«نغزة» تقدم غمزتها في الشهر الكريم


فريق عمل أفلام «نغزة» يواصل غمزاته في الشهر الكريم


«راح البحر» كانت مجرد البداية، فمشروع «نغزة» الذي يقوم عليه الثلاثي الكاتب جعفر حمزة والمخرج محسن المتغوي وصاحب استوديو “مون ميديا” حسن نصر، هذا المشروع ما زال يحث الخطى ويختار الرسالة المناسبة في الوقت المناسب والجمهور المناسب.

فبعد انتهائه من تسليط الضوء على الردم الجائر للبحر من خلال نغزته الأولى «راح البحر». وبعد أن أركن أخلاقيات العمل عبر نغزة أخرى بعنوان «قلبك على شغلك؟» والذي سيتم إطلاقه بعد شهر رمضان. بعد تلك النغزتين، يبدو أن فريق عمل هذا المشروع المميز والذي يقدم الرسالة البصرية في أقل من دقيقة ودون حوار متبعاً أسلوب “هايكو سينما” في التقديم، قد وضع اللمسات الأخيرة لنغزته في شهر رمضان من خلال فيلم جديد يتناول مسألة عبادية يومية وهو شرود ذهن المسلم أثناء أدائه الصلاة، وبطريقة جديدة ومعبّرة.

فالسيناريو المكثف، مع عنصر المفاجأة لدى المشاهد، فضلاً عن الاستغناء الكلي للحوار، كانت هي العناصر المشتركة في “نغزة” في كل مرة، وقد عمل الفريق على هذه النغزة الرمضانية في وقت قصير جداً، وبجودة عالية كون الفكرة واضحة لفريق العمل فضلاً عن بساطتها ومباشرتها.

ومن المؤمل كما يقول مشرف العمل الأستاذ جعفر حمزة أن يتم بثه في بعض القنوات الفضائية -منها قناة المعارف- خلال الشهر الكريم، والعمل جار لبث «النغزة» على فضائية البحرين فضلاً عن توسعة رقعة انتشاره برفعه على اليوتيوب وقنوات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت.

وسيعمل الفريق على نغزتين جديدتين بعد الشهر الكريم تتناول مواضيع اجتماعية وتربوية متنوعة.


لمشاهدة "نغزة" خل بالك في صلاتك، ارجاء زيارة الوصلة التالية:
http://www.youtube.com/watch?v=k6cCE6bzz2Y

صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2911 - الخميس 26 أغسطس 2010م الموافق 16 رمضان 1431هـ
http://www.alwasatnews.com/2911/news/category/FDT/1.html

وُريقات رمضانية، الحلقة الأولى

اضغط على الصورة لتظهر بحجم أكبر.

نمر من عرق، وقطٌ من ورق، قراءة من سياحة لواقع الأمة الماليزية ونجاحها








جعفر حمزة

بدأ يسرد حكاياه علينا، ونحن مأخوذون بجمال طبيعة بلاده التي أخذت بألبابنا، وقد توسدنا كراسي الحافلة التي أقلتنا من جنة إلى أخرى، ومن محفل إلى آخر. كان ثري المعرفة، ليّن الجانب حازم الأمر، سمح الملامح، قد أكسبته سمنته نكهة جميلة لشخصيته. ولم يكُ اسمه بغريب عنه، فهو "عارف" الذي أصبح "مرشدنا السياحي" في رحلتنا بين أحضان نمر طالما تمنيت القرب منه أو التقرّب إليه، هو ذلك النمر الآسيوي المسلم" -ماليزيا-.
وما إن تحدّث عن اختلاف الأعراق في هذا البلد المتعدد الديانات والثقافات، حتى اشرأبت عنقي، وذهب التعب من عيني وجسدي المنهكين لرحلة برية استمرت ساعات طوال، لعلي أجد في طيّات حديثه ضالتي لبلد أعيش فيه وأتمنى أن يكون "نمراً" خليجياً، نمرٌ من عرق لا غير.

واتسعت حدقتا عيني عندما تحدث وبكل عفوية عن عرقه الملايو -أي أنه ماليزي أباً عن جد-، وأشار إلى سائق حافلتنا ذو الملامح الهندية. قائلاً: تتعدد الأعراق في بلدي ماليزيا، فهناك المواطنون الأصليون كحالي أنا، وهناك من ينحدرون من الصين، وهناك من ينحدر من أصول هندية كصاحبنا السائق "فلان" -نسيت اسمه- وأشار إلى السائق وعلى محيّاهما الابتسامة.

