أنا أحب دميتي الحلقة الأولى



جعفر حمزة:
وقالت هيتَ لك
إلهي بين يدي!
من أنتِ يا صانعة المشاعر وساحرة العيون الصغيرة؟
سنرجعكِ لسيرتكِ الأولى!
«عجل السامري» أم «المنّ والسلوى»؟
روحٌ محترقة لدمىً مُستطلفة
ربيع العم سام يُزهر!
رُبَّ قنبلة تضحك طفلة!
لستُ مجرد دمية!
آمنتُ بأنكِ أكثر من ذلك؟
ولمَ كل ذلك؟ إنها مجرد قطعة من البلاستيك!
أما زلت تستهزأ بقدرها؟


وقد همّت بي:
«هي رحلة ممتدة من عمق التاريخ إلى ملامسة الحاضر، حيث تتزاحم الصور الأولية لتشكل ألف باء ”زرع” الدمية بين يدي ”آدمي”، فكان الغلاف الأول هو البحث عن شجرة العائلة وبذرتها الأولى لصاحبتنا، فما أصلها وفصلها؟».


مِنْ على الرف
لم تكن المجلات المبعثرة والكتب المصفوفة والصور الملونة التي تحكي عنها إلا محاولة لاستنطاقها بطريقة «عفوية»، وكأني أخذتُ دور الطبيب المحلِّل، وبدورها تولّت دور المراقب على ما أفعل. وذلك في محاولتي لمعرفتها أكثر، فاقتربتُ منها اقتراب باحث في عينيها عن تلك «الجاذبية» التي جعلتها «فتنة» للبشرية منذ آلاف السنين ومازالت.
ولم تُشح بوجهها عني رغم «جرأتي» لنزع ما عليها لأنظر إليها نظرة فاحص «باحث» لا نظرة مفتون «عابث»، فكانت بيني وبينها «أغلفة خمسة» حاولتُ انتزاعها تباعاً أمام ناظريها لأقترب من «ماهيتها» التي لم تمانع أبداً في تقديمها لي. وأنّى لها ذلك؟ وهي تريد أن يكون ذكرها على كل لسان، ويُطيب لها أن أكون أحد «مغرميها».
أما الغلاف السادس، فمراجعة للذات ونزعه من على صدورنا لنعرف أين تحط الدمية من قلوبنا. ومحاولات «النزع الخمس» هي لتبيان ما الذي نريده من «الدمية»، أو بالأصح ما الذي تريده هي منّا، فكانت هذه الرحلة من على رفوف المتاجر ومن قلوب الصغار، لتكون بين يديك الآن.

