بين صدرين وضربتين



p05_20070201_politicsfull.jpg


جعفر حمزة*


ما إن تتراءى لك ذكرى عاشوراء حتى يترافق معها كظلها السواد الذي يلف الأمكنة والأجساد، وذلك في المجتمعات التي تُحيي ذكرى واقعة الطف الذي اُستشهد فيها الإمام الحسين (عليه السلام) سبط الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبطريقة بشعة قلّ مثيلها في التاريخ البشري.

ذلك السواد الذي يمتص كل ألوان الطيف والحياة ليكتنزها في لون واحد وهو لون قاتم ينبض بالحياة بالرغم من قتامته، وذلك هو أحد أسرار عاشوراء والتي يتحوّل الألم فيها إلى أمل، والحزن إلى مُزن من القيم والمبادىء النبيلة.


وكحال أى ذكرى يتمثلها البشر من السماء أو الأرض، تتحرّك تلك الذكريات لتكون مجسمة بفعل وقول ولباس وحركة وجو عام ، كالحج الذي تتمثل فيه العبادة والخضوع المطلق لرب العالمين عبر صور ملموسة كالطواف حول البيت العتيق ولبس الإحرام والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمرات، وكلها تمثّلات تجسد القيم والمبادىء الذي يحملها موسم الحج في كل صوره وحركاته، وكذا الصلاة والصوم وغيرها من الصور العبادية عند المسلمين، وتسري القاعدة في الديانات السماوية الأخرى فضلاً عن الديانات والمعتقدات الأرضية، لأن الإنسان بطبيعته كائن أرضي يُجسّد المعاني بصورة قريبة إلى ذهنه ويمارسها متمثلة في تلك الصور المعاني والعناوين القيمية.

ومع فطرية تلك الحركة إلا أنها تكون في منطقة رمادية قد تتأرجح بين اليمين والشمال، لذا توضع المؤشرات والمعايير التي تحتفظ بالمعنى وتهذّب الشكل من الناحية الشرعية الفقهية كأبرز صور التقييم، كحال راكب الفرس، فلا يستطيع أن يمضي لهدفه وحيداً، ولا يمكنه أن يترك الحبل على الغارب للفرس ليتجه به إلى غير المكان المقصود.


ومن الصور البصرية المرافقة لأعظم حدث تاريخي في المجتمع البشري هو ما جرى على حفيد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) من مجزرة وحشية قام بها جيش عمر بن سعد بأمر من الخليفة الرسمي آنذاك -الذي أخذ الخلافة بالقوة والإرهاب والتدليس- يزيد بن معاوية، ومن تلك الصور المرافقة لإحياء تلك المناسبة والتي تمثل رمزية شموخ الحق في وجه الباطل بكل القيم التي تمثل الحق من نبل وتضحية وفداء وبذل وعدالة وإصلاح في قبال كل القيم الباطلة من إجحاف وظلم وتدليس وخداع وتحكيم أهواء .هي صور التعبير عن حجم الفاجعة وتذكرها بصورة جمعية من خلال التعبير عن الحزن لتلك المأساة عبر ضرب الصدور في مواكب العزاء أو في مجالس التعزية التي تُقام للتذكير بتلك الحادثة المأساوية ونشر القيم النبيلة التي جاهد واُستشهد من أجلها حفيد الرسول الأكرم (صلى اله عليه وآله وسلم).


ويمثل ضرب الصدر حالة تعبيرية لمعايشة المأساة والألم من تفسّخ الإنسانية الذي أدّى إلى تلك التراجيديا التاريخية في مكان المأساة (كربلاء)، وتلك الصورة طبيعية ضمن المعايشة الفطرية لأي مأساة إنسانية، وهي طريق ملموس للوصول إلى مساحة القيمة الفعلية للشعيرة، فالطواف حول الكعبة حالة عملية ملموسة تُجسّد قيمة الخضوع المطلق للعبد تجاه ربه، كذا الأمر في كل الصور العبادية الأخرى، والمشترك في القاعدة الفكرية لكل تلك الصور هي حالة التغيير الإيجابي والتقرّب إلى الله عبر إحداث الإصلاح في الفرد والمجتمع ليصل الأخير إلى حالة التقوى والثبات على المبادىء، لذا كانت الشعائر من تقوى القلوب.

وإحياء ذكرى عاشوراء الحسين بما فيها من قيم إنسانية نبيلة تمثل إحدى الصور التعبيرية للشعائر ما دامت تقرّب إلى الله وتحول المجتمع إلى حالة إصلاح وتغيير إيجابي.

وعوداً إلى تلك الحالة الجسدية التوافقية بين ضرب الصدر باليد، وحديثنا هنا عن الحالة الطبيعية للضرب وليس الضرب المبرح المؤذي، وفي ذلك ما للعلماء والفقهاء من آراء متباينة نوعاً ما، وإن كان السواد الأعظم لا يُجيز الضرب المبرح، إلا أن الحديث هنا عن المنطقة المتفق عليها في التعبير هو ضرب الصدر. فلم ضرب الصدر؟


ألا ترَ أن من يتوقف قلبه يتم إنعاشه بصعقات كهربائية ليعود النبض لقلبه من جديد؟

ضرب الصدر حالة شعورية تعبيرية إنسانية تختزن في ذاتها الألم فيتحوّل إلى ضرب للصدر، ليكون التالي المتوقع هو العمل من خلال تحريك ما بداخل الصدر وهو القلب ليستيقظ وينتعش ويقوم بالتغيير.

وشتّان ما بين الضربتين، بين ضرب الصدر حزناً وتفاعلاً ظاهرياً وبين ضرب الصدر للقلب ليغيّر الفرد سلوكياته نحو الأفضل ويتخذ من قيم المناسبة نبراساً وعنواناً.، فشتّان ما بين الضربتين، قد تكون ضربة الخارج لإرضاء النفس والتماشي مع العقل الجمعي، وضربة الداخل ليكون التغيير بداية انطلاقة من محرّم كمحطة بداية ومراجعة إلى محرّم القادم.


فأي الضربتين ننشد وأيها نستمر فيه؟ أضرب الخارج ليحمر الجلد ونرضي النفس ونقفل عائدين بعد أن قضينا ما علينا من مراسم وطراً؟ أم نجعل تلك الضربة الخارجية تصل بقوة الوعي وبحجم المأساة إلى عمق القلب ليتحرك ويتغير؟


وليكون ما ذكرناه عملياً، لا بد من ثلاثية تضمن وصول الضرب للقلب ليتحرك، وهي:

المعاهدة والتمثيل والمتابعة


المعاهدة: الاستفادة من المناسبة لتكون هي المعاهدة بين محب وعارف حق الحسين عليه السلام وقيم الحسين عليه السلام. التي اُستشهد من أجلها، ويكون ذلك من خلال التشرّب الأمثل من المجالس الحسينية ذات الفائدة الأكبر عبر مواضيع الخطيب والمشاركة في الفعاليات المجتمعية ذات المردود الإيجابي للمجتمع، من قبيل التبرع بالدم ومساعدة المحتاجين والتقرّب من الفقراء ومعاونة الضعيف، ونصرة المظلوم بالطرق المُتاحة والممكنة.

ويلزم لتلك المعاهدة نية صادقة ووعد عملي بين الفرد وقيم الإسلام المتمثلة في الإمام الحسين عليه السلام.



التمثيل: أخذ القيم من هذه المناسبة وتمثيلها في الحياة اليومية من أجل هدف أسمى هو هدف الإمام الحسين عليه السلام في خروجه ( الإصلاح) بكل ما للإصلاح من حركة في الأسرة والقرية والمجتمع والدولة والعالم.

ويكون ذلك باتباع الأسباب المؤدية إلى التمثيل الملموسة نتائجة، وذلك من خلال التماس الطُرق والوسائل الكفيلة بتمثيل تلك القيم بما يتناسب مع التغيرات التي تطرأ على المجتمع، سواء من ناحية التعبير أو ماكينة التغيير.


المتابعة: وهي آلية ضرورية للتأكد من أنّ القيمة المطلوبة موجودة بالفعل والقوة، وهي السبيل لإنعاش وضخ الروح في وجود القيمة بحركتها في الفرد والمجتمع. ويكون ذلك من خلال وضع نقاط مراجعة يتم الرجوع إليها ليتم التقييم إثر الأهداف الموضوعة، سواء كان الأمر في الدائرة والفردية كالمحافظة على الصلاة في أوقاتها ومساعدة المحتاجين أو عبر التغيير في الدائرة الأكبر في المجتمع عبر التوعية ورفع مستوى الفهم العام لقيم الإصلاح الحقيقي.

وما يمّيز مدرسة أصحاب أهل البيت عليهم السلام هي وجود محطات زمنية غير متباعدة في إحياء مناسباتهم، وبالتالي تكون مسألة المتابعة حيوية وليست متباعدة الزمن، فمناسبات ذكرى المواليد والوفيات والاستشهاد والأحداث ما يقارب من مائتين مناسبة في السنة، أي أنها تغطي كل السنة، مع وجود محطات أربع رئيسية وهي:

أولاً: شهري محرم وصفر، ثانياً: شهر رمضان، ثالثاً: موسم الحج، رابعاً: الأعياد والوفيات.

وتلك المحطات كفيلة بمتابعة مستمرة وحيوية للأهداف الموضوعة للفرد والمجتمع للتغيير.


ويمثل الصدر الأول (اللطم علي الصدر تعبيراً عن الحزن) من أشد الساحات تأثيراً وتغييراً في الصدر الثاني (التغيير في القلب بالتزام القيم والعمل بها).


وقلّما تجد أنموذجاً حيوياً يعيش كل تلك السنين الطويلة وما زالت تحتفظ بصورة صدريها ( السلوك الظاهري كشعيرة والتغيير الإيجابي التي تحملها صور عاشوراء كقيمة).


والمطلوب في مثل هذه الحالة هو تجسير الهوّة بين الصدرين والضربتين، بين لطم الصدر كحركة ظاهرية مجتمعية لها أثرها الواضح وبين القيمة التي يجب أن تتواجد في القلب الذي يحويه ذلك الصدر.



* مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي

«نبراس» ماركة تحمل القيم الإسلامية بألوان عصرية





لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه»، تلك هي ثيمة تقديم البديل في أية ثقافة، ومع ذلك فهناك ضعف خفي في البديل كونه يأتي كرد فعل لا فعل، وبالتالي يفتقد عنصر الابتداء والابتداع، وعلى إثره تكون هناك مساحات قد سبقها إليه صاحب الفعل، ومع كل ذلك فمن يقدم البديل تكون له القوة والقدرة على المواجهة بالمعنى الثقافي، وله الآليات ليخرج ما في جعبة ثقافته ما يناسب مجتمعه ليكون بديلا عما يقدمه الآخر.

ونتيجة للتدافع الثقافي الحاصل بين ما هو مقدّم من الغرب وما هو مطلوب من الثقافة الإسلامية في تجديد آلياتها واستحداث وابتداع طرق جديدة لها في الحضور، ظهرت فكرة «نبراس» التي تولدّت في منطقة مشتركة بين تفكير الكاتب جعفر حمزة، وهو مدير الإبداع للماركة، وجعفر القدمي وهو مدير المشروع.

وسعت «نبراس» كأول ماركة عربية في المنطقة العربية إلى تقديم البديل كمشروع يُظللها إلى ثقافة اللباس العصري بإطار ثقافي إسلامي وعربي، لتكون الأداة مشتركة وهي اللباس، ويكون التكنيك المستخدم مختلفا عبر اتخاذ الثقافة الإسلامية وقيمها الدافع والإطار لحركة تلك الثياب في ماركة «نبراس».


من السواد إلى كل ألوان الطيف

كانت البداية منذ محرم في العام الماضي، حيث كانت تختلج في ذهن الجعفرين فكرة الاستفادة من السواد الملبوس في ذلك الموسم الديني، ليحمل القيمة والرسالة بدلا من الموجود المتخبّط في كل سواد مهما كانت الرسالة ومهما كان التصميم الذي يعكس تصورا ثقافيا معينا.

فكانت التصاميم الأولى حاملة للسواد كلون بيد، ومقدمة للقيمة في اليد الأخرى، ومنها تم تصميم إحدى «التي شيرتات» تحت هذه العبارة:

73 Heroes … 1 Leader

Karbala

وكان التصميم الخاص بالأرقام مستوحيا من فيلم ملحمة تاريخية تم تقديمها كفيلم في السينما تحت عنوان: «300»، ولم تُهمل «نبراس» فئة الصغار فقدمت لهم نصيبا من عملها، فضلا عن فئة النساء أيضا بما يملن إليه من تصميم ولون.

وسيتم تقديم تصاميم جديدة في محرم هذا العام لتكون محافظة على شموليتها الإنسانية لقضية كربلاء، وفي أحد التصاميم تبرز عبارة المهاتما غاندي الشهيرة بثلاث لغات، هي الهندية والإنجلينزية والعربية، وبطريقة كلاسيكية بسيطة وجذابة.

وهناك تصميم آخر يظهر فيه رسم لبطارية ممتلئة باللون الأخضر ومكتوب فوقها:

Karbala is our Charger

أي «كربلاء هي التي تشحن حماسنا».


من الصلاة إلى الغيبة إلى القرآن

انطلقت «نبراس» من السواد لتتحول بعد إذن إلى كل ألوان الطيف بتعدد رسائلها المختلفة، فكانت رسالة الصلاة بارزة واضحة من خلال أحد أهم تصاميمها التي تمثل شخصا في وضع جلوس الصلاة وزخرفة تبعث على الأمل من حوله، مع عبارة باللغة الإنجليزية كنمط موجّه لذائقة الشباب، وتلك العبارة هي:

My Power in My Prayer

ومعناها «قوتي في صلاتي».

ومن التصاميم الأخرى، تلك التي تتناول موضوعا حيويا اجتماعيا خطيرا، وهو الغيبة، حيث يبرز هذا التصميم الغيبة من المفهوم القرآني وهو «أكل لحم الميت»، ويظهر ذلك من خلال وجود وجبة تحتوي على شطيرة همبرجر وبداخلها يد بشرية مقطوعة، وأصابع البطاطس التي يتضح أنها أصابع يد، بالإضافة إلى شراب الكولا لتعرف أنها دم، وبدلا من كتابة «لا للوجبات السريعة» تمت كتابة «الخطيئة السريعة» للدلالة على خطورة هذا الذنب الكبير في الإسلام. وكانت العبارة التالية:

Backstab.. do you want a bite؟

«الغيبة… تريد تجربها؟»

وكان للقرآن نصيب من «نبراس» كونه كتابا سماويا محفوظا ودستورا للمسلمين، ويجب التذكير بمكانته وقوته على التغيير. فكان التصميم الذي يحمل عبارة:

I can with Quran

أحد التصاميم التي تميزت باستخدام الزخرفة الإسلامية في كتابة العبارة.


ما زالت «نبراس» في بدايتها

وبعد مرور عام تقريبا منذ ولادتها إلى اليوم، مازالت «نبراس» تحث الخطى لتظهر بصورة احترافية وبمستوى يرقى لتلك الماركات ذات الحضور والمستوى المعروف، فطرقت أكثر من باب، لا لضعف في فكرتها، بل للبحث عن أفضل السبل للظهور، فاتخذت موقعا إلكترونيا ذا طابع مختلف سبيلا للترويج، فضلا عن بقية الوسائل الأخرى كالتغطيات الإعلامية المكتوبة عنها، ومن آخر وسائلها وسياسة طرق الأبواب الجديدة مشاركة ماركة «نبراس» في عرض أزياء أقامته جامعة «بولتيكنيك البحرين» لعارضين من البحرين والسعودية، وكان حضور «نبراس» مُلفتا في فكرتها وتفاعل الجمهور معها، حيث علت أصوات الإعجاب والتصفيق الحار عند ظهور شباب يرتدون «تي شيرتات» تحمل رسائل عن قيم متعددة في الإسلام وباللغة الإنجليزية، منها على سبيل المثال لا الحصر.

هناك سوق واعدة في المجتمعات المسلمة، بل وحتى في المجتمعات المسلمة في الغرب، ما علينا هو التركيز على إظهار رسالتنا كماركة تتميز بالاحتراف قدر الإمكان، لتكون قرارا لا خيارا للمسلم، بل وحتى غير المسلم الذي يميل إلى تلك الرسائل والقيم. وأول الغيث قطرة، وتسعى «نبراس» للانتشار على مستوى دول الخليج العربية لتتوسع إلى لبنان ومصر وإيران وتركيا والهند.



الوسط العدد : 2661 | السبت 19 ديسمبر 2009م الموافق 02 محرم 1431 هـ

يمكن زيارة الموقع الإلكتروني لنبراس عبر الموقع التالي

www.albadeel-bh.com


الخلطة السريّة


جعفر حمزة*

تقاطروا زُرافات ووِحداناً لعلّهم يظفروا بنصيب الأسد أو أقلّها نصيب الأرنب من “طبخة” خبير ياباني أعّد العدّة وأنذر نفسه لمن حضر بأن يكشف “سر الخلطة” التي “استأثر” بها اليابانيون ليكونوا في المقدمة وبمذاقهم الخاص.

“كايزن” كانت الخلطة السرية التي كشفها القادم من الشرق، وهي ليست بطبق شعبي أو خضار معدلّة وراثياً أو فاكهة لا تُزرع إلا في اليابان، وهي ليست بجهاز متطور أو رقاقة إلكترونية ذكية، ليس هذا ولا ذاك. وليس عجباً إذاً أن تشرأب أعناق الحضور الذي يربو على المائة والثمانون طوال ثمان ساعات دون أن ألحظ عيناً ناعسة أو أخرى متململة، فالكل كمن مسّه النشاط وأعتقه من جمود روتين اللقاءات والندوات ودوام العمل، ليقترب الحضور من معرفة إحدى أهم الخلطات السرية التي ساهمت في تطوير وتقدّم اليابانيين، وجعلتهم في مصاف المجتمعات التي تقود العالم تقنياً وعلمياً وفي أسلوب التفكير أيضاً.

وإن كان الأمر كذلك، فليس بغريب أن نرى إحدى خلطاتهم السريّة تُقدّم للعالم، ومن قبل أحد أكبر طهاتها، وهو البروفسور “فوجيتا” الذي يقوم بالتدريس في جامعة “واسيدا” اليابانية بطوكيو. والذي قدّم عرضه بدعوة كريمة وفي محلها من “تمكين”. (١)

فما هي خلطة “كايزن” تلك؟ وهل لها دور في جعل اليابانيين نشطين دوماً، وهل هي بالفعل الخلطة السرية التي تجعل الموظف الياباني يستيقظ كل صباح ليؤدي عمله على أكمل وجه، وبأفضل جودة ممكنة، مما يجعلهم وبلادهم في المقدمة على الدوام؟

يكمن السر في إيمانهم العميق بمبدأ التحسين المستمر “كايزن”.

وكانت البداية من نهاية الحرب على اليابان بعد أن تم إلقاء القنبلة الذرية عليها، فما كان منهم من أجل النهوض مما هم فيه من هلاك مدقع إلا شحذ الهمم وتغيير المفاهيم وصياغتها من جديد، وتسخير الطاقات الكامنة من أجل بناء مستقبل أفضل لبلادهم.

فما هي “كايزن” إذاً؟

كايزن (هي كلمة يابانية مركبة من جزئين “كاي” و تعني غير أو التغيير و “زن” وهي تعني الأفضل أو الأحسن أو الخير). وهي طريقة و فلسفة إبتكرها” تاييشي أوهونو” لقيادة المؤسسات الصناعية والمؤسسات المالية، بل و لتطبيقها في كل نواحي الحياة ، معتمدة على التحليل و العملية . و في ميدان الأعمال أو الصناعات .في العادة تشير كلمة “كايزن” إلى النشاطات التي تؤدي باستمرار إلى تحسين جميع مناحي العمل ، كالصناعة و التسيير الإداري .محسنة النشاطات الموحدة و طرق العمل. وقد نُفذت نظرية “كايزن” في عدة ميادين خلال إعادة إصلاح اليابان بعد الحرب العالمية الثانية و منذ ذلك الحين انتشرت في ميادين الأعمال في كل انحاء العالم . ٢

بل لقد دخلت تلك الطريقة والفلسفة في كل مناحي الحياة اليابانية، ليصبح الإبداع والتنظيم جزءً أساسياً في التربية والتعليم والتطبيق لديهم. وبعبارة أخرى أن يكون الفرد في مرحلة تحسين و تطوير دائم سواءً أكان هذا التحسين في نفسه ، عبادته ، عمله … الخ.

وقد أبهر البروفسور المحاضر كل من حضر وكادت العيون تخرج من مآقيها عندما عرض عليهم تسجيلاً مصوراً لحركة النظام في إحدى محطات القطار بطوكيو العاصمة، حيث ينزل الركاب من قطار يبلغ ٤٠٠ متر وتقوم مجموعة من ربات البيوت بلباس زهري جميل بتنظيف القاطرات كلها، وبعدها يقوم الركاب بالدخول لتلك القاطرات بانتظام ودون ازدحام أو تدافع في نصف ساعة!

ليس ذلك هو الوقت، وإنما في ٧ دقائق فقط

المجتمع المنظّم يُنتج، لأن هناك احتراماً للوقت وتوظيفاً ذكياً للطاقات، وتحسيناً مستمراً لكل حدث وعمل، وتلك إحدى مقوّمات فلسفة “كايزن”، والتي أصبحت ثقافة تتبنّاها أكبر الشركات العالمية المصنّعة للسيارات في اليابان وهي شركة “تويوتا”

ذلك المبدأ المعتمد على الانفتاح للتغيير والتطوير ولو بصورة بسيطة، لكن يجب أن تكون مستمرة، هو الذي جعل المعرفة لدى المجتمع الياباني تراكمياً، وبالتالي تم توظيف ذلك القبول ليكون أداة للتغيير نحو الأفضل، ولتكون نقطة التركيز هي السعي الحثيث لتحسين عمليات الأداء المختلفة.

ففي المصانع والشركات تكون روح “كايزن” حاضرة من خلال التحسينات المستمرة لعملية التصنيع والإنتاج، فضلاً عن بقية الأعمال التجارية الأخرى، ويعني هذا المبدأ بإدخال التحسينات الصغيرة والبسيطة على الخدمات والمنتجات وبشكل دائم، وبهذا لن يستطيع أحد ما اللحاق بك. وهذا المبدأ تعمل به مؤسسة (سوني) اليابانية. فحين سأل مديرها عن جدوى طرح منتجات جديدة بينما القديمة لم تباع فرد قائلاً: إن لم أبتكر وأبدع فسأصبح تابعاً، وأنا أريد أن أكون قائداً لا تابعاً.

ولا يكون ذلك إلا من خلال جرأة في التغيير عبر حذف وشطب كل ما يعيق الإبداع، من نظم وقوانين وقواعد، ومن تغيير لعقلية المشرفين والمديرين أو تغييرهم أنفسهم.

ولا يقتصر الأمر بين جدران المصانع والمؤسسات، بل انتقلت تلك الفلسفة في التفكير والتطبيق إلى المجتمع الياباني في مناحي حياته المختلفة، لتستمر عجلة التطوير والتحسين بصورة لا تتوقف، فتلاحظ وجود آلة في إحدى مداخل قرية يابانية تقدّم لك البيض الطازج، والذي يضعه مزارعو القرية كل صباح في تلك الآلة. بل حتى في أصغر الأشياء التي نستعملها في المنزل يمكن أن تكون روح “كايزن” حاضرة فيها، من قبيل أداة قتل الذباب اليدوية، حيث تم تحسينها ليكون في طرف المقبض ملقطاً يمكن سحبه لالتقاط الذباب ووضعه في القمامة!وما بين خط التصنيع والمولدات الضخمة إلى قاتلة الذباب تسري “كايزن” في كل تفاصيل الحياة اليابانية، لتكون أنموذجاً لروح تغيير آمن بها المجتمع، وما زال يعمل بها في كل مناحي حياته، وهو سر تقدمه وتطوره، الذي سبق الأمم الأخرى التي لم تتعرّض كما تعرّض له من دمار شامل ونسف عنيف لوجه الحياة من أمامهم، ليحولّوا تلك الكارثة إلى فرصة لوضع مفاهيم جديدة للحياة وتطويرها وتحسينها، وما زال الجيل الياباني الجديد يعيش فلسفة التطوير المستمر والبسيط ليأخذ تراكم المعرفة السابق، ليضيف إليها معرفته ليسلمها لمن يأتي بعده، وهكذا

وقد توالى البروفسور “فوجيتا” بتقديم المثال تلو المثال بعد أن استعرض مبادئ “كايزن” كلاً على حده، لنكتشف تلك القدرة الكبيرة في مجتمع يحترم الوقت ويسعى للتغيير الإيجابي المستمر، والذي يتأصل في كل من الشركات الكبرى والصغيرة على حد سواء، لتنتقل إلى كل مناحي الحياة عند اليابانيين.

لم يك الكلام نظرياً، بل معاشاً واقعاً ملموساً هناك في كوكبهم الخاص، كوكب اليابانيين الذي نبتعد عنه بآلاف الأميال من التفكير والجرأة والرغبة في التغيير.

إن لديهم “الرغبة” في التغيير،وانعكس ذلك في طريقة تفكيرهم ونمط حياتهم وأسلوب تعاملهم في العمل. ولا أدري بعد تلك الساعات الثمان السِمان إن كان أحداً من الحضور وأنا منهم قد شغفه حباً لتلك الفلسفة وبدأ يطبقها في حياته قبل محل عمله؟

فالتغيير يبدأ من الداخل وينتشر في المحيط، والتغيير يبدأ من الهرم ليصل إلى القاعدة، وبين الداخل والهرم تلك المسافة المطلوب قطعها للبدء في التغيير الفعلي في المؤسسات والشركات، فضلاً عن الحياة اليومية التي تبتعد عن الاستهلاك والاجترار نتيجة ثقافة “الاستهلاك”.

ما يلزمنا هو تطبيق تلك الخلطة السرية بعد معرفتنا لها، والتي أصبحت مشاعاً في كل العالم، والبدء بالطبخ الفعلي الممارس عملياً في بيوتنا، ومحل عملنا وشوارعنا، وفي كل جنبة من حياتنا.

ولنعرف أن تلك الخلطة السرية كانت منذ البداية على أحد رفوف مطابخنا البيتية “إنّ الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يُتقنه”.

The five main elements of kaizen

* Teamwork

* Personal discipline

* Improved morale

* Quality circles

Suggestions for improvement

Major results

* Elimination of waste (muda) and incorporation of efficiency

* The kaizen five - S framework for a well organized shop floor

o Seiri - tidiness

o Seiton - orderliness

o Seiso - cleanliness

o Seiketsu - standardization

o Shitsuke - discipline

ملاحظة:

يمكن تحميل بعض ما جاء في ورشة العمل للبروفسور الياباني “فوجيتا” عبر الوصلة التالية

http://contents.wls.jp/contents/open/ocw/kaizenmgt/index.html

1.Tamkeen.bh

2.Wikipedia

* مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي


من الشاشة إلى الحشاشة. كيف نحوّل الفيديو كليب الإسلامي إلى ماركة؟

تحولّت من صور ملتقطة من على مسارح الغناء للتحوّل إلى أكبر رصيد بصري يتم التفاعل معه حول العالم، وهو الفيدو كليب. وكعادتنا أصبحت ردات الفعل مستنسخة لتلك التجربة، لا تحويرها، وشتان بين الاثنين.

فكيف يمكننا التعامل الفيديو كليب الإسلامي الذي يرمي ثقله على المنتمين إليه دينياً وعلى الإ»لام خصوصاً، بعكس الفيديو كليبات الغنائية التي تعكس صورة الشخص المغني لا غير؟

ويبقى السؤال في كيفية تحويل تلك القدرة البصرية ذات المحتوى الديني إلى أسلوب مُعاش في القيم والسلوك؟

ما قدمته هو محاولة متواضعة جداً لطرق ذلك الباب، وهو في الأخير عرض مرئي يختصر الشرح، وقد تكون تلك من معائبه.

لكنها محاولة أتمنى أن تتبعها محاولات جادة كدراسة وبحث جاد للأخذ بالفيدو كليب الإسلامي إلى مراتب أخرى أكثر حرفية وتفاعلاً ورسالية عصرية في الأسلوب والأدوات.

الحشاشة هي جوف القلب، وتستخدم في اللهجة العامية الخليجية

ما مقدم هو مجرد عرض تم في أمسية خاصة بالموضوع، وكان مدعوماً بشرح شفهي غير متواجد حالياً في الفيديو
والهدف هنا نشر الفائدة والمشاركة في الفكرة

Sami Yousuf

http://www.youtube.com/watch?v=m4q_0WXxDtI

Pain without Boarders

http://www.youtube.com/watch?v=xn42pIw6jio

Hajj of Tears

http://www.youtube.com/watch?v=NWeRFXy9cHY



سؤال "لميس ضيف" يختصر أزمة


على الوتر
سؤال يختصر أزمة
لميس ضيف


الوقت البحرينية، العدد 1345 الثلثاء 8 ذي القعدة 1430 هـ - 27 اكتوبر 2009

يروى - والعهدة على الراوي- أن أحد قادة دول الجوار قال يوماً بأنه لو قدر له أن يختار شعباً لاختار الشعب البحريني؛ في إشارة لإعجابه بما يتمتع به بنو شعبنا من طاقات ومواهب، فالبحرينيون، وإن كانوا لا يحتلون اليوم الصدارة لا في الأدب ولا في الفن ولا في المعمار ولا في التعليم؛ فإنهم عرفوا بين الناس رواداً؛ ويشهد لهم القاصي والداني بالمواهب السنية وبالتفوق والإبداع والإنجاز لو.. تأتت لهم الفسحة لإثبات ذلك..

ثلاث حالات لافتة تقاطعنا معها في الأيام الماضية:
الأولى هي لشاب يدعى ياسر جواد وهو أول بحريني يحصل على شهادتي الماجستير
والدكتوراه في التقنيات التعليمية وتخصصي التعليم الإلكتروني والتعلم عن بُعد من جمهورية الصين الشعبية؛ وبدرجة امتياز أيضاً.. هذا الشاب الطموح اختار أن ينفتح على القوة الضاربة في العالم وعلى لغة المستقبل فدرس اللغة الصينية وأجادها وانطلق منها لتحصيل مؤهلات أخرى ثم عاد للبحرين بأفكار خلاقة وبرؤية لتطوير التعليم والمناهج والتبادل الثقافي مع الصين..

شاب مثله، يحمل الدكتوراه وتخصصين نادرين؛ أين تعتقدون أنه الآن يا ترى؟

وظفته وزارة التربية على الدرجة الثالثة بوظيفة معلم في مدرسة إعدادية!! وعندما كاتب الوزارة طالباً إعطاءه فرصة ووضعه في موقع يناسب مؤهله؛ ما كان رد المعنيين إلا أن نقلوه من مدرسة المحرق المتاخمة لبيته لمدرسة إعدادية أخرى.. في الدراز!! لا نستخف هنا بالتأكيد بمهنة المعلم، ولكننا نقول إنها مهنة يستطيع أن ينهض بها الآلاف.. ووجود طاقة كهذه في موقع كهذا هو تبديد لثروة بشرية لا أقل من أن توضع في موقع يتيح لها العمل على تطوير المناهج والتخطيط لمستقبل التعليم!!

علياء المؤيد هي طاقة أخرى قادتنا الصدفة لتصفح موقعها الالكتروني والاطلاع على تجربتها الثرية.. هي شابة بحرينية في مقتبل العقد الثالث تحمل ماجستير في التسويق وبكالوريوس علاقات عامة، ولكن مشاكل صحية عابرة قادتها لعلم التداوي بالغذاء ومنه عشقت المجال ووجدت فيه نداءها الحقيقي في الحياة فسخرت 5 سنوات من عمرها للتمرس فيه عبر الدراسة في كلية بريطانية..

ولأنها تسعى لترسيخ الوعي لا المادة؛ لم تكتف بالعمل من خلال مكتبها الاستشاري بل صارت تقدم خدمات مجانية عبر موقعها الالكتروني وسخرت طاقتها للعمل على أبحاث ورسائل لترسلها - مجانا- للناس أسبوعياً لحثهم على صيانة أجسادهم وصحتهم.. والوالج لموقعها يستطيع أن يلتمس - من خلال الكليبات المرئية - كم الجهد المرصود ولا يملك إلا أن يتعجب من أن متحدثة بارعة مثلها لا يوجد لها برنامج عوضا عن برامج الهرج التي تملأ تلفزيون العائلة العربية..!!

النموذج الثالث هو لشابة من ذوي المواهب الأدبية المدفونة تحت هالات التراب.. أمينة آل عيد موهبة فتية راسلتني مؤخراً ومن بوابتها تعرفت على إنتاجها اللافت الذي جعلها تحتل مركزاً متقدماً في مسابقات أدبية شارك بها أساتذة متمرسون.. أمينة وطاقات شبابية واعدة مثلها كبتول حميد وجعفر حمزة كلهم يبحثون عن موطئ قدم.. عن جهة تتبناهم وتعبِّد لهم الدرب فلا يجدون إلا التجاهل والتهميش..

في أحد المؤتمرات الخارجية التي شاركنا بها كانت هناك ورقة عمل لرئيسة مركز أبحاث تابع لحكومة دبي تدعى د. نور العريض -إن لم تخني الذاكرة- فوجئ الجميع عندما حضرت أنها شابة جميلة في الـ26 من العمر وتدير عدة مشاريع حكومية رغم أنها بحرينية من مواليد الإمارات.. لم أملك - وأنا أستمع لها- إلا أن أتساءل: لو كانت هذه الشابة في البحرين؛ أكانت ستمنح هذه الفرص أو ستتبوأ هذا الموقع.. أم كانت ستصطف مع باقي الطاقات المعطلة التي نأسى لحالها كل يوم..!!

سؤال يختصر أزمة بلد.. وعقدة شعب..

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=11953&hi=%CC%DA%DD%D1%20%CD%E3%D2%C9



صاحبة الصندوق الأسود



جعفر حمزة

كانت كلما اقتربت من المرآة استعانت بذلك الصندوق الأسود، ليكون لها حليفاً لا يمكن الإستغناء عنه، وأنّى لها ذلك، وهي أعجز من أن تملك الشجاعة للنظر في المرآة قبل عروجها على ذلك الصندوق الذي أصبح كظلها بل أكثر.



فهي لا تتمكّن من النظر لنفسها عبر المرآة مع كل تلك البثور
والسواد حول العينين، وبعض التجاعيد هنا وهناك، بل وذبول وشحوب في تضاريس وجهها، بالرغم من صغر سنها. فلا يمكنها الظهور للناس والحديث معهم بهذا المظهر الغريب عن طبيعتها، وحتى هو أبعد من اسمها الرنان "عذاري".



فاستعانت بصاحبها الذي لا تفارقه، ذلك الصندوق الذي يعمل
كخاتم سليمان حينما تفتحه وتضع ما فيه على وجهها الشاحب، لترتسم ابتسامة "مصطنعة" ونظرة جليدية في عينيها، لتعرضه على الناس "بضاعة مُزجاة" وبكل فخر مع كل تلك الجبال الرواسي من "المكياج" على وجهها، بفضل ذلك الأسود الصغير –الصندوق-.



كانت لعذاري تلك شطآن يتمتع بها السمك والإنسان، ففرقت
بينهما أسوار يغار منها سور الصين العظيم، وكانت لعذاري مساحات شاسعة تتعب من قطعها دجاج البر، فجّزأتها أسوار أخرى فرح بظهورها جدار العزل في فلسطين المحتلة، فليس هو الوحيد الذي يعزل، ولا يريد أن يكون مصيره كجدار برلين، فهناك أكثر من جدار يسانده هنا عند "عذاري".



وكانت لعذاري تلك فستان أخضر، فأُخذ عنها ووضع على الطريق ليمشي عليه البعض "المُقدّس" للوصول إلى مكاتبه الإسمنتية الجافة
.

فكل
شيء تغير في عذاري، من رموشها إلى وجنتيها، ومن قامتها إلى أخمص قدميها، والحال هذه فلا عتب إن استأنست بأسود صغير، قد يعيد لها ما افتقدته، أو يؤنسها فيما تجده.



والناظر المنصف لعذاري (البحرين)، يجد أن مقدار "التشويه
" الذي لا يغطيه أي "مكياج" حتى لو أصبح جبلاً على وجه هذه الجزيرة، قد أصبح عصيّاً أن يُغفل أو يُهمل، فهناك إخلال فاضح بالتوازن البيئي من ردم للبحار وما يستتبع ذلك من قتل للحياة البحرية وشبه انقراض للثروة السمكية الطبيعية، في قبال غياب تخطيط ذكي في توفير البدائل الصناعية لإنعاش الدورة البيئية الطبيعية، كما فعلت سنغافورة بتوفير بيئات صناعية للأسماك حتى أصبحت شبه طبيعية في بعض سواحلها البحرية. فضلاً عن تخطيط ذكي في توزيع الوحدات السكنية والمناطق الصناعية للحفاظ على رأس المال الأساس عندها، وهو الإنسان السنغافوري.

وعند الحديث عن الإنسان هناك بقايا حياة محاصرة بالغازات الملوثة والضارة
للإنسان في المعامير والرفاع، ولا يوجد حراك حكومي فعلي لحل الأزمة، فضلاً عن حصار بري وبحري للناس على هذه الجزيرة، فأينما تولي وجهك، فهناك جدار يحجب البحر وآخر يحد البر، وبذا تتكثف الأنفاس ضمن رقعة جغرافية ضيقة جداً، وما لذلك من تبعات صحية وبيئية وأمنية، وكل ذلك هو غياب حقيقي لمعنى التنمية الحضرية في جزيرة تتزاحم فيها الأنفس ضمن "كانتونات" اسمنتية لا يفصلها إلا شارع عام أو جدار خاص.


والتنمية لا تعني كسر دائرة التوازن البيئي الطبيعي، بل هو
الاستغلال الأمثل للتنمية لتكون موائمة مع البيئة لا العكس. وإن تغنى البعض بضرب المقارنة التي أصبحت مضحكة مع سنغافورة أو إيرلندا، فما عليهم إلا "غوغلة" كلا البلدين ليعرفوا ما تفعله سنغفاورة بالتوازن البيئي، وما الذي تقوم به إيرلندا من أجل ذلك.



هجوم على البحر وقتل للثروة السمكية، ومتاجرة بالبيئة من أجل
استثمارات لا تعود للمواطن إلا بالفتات أو أقل منه، في حين تبقى مساحات على مد البصر في وسط البر أو بقرب من بحر تنتظر سكينة الكعكة الكبيرة ليتم توزيعها يمنة ويسرة على المقربين أو أصحاب اليمين من الداخل والخارج، بحجة تشجيع الاستثمار، في حين هناك غياب فاضح لرؤية بيئية متوازنة لجزيرة صغيرة مثل البحرين. فضلاً عن إنعدام المردود الاقتصادي المساهم في بناء المجتمع. فعن أي استثمار يتكلم البعض؟

حيث تم تقطيع أوصال التوازن البيئي في هذه الجزيرة، من خلال العديد
من الصور التدميرية من خليج توبلي إلى ردم البحر، ومن الغازات التي تبث سمومها على المناطق المجاورة إلى تقليص للرقعة الخضراء.

وكل ذلك
يُبعد البحرين عن تحقيق أهداف الألفية المتعلقة بالبيئة والحفاظ عليها، ومدار الخطر الحقيقي للوضع البيئي في البحرين يتشكل من "محاصرة" و"تقطيع" و"تدمير" لأشكال التوازن البيئي، والتي تجهد الدول المتحضرة قدر الإمكان في الحفاظ عليه، في ظل التغيرات المناخية والتحديات الغذائية.

هل حقيقة نحن نتحدث هنا عن جزيرة و33 محاطة بها؟

فبدلًاً
من العمران في الداخل البري، والحفاظ على التوازن البيئي البحري وتنمية الثروة السمكية، أصبح الهجوم على البحر من ردم للسواحل لإنشاء مشاريع لا ترجع بالفائدة على المواطن من جهة، وإغلاق المنافذ البحرية لتكون خاصة من جهة أخرى، وبين الردم والإغلاق تفوح رائحة الإختلال البيئي وهو من نتاج اختلال التخطيط في أي دولة تضع لنفسها رؤية تحاكي التطورات والتحديات المناخية والبيئية على مستوى العالم.



ولو يرى المنصف أنه بالإمكان تحويل تلك الصور البيئية
الطبيعية إلى مشاريع استثمارية تدر الربح على الحكومة والمواطن على حد سواء، من خلال تقديم البيئة البحرية الطبيعية للبحرين وجزرها كما هي دون رتوش أو تجميل مصطنع يكون فيه المواطن جزءً من المنظومة السياحية لتلك البيئة، كما هو حاصل في جزر المالديف والهاواي وماليزيا والهند.

وكلما وضعت "عذاري" الكثير من المكياج، كلما تصلّب وجهها وفقدت فيه
ملامح الحياة، ألم ترَ إن غياب التخطيط الجيد والذكي للحفاظ على التوازن البيئي يجر التبعات تلو التبعات، من أمراض عندما ندمر البحر ونستورد السمك، وتقل نقاوة الجو مع وجود الحدائق الإسمنتية التي زُرعت بدلاً من تلك الطبيعية. ومن سمعة تكون على المحك عندما يُحاصر البحارة في أرزاقهم، فتكثر الحدود الحمراء في بحر وطنهم، فيبحرون مرغمين لا راغبين في البحار المجاورة، ويكون السؤال في خُلد مسؤولي وشرطة الدول المجاورة، ألا يوجد لديهم بحر ليبحروا بالقرب منها؟ أليس هم في جزيرة؟ فمن يشوّه صورة البحرين؟



ولم يعلموا بأن عذاري قد فقدت هويتها مذ تم "اغتصاب" البحر
و"ضرب" البر، فأصبحت بين هذا وذاك رفيقة للصندوق الأسود.. الذي اتخذته عزاءً لتلميع صورتها بجبال راسيات من المكياج، وما علمت بأنها تفقد حياتها عند أقل هزة بيئية تبدأها الطبيعة أو يفتعلها الإنسان.
فهل ينفعها الصندوق الأسود حينئذٍ؟




تقادم العمر يكسب الجوائز




Winning Silver Award Ad
الصورة هي فكرة لإعلان عن منتج يقاوم تقادم العمر، وقد فاز الإعلان الذي خرجنا بفكرته مع فريق العمل في شركة ماركوم الخليج بالمركز الفضي ، منافساً أكثر من ٢٢ ولاية أمريكية و٣٢ بلداً حول العالم.
وصلة للإعلان في إحدى المواقع المشهورة
http://adsoftheworld.com/media/print/minus_10_antiageing_cream_fight_ageing?size=_original

كان الخطان يستخدمان في الحروب القديمة لإظهار الشجاعة وإخافة العدو
وهي دلالة على تقبل التحدي والمواجهة
والفكرة بأن الكريم يقاوم التجاعيد والبنت بمثابة المحارب



بانتظار حط رحالكم معي عندها

بانتظار حط رحالكم معي عندها

فاخلع نعليك


جعفر حمزة*

كان يبحث لأهله عن ملاذ دافيء في تلك الليلة الزمهرير، والتي تعاضدت فيها مشاق السفر وظلمة الليل وبرودة الجو، لتكون النار أنيساً عزيزاً وخليلاً مطلوباً ومرغوباً ومحلاً للراحة ونوراً ودفئاً. وما إن تراءى له قَبَسٌ منها في حلكة الليل الدامس حتى طفق لها مسرعاً، ليحث الخطى إليها حتى يجد نفسه بعد حين أنّه في مكان من عالم آخر، تملأ أركانه أنوار من عالم علوي، ليأتيه الخطاب وتُقدّم له الأمانة الثقيلة التي سيضعها على كاهله من هذه اللحظة، وليكون منقذاً لأمة بأكملها من ظلم طبقي واستبداد منظم وقتل جماعي مبرمج.


فكانت بداية الإعلان العملي لتنصيبه "نبياً" عبر أمر "فاخلع نعليك"، ذلك هو نبي الله موسى (عليه السلام)، والذي وجد ناراً عند سفره مع أهله وأراد أن يلتمس منها شيئاً لهم، فأدرك الوادي المقدس، وكان الخطاب المباشر بينه وبين رب العالمين بأمر من الله لنبيه بخلع نعليه، لأنه في مكان مقدس. فلماذا خلع النعلين؟


يذهب البعض للمعنى اللفظي المباشر، وهو خلع نعلي النبي موسى عند دخوله ذلك المكان المقدس، أو المعنى المعرفي للخلع، وهو خلع حب غير الله وما النعل إلا دلالة على ذلك، فلكلا المعنيين أو التفسيرين إشارة مهمة في التفاعل مع الزمان والمكان الذي يستوجب ردة فعل احترام ولازمة سلوك تتناسب مع المقام مادة ومعنى.


لذا تحتفظ الأماكن ذات القدسية عند البشر بطقوس احترام من نوع خاص، المعقولة منها والمبالغ فيها، فمنها ما يلزم خلع كل ما يُلبس في الرجلين، إلى لزوم ارتداء لباس معين أو لون خاص بذلك المكان. وتتعدد صور الاحترام اللباسي أو السلوكي للأماكن المقدسة عند الديانات السماوية وغيرها.


والربط الشرطي المُمارس في جميع الديانات السماوية وغيرها والمرتبط بالزمان والمكان والمظهر (اللباس أو الحركات) أمر فطري، إذ أن الممارسة الدينية ليست حالة ذهنية بحتة يعيشها الإنسان في مخيلته فقط، بل هي حالة ذهنية وعملية ملموسة، وللوصول إلى التوليفة بين الحالتين الفكرية والحركية، لا بد من مظاهر مادية خارجية تعزز ذلك السلوك وتقويّه. لذا نرى تلك الصور الظاهرية في السلوكيات الدينية المختلفة والمتنوعة في مختلف الديانات.

وفي الإسلام هناك محطات زمانية ومكانية يُلزم تقديم الاحترام لها سلوكاً ولباساً، لتأخذ موقعها من الأحكام الفقهية، لتقدم تفاصيل وشروط ذلك الاحترام، ففي فريضة الحج عند المسلمين هناك احترام زمني ومكاني. فالحج يأتي في شهر ذي الحجة (الزمان)، ولا يكون إلا في مكة المكرمة (المكان)، ويلزم ذلك الاحترام سلوكيات لباسية وأخرى حركية من نوع خاص. ولا أدل على ذلك من شروط اللباس الخاص بالحج ، إذ ينبغي أن يحقق شروطاً معينة ليتمكن المسلم من ارتدائه وممارسة شعائر فريضة الحج‘ وذلك عند معظم المذاهب الإسلامية. والأمر بالمثل في شروط لباس المصلي، بل ولباس المسلم بصورة عامة، إذ يضع الإسلام تلك الشروط والخطوط للاحتفاظ بهوية واحترام الإنسان المسلم لذاته والآخرين، ضمن دائرة الحرية الشخصية من جانب والاحتفاظ بهوية المجتمع من جانب آخر والمحافظة على هوية الاعتدال الديني من جانب ثالث.


وفي شهر رمضان يتمثل الاحترام في ارتباط زمني يبدأ مع ثبوت الهلال في رؤيته البصرية أو الفلكية، ويتم إعداد العدّة البصرية من خلال العديد من المظاهر الاجتماعية من قبيل وضع اللافتات أو الحضور المكثف في أماكن العبادة والمجالس الرمضانية التي يُتلى فيها القرآن، ولليالي القدر التي تُعد خيراً من ألف شهر مكانة من نوع آخر، حيث يتم النفير إلى المساجد لإحياء تلك الليالي بالدعاء وتلاوة القرآن والصلوات، وكأنها أشبه بحج ليلي للجوامع في بلاد المسلمين وكل تجمع مسلم في مشارق الأرض ومغاربها.


ونتيجة المكانة الخاصة لهذا الشهر عند المسلمين، فليس بغريب أن يتم توجيه خطابات من بعض زعماء الغرب للمسلمين في بلادهم، بل وإقامة مأدبة غفطار لممثلي التجمعات الإسلامية في البيت الأبيض بالولايات المتحدة الأمريكية كاعتراف بوجود هذه التجمعات ودورها في المجتمع الأمريكي. كما توجد الكثير من صور الاحترام الرسمية للشهر سواء في بلاد المسلمين أو بعض البلاد غير الإسلامية، وذلك من قبيل منع الأكل والشرب في الأماكن العامة، وغلق المحال التجارية نهاراً، وينسحب أمر حضور شهر رمضان على الحركة التسويقية والترويجية للكثير من الماركات ليكون الشهر الكريم "كريماً" عبر العروض والتخفيضات التي تقدمها المحال والمجمعات التجارية.


وبالرغم من مقدمة معقولة تتناسب مع الشهر الكريم، إلا أن هناك حلقة مفقودة، قد حولّت شهر العبادة والمساواة بالفقراء والتضامن معهم، وقيم التسامح والإخاء إلى شهر استهلاكي بصري وصحي وسلوكي في الدرجة الأولى. فما هي الحلقة وما صور الاستهلاك المفرط في شهر القناعة والعبادة؟


الحلقة هي الرغبة في عدم التزام الأمر السماوي بـ "فاخلع نعليك"، فما زالت النعل في الأقدام، وما زلنا ندوس الزمان المقدس بالسلوكيات غير المتوائمة مع روحية وأجواء الشهر الكريم، ويبدو أن حلقة التحول تمثلت في سلوك الطعام والنشاط، إذ يبدو أن تحصيل الثواب للصيام قد استعجلناه بطريقة مادية بحتة وبصورة مبالغ فيها، وذلك عبر الإفراط في الشراء والمبالغة في وجبة الإفطار، ليكون كل ذلك جزاءً للامتناع عن الأكل فترة النهار، ويأتي الجزاء الثاني بعد قلة النشاط الملازم للصوم في فترة النهار، لنُجازي أنفسنا بالليل عبر السهر والاستمتاع البصري المختلف من فضائيات بمسلسلاتها ومسابقاتها إلى تواجد في خيم رمضانية بعيدة عن معنى الشهر الكريم إلى غير ذلك من الصور الحركية التي لا تتوائم من باب أولى مع الشهر الكريم.


ويبدو أن الاستعجال في استحصال الجزاء ومكافئة النفس بات أمراً مقبولاً وعُرفاً ممارساً للبطن والذهن على حد سواء.
ونتيجة للرغبة في الجزاء السريع عملت العديد من الجهات الإعلامية بل والاجتماعية على تحويل شهر رمضان إلى دنيا وآخرة في ٢٤ ساعة، ففي النهار هناك الصوم والتعب والنوم، وفي الليل هناك ما لذ وطاب والسهر والتمتع البصري عبر الشاشة والاعتكاف في الخيم الرمضانية.
أولئك من اللذين لا يخلعون نعلهم البتة، كمن يدخل المسجد ليصلي بنعليه ويخرج مسرعاً مولياً ظهره.


وعند الحديث عن صور الإستهلاك فليست بقليلة، فهي

:
الاستهلاك البصري: عبر مشاهدة الفضائيات بموادها التي لا تتوافق مع مكانة شهر العبادة والقرآن.

الاستهلاك الصحي: من خلال الإفراط في الأكل والتفنن في طبخه وتقديمه بصورة مبالغ فيها. وتبعات ذلك الاستهلاك صحياً على الفرد.

الاستهلاك السلوكي: حيث يكون العديد من المسلمين "إسفنجة" لامتصاص الإشارات السلوكية من الإعلام لتنزل إلى الشارع عبر سلوكياته المتأثرة بالإعلام والمجتمع.


وكمسلمين وعند دخولنا شهر رمضان، نكون كمن يبحث عن قبس في ليل حالك، كنبي الله موسى، وتراءى لنا الشهر الكريم كنار تشع نوراً، وموسى ما زال يسير نحوها كما نحن، ولما وجد النار وسمع النداء بخلع النعلين، لم يتردد وامتثل للأمر بخلع النعلين، أما نحن فما زالت النعل في أقدامنا ولم ننزعها بعد، أفي آذاننا صمم؟

أو ربما لا يستحق الأمر عناء خلع النعل حتى لو خلعه نبي مثل موسى!

يبدو أن نعالنا عالقة بأقدامنا، ولا حاجة لخلعها أصلاً.


* مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي


مقطع من فيلم "أمير مصر" حسب الرواية الهوليوودية। ومن الجدير بالذكر أن معظم ما ور دفي الفيلم قد أورده القرآن الكريم مع اختلاف في حيثيات أخرى.