المخاطب ثقافة وصورة، هو مكمن سر العلامات التجارية المعولمة-كما يسميها "جوزيف س। ناي"وهو رئيس مجلس المخابرات الوطني ومساعد وزير الدفاع في إدارة "كلينتون"، حيث يذكر في كتابه "القوة الناعمة، وسيلة النجاح في السياسة الدولية"، بأن تغيرات السوق (ومن بينها ما ذكرناه بالأنماط الثقافية في المجتمعات) قد أنتجت تجزئة متزايدة للعلامات التجارة المعولمة للشركات الأمريكية. فقبل عقد من الزمن ومع سقوط الحواجز المعيقة للتجارة فإن العلامات التجارية ذاتالنطاق العالمي سوف تطرد العلامات المحلية. والواقع أنه عندما تقاطعت حالات القلق على الاستقلال الذاتي المحلي مع التقنيات التي تتيح تحقيق اقتصاديات ذات منتجات كبيرة وواسعة النطاق في تميزها وتخصصها، راح توحيد مقاييس العلامات التجارية يتعرّض للتحدي. فلشركة الكوكا كولا أكثر من ٢٠٠ علامة تجارية (كثيراً ما تكون غير مرتبطة مع الشركة الأم بشكل مكشوف)، بينما تغير "ماكدونالد" قوائم أطعمتها بحسب المناطق.واستجابات شبكة "إم تي في" ببرامج مختلفة للبلدان المختلفة.
وإن بدا من الأمر الحضور الفاعل والقوي للثقافة المحلية، إلا أن التعويل عليها لن تكون نتيجة ما نود قوله، فهي "عامل حفّاز" وفي بعض الأحيان هي "المادة الخام" وفي أحيان أخرى هي "كماليات"، لذا تقوم الماركات العالمية بضبط استراتيجيتها واستخدام كل الصور المتاحة بما يتناسب مع رفع علاقة الجذب بين الماركة والفرد. ونعتقد أن من الأمثلة الحية في استخدام الأنساق الثقافية المحلية وتوظيفها عبر تقديمها بمستويات احترافية هو الدمية "فلة". وستستمر عملية الخطاب والتقديم للمجتمعات المختلفة ذات الهوية الثقافية السلوكية ما دام ذلك يشكل "تقرباً" من الفرد المستهلك ويحعله يمد يده لجيبه ويدفع ما يراه "مناسباً و"ملائماً" مع ثقافته في أكل وشرب وملبس، في الوقت ذاته الذي يكون جزءً من العالم في صوررته المعولمة. وهذا ما يبحث عنه الكثيرون، مسك العصا من النصف، الاحتفاظ بالهوية والظهور بالعالمية. فهل نرى الفورمولا ون على حجاب المرأة، أو "غوتشي" لغطاء الصلاة؟ ربما॥




*مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي

نشاز



جعفر حمزة*
التجارية ٤ أغسطس ٢٠٠٨م

جاءني صاحبي - وهو من أحد البلدان الأوروبية- سائلاً إذا شاهدت الدعاية التلفزيونية لتشجيع الاستثمار في البحرين على قناة البي بي سي البريطانية. ففرحت كثيراًبمجرد سماع أن هناك إعلاناً تلفزيونياً تم بثه في قناة عالمية، ولم يجعل فرحتي تكتمل، حيث علّق على الإعلان وهو مختص في ذلك، بأن الفكرة جيدة إلا أن التنفيذ لا يرقى لمستوى وجودة الرسالة والهدف من الإعلان، وهو تشجيع الاستثمار في مملكة البحرين، حيث تعرض المادة الإعلانية أشخاصاً تبدو على سماتهم بأنهم بحرينيون وتصور الكاميرا وجوههم دون إظهار عيونهم ويتحول فمهم بالتدرج من الوضع الذي هو عليه إلى ابتسامة. (١)

وكانت تلك المادة الإعلانية من ضمن حملة إعلامية ينفذها مجلس التنمية الاقتصادي لتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر
FDI وذلك تحت عنوان Bahrain, Business Friendly".
وبغض النظر عن ملاحظات صاحبي في تنفيذ الفكرة-بعدما شاهدتها على الإنترنت- لتلك الدعاية والتي تحمل نسبية في النقد قد أتفق معه أو اختلف، إلا أن الشيء المهم هو وجود توجه رسمي لترويج صورة البحرين في الخارج كمحطة مميزة وفرصة للاستثمار।

ونعتقد بأن تلك الخطوة مهمة جداً وفي محلها، خصوصاً إذا علمنا بأن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر يقارب تريليون دولار أمريكي، في ٢٠٠٧م، وأدى إلى خلق فرص عمل تقارب ٣ ملايين فرصة عمل في مختلف الشركات في العالم.(٢) وتنامي الاستثمار الأجنبي المباشر هو أحد نتاجات المنافسة التي خلقتها التغيرات الاقتصادية التي أتت للأسباب التالية:

أولاً: تكوين تكتلات اقتصادية لا تجهد في البقاء ورص الصف فيما بينها فحسب، بل تسعى للتفوق والتميز والحصول على حصة كبيرة من السوق.
ثانياً: إبرام الكثير من الدول الصناعية منها والنامية عقوداً للدخول في المنظمات الدولية كمنظمة التجارة العالمية
WTO والبنك الدولي WB ، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO مما يجعل من المنافسة تشتد بنفس الشروط على كل الدول الموقعة، وهو ما يستدعي جر النار لقرص كل دولة.
ثالثاً: البحث عن التنوع في الاقتصاد، فضلاً عن تنشيط الاقتصاد المحلي نتيجة الاستثمار الأجنبي المباشر، والذي يشكل عنصراً مهماً في توفير فرص العمل، وتنويع الدخل القومي، فضلاً عن تعزيز الاقتصاد المحلي وتقويته. ونتيجة لتلك الأسباب وغيرها الكثير، يبدو أن خطوة مجلس التنمية الاقتصادية في محلها، بل ومطلوبة بشدة أيضاً. وعوداً إلى صاحبنا الأوروبي الذي قدم انطباعه كونه مختصاً في الدعاية والإعلام، لو كانت ملاحظته نسبية، إلا أنه من المهم مراعاة أدق التفاصيل والتي تقدم "صورة" عن "بلد" من خلال رسائل يتم عرضها على شاشات عالمية وفي دول تتميز بخبرة عريضة في مجال التسويق والدعاية والإعلان، ولا نود الدخول في تفاصيل ذلك الإعلان التلفزيوني، ولنبحث بدلاً عنه عن الصورة الأكبر المطلوبة. فالتسويق والترويج لبلد لا تشبه أي نوع آخر من الدعاية والإعلان لمنتج أو خدمة، فهو عمل يهدف لبناء وتقديم وتثبيت صورة في ذهن المتلقي، ومن هو المتلقي؟مستثمرون أفراد وشركات متعددة الجنسيات وبنوك وغيرها.
وهذا يتطلب الكثير من الإحتراف والدقة والتخطيط، وهو ما لا يجب أن يغيب على مجلس التنمية الاقتصادية، فالتسويق لأي بلد مهمة لا تضخ ميزانية على البلد فحسب من خلال الاستثمار فقط، بل تجعل من البلد على خطى الاعتماد على الذات والاستفادة من التكتلات الاقتصادية والدخول في المنظمات العالمية للاستفادة القصوى من كل مقوم للإعتماد على الذات في الاقتصاد، وليس فتح السوق المحلية لتكون "سبيل"، وهذا هو الفرق الذي يجعل دولاً كإيرلندا وأسبانيا من دول اعتيادية في الجسم الأوروبي إلى بلدين مهمين ويُشار لهما بالبنان، والأمر بالمثل في آسيا كسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايلند।
وبعبارة أخرى هناك فرق بين من يروج لبضاعته بواجهة محل منسقة وخدمة زبون ودودة مع وجود يافطة جذابة، وبين محل وإن امتلك البضاعة الجيدة وبأسعار تنافسية، إلا أنها غير مرتبة، فضلاً عن يافطة ناقصة وغير جذابة للمارة والمشترين. ونعتقد بأن البحرين قادرة وبامتياز في التسويق المميز للاستثمار الأجنبي المباشر، فلديها المقومات الكافية لذلك، وهناك أمور تساعد في ترتيب المحل وعرض البضاعة بالطريقة المناسبة ليكون اسم البحرين قريناً بالفرص الاستثمارية في منطقة الخليج والشرق الأوسط . فما هي تلك الأمور :