سنرجعكِ لسيرتكِ الأولى!
مثّلت الدمى في صورتها البشرية اتساقاً زمنياً لم يستطع أحد الجزم ببداية تلك العلاقة بين الإنسان وصورته «الدمية». حيث تُذكر بعض الدراسات أن العلاقة قد تعود إلى ما قبل آلاف السنين من عمر البشرية. إذ كانت تمثل «الدمية» في تركيبتها البسيطة علاقة «مقدسة» تتمثل في المعتقدات الدينية، لتنتقل إلى علاقة «براءة» و«لهو» مرة أخرى مع الأطفال. ورغم العثور على كثير من الدمى في قبور ومعابد مختلفة حول العالم تعود لعصور غابرة، إلا أن الباحثين لا يستبعدون «قِدَم» عمر الدمية، إذا وضعنا بعين الاعتبار المواد التي تُصنع منها الدمية، حيث كانت تُصنع من مواد بدائية كالطين، والفراء، والخشب، ما سبّب في تحللها مع الزمن. وبالتالي لا يمكن الجزم بموعد «ولادة» الدمية مع الإنسان.
وقد وجد الباحثون دمىً مصنوعة من الخشب في المعابد المصرية القديمة والتي يرجع تاريخ بعضها إلى 2000 سنة قبل الميلاد، وتشير التنقيبات إلى أن العائلات الغنية في تلك الحقبة كانوا يضعون الدمى المصنوعة من الفخار في قبور أولادهم؛ لأنها تُعتبر من «الممتلكات ذات القيمة» للمتوفى (7)، بل إنها كانت موجودة في مناطق أخرى من العالم كروما واليونان، وكانت مصنوعة من الخشب وتوضع مع الصغار في قبورهم.
وبهذا سبقت «الدمية» صورتها الآدمية بتعرضها إلى «الوأد» تحت الأرض، مع فارق أنّ لها أنيساً من صورتها - أقصد الطفلة. ولم تكن خارطة «الدمى» مقتصرة على هذه المنطقة في العالم فحسب، بل تُشير الحفريات في قبور «الأنكا» في القارة الأميركية، وبالقرب من أهرامات «تيوتيهيواكان» إلى وجود «دمى» في تلك القبور. ويُذكر أن الدمى التي ظهرت أثناء استعمار بريطانيا لأميركا، مجرد تقليد سطحي لتلك العرائس المنتشرة في أوروبا!
ويبدو أنّ الارتباط بصورة الدمية لم ينفك، ولم تعد مقتصرة على «رمز ديني»(8)، أو «لهو زمني»، حالها كحال كثير من السلوكيات البشرية التي تبدلت وتغيرت ملامحها مع الزمن، حيث إن صناعة «الدمى» أخذت في التطور والتقدم، وكأنها تبحث عن «روح» أخرى لتتمثل بصورة «بشرية» أكبر!
فهل توقفت «روح» الدمية على ما كانت عليه في الزمن الغابر؟ على الأقل لتبقى على سيرتها الأولى، دمية للعب واللهو البريء وكفى!
لم تكتفِ صاحبتنا بذلك، حيث أخذت تحوم - أي الدمية - في الزمان والمكان لا لترجع لسيرتها الأولى، فقد تريد أن تكون فتنة جذب وعشق مصوّر كـ «عجل السامري»، أو ربما تريد أن تكون «المنّ والسلوى» لتلك الأنامل الصغيرة، ربما..
آمنتُ بأنكِ أكثر من ذلك!
وما عساني أن أقول غير ذلك، ومازلتُ مؤمناً بأنها أكثر من ذلك، ومستمراً في البحث لأرى موقعها وقوتها التي كانت مع الأجداد «إلهاً» ومازالت، فهي الآن «إله» للأحفاد بحلّة جديدة تُرفع الأيدي الصغيرة إليه بكل اللغات.
فما الذي ساهم في تشكيل العلاقة القائمة والتي أصبحت جزءاً لا يمكن فصله بين الطفل و«الدمية» في طبيعة الأمم باختلافاتها؟ وما السر في قطعة «البلاستيك» أو «القماش» سابقاً، ليكون لها ذلك الزخم في «هويّة» مجتمعات، فضلاً عن انعكاساتها الاقتصادية لتشعل تلك «الصغيرة» حرباً بالملايين بين شركات تتسابق للظفر بقلوب الفتيات، بل وحتى الأطفال لاقتناء هذه الدمية أو تلك؟ قد يُقال إنّه تم تحويل العلاقة «الطبيعية» المتجسدة في الطفل إلى «برمجة تجارية» تغذي تلك العلاقة بعدد لا ينتهي من الصور والأدوات، وبالتالي تمت المحافظة على تلك العلاقة في «أوجها» وبالاستمرار في «تأجيجيها»، وقد يُقال غير ذلك، وللإنصاف فإننا عبر محاولة لقراءة «تجارة الدمى» التي أصبحت رقماً في سوق الأسهم العالمية، فضلاً عن وجودها في قلوب الملايين من أطفال العالم، سنستعرض «الخارطة» التجارية والثقافية لسوق الدمى والتي أصبحت «حرباً» تُستخدم فيها الدراسات وقراءة المجتمع بطريقة عملية تُفضي في النهاية إلى «تعلّق» الطفلة وربما «صراخها» لحيازة هذه الدمية أو تلك، وضمها بين يديها من على رفوف عرضها في المحلات.
وتمثل العرائس صورة «أولية» للدمى الحالية التي تتمتع بتفاعلية مركبة تتمثل في الإتقان الدقيق لصناعتها في تفاصيل ملامحها وأشكالها من ناحية، ومن ناحية أخرى «الأساليب التفاعلية» (Interactive Ways) التي تُضاف إلى الدمية بين الحين والآخر؛ لتأصيل العلاقة بين الطفلة والدمية ضمن معادلة تعتمد في كثير منها على مدى «تعلّق» الطفلة بها؛ لذا تُعد تجارة الدمى أحد أنشط أنواع التجارة وأشهرها وأشدها خطورة في الوقت نفسه، لقدرتها على حمل قيم ثقافية وترسيخها عبر الممارسة والتفاعل مع الدمية في المجتمع، وذلك من خلال سلوكيات تتمثل في تقليد «لباس» الدمية، أقوالها، حركاتها، وبعبارة مختصرة «هويتها»، لتنعكس الآية من إلباس الطفلة الدمية لباسها، إلى إلباس الدمية الطفلة هويتها.
وكلما زادت نسبة التفاعل المصنوعة في الدمية من جهة وخلق ارتباطها بالمستهلك الصغير زاد سعرها، وهذا ما يبرر المبالغ الطائلة التي تنفقها شركات تصنيع الدمى في العالم، من أجل ضمان وضع قدم «ثابتة» في سوق محمومة لا تتوقف، وبمجرد «ضمان» العلاقة القائمة بين «اسم المنتج» للّعبة والقوة الشرائية في السوق (18) تزدهر تلك الصناعة وتتعدد أساليبها في كل ما يتعلق بالدمية، أقصدها حرفياً «كل ما يتعلّق بالدمية»!
ولمَ كل ذلك؟ إنها مجرد قطعة من البلاستيك!
اعذريهم يا فاتنة المشاعر والأبصار، فلم يدركوا أن لكِ من القوة ما يتعدّى بضعة إنشات طولاً وكمًّا متواضعًا من الغرامات وزناً، لتكوني «موظِفةً» - بكسر الظاء - للملايين و«مُفرحة» لملايين أخرى، وتكوني محلاً لانشغال آخرين بسحركِ، مثلي..
تحوِّل المعرفة «النحاس إلى ذهب»، هكذا يقولون، وبالفعل في عالم اليوم فإن الاقتصاد مبني على توظيف المعرفة وتحويل رؤوس الأموال الاعتيادية إلى أخرى «مُدرِّة» للربح ضمن عملية متسارعة تعتمد على معادلات تشجيع الابتكار و«البِدَع» لتخلق تلك العلاقة غير المنقطعة بين المستهلك والمنتج أو الخدمة، لتصل إلى مرحلة الحب كما يسميها المدير التنفيذي لشركة “ساتشي آند ساتشي” كيفن روبيرتس، ويسميها بعض مناهضي الترويج المكثف بأنها عملية «تخدير بالصور» للمنتجات، ليكون متفاعلاً صورة وحركة وثقافة و«صرفاً» للمال، والأخير هو بيت القصيد.
وعوداً إلى «التهوين» بالدمى، أرأيت ألوان الرسم وقطعة الورق البيضاء التي قد لا يتجاوز ثمنها بضعة دراهم؟ فمن خلال إعمال الإبداع والفكر فيها تتحول إلى لوحة فنية ذات قيمة فكرية أو ثقافية يهبها مقاماً رفيعاً، وثمناً أكبر من رأس المال الأساس؛ لأنها تحولت من مجرد ألوان وقطعة ورق بيضاء إلى محتوى ورسالة، وبالتالي تحمل في ذاتها قيمة تفوق قيمة موادها الأصلية.
فالأصل في القيمة الفكرية وليس في طبيعة المادة، بل في «الروح» التي يبثها «الفنان» أو «النحات» فيها لتتحول قطعة خشب عادية - وقد لا تُعير اهتمامنا - إلى لوحة يدرسها الدارسون، وتُعقد المعارض من أجلها أو يكتب الباحثون والمهتمون فيها، أهي مجرد ألوان أو قطعة خشب فقط؟!
وتمثل «الدمى» ضمن سياق العمر البشري، تحولاً في معنى «رمزية» المادة الموجودة بين يدي الإنسان، فالدمية التي كان يتمسّك بها الإنسان الأول، بل وينجذب إليها انجذاب العبد لربه «رمزاً»، هي الآن التي تخط مشاعر الملايين من أطفال العالم ألواناً وحركة وكلمات ولباساً، ولتكون صاحبة رؤوس أموال تبلغ الملايين، بل أكثر، وصاحبة «الفضل» على إعالة الملايين من العائلات التي يعمل أربابها في مصانع «الدمى» وتجارتها، وحساب خيالي للصرف على الحملات الإعلامية والإعلانية الخاصة بها في كل مرة ينزل ما هو جديد لها، ومن جانب آخر يقوم أصحاب الفكر والباحثون على «التشجيع» أو «التهويل» من هذه الدمية أو تلك، لتكون مسألة انفتاح على الآخر وبراءة طفولة تارة، أو «صد» الهجوم «العولمي» ضد الأخلاق والقيم المجتمعية تارة أخرى، وقائمة التفاعل مع «الدمية» تطول.
أمازلت تستهزئ بقدرها؟
بعد رحلة مع الزمن، بين «الآلهة» و«الحرب» و«المصانع» و«التجارة»، تمكنّتُ - أو هكذا أعتقد - من «نزع» «غلافها الأول» لعلَّ وعسى أن أُحاكيها عن قرب من خلال تلك «الأغلفة» العديدة التي أحاطت نفسها بها.
ويتراءى لي غلاف آخر لابد من نزعه بعد معرفة طبيعته، التي يبدو أن «صاحبتنا» قد أخذها «الغرور» لتسألني عمّا فعلَته في المحيطين بها «ثقافة» و«تجارة» وخليطهما «العولمة».
وما عساي أن أفعل غير «سماع» كلامها والبحث عن «سحرها» في الغلاف الثاني، بعد أن همّت بي في غلافها الأول. وهممتُ بها بحثاً وتقصيّاً بعده.

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=164319

صحيفة الوقت البحرينية، ١٤ مايو ٢٠٠٩

جعفر حمزة


كانت العاشرة صباحاً من يوم الجمعة عندما تلقيت “SMS” من أحد الأصدقاء، فظننت قبل فتحها بأنها دعاء أو ما كلمات حكمة –كعادته-، إلا أنه فاجئني بهذه الكلمات “10 سنوات هو احتياطي النفط في البحرين! بعدها بنصدر شربت1. جمعة مباركة”!

ولئن كان في الأمر “نكتة” أو ربما “مبالغة” بخصوص احتياطي النفط،، أو حتى إمكانية تصدير الشربت، إلا أن الأمر يحوي تحديات تلقي بظلالها على الدولة والمجتمع على حد سواء، مع اختلاف الثقل المُلقى عليهما. وهو ما يستدعي الوقوف الجاد والتخطيط الذي سمعنا الكثير من “جعجعته” ولم نر “طحينه” ملموساً مأكولاً أو مخبوزاً!


فهناك الكثير من الدول التي تجهد في تجديد مصادرها من الطاقة للدخل القومي لتتماشى مع المتغيرات المتسارعة في مجالات الطاقة والبيئة والابتكار، لتكون على قدر التحدي ومن ضمن مقدمة المجتمعات التي تحافظ على ثباتها وتماسكها المعيشي، وهو الأساس في الاستقرار السياسي والاجتماعي كنتيجة طبيعية للاستقرار المعيشي والاقتصادي.

ومر اليوم العالمي للملكية الفكرية في 26 ابريل ولم نسمع تصريحاً أو تشجيعاً أو حتى خطاباً من مسؤول رسمي بالمناسبة،فقد غلب صوت محركات سيارات حلبة الفورمولا واحد على كل شيء حينها.

وفي دولنا الخليجية التي تتمتع بنعمة النفط،، من المدهش أن حجم الدراسات الجادة في البحث عن بدائل جديدة للطاقة والاستفادة منها كالطاقة الشمسية والأمواج والرياح وبعض المكونات العضوية في البحر كالطحالب، بات ضرباً من الخيال العلمي في بعضها، ونوعاً من الترف الكلامي لدى البعض الآخر، وكأننا على يقين باستمرار نعمة النفط لآلاف السنين، ولئن عُقدت ندوة هنا أو تم افتتاح مؤتمر هناك، فقد أصبح “روتيناً” أو شكلاً من صور “المتابعة” و”التواصل” الشكلي مع التحديات الجديدة في مجال الطاقة بالعالم والمنطقة خصوصاً.

والدليل على ما ندعيه هو “ضآلة” حجم الاهتمام والميزانيات المرصودة في مجال البحث العلمي والتقدم في البحث عن مصادر بديلة للطاقة، وخصوصاً مع وجود ثالثة الأثافي في المنطقة الخليجية، وهي:

أولاً: تنامي حجم الكثافة السكانية في منطقة الخليج، سواء من المواطنين أو الوافدين أو القاطنين، وهو ما يشكل عبئاً على محطات الطاقة ويُثير الكثير من الأسئلة العملية في مدى تحمل شبكات الطاقة للثقل المتجدد عليها، فضلاً عن دخول عوامل أخرى تحد من القدرة على توفير الطاقة كالفساد الإداري ورهن تقنيات تلك الشبكات في أكثرها على “الخبراء الأجانب” فنياً أو إداراياً. وبالتالي يكون البحث عن مصادر جديدة للطاقة أو على الأقل تطوير طرق الاستفادة من الطاقة الحالية أمراً لا بد منه لتتماشى مع حجم التغيرات السكانية.

ثانياً: تصاعد البحث الجاد والحثيث عن مصادر بديلة للطاقة من قبل الكثير من الدول المتقدمة –وهي المستوردة للنفط من دول الخليج خاصة-. وهو ما يجب أن يكون تحدياً لدولنا في السباق للبحث عن بدائل للطاقة حتى مع وجود النفط. وهناك دولتين جارتين قد بدأتا بالفعل في ذلك ، بالرغم من إن إحداها تمتلك مخزوناً وفيراً من النفط والغاز الطبيعي كإيران، والأخرى يتنوّع مصادر دخلها الطبيعي والصناعي كالهند. في حين ما زالت دول الخليج تراوح مكانها بأسود نفطها الذي يبدو لها مخلداً لا ينتهي!

فقد نصل إلى الوقت الذي لا يمكننا تشغيل العديد من الأجهزة والمصانع بتقنيات حديثة إلا باستخدام الطاقة الجديدة، وقد تنقلب الآية، حيث سنستورد الطاقة من تلك الدول بدل الحاصل الآن.

ثالثاً: الزهد أو التهميش في الميزانيات المرصودة للبحث العلمي، وهذا يعني أن “بيض” كل الشعوب في المنطقة موضوع في “سلة واحدة”، وهي سلة النفط لا غير. وفي حال “ضعف” تلك السلة فلا بيض عندنا ولا هم يحزنون. وقد لا ندرك ذلك اليوم الذي يسقط فيه كل البيض، إلا أن أحفادنا لن يكون بأيديهم شىء لا من الطاقة ولا غيرها إن تم الحال على ما هو عليه من تحويل تلك الثروة السوداء إلى “بذخ” و”إسراف” و”مبالغة” في الصرف، سواء على مستوى الحكومات التي تجعل من النفط بحيرة خاصة تلهو بها وتلعب كيفما تشاء من غير تخطيط للمستقبل أو على مستوى الأفراد الذي يغلب عليهم “العقل الجمعي” في السلوك لتكون مادة المال بين أيديهم غاية لا وسيلة تتمثل في حب المظاهر والصرف غير المخطط له.

ولوقف وضع كل البيض في سلة واحدة، لا بد من تهيئة قاعدة الإبداع ليس للبحث عن مصادر بديلة للطاقة فقط، بل لتنويع مصادر الدخل ولإنعاش الاقتصاد الوطني وتنمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة أيضاً، هذا فضلاً عن إنعاش البحث العلمي والابتكار لتكون هي “السنارة” التي يمكن لنا ولأحفادنا الاستفادة منها، بدلاً من “السمك” الذي يحصلون عليه كل يوم ولا ضمان باستمراره.

ويمكن الوصول إلى ذلك عبر أمور، منها على المستوى الرسمي:

- رصد ميزانيات للأبحاث العلمية وتشجيعها، والتقليل من مظاهر البذخ ومشاريع “Show off“.

- المساهمة في إقرار التشريعات من مجلسي النواب والشورى للدفع في هذا الصدد.

- تشكيل هيئة مستقلة تجمع الملكية الصناعية –وهي الآن تحت وزارة الصناعة والتجارة- وحقوق المؤلف –وهي الآن تحت وزارة الإعلام-، ودعمها بقوة مالياً وإدارياً.

- إعطاء مساحة كافية من التغطية الإعلامية ومتابعتها للمبتكرين البحرينيين والمبدعين والمخترعين.

- دعم المبدعين والمخترعين مادياً ومعنوياً.

- تأصيل الإبداع في المدارس عبر المناهج الدراسية.

ومنها على المستوى المدني:

- تشجيع الكوادر المبدعة ودعمها اجتماعياً.

- نشر عقلية الإبداع والابتكار والتشجيع عليها من قبل مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات وأيضاً من قبل الخطابات المؤثرة في المجتمع “الدينية على سبيل المثال لا الحصر”.

- التوظيف المناسب والمدروس من فرص دعم الموارد المالية من خلال بعض الجهات الحكومية “بنك البحرين للتنمية، “تمكين”، وزارة التنمية الاجتماعية”.

- الاستفادة من أي فرصة داخل البحرين وخارجها للإنضمام إلى برنامج أو دعوة تثري الساحة المحلية وتقدم كوادر مبدعة يمكنها أن تحدث فرقاً قي المجتمع.

- إقدام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بل حتى الشركات الكبيرة على دعم المبدعين والمخترعين وتوظيف ابتكاراتهم بصورة عملية.

هناك الكثير من المبدعين البحرينيين، ولا ينبغي أن ننتظر أن تتبنّى إحدى الدول المتقدمة مبدعاً بحرينياً لنتكلم بعدها عن ضرورة دعمهم، ولسنا بحاجة لأن “تقرصنا” الظروف لنبحث عن حلول إبداعية بسواعد محلية تقدم لنا الحلول.

بل بات الأمر أكثر ضرورة وإلحاحاً ليتنفّس فيه المبدعون البحرينيون ويتم تقديم الدعم لهم، ولينالهم كرم حاتمي كما ينال بعض الرياضيين وما يسمون أنفسهم بالفنانين وبعض الظواهر الصوتية التي لا تغني ولا تسمن من جوع.

وربما يحتاج أن نفكر، ربما يمكننا تصدير الشرب، فلم لا؟

1. الشربت هو نوع من العصير يتم تحضيره بخلط بودرة مع الماء البارد، ويقدم في المناسبات الخاصة.