لم أكُ استوعب الموقف الذي ظننتهُ موقفاً من مشهد تمثيلي متفق عليه، إلا أن الحقيقة الملموسة في هذا البلد القوي في مجتمعه واقتصاده جعلتني أغلق "تلفاز التمثيليات" من دماغي وأعيش واقعاً لمسته كل يوم هناك. هو واقع التعايش الحضاري بين مختلف الديانات والأعراق في بلد تداخلت فيه، ليكون بحق "آسيا الحقيقية" الجامعة لمختلف التوجهات والديانات.
وأردتُ أن أقطع الشك باليقين بالنسبة لمسألة التعايش التي لم استوعبها بعد، فرأيتُ اختلاف الأعراق تبيع تحت سقف مجمع واحد، وأردتُ المزيد، فرأيتُ المعبد البوذي الهندوسي بقرب المعبد البوذي الصيني، لا يفصلهما إلا شارع، وتواجه بوابة كل معبد بوابة المعبد الآخر، في سيمفونية قلّ نظيرها إلا في بعض الدول الغربية، إلا أننا هنا نتحدث عن بلد دينه الرسمي الإسلام.
وأخذت أبحث ذات اليمين وذات الشمال عن دلالات وصور أخرى على التعايش الفعلي بين الماليزيين، فرأيت الصداقة جارية بين الأصفر والأسمر، وبين الأبيض والأسود، وعندما أدرت التلفاز المحلي -فضولاً ومعرفة- لم يكُ مقدموا من عرق واحد، بل من أعراق شتى.عندها اطمأننت بأن التوجه في التعايش السلمي الحقيقي لا المُدعى حاصل من محل بسيط في مجمع تجاري إلى التلفزيون الرسمي للدولة، بل أن شرطتهم “كوكتيل” من ذوي السنحات الصفراء والسمراء.

وبمقدار حرية المعتقد للماليزيين، فهناك احترام للآخر فيما يؤمن ويعتقد، بل أكثر من ذلك، حيث تفتح بعض المعابد أبوابها للزوار للتعرف على معتقدات روادها، ودخلتُ معبداً بوذياً لأرى بأم عيني وأبيها مقدار الإنفتاح والاحترام والتقدير لمختلف الديانات، فترى ذلك الفسيفساء الجميل بين معبد بوذي وجامع مسلم وكنيسة مسيحية.

كانت الرحلة التي قطعها الماليزيون مجهدة مُتعبة، واستثمروا المأساة لصنع المجد تحت رؤية قائد ملهم كرئيس وزرائها الدكتور مهاتير محمد، كانت بداية الرحلة في فرض الاحترام وعدم التمييز بين الأعراق والديانات بعد الأحداث الدامية التي شهدتها ماليزيا بين الملايو المسلمين والصينيين البوذيين في عام ١٩٦٩، إثر انفصال سنغافورة عن ماليزيا عام ١٩٦٥. وبعد تلك الأحداث وضعت ماليزيا دستوراً يحترم الأعراق وفعلّت سياسة اقتصادية جديدة تراعي التوازن الاقتصادي بين المجموعات العرقية المختلفة التي تشكل سكان ماليزيا، وأخذت على عاتقها سياسة التنمية القومية، والتي كان لها عظيم الأثر في إيجاد تناغم عملي منتج بين مختلف الأعراق وأثر ذلك في الاقتصاد الوطني لماليزيا.
وما يجعل المرء يحترم تجربة هذا النمر الآسيوي المسلم هو في صعوبة صهر كل تلك الاختلافات ضمن نسيج واحد متآلف، فالحديث لا يدور بين طائفتين من ديانة واحدة، بل من ديانات شتى وأعراق مختلفة وثقافات متباينة، فهناك الملايو والهنود والصينيون، والمسلمون والبوذيون والمسيح. فما كان سر النجاح إذاً؟
كانت الخلطة السرية التي استخدمتها ماليزيا عبر سلطتها هو تفعيل العدالة الاجتماعية، ووقوف تلك السلطة ضد التمييز العرقي والسعي الحثيث للوصول إلى قواعد مشتركة بين تلكم الأعراق بما يخدم البلاد كلها دون استثناء، ودون تقديم عرق على آخر أو طائفة على أخرى.
وفي مقابلة معه في مجلة
SALAAM BAHRAIN
عند زيارته للبحرين، يذكر رئيس وزراء ماليزيا السابق في معرض الإجابة عن السر في نجاح التجربة الماليزية بالقول:

أعتقد أن أساس نجاحنا هو في خلق جو من الاستقرار السياسي في ماليزيا.، والذي رسم نجاحنا.
وماليزيا بلد يضم ثلاثة أعراق مختلفة و 30 قبيلة مختلفة، فجمعناهم وصهرنا الاختلاف لنقدم مجتمعاً حديثاً، وذاك كان سر نجاحنا، وما زال. (١)

إنّ ما وصلت إليه ماليزيا الآن أتى من خلال رؤية حكيمة طموحة رسمها رئيس وزرائها السابق، الذي استطاع أن يفك طلسم المجتمع المتعدد الأعراق من جانب، ومن جانب آخر هو إيمان متأصل في الشعب الماليزي بضرورة التعايش فيما بينهم لتكون القاعدة للتطور بعدئذ، ولم يأتِ ما تجنيه ماليزيا الآن من فراغ، فقد مكّنت رؤية الدكتور مهاتير محمد الماليزيين من الرقي والحصول على أسباب القوة، وذلك من خلال توفير الحكومة لمستويات عالية من التعليم والتكنولوجيا، ودفع الماليزيين لتعليم اللغة الإنكلينزية، وذلك عبر ارسال الحكومة للبعثات التعليمية للخارج والتواصل الفعال المدروس مع الجامعات الأجنبية.
لقد عمل الدكتور مهاتير على تجهيز المواطن الماليزي بأسباب القوة ما أمكنه ذلك، لتنتفح عليه كل الثقافات ويتفاعل معها إيجاباً ونتاجاً، ومن ثم سيكون المواطن الماليزي قادراً على الخوض وبجدارة في سوق العمل، لا لتكون نظرته ضمن حدود بلاده، بل ليكون ضمن توليفة عالمية تُراعي مكونات القوة الاقتصادية على أعلى المعايير. وقد نجح الماليزيون في ذلك فزادت الإنتاجية وانخفضت مستوى البطالة بين أفراد الشعب. وتحولّت ماليزيا بعدئذ من دولة زراعية يعتمد اقتصادها على تصدير السلع الزراعية والمواد الأولية البسيطة مثل المطاط وبعض المعادن إلى دولة صناعية متقدمة يُشار لها بالبنان، وما زالت تبتكر الوسال الجديدة للتمكن في عالم اقتصاد اليوم، وتحتل المرتبة الأولى في العالم في إنتاج المواد الغذائية “الحلال”، فضلاً عن تربعها في سوق الاستثمارات الإسلامية، وتُعتبر الصناعات التقنية من أولى صادراتها للخارج. ومن الجدير بالذكر أن القطاعين الصناعي والخدمي يسهم بنسبة ٩٠ ٪ من اقتصاد هذا النمر الآسيوي المسلم. وقد ساهم ذلك في زيادة نصيب دخل الفرد الماليزي، وتطرق صاحبنا “عارف” عن حجم التسهيلات التي تقدمها الحكومة للمواطنين من سكن ومواصلات وكهرباء وماء، إلى جانب الطبيعة التي تقدم لهم ما يشاؤون من مواد غذائية. لتُعد بحق ماليزيا واحدة من أنجح الدول الصناعية في جنوب آسيا.


وعند زيارتي الأخيرة لماليزيا لمستُ ذلك التطور في التخطيط العمراني، والانفتاح الاقتصادي ومستوى العيش الفردي، لقد عشته وتنفسته في كل لحظة، وعند كل زاوية من زوايا هذه الدولة الفتية التي عرفتْ كيف توظف الاختلاف بين معتقدات وأعراق شعبها ليكون قوة لا ضعف، وتقدم لا تراجع.

هي ماليزيا واحدة، تلك كانت حملتهم الإعلامية والإعلانية في الفترة الأخيرة وما زالت، ماليزيا واحدة باختلاف أعراقها، وكان الرقم واحد والعلم الماليزي أيقونة رأيتها على وريقة إعلان صغيرة لبيع الآيسكريم إلى إعلان ضخم على مجمع تجاري في وسط العاصمة كوالا لامبور، بل حتى على حافلات السياحة لم تخلو من هذه الأيقونة

لا يهم من أي عرق أنت وإلى أي ديانة تنتمي، ومن أي طائفة تعتقد، المهم أن تكون على هذه الأرض تخدمها وتسعى لتطويرها ما أمكن.
وما عزّز ذلك الشعور مبادرات الحكومة على أكثر من صعيد، كونها حكومة عادلة وأمينة، والشعب يتمتع بالحرية والاستقلال، ومتمكن من العلوم والمعارف بفضل السياسات الحكومية التعليمية والتطويرية في مجال البحث والتطوير، إلى جانب التنمية الاقتصادية الشاملة والمتوازنة، وتحسين نوعية الحياة للمواطنين، وحفظ حقوق الأقليات والمرأة، ونشر القيم الثقافية والأخلاق الحميدة في المجتمع، وحفظ وحماية البيئة.
وتلك هي بعض من المبادىء العشرة للإسلام الحضاري كما قدمها الدكتور مهاتير محمد وآمن بها وعمل بها في ماليزيا.

عشتُ التجربة الماليزية في شوارعها، ونظامها في السوق والتنمية، وفي كل زاوية وطأت قدماي فيها، عشتُ واقع مجتمع فيه من الاختلاف والتنوّع أكثر مما نحن فيه في جزيرة صغيرة، رأيتُ كيف أن الناس هناك لا يهمهم من أي عرق أو دين أو طائفة تكون، ليكون الإنتاج والعمل هو الفيصل في العطاء وهو السر في التقدم نحو رؤيتهم التي رسمها الدكتور مهاتير ، رؤية ٢٠٢٠


ودعتُ "عارفاً"، وهو ليس بعارف ما يجري في جزيرة هي موطني التي لا يتعدى طولها مساحة ساحل عام عندهم في ماليزيا، أو مدينة صغيرة عندهم. ودعته وهو ليس بعارف أو ربما قد لا يستوعب أن مجتمعاً "متآلفاً" متجانساً، قد تم إقحام أعراق فيه مختلفة لا لتضيف للبلد علماً أو تنمية، بل لتزيده احتقاناً، ولتكون موارد هذه الجزيرة أقل مما يوفي لساكنيها حقهم.

كانت الأعراق باختلافاتها وتنوعاتها طبيعية في بلاده كطبيعة الجبال والوديان والسهول فيها، وتوحدت ضمن رؤية وعمل ومصداقية حقيقية للدولة، وما زالوا يقولونها برفيع الصوت "ماليزيا واحدة"، وينبؤك عن قوتهم اقتصاد دولتهم وتقدم مجتمعهم.
في حين يقوم البعض هنا بصنع "فسيفساء" مشوهة كريهة، غير متجانسة، ظناً منه أن ذلك قد يحفظ توازناً أو يجمّل شكلاً أو يكون له ركن وثيق.
كانت أعراقهم باختلافاتها طبيعية فتغلبوا عليها برؤية حكيمة، في حين أن ما لدينا أعراق مصطنعة، تحاول حتى النيل من سكان هذا البلد الأصيل، بدعم خفي أو مسكوت عنه.
في ماليزيا لا يتجرأ أحد على النيل من عرق أو ديانة أو ملة، فهمهم البناء والتطوير والتقدم وملاحقة ركب الدول الكبرى في الصناعة ورفاه المجتمع، أما في جزيرتنا يا “عارف” فهناك من يستلذ أكل جيف الفتنة والتفرقة ودق أسفينها، لا في المنتديات الإلكترونية فقط، بل عبر أقلام صحفية، بل ويظهر بعضها للعلن بطريقة فجة سمجة قبيحة، كما في الإعلان الموضوع عند مدخل سوق كبيرة في مدينة حمد “سوق واقف”!





فأين الثرى من الثريا؟
أين من بلد تتنوع الأعراق فيه طبيعياً لتنتعش أسواقه وصناعته لرحابة صدره، وبين بلد يتم فرض أعراق عليه وتمزيق النسيج الأمني المجتمعي فيه لتُقطع الأرزاق فيه؟
هناك نمرٌُ من عرق وتعب وحسن تخطيط، نمرٌ تكون فيه الاختلافات العرقية طبيعية كطبيعة الخطوط على جلد نمر، لا لتشوهه، بل لتعطيه جمالاً أخّاذاً، في حين يكون هناك قطٌ مواؤه أكبر من حجمه، قطٌ من كلام فقط، قطٌ من ورق لا غير.
قد يصلح أن يكون “أوريغامياً” (٢) جميلاً نضعه على الرف أو ليلعب به الأطفال لا غير.


(١)

SALAAM BAHRAIN
العدد مايو 2010
(٢)
الأوريغامي
هو الفن الياباني لطي الورق الذي يجعل خدع الورق مليئة بالحماس