أولاً: وجود توجه من أعلى السلطات في البلد، فهذا الأمر بمثابة البطارية التي تزود الخطوات والخطط بالطاقة للاستمرار والتقدم. وهذا الأمر متوفر من خلال توجه مجلس التنمية الاقتصادية والذي يترأسه ولي العهد.
ثانياً: صياغة وتقديم التشريعات والقوانين بما يحفز الاستثمار المحلي أولاً والأجنبي ثانياً، ولا يكون الأخير عل حساب الأول। وقد أفرد الموقع الذي يروج للبحرين في الخارج معلومات بهذا الخصوص। (٣)
ثالثاً: معرفة الهوية المقدمة باسم البلد، وهي مهمة جداً، فمن خلالها تُعرف الخطوط العامة للتواصل والدعاية والإعلان، فضلاً عن كونها تقدم ما يُسمّى "نقطة البيع الفريدة " Unique Selling Proposition USP ، والتي يمكن الاعتماد عليها في صياغة سيناريوهات عدة للحملة الإعلانية والحديث عن مقومات الاستثمار في البحرين.
رابعاً: الاستعانة بالخبراء ممن قاموا بالتسويق لبلدان حققت نجاحاً، ليس على مستوى التسويق الإعلاني فقط، بل على مستوى نماء وتطوير الاستثمارات بنوعيهاالداخلي والخارجي।
خامساً: العمل على إنشاء شبكة منظمة بين الوزارات والجهات ذات العلاقة بالاستثمار لتسهيله على المستويين الداخلي والخارجي، يتأتّى ذلك من خلال وجود نظام تعاوني مشترك وملموس بين تلك الجهات. وقد بادر ولي العهد في تذليل الصعاب بين مكونات الجسم الحكومي لتتبع منهجية ورؤية واحدة صاغها مجلس التنمية।
سادساً: توظيف الإعلام بشتى الطرق عبر طريقة ممنهجة ومدروسة، من الطابع البريدي إلى الصورة الموجودة والمتفاعلة في ذهن البحريني وغير البحريني على حد سواء। ومن المهم جداً أن تكون العقلية التفاعلية اليومية للمواطن البحريني هي صورة البحرين من خلال عمله اليومي وشعوره وسلوكه وفكره تجاه تلك الصورة، كما هو الحال على سبيل المثال مع تجربتي سنغافورة وإيرلندا، حيث يتحول التفاعل إلى سلوك يومي، لدرجة أن الشعب الإيرلندي من الشعوب المميزة في محاربة القرصنة والمحافظة على مستوى الملكية الفكرية في بلدانهم، لتصل إيرلندا إلى مصاف أفضل الدول في حقل الملكية الفكرية।


وفي هذه النقطة السادسة، نبيّن أهمية الوسائل الإعلامية المختلفة، والتي قام مجلس التنمية الاقتصادية بالاستفادة منها، حيث باتت حملته الترويجية موجودة في مواقع متعددة حول العالم والتي تعتني بالاستثمار الأجنبي المباشر، منها على سبيل المثال لا الحصر http://www.fdiintelligence.com/ ، فضلاً عن تواجد البحرين في المحافل الدولية، ومع ذلك يبقى هناك عنصر مفقود ضمن هذه المعادلة، و"تلفزيون البحرين" على رأس القائمة، وإذا أردنا إكمال الصورة المطلوبة لترويج البحرين، فلا بد من تغيير "اليافطة" الموضوعة "رسمياً" على واجهة مملكة البحرين، ويمثل التلفزيون الرسمي تلك اليافطة.

حيث يتضح لمتابعوا القناة-إن وجدوا- فارقاً زمنياً كبيراً وبُعداً شاسعاً بين تلفزيون البحرين والناس من جهة، وبينه وبين الصورة الترويجية لمملكة البحرين في الخارج من جهة أخرى، خصوصاً عند الحديث عن ترويج لصورة مملكة البحرين في الخارج، ويُعتبر التلفزيون الرسمي أحد أهم القنوات التي سيشاهدها المستمثر لأنها تعكس الصورة التي تريد الدولة تقديمها لشعبها وللآخرين. وهنا بيت القصيد، لتكتمل حلقة الترويج التي يتبناها مجلس التنمية الاقتصادية، فالقارىء والمتابع يرى أن هناك "نشازاً" في اللحن العام المقدم عن صورة البحرين، بالرغم من وجود آلات العزف في محلها إلا أن هناك فرداً يعزف لوحده بعيداً عن الأوركسترا। وذلك هو "تلفزيون البحرين"، وفي مثل هذه الحال لا بد من طريقتين لحل هذه اللحن "النشاز"، وذلك بطريقتين، إما:
أولاً: بجعل الموسيقي "يلتزم" باللحن العام المقدم.
ثانياً: استبداله بآخر.
وبعبارة أخرى، نرى أن التلفزيون الرسمي لا يسير على "الرتم" العام المقدم للترويج لصورة البحرين للعالم، ولا يكفي تزويد هيئة الإذاعة والتلفزيون بمعدات حديثة إن لم تمكن هناك استراتيجية واضحة وممنهجة للسير على نفس "اللحن" العام لصورة البحرين। والسيناريوهين المقدمين هنا هما:
أولا
شراكة فعلية بين هيئة الإذاعة والتلفزيون ومجلس التنمية الاقتصادية، للرقي بمستوى التلفزيون، مادةً وجودةً.
ثانياً: تدشين قناة خاصة لترويج البحرين بأكثر من لغة. والاستعانة بالخبرات والكوادر المحلية المبدعة لذلك. وفي غير تلك الحالتين، سيبقى الصوت النشاز موجوداً ومشوهاً للحن العام المقدم باسم البحرين. فهل نُبقي الموسيقي "النشاز" يلعب بآلته، ندربه من جديد أم نستبدله؟


http://ru.youtube.com/watch?v=YKZ0K1xRp20 (١)
(٢)
www.fdiintelligence.com



* مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي