كيف نُصنّع صنارة؟ .. نظرة في تأسيس مجتمع معرفي عبر بوابة “تمكين”.


 جعفر حمزة* 

أينما ولّيتَ وجهك تراها ماثلة في هذه الفعالية أو ذلك المعرض، في هذه المحاضرة أو تلك المبادرة. فتحسب أنّ لها القدرة على التشعب والانتشار دون أن ينفرط عقدها أو تخبو هيبتها. ويحسبها آخرون أنّ لديها من المال ما لا تعرف كيف وأين تُنفقه، وهو ما يجعلها ذات الحضور الأبرز في كثير من الفعاليات والمبادرات في المملكة، مما يرونه أنها غير ذات علاقة ببعض منها أو كثيره.
وما بين قدرتها على الحضور الفاعل واتهامها في إنفاقها غير المخطط -كما يراه البعض-، مساحة كبيرة من البحث يمكن الوصول عبرها إلى إيصال رسالتها بالتمكين بما لديها من أدوات في دعم ذلك. 

هي “تمكين”، والتي تبدو الأنشط والأقرب للمجتمع كجهة شبه حكومية، تتخذ آلية فعّالة في دعم شرائح متنوعة من البحرينيين بضخ وسائل المعرفة لهم “الشهادات الاحترافية” أو من خلال تزويد المُكنة لديهم “برامج دعم المؤسسات”، مما يحفّز الباحث المنصف على التوقف والتأمل كثيراً فيما تفعله “تمكين” وما يمكنها أن “تفعله” في تكوين مجتمع معتمد على المعرفة، مُزوّدٌ بأدوات تأتيه ذات اليمين وذات الشمال من خبرات خلف البحار عبر ندوات ومحاضرات وورش عمل تخصصية أو من خلال دعم يرفع من مستوى الإنتاج لهذا الباديء في مشروعه، أو لذلك الآمل في تطوير مؤسسته.

ما لدى تمكين أكبر بكثير مما يمكن أن يتخيله الظانّ  بتشعبها أو المشكك بقدرتها. 

تمكين وكرة الثلج!
لتمكين القدرة في تقديم ”المعرفة المُنتجة   The Knowelage Circulation” والتي من خلالها نضمن تدفق المعرفة من المصدر إلى المستفيد، وتواصل مسيرتها من المستفيد إلى مستفيد آخر مع إضافة اللمسة المحلية والشخصية لتلك المعرفة، لتتراكم بعد حين مزيج من معرفة عالمية ذات نكهة ودراية محلية.   وتكتمل دائرة مهمة في التدوير المعرفي . فالحاصل الآن هو تمدد معرفي متفرّق يتوزع على الأفراد والمؤسسات، وكل يعمل في سبيله، وطبعاً يصب كل ذلك في الاقتصاد المحلي صنعاً ومعرفة بطريقة عامة، إلا أن ذلك يلزمه عنصران مهمان إذا ما أردنا بناء ذكي للتدوير المعرفي، وهما:
أ. الامتداد الرأسي Vertical Knoweldge المبني عليها الخبرة في المجال الواحد .
ب. الامتداد الأفقي Horizntal Knoweldge، وهو وصل أولي الاهتمام الواحد ببعضهم، وتوسعة مساحتهم بصورة أكثر فعالية.

والهدف من طرح هذه النقطة هو تكوين مصدر حيوي قوامه المستفيدون من برامج تمكين، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات، لتأسيس مصدر معرفي متجدد Think Tank يضم أصحاب الشهادات الاحترافية ورواد الأعمال وأولي المشاريع المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر. وبتبادل الخبرات وتكوين شبكة معرفية بينهم جميعاً، لتبدأ كرة الثلج Snow Ball، تتدحرج من قرية إلى أخرى ومن منطقة إلى سواها لتشمل كل البحرين، ويكون هذا المصدر حيوياً ومتجدداً لأطراف رئيسة ثلاث:
١. تمكين: حيث يمكن اعتماد هذه الخطوة مؤشراً ديناميكياً وقياساً للتغذية الراجعة من المستفيدين من برامج تمكين ومبادراتها وبطريقة قريبة جداً وواقعية.
٢. المستفيدون الحاليون: حيث لا يقتصر الأمر عندهم على اكتساب المعرفة أو الدعم من تمكين، بل سيكون بين يديهم مصدر متجدد من الخبرات ممن هم في نفس تخصصهم واهتماماتهم، مما يقدم لهم طرقاً إبداعية ومتنوعة، بحيث يكون هناك تكاملاً في المشاريع، وتكون هذه الخطوة عبارة عن “حاضنة تلاقي الأفكار” في شتى المجالات  للمستفيدين من برامج تمكين.
٣. المستفيدون الجدد والمحتملون:  ستكون هذه المبادرة عرض حي للمستفيدين من برامج تمكين، بل أكثر من ذلك، سيرى هؤلاء ما بعد الاستفادة، حيث ستكون الأفكار وتبادل العصف الذهني محفزاً أكثر على الإقدام بالاستفادة الذكية من برامج تمكين، بحيث يبدأ مما انتهى منه الآخرون، وبالتالي تكون الاستفادة مدروسة بعناية.

٤. أولوا الخبرة والتجارب الأخرى: ويكون هذا الأمر سارياً على أولي خبرة بحرينيين أو أجانب، ممن يمكنه الإضافة النوعية في هذه المبادرة وتكبير “كرة الثلج”، وتقديم معلومات ودفع جديد في هذا المسار. سواء على جانب التطوير الفردي أو المؤسساتي.



فهم محلي ومحاكاة عالمية
وهذه المبادرة توفّر نقاط المعرفة للمتلقّي، وعليه وصلها. كلهٌ بطريقته، أي توفير الأدوات التي يمكنه من خلالها تكوين ما يود.
Share Your Dots.  Let them Connect them.
ويمكن ذكر تجربة TED.com أو PSFK.com، كأنموذجين مقاربين لما نتحدث عنه، ويكون باسم “تمكين”، وصورته هي “منتدىً تفاعلي” معتمد على المستفيدين من تمكين أو ممن لديه ما يثري المجتمع البحريني من خلال مساحة تحرك تمكين.
مكان  يستضيف فيه متحدثون مع تجاربهم وأفكارهم ورؤاهم، وعرضها في هذه المبادرة، 
بحيث يتم توثيق كل تلك المشاركات وعرضها في قناة يوتيوب خاصة أو عبر موقع إلكتروني يحوي كل تلك  المشاركات، وليبدأ التراكم المعرفي حينها خطوة بخطوة، فكرة بفكرة، وعرض بعرض. لتتشكّل حينها قاعدة معلومات ثرية بها مزيج لا يمكن الحصول عليه من هارفارد أو اكسفورد أو من أي جهة مهما علا شأنها لوحدها فقط، ففي كل مجتمع “مفتاح”، وللمفتاح سنّان مهمّان، هما المحاكاة العالمية في التطوير والفهم المحلي للتغيير.
Global Updating & Local Understanding

وهذه “الخلطة” إذا ما توافرت، فسيكون لها عظيم الأثر في إحداث التغيير في كثير من المجالات وانعكاس ذلك على “العقلية العامة” للمجتمع المحلي، وتبدأ من صاحب المتجر الصغير الطموح المركون في نهاية الشارع بالقرية الفلانية أو ذلك الشاب المندفع نحو التحصيل المعرفي بتخصص يأمل أن يكون له قدم ذو أثر فيه بالبلد. أو رائد الأعمال العامل بكد في تقديم المميز في مجاله ، أو ربة المنزل التي لا تعرف الكلل أو الملل، فتحوّل الوقت إلى مركب تصنع فيه موهبتها وتروّج له وتكتسب منه مالاً.
إذا ما امتزجت كل تلك القدرات والطموح والرغبة والإرادة بتخطيط يكفل نموها، وتطورها وإبداعها، فإننا نقوم بعملية ضرب المعرفة Knoweladge Multiplication ، وهي جديرة بتشكيل عقلية مؤثرة في التفكير المجتمعي وتكوين Socio-Economic فعّال، مبني على فهم  واعي للقدرات والإمكانيات المحلية وقاصدٌ للمستويات العالمية.
بهذه التركيبة الثنائية، بين الفهم المحلي والمحاكاة العالمية، نقّلل من الطاقة المهدورة في تقديم المعرفة دون متابعة أو تدوير، فعقد الندوات أو المؤتمرات وورش العمل  جيدة عموماً، إلا أنها لن تؤتي ثمارها إذا ما تمت متابعتها وضمان وصول تغذية راجعة لا كتقييم للفعالية فقط، بل لمعرفة الأثر بعد ذلك على المشارك.
 المعرفة كالماء، يجب أن يتحرّك، فإذا ما ركد فسُد.
وكذلك المعرفة، يجب أن تتمتع بالتدوير لتنمو وتكبر وتحدث الأثر. ولا يكون ذلك متحققاً إلا بوجود من ينقل المعرفة ومن يتقبلها وهكذا يكون التدوير والحركة.


 

تصنيع الصنّارة، وتعلّم الصيد!
ما تقوم به تمكين للمطلّع يُدرك حجم العبء والتوسع الذي تقوم به، وحجم المسؤلية التي تغيب ملامحها عند كثيرين، ويكفي للباحث المنصف أن يزور موقع تمكين الإلكتروني ويطلع على حجم البرامج والمبادرات والمشاريع التي تقوم بها، فضلاً عن عرضها لخطتها التشغيلية للملأ، وبتفاصيل تُوصل الباحث إلى قناعة بأن الدور الذي تقوم به هذه الجهة كبير جداً ومتشعب وطموح في ذات الوقت.

واعتقد أن العلاقة الروتينية بين الفرد وأي جهة رسمية بالإمكان أن تتغير إلى دور تفاعلي ملموس ابتداء من “تمكين”، وذلك بحكم بعض مبادراتها التي تشكل فارقاً جوهرياً وجميلاً في أسلوب التعامل والتفاعل بينها وبين المجتمع، وأعني بذلك مثلاً مباردة التواصل المجتمعي، ووجود ممثلين لتمكين في مختلف المناطق بالمملكة، وما زالت قاعدة  الممثلين تتوسّع.
ومع وجود وعي ملموس للتوجه نحو ريادة الأعمال أو البدء بالمشاريع الخاصة أو النَفَس الجميل في استحصال الشهادات الاحترافية من قبل العديد من الأفراد، ترتفع وتيرة الاهتمام بتدوير المعرفة وتوسعتها بطريقة أكثر فاعلية وإنتاجاً.
ومن يضع “بيضه” في سلّة واحدة، فقد جانب الحِكمة، وأهمية الوعي بريادة الأعمال والبدء بالمشاريع الخاصة ليس كافياً حتّى، ومقولة “علمنّي الصيد بدل أن تعطيني سمكة” باتت قديمة وغير عملية في زمن، تتسابق فيه الشركات لاستحصال الفكرة الإبداعية، والتصنيع الجديد والابتكار الذكي لكثير مما حولنا، ولو نلاحظ أن حجم الاختراعات يكاد يكون صغيراً جداً بمقابل حجم الابتكارات والتصاميم الصناعية التي لا تتوقف، وهذا عصر التدوير المعرفي، وزمن الفكرة الذكية والتقديم الأذكى. زمنٌ تجاوز الفاعلون فيه مقولة “علّمني الصيد” ليصبح مطلبهم “علمني كيف أصنع صنارة”، ليكون الفرد مصدر إنتاج لا استحصال فقط، ومصدر إبداع لا تشغيل دون سواه. 

وإذا ما زلنا في المرحلة التشغيلية من دعم مادي وأساسيات ف تزويد المعرفة لطالبيها بالصورة الحالية، فهذا جيد لكن نطمح بالمزيد، وبرغم حجم السوق البحريني المتواضع مقارنة بأقرانه في دول المنطقة، فقد بات التركيز على الإنتاج المعرفي هو الرهان في تصدير مُنتج بحريني للداخل والخارج على حد سواء، منتج يتمتع بذراع المعرفة تسانده ذراع الدعم والإسناد.
ومن دون الأخذ بجدية على الأقل في التفكير بهذا الأمر ومن هذه الزاوية، سيكون لدينا قصص نجاح قد نعرضها لتبيان ما أنجزناه من دعم مشروع هنا أو هناك وهو جيد ومطلوب طبعاً، لكنها قصص نجاح تدور في فَلكِ اصطياد السمك، وليس في صناعة الصنارة وتلك خطوة متقدمة، فما دمتَ تملك صناعة الصنارة، فالأداة الفعّالة بين يديك، بها يُختصر الجهد والوقت، ولها يميل كل صياد محترف.
قد تكون مطالبة بنقلة متفائلة جداً أو مبالغ فيها لدى البعض أو سابقة جداً لأوانها، وهكذا ينبغي التفكير فيما بعد عشرات السنين وليس الآن، التفكير خارج إطار الزمن الذي نكتب فيه أو ننتقد أو نعمل أو نخطط له، بل علينا التفكير في الحلم، لأنه الوحيد الذي يثور عن عقال الزمن وحدوده.
ويحضرني قول آينشتاين “الخيال أهم من المعرفة”، فالمعرفة لها حدود وضوابط، أما الخيال فله القدرة على استنفار العقل وقدراته لاكشتاف معرفة جديدة.



قراءة المستقبل، ممكنة

 ومن تلك التصورات والأحلام والتي يبدو أن “تمكين” لها القدرة على الاقتراب منها أو ملامستها، هو توفير “خرائط الخطط الزمنية للأفراد والمؤسسات
 “The Map of Time Planning for Individuals and Enterprises”
MTP4IE   
وقد تناولت ذلك الموضوع  في مقال سابق بعنوان “الخروج من نفق الزمن. كيف نفهم الزمن بطريقة مغايرة؟”
http://jaafar-hamza.com/wp/?p=402 

وخلاصته أن لو كان عندنا الخطة المتوقعة لعام كامل قادم من كل فرد أو مؤسسة على الأقل، فستكون عندنا كثير من التشابكات والمشتركات المتوقعة، والتي يمكن بناء عليها تأسيس تصورات وبذور مبادرات تُفيد تلك الخطط على أرض الواقع، فضلاً عن أهمية مقارنة تلك الخطط للأفراد والمؤسسات مع الخطة المتوقعة لنفس الفترة من “تمكين” واللاعبين الرئيسيين في القطاع الخاص، وكأننا نقارن أشعتي إكس عبر وضعهما فوق بعض، والاختلاف الحاصل بينهما يعطي مقدار الجهد المطلوب بذله  لتجسير الهوة بينهما. ولئن كان هناك عمل سابق لردم الهوة في “فجوة المهارات Skills Gap”
وهو مطلوب إلاأنه في الزمن الحاضر فقط، وما أعنيه من الفكرة المذكورة أعلاه هي ردم الهوة المتوقعة في المستقبل، أي قبل أن تحدث.

تخيّل معي هذا السيناريو الذي يبدو صعباً، حيث يكون عندنا خارطة زمنية لكل فرد ومؤسسة  في المجتمع، وهذا ما يجعلنا ننظر إلى كم هائل من التصورات والتوجهات، تتشابك في كثير من النقاط وتتباعد في أخرى، وبالتالي يمكن حساب نقاط الإلتقاء وما يلزمها، والعمل على توفير الممكن منها والتخطيط لتقديم ما يمكن في المستقبل لها. فإذا كان التوجه مثلاً لعدد معين من أفراد المجتمع هو بناء مطعم ضمن عام أو عامين، فهذا معناه تعدد خيارات المطاعم، وسهولة الوصول إليها إذا تنوع مكانها الجغرافي في المنطقة الواحدة، فضلاً عن رفع سقف المنافسة وزيادة العروض وغيرها من نتائج أخرى.
وتلك المعرفة تستلزم توفير المواد الخام للقادم، من مقاولين وتسويق وعمال نظافة وموظفين للمطعم وتدريب لهم، بحيث يمكن لذلك المجتمع أن يتبنى تدريب الموظفين في مجال المطاعم مثلاً. وهكذا الأمر على بقية القطاعات والأنشطة.
وهذا الأمر تقوم به بصورة ربما مختلفة الدول المتقدمة، التي تضع التخطيط العمراني وتلحقه بالتخطيط السكاني وتتبعه بالتخطيط المهني. 

ولئن كان فيما قلت قفز في الزمن، ومستقبلي جداً، فالحاضر أفضل وقت لذكر المستقبل، وليس سواه.
وعوداً إلى فكرة “المعرفة المنتجة”، ومحاكاة تجربة TED بنكهة “تمكينية” إن صح التعبير، ففي هذه الفكرة مصدر معرفة متجدد سيكون له طويل الأثر مقارنة بالمطروح حالياً من استضافات لخبراء ومتحدثين من الخارج، وهي مهمة طبعاً، لكنها ذات أثر لحظي فقط. 

العالم مر من مرحلة “علمني الصيد” إلى “علمني كيف أصنع صنارة”، فهل نحاكي هذا التقدم؟
اعتقد أنه بإمكاننا ذلك إذا ما عملنا للغد لا اليوم، وتكونت عقلية تدوير المعرفة مني ومنك، وننشر ذلك في أدبياتنا، كتاباتنا، حديث مجالسنا، تشجيع بعضنا على انتهاج ذلك.ومشاركة أي معرفة ذات نوعية لتكون محل اهتمامنا وذات وزن لدينا كحال كثير مما نتناوله سياسياً أو دينياً أو اجتماعياً. 

فعند وهب المعرفة وزناً، تُعطيك الجاذبية اللازمة لتكون مركز التغيير. 

وما حديثي وطرحي السابق إلا ضمن عملية معرفية أكبر، من خلال استنهاض قدرات مكتنزة في جهة يمكن لها أن تحدث التغيير الفعلي في المجتمع. والحركة على طريق به الكثير من فرص النهوض بعقل جمعي SocioEconimic فعّال في المجتمع البحريني،  مع وجود جهة يمكن أن تكون مصدراً لتصنيع الصنارات “تكوين المعرفة”.

* مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي

ابتكار إظهار القيم في شهر محرم 
“أثر” أنموذجاً...




تبقى القيم الكونية ثابتة لا تتغير برغم تقادم الزمان والمكان، كقيم الصدق والنزاهة والأمانة والشهامة والشجاعة والوفاء والصبر وغيرها مما يميز الإنسان عن الحيوان، وتضيف له درجات متقدمة كوجود حي يحفظ له كيانه المستقل ويُديم بقاء كرامته وتطوره وتقدمه والشعور بإنسانيته أولاً وأخيراً.

وبرغم ثبات وجودها إلا أن مساحة تحركها وتمددها وتغلغلها في السلوك البشري لأي مجتمع معتمدٌ أساساً على مقدار ظهورها وقوة حضورها البصري والفكري عند الفرد.
فانتشار قيمة الصدق في السينما والإعلام وعند المشاهير ذوو التأثير لجمهورهم، وانتشار تلك القيمة في مراكز القوة من سلطة ومفكرين وفنانين وغيرهم، يكون لتلك القيمة الحضور الأبرز والتحرك الأكبر، والأمر سيّان فيما نتفاعل معه ونتلقاه وننشره ونعلق عليه ونتعامل معه.
كل القيم سلبية أو إيجابية خاضعة لبيئة نموها وتطورها وامتدادها واحتضانها، فإذا تم احتضان القيم السلبية ولاقت الدعم والترويج الإعلامي وانتشرت بشكل طبيعي بين الناس لها، نمت وكبُرت وتوسعّت وأولدت صورٌ “أبناء لها” ، ليكون “توالد القيمة” حينها، فتنتشر صورها سلوكياً وبصرياً وفكرياً في حديثنا وأدبياتنا وما نميل إليه مما يلتصق في أجسامنا “ملابس” وما هو قريب منها “منتجات” وما هو داخل فيها “أكل وشراب” إلى ما يظهر شخصياتنا ورُتبتنا الاجتماعية والفكرية “كل ما عدا ذلك”..
وليكون الإنسان ضمن “دائرة التأثير الكونية” من خلال وجوده في مكان إحداث الأثر الإيجابي وجمع كل الشحنات الإيجابية من الكون فيه، ليبدأ ميزان القوى يتحرك في صالحه “ قانون الجذب - The Law of Attraction”.
فكانت الديانات  السماوية “خارطة طريق من مصدر علوي” ينظر للأمور من زاوية أوسع ، ليقدم لهذا الإنسان معادلة “الشحن الكامل” في استدعاء كل الطاقة الإيجابية في الكون إليه، ليكون “الخليفة” الذي بيده أدوات “إعمار الأرض” و”تسخيرها” له، ليصل إلى مرحلة “ولقد كرمنا”.
والقيم الكونية الأصيلة والتي دعت لها الديانات السماوية وبعض الديانات الأرضية فضلاً عن كثير من المدارس الفكرية التي ترى في تلك القيم الصورة الأمثل للإنسان ، تلك القيم بحاجة إلى “بيئة” للنمو والتطور والتوسع والتشجّر “أي التشعب والانتشار”، لذا كانت كثير من تلك “البيئات” متواجدة وبقوة في تلك الديانات وبالخصوص الدين الإسلامي لتعزز نمو القيم الكونية ويكون لها الحضور الأكبر في حياة الإنسان، لتضمن قوة “الجذب” لكل طاقة الكون له.
فكانت في الإسلام  محطات متنوعة لضمان ذلك الشحن من خلال زمان ومكان يتمتعتان بخصوصية القدرة في زيادة الشحنات الإيجابية  عبر قيم عليا يحثه عليها.
فالحج وشهر رمضان والعيد وشهر محرم، كلها مواسم زمانية ومكانية بها القدرة الكامنة لزيادة رتم حضور القيم بصورة جلية، لتكون تلك المناسبات بطاريات شحن كبيرة للفرد.
ولا يكون الشحن إلا من خلال إكمال دائرتها، ويتم ذلك عبر ٣ مراحل، وهي:


١. الفهم والإيمان: لا يتحرك تيار التغيير وإحداث الأثر إلا بعد ضمان فهم القيمة وهضمها، ليكون الإيمان بها عن وعي وبصيرة. وهذا الخليط بين العقل والقلب هما مصدر دفع تيار التغيير.


٢. النشر والابتكار: بعد الفهم، تكون عملية الانتشار مهمة لتغليب المفاهيم والقيم الإيجابية في المحيط، والانتشار بحاجة إلى ابتكار لضمان سعته ووقعه في الفرد والمجتمع، وخصوصاً مع وجود التزاحم لقيم سلبية مناهضة لها.


فقد تكون القيم إيجابية، وهي مفهومة ويؤمن بها أفراد المجتمع، إلا أن هذا الأمر غير كاف، وخصوصاً إذا توقف النشر والابتكار، إذ أن التزاحم الخارجي لبقية القيم يضايق هذا الفهم والإيمان ويحصره في زاوية ضيقة، هذا إذا لم يتم إضعافه وتهميشه.
ولا أدل على ذلك من حجم الحضور البصري لكثير من القيم السلبية من حولنا:
إعلام،  سينما، ترويج منتجات، أدب، فن، رياضة، ملابس، أغذية، والقائمة تطول.
إذ يتم ربط القيمة بالمنتج بما يخدم حركة السوق وانسيابية المال لصالح الشركات الكبرى.
ولترجيح قيمة قبال أخرى، يكون الرهان في أسلوب نشرها وابتكار وسائل جديدة   لحضورها وترك أثر بيّن لها في الفرد والمجتمع.
ولشهر محرم قابلية كبيرة في دفع الكثير من القيم لتكون على السطح وبقوة، لتُحدث أثراً، ومحركها المباديء التي اُستشهد من أجلها مترجم الإسلام ومصداقه الأكبر في زمانه، وهو حفيد رسول الإسلام الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).
قيم التضحية والصبر والوفاء وبر الوالدين والصدق والأمانة والوفاء والعفة وغيرها من قائمة تطول من مدرسة الحسين عليه السلام، بحاجة إلى نشرها لكل العالم بطرق مبتكرة ليُعرف الحسين، وليُعرف الإسلام. فمن عرف الحسين سواء كان شيعياً أم سنياً أو غير ذلك عرف حقيقة الإسلام، وقيمة الإنسان فيه.
وما يلزمنا هو تفعيل حقيقي لنشر تلك القيم بطرق مبتكرة، وبأساليب تحدث الأثر قبال القيم الأخرى التي لها نصيب الأسد في الحضور البصري والبروبغندا الإعلامية.
وهذا الحدث -شهر محرم- هي الفرصة المثلى للاستفادة من زيادة منسوب التفاعل مع قيم صاحب المناسبة في قبال ضعف وانخفاض للقيم السلبية الأخرى.
ويبقى السؤال المفتوح لينطلق العقل في إبداعه وابتكاره لنشر تلك القيم بعد ضمان أرضه وجمهوره في هذا الموسم.
ابتكار الإعلام، والمنتجات والألعاب والأدب والفن والصورة والملابس وغيرها من أمور تكون حاضرة في هذا الموسم.


٣. التعزيز والتغيير: بعد أن تنتشر القيمة عبر فكرة مبتكرة تكون في محل تعزيز في النفوس، وخصوصاً إذا كان حضورها قوياً ومدروساً بدقة، ليكون بعد التعزيز للقيمة تغيير في السلوك.
ومن أجمل السُبُل اتخاذ محرم، محطة تغيير إيجابية لدى الفرد، من استبدال قيمة أو سلوك سلبي بآخر إيجابي. كالمحافظة على البيئة وعدم الإسراف والإهتمام بالفقراء ومساعدتهم والإلتفات لليتامى  وتعزيز المحبة داخل الأسرة، فضلاً عن توطيد العلاقات مع الآخر خارج دائرة الطائفة والدين، ولا أجمل من محرم لفعل ذلك. من فعاليات تجمع كل ألوان طيف المجتمع حول قيم موحِدَّة، كالفن (المرسم الحسيني) والإنسانية (التبرع بالدم) وغيرها من قيم لها قابلية الجمع والتوحيد ولم الشمل. وكثيرة ما هِيْ.

ونحن في ماركة “أثر” خارطة طريقنا هي القيم الكونية الشاملة والتي تظهر بقوة في مواسم معينة كشهر رمضان ومحرم خصوصاً، ونشترك مع الآخر في احترام معتقداته كما في ميلاد السيد المسيح، وتتوسع الدائرة لتشمل الإنسان كإنسان، في الشعور بالآخر، احترامه، تقديره، تعزيز الإبداع فيه، التواصل معه، وغيرها من عناوين مشتركة كبني بشر لا أكثر ولا أقل، انطلاقاً من حديث جميل للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): “الناس صنفان، إما أخٌ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”.

ونرى في شهر محرم خصوصاً بيئة خصبة لنشر القيم وتعزيز التلاحم مع الآخر من خلال “اللباس”، فهو أي اللباس اللغة الصامتة والرسالة الساكنة والتي لها القدرة على إحداث الأثر وتعزيز القيم . فكما للحج خصوصية بياض ثوبه، فلمحرم خصوصية سواده.
وليكون هذا السواد خلفية حزن على تهديد القيم وإيذائها والتي تمثلت في أجلى صورها باستشهاد حفيد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وليكون البياض الذي نكتبه عليه هي رسالة قِيَم الحسين لنا وللآخر.
وفي كل موسم محرم، نرى من يلبس السواد وعليه كتابات أو رسوم أو شعارات لا تمت للمناسبة بصلة، ولكون الموسم له طابع خاص، فلا بد أن تكون مظاهره تعكس ذلك، فما نفع أن ُتُرفع رايات مكتوب عليها أقوال وحكم ومواقف على الشوارع والبيوت والمآتم، في حين هي غائبة بصرياً فيما نرتدي، بل يكون ما نرتيده مخالف لما نرفع؟!
فترى شعارات أجنبية تحمل قيماً سلبية، وأخرى ذات محتوى غير مؤدب، وثالثة لا علاقة لها بالمناسبة لا من قريب ولا من بعيد.

والقابلية الكامنة في السوق والمجتمع البحريني هي انطلاقة لتأسيس هوية لباسية مميزة وعصرية ومحتفظة بقيم ذلك الموسم في الوقت ذاته. هوية لباسية، مركزها البحرين وامتدادها بقية مناطق العالم التي تحيي ذكرى كربلاء من أقصى الأرض لأقصاها.
ومناسبة تاريخية لها امتداد على طول الزمكان “الزمان والمكان” ، ولها ذلك الحضور الإنساني العام الذي تستظل تحتها كل القيم الكونية لكل إنسان مهما كان مذهبه وتوجهه، حريٌّ بأن يكون لها الحضور الجاد لمن هو في دائرة صنع الهوية كالتجار والفنانين والمسوقين والعلماء والمثقفين والمهتمين وأولياء الأمور والشباب والأطفال من الجنسين.

قد تكون مناسبة ذكرى استشهاد الإمام الحسين في شهر محرم هي الوحيدة من نوعها التي يتوحد فيها الناس بمظهرهم الخارجي عبر ارتداء السواد، بل هي كذلك حتماً، وهو ما يمهّد السبيل لتأسيس ما ذكرناه من هوية لباسية موسمية

Brand for Seasons Clothes


ومما يمكن طرحه في هذا الجانب لتعزيزه وتثبيته في أوساط الشباب تكوين صورة جديدة لمثل هذا النوع من اللباس بتصاميم عصرية مناسبة وتحمل القيمة،  ومن تلك الصور إقامة عرض لأزياء محرم وألبسته من خلال عمل احترافي ويكون له حضور إعلامي قوي وذكي ومدروس في البحرين وخارجها، لترويج الهوية التجارية الجديدة لمثل هذا النوع من المظهر.
وتكون بادرة قبل شهر محرم وأثناءه من خلال

Fashionable Value Dress for Moharram.


وتكون الهوية التجارية لهذا النوع من الألبسة الطريقة البصرية المعززة حول العالم لقيم كربلاء وعاشوراء وما تعنيه واقعة استشهاد الحسين للعالم أجمع.
ومن الجميل وجود مبادرات سابقة لتأصيل تلك القيم من خلال ماركة “نبراس” سابقاً، وماركة “أثر” حالياً وكذلك ماركة “إكشخ”، وكل تلك الماركات بحرينية.
والحضور البصري المدروس يمكن ملاحظته من خلال فعاليات يقوم بها البعض، من بينها موقع
http://www.whoishussain.org/
الذي لديه الكثير من المبادرات الجميلة في أكثر من بلد، وللأخوة هناك التميز بذوق احترافي ملحوظ فيما يتم تقديمه للجمهور.

ونؤمن بأن سوق اللباس الأسود في شهر محرم قد تكون الانطلاقة لصناعة هوية لباسية تمتد حركتها خارج زمن محرم، لتكون شاملة لما بعد محرم، وتخترن في ذاتها مصدر طاقة متجدد لنشر القيم عبر أقرب شيء يلتصق بجسد الإنسان وهو “لباسه”.

وللباس ميزة التجديد والابتكار والحضور والحركة المرنة في الزمان كما المكان.
وتلك إحدى أهم سبل الابتكار الأساس في تعزيز القيم في شهر مميز كشهر محرم.

لدينا الزمكان “محرم والبحرين وكل أرض تحيي الذكرى”، وبقيت لدينا “النية والتخطيط والفعل”، لنرى بعد حين أن ماركة  خاصة بمحرم، تنطلق لنشر قيم الحسين “عليه السلام” لكل العالم.

 حساب ماركة أثر:

Instagram: atharfashion


ماركة «أثر» البحرينية تُطلق «البيع بالثقة»



تلمح «عربة» عليها أنواع مختلفة من الملابس ويشدك إليها تصاميمها وألوانها المتنوعة، فضلاً عمّا مكتوب عليها من قيم جميلة كالحب والسلام والكرامة والابتسامة وغيرها من قيم ومبادئ، تم تصميمها بطريقة جميلة وجذابة وذكية، مع يافطة مكتوب عليها «أثق فيك».

وعندما تقترب لتشتري، تكتشف أن لا بائع في الجوار، فليس الأمر بالكاميرا الخفية أو أن البائع في إجازة. كل ما في الأمر أن البائع «يثق بك»، ليترك العربة بما فيها من ملابس، لتقوم باختيار ما تريد، وتضع مبلغ ما أخذت في الصندوق المخصص.

صاحب ماركة «أثر» البحرينية جعفر حمزة، يذكر سبب اختياره لهذه الطريقة في البيع، وما قد تمثله من «مجازفة» وجرأة كبيرة في الإقدام على هذه الخطوة، فيقول: «عندما شاهدنا حلقة أحمد الشقيري في برنامجه «خواطر» عن البيع بالثقة، في أميركا وبعض البلدان الأوروبية، كنا أنا وشريكي الأخ أكبر مدن على قناعة بأن ماركة «أثر» هي أفضل من يمكن أخذه وتقديمه للجمهور، لأنها ببساطة تروّج للقيم، وهو ما نؤمن به بعشق، ونتحرك عليه بتخطيط، ليس هدفه الأول الربحية الكبيرة بقدر ما تكون القيم ذات حضور فاعل في المجتمع. لذا خطونا بهذه المبادرة، وتخوّف الكثير ممن نعرفهم سواء داخل البحرين أو خارجها من إقدام البعض على سرقة المعروض من ملابس، وكان ردنا الدائم، نحن نثق فيمن سيشتري «تي شيرت» يحمل قيمة جميلة ومبدأ سام، وقابلون بالمجازفة مهما كانت النتيجة، وهو مؤشر نُقدم عليه بكل أريحية وقناعة، لنعرف مستوى ما نتحدث عنه من قيم بصورة عملية وملموسة، ولسنا وحدنا».

يذكر أن عربة «البيع بالثقة» موجودة في مجمع العالي بالطابق الأرضي، مقابل مجوهرات البحرين


صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4059 - الجمعة 18 أكتوبر 2013م الموافق 13 ذي الحجة 1434هـ

............



  • تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفةالتعليقات 3
    زائر 1 | فكرة روعة 2013-10-18 | 9:32 صباحاً البحرين احوج ماتكون لهذه القيم خصوصاً هذه الايام...

  • زائر 2 | بوركت جهودكم 2013-10-18 | 10:42 صباحاً فكرة رائعة وموفقة بإذن الله 

  • زائر 5 | الفكرة مبدعة 2013-10-18 | 1:23 مساءً شيء جميل ترى من يروّج للقيم التي باتت ان تتلاشى أتمنى هذه القيم تظل ثابته و راسخة عن شعب الخليج بصفة عامة وعند الشعب البحريني بصفة خاصة، ولا سيما بعد التجنيس العشوائي الذي بات يهدد الهوية و المبادئ و القيم

مبتكر ماركة «أثر» يطور خطاً من روح الشرق الأقصى جعفر حمزة: الخط الصعربي... عربي هجين لا تتشابك حروفه!


«ولادته في مطار الدمام بالسعودية، وممارسته في إيران، وترويجه في البحرين، أما روحه فآتية من مزيج سحر الشرق من الصين واليابان ومن هيبة الخط العربي». هكذا يصف جعفر حمزة... مبتكر ما أسماه بالخط الصعربي، دورة حياة ظهور هذا الخط.
يتميز الخط «الصعربي» بمزجه بين الحرف الصيني والعربي، ويقول حمزة «الحرف في هذا الخط مرسوم بشكل جديد مازجاً بين الخط الكوفي وبعض الأشكال في الخط الصيني وبعضاً من انسيابية النسخ.
ويضيف «الكتابة بالأسلوب العمودي، ولست بأول من يقوم بذلك، إذ سبقني إليه الخطاط الصيني المعروف نور الدين بابتكاره خط عربي بالأسلوب الصيني، وكذلك الأخت هاجر في الأنستغرام باتباعها أسلوب الكتابة العمودية».
على رغم ذلك، يؤكد حمزة أن هناك نقطة مهمة ومفصلية في الخط الذي ابتكره تتمثل في «استقلالية الأحرف والتخلي عن الربط والوصل كما هو موجود في أي خط عربي مهما كان نوعه. في الخط العربي هناك ثلاثة أشكال لكل حرف تتغير بظهور الحرف في بداية الجملة أو وسطها أو آخرها. أما الخط الصعربي فيستغني عن ذلك كله، فشكل الحرف واحد لا يتغير مهما كان موقعه، وهو ما يجعل تعلم هذا الخط سهلاً للعرب وغير العرب.
ويضيف «هذه النقطة جوهرية لبرمجة هذا الخط على الحاسب، فعدد الخيارات للأحرف أقل مقارنة بالموجود».
يعمل حمزة على الترويج لخطه عبر وسائل التواصل الاجتماعي «أقوم حالياً بنشر هذا الخط ليكون «مألوفاً» للناس. أطلقت مسابقة «خمنها» في الأنستغرام أدعو الجمهور لتخمين الكلمة المكتوبة بالخط الصعربي للفوز بتيشيرت أو وشاح أو ميدالية مكتوب عليها اسم الفائز بالخط الصعربي أيضاً».
ويضيف «العمل جارٍ على أن يكون له أنواع مختلفة وبسيطة يتمكن حتى الأطفال من كتابته والتعامل معه».
ويؤكد «تلقيت طلبات باستخدام هذا الخط لبعض المحال التجارية التي تعمل في مجال الهدايا، وذلك لكتابة العبارات والأسماء للزبائن».
أما عن دواعي ابتكار هذا الخط فيوضح حمزة إلى أن ما يقول به ليس سوى «إضافة متواضعة جداً في بحر الخطاطين من مشاهيرهم إلى هواتهم، مما يدل على عظمة الخط العربي وقوته ومرونته».
ويشير إلى أن هناك «تعاون ثنائي تحت الدراسة بيني وبين خطاط إسباني بهدف إيصال رسائل محبة وتفاهم بين الشعوب عبر مخطوطات مشتركة باللغتين العربية والإنجليزية».
وأسأل حمزة عما دعاه لابتكار هذ الخط ولترويجه لكونه «ابتكر» خطاً جديداً، في حين أن هذا الأمر ربما يجدر أن يوكل لمن تحرفن الخط العربي بمدارسه الكلاسيكية، فأجاب «الخط العربي ليس نصاً مقدساً لا يمكن تغييره أو إبداع شيء جديد فيه، فضلاً عن أهمية نزع «تابو» ألا يمس الخط إلا الخطاطون المشهورون فقط، وهذا داء كل فن أو أدب إن سرى الأمر بهذه الكيفية. علينا التحرر من دائرة الخوف من الجديد والتعامل معه بحرفية ونقد يبنيان القوة فيه ولا يهدمان أساس التحرك منه».
بالإضافة إلى ذلك، يواصل «مارست الخط العربي منذ المدرسة الابتدائية، ثم عدت إليه بعد أن أسست وافتتحت ماركة «أثر» لتصميم الأزياء وطباعتها، لكنني عدت بنفس مختلف عن المدارس الكلاسيكية المتعارفة في عالم الخطوط المعروفة كالثلث والفارسي والديواني والرقعة والنسخ والريحاني والمغربي والكوفي وغيرها.
ويكمل «صرت أبتدع أساليب خاصة للكلمات باستخدام برامج التصميم، وأطبقها على تصاميم ماركة «أثر» والتي لاقت رواجاً واستحساناً من عرب وأجانب على حد سواء، وهو ما أعطاني مؤشراً قوياً على أن للخط العربي مكامن قوة وطاقة لم نكتشفها بعد، وله من المرونة ما يمكن ابتكار الجديد منه.
فصرت أقوم بالتجربة تلو التجربة، وأبتكر لكل كلمة روحاً خاصة من خط وبيئة لتعطي معناها، وبدا التفاعل واضحاً من خلال حسابي الخاص في الأنستغرام.
حتى بدأت عندي «هلوسة الخط»، فبتُ أشاهد العديد من فيديوهات الخط الصيني والخط الإنجليزي القديم مع ابتكارات جديدة للعديد من الخطاطين من تركيا، وإسبانيا وأميركا والصين واليابان، حتى جاءني الإلهام في وقت انتظار في مطار الدمام، فخرجت أولى ملامح الخط الصعربي دامجاً بين الأسلوب الصيني في الكتابة من الأعلى للأسفل وتشابه بعض أحرفه مع الخط الجديد، وبين روح الخط العربي ورسم حروفه».
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4011 - السبت 31 أغسطس 2013م الموافق 24 شوال 1434هـ

إخراج الأمير من الغرفة المظلمة


تُطعم السماءُ الأرضَ بنماذج تُذكّر أهلها بمكانتهم التي يستحقونها من كرامة وعزة واستقلالية الإنسان المُستخلف في الأرض، المُستعمِر عليها بُنياناً وتطويراً ونشر عدالة وقسط.
تلك النماذج تكون الحُجّة من بين البشر، هي -أي النماذج- أُناس منّا وفينا، يعيشون ذات البيئة التي يخرجون من رحمها لأممهم وأقوامهم، ليعلنوها صراحة بأنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. ما عليك إلا بناء تلك الإرادة للتغيير ليعمل قانون الجذب الكوني 
Law of Attraction
، وتكون محلاً لنزول فيوضات السماء -وهي حاصل جمع الأسباب الأرضية مع الطاقة الكبرى للكون.
عليك أخذ أسباب الأرض بين يديك، ويكفيك النظر للمجتمعات التي ما إن تضع إرادتها للتغيير في أمر إلا وقد انجذبت لها دوائر التحسين والتطوير فيما يقومون به.

صنع الجاذبية
فالقدوة وجودها فطري ومهم، لرفع معيارية التغيير عند المجتمع، فلا يخلو أي مجتمع أكان متطوراً أم متخلفاً من اقتباس قيمة له من قدوة يضعه نصب عينيه ليكون المعيار الذي ينجذب إليه ويعمل له، بل لا تخلو أي مدينة بها عمق التغيير في التاريخ وبها مصاديق التغيير وإحداث الأثر من نموذج القدوة في تراث أو تمثال أو أسطورة أو قصة أو سلوك مقتبس أو عقل جمعي مُمارس.
ولا تخلو المجتمعات ذات الصبغة الدينية في انطلاقة حركتها من هذا المفهوم، وليس هي ببدع من ذلك كله، وإن اتخذت صفة القداسة في الأمر، إلا أن الثابت هو وجود تلك “المعيارية” الموضوعة، مع فارق جلي، وهي صفة الارتفاع في تلك القدوة، فيتم إسباغ صفات خاصة بها لا تكون في البشر عامة، من قبيل المعاجز والكرامات والحبوات الروحانية، ومع وجود تلك المعاجز في سير الأنبياء، وهم أعظم الرتب في مفهوم “القدوة”، إلا أن تلك القدرات تأتي في سياق تثبيت العدالة والكرامة للإنسان لا غير، تأتي كقدرة مساندة لرسالة النبي فيما يقوم به من تغيير اجتماعي يصطدم بكثير من الأحيان بل غالباً بتحجّر العقل الجمعي في بيئة النبي، مما يلزمه “صدمة” تُخرجهم من غرورهم الجماعي، وتُوقظهم من سبات تلك البرمجة فيهم، حالهم كمن كان في سُكر أو كالذي توقف قلبه، فتلزمه تلك الصدمة الكهربائية لاستنفار عضلات قلبه للحركة من جديد.
وتأخذ تلك المعاجز والكرامات محلها ك”صدمات” في المجتمع بحسب الموقف والسيناريو الذي يكون فيه النبي، والأمر منوط بالسماء في حكمة خروج تلك المعجزة في الوقت والمكان المناسبين. وعندما نعود للقرآن الكريم، يتضح أن اختيار نوع المعجز وإلى من يتم تقديمه ومتى وأين هو اختيار السماء عبر النبي أو الرسول الذي يعمل على تحقيق الرسالة الكونية الثابتة التي لا تتغير “الاستخلاف والاستعمار”، وهو ما يلزم مصارعة القوى الثلاث في كل مجتمع والتي تعتبر رسالة السماء تهديداً لمصالحها، وثالثة الأثافي هي:
المال والسياسة والدين. ونتيجتها “السُلطة”.

ما سر علي؟
ذلك في سير الأنبياء والرسل، فما خطب إنسان قدوة لكن ليس بالعادي وليس بنبي أيضاً؟
أين يمكن وضع هذا الأنموذج القدوة الذي يرتفع عن الإنسان العادي ويقل عن نبي؟ هو من سنخ روح النبوة ولا يأخذ عنوانها “يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي”.
ما سر هذا الإنجذاب لشخصية تربت على يد خاتم الأنبياء وحظيت باعتناء خاص وشديد لدرجة دفعت بعض صحابة الرسول للحديث عن هذا “الاستثناء” الذي يقدمه النبي لهذا الإنسان، وهو الإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام” وهو ابن عم النبي الأكرم “ص”؟
نعتقد لأننا نرى الإنسان الكامل فيه دون أن يكون نبياً، أي أن السماء تقدم نسخة مطورة للإنسان غير الأنبياء.
ترى في علي الإنسان الكامل، الإنسان الجامع لقوس الله فيه باختلاف كل ألوان الطيف، وهو ما ندر أن يوجد في إنسان. فهو إنسان الحرب كأسد هزبر، وتكون شجاعته اللامعتادة عاملاً أساسياً في بقاء خاتم الرسالات “ضربة علي يوم الخندق تعادل عبادة الثقلين”، ويختصر النبي الأكرم موقف الإمام علي “ع” في تلك المعركة بأن يختصر فيه الدين كله “برز الإسلام كله للشرك كله”، وذلك في معركة الخندق حيث برز الإمام علي “ع” إلى عمرو بن ود بعد أن استعرض الأخير قواه ونادى بالمبارزة، وكانت نقطة التحول حينها في علي بعلم النبي.
فلا غرو أن ترى كل منصف يعشق هذا الإنسان، ولو لم يكن حتى مسلماً، فعلي تتكثّف فيه قيم الإنسان الكامل، ففيه الفارس البطل، وفيه العطوف على اليتامى، وفيه صاحب البلاغة، وفيه السياسي المحنك، وفيه المتصوف، وفيه الرجل العملي والحركي، هكذا إنسان جامع لمثل هذه الصفات، ينجذب إليه كل امرء على الفطرة ومنصف. لأن فيه “فطرة الله وصبغته” ومن أحسن من الله صبغة؟!

تحطيم ثالثة الأثافي
وكما هو محل جذب العاشقين للكمال، فهو مصدر تهديد لا يتوقف للمطففين في العدالة للإنسان، والمصادرين لكرامة بني آدم، والمتمصلحين من وراء كل حيف، وبانوا بروج الفراعنة والمستأثرون بثلاثية التحكم بالعقول في قواها المالية والسياسية والدينية.
فكان علي ظل للنبي، فهو فرع من أصل، كانا يدكّان عرش الهرم السلطوي المتحكم في المجتمع العربي حينها، فالقدرة المالية كانت في يد قريش، وكذلك السلطة الدينية والأمر سيان على السلطة السياسية. ورسالة النبي الأكرم كانت تشكل ثورة تزلزل ذلك الهرم من أساسه، فالمساواة المجتمعية بين الفقير والغني معناه تقويض هيبة التسلسل في القوة عند قريش، والتبشير بدين جديد مخالف لدين القبائل العربية حينها يعني طي صفحة التربع في مركز السلطة الدينية وما يتبعها من قوة مالية واجتماعية.
وكما قوّض النبي ثلاثية السلطة في قريش “المال والدين والسياسة”، فقد واصل تلميذه المنتجب الإمام علي “ع” تلك السيرة، ودفع فاتورة حقد طويلة لا تنتهي إثر قتاله ذلك الثالوث، فكان الإنتقام من تلميذ النبي بسبب قتاله لبرجوازي قريش وأعمدة سلطتها العسكرية فيها، ومع غَلَبة الإسلام، إلا أن كثير من النفوس لا تغفر وترى في علي “قاتل” لأهلها، فكان التخطيط يمضي على قدم وساق للتخلص منه، ولا أدل على ذلك من خطابات أعدائه والتصريح بدوافعهم، والتحشيد لإنهاء حياته. ويمكن العودة للتاريخ لمعرفة موقف معاوية بن أبي سفيان من الإمام علي “ع” وتخطيط قتلة الإمام له.
ولم يقتصر الأمر على تصفية علي جسدياً، فهو أكبر من ذلك، إذ أنه مشروع حياة، يمتد في نسله وأتباعه ومريديه، لذا كان سبه على المنابر ممتداً لثمانين عاماً ليرضع على ذلك الصغير ويشيب عليه الكبير، أي أن هناك غسيل دماغ جمعي تجاه صنو النبي وتلميذه الأنجب بطريقة مكثفة تم استخدام قدرات الدولة الأموية في أجهزتها الإعلامية وتسخير بيت مال المسلمين لذلك، فضلاً عن العمل الدؤوب من أجهزة المخابرات والشَرَطة، واختلاق النصوص الدينية وتشويهها وتطويعها من قبل أجهزة السلطة الدينية المتمثلة في وعاظ السلاطين والمناهج الدراسية وخطباء الجمعة. كل ذلك لتشويه سمعة هذا الإنسان ومحاربة منهجه في العدالة الاجتماعية قدر المستطاع.
حرب بالوكالة
ورفع السقف
نتحدث عن صراع قيم لا ينتهي، صراع الحرية والعدالة وكرامة الإنسان بتجرّد عن الإنتماء القبلي والسياسي في قبال منهج قبلي لم يستطع الإسلام تنظيفه من عقول كثير ممن دخلوا الإسلام دون قناعة أو دون فهم، بل جعلوا الإسلام مطية لمصالحهم بعد أن بزغ نوره وبسط حضوره في ربوع الصحراء العربية وما بعدها، لإنسانيته التي كانت المغناطيس الأكبر للناس ليدخلوا فيه طواعية.
لم يكن بالإمكان محاربة قيم النبي الخاتم جهاراً، فكان علي محل الضربات والطعنات والهجوم والتشويه والتهميش، ويعلم أعدائه قبل أصدقائه بأنه امتداد لخط النبوة فيه كمثل هارون من موسى. لذلك رأت السلطات المتكونة بعد رحيل النبي وظهور تطرفها الواضح في جماعات “تكفيرية” والمتمثلة حينها في “الخوارج” فضلاً عن بروزها بصورة أكبر في سياسة دولة بأكملها، كما الأمر في الدولة الأموية.
إن مشكلة علي “ع” هو أنه رفع سقف التوقعات للناس عندما كان عليهم حاكماً وحقق ذلك وأكثر، مما يُحرج أي حكومة أو سلطة تأتي بعده ولا تفي ببعض حكومة علي المثالية الواقعية، في التعامل مع المعارضين، مع الولاة وممثلي الحكومة في مختلف الأقطار، ومع سياسة توزيع الثروة، والتعامل مع الأقليات، ومنهج تطوير الأرض واستثمارها، والإبداع في النظم الاجتماعية، وسياسة إصلاح السجون وتعزيز حقوق الإنسان وغيرها من عناوين عمل علي “ع” فيها ما أسعفه الزمن، والذي كان العدو الألد لمناوئيه، فكلما طالت تجربة علي ع” وحكومته، فإن سقف التوقعات يرتفع أكثر وأكثر، وهو ما لا قدرة لأي سلطة “برجوازية” ومصالحية ومتشددة دينياً أن تقوم به، فكان الأجدر التخلص من هذه التجربة لكي لا يستمر ارتفاع سقف التوقعات وتحقيقها بيد علي.
قد كان الخطر الأكبر من علي هو ذلك الرفع للسقف والذي لا يستطيع كثيرون ممن يمسك السلطة أن يصل إلى عُشرها فضلاً عن نصفها أو كلها.

علي، وقفٌ للإنسانية
إنّ أكبر ظلامة لصنو النبي وخليفته وابن عمه وتلميذه الأنجب والأقرب هو أن نحصره لطائفة دون أخرى، أو لمدرسة دينية دون غيرها. تلك الظلامة يشترك فيها اثنان، أولئك الذين “يحتكرون” علياً لهم بنسب أنفسهم إليه اسماً لأنهم يؤمنون بخلافته المباشرة بعد النبي “ص”، وأولئك الذين “يتركون” علياً لأن الفريق الأول قد رفع رايته باسمه.
فعلي لا يُحتكر كما أنه لا يُترك، تلك الثنائية الغريبة التي تحوّل علياً إلى أيقونة تميز بين مدرسة فكرية وأخرى ضمن دين واحد، ففي حين ينبغي أن يكون علياً لكل البشرية، تم حصره في الإسلام عامة وفي مذهب التشيع خاصة، مما يجعل الإنسانية أن تسأل من احتكره أو همّشه ونساه: أنّى لكم الحق في “تغييب” عليٍ عن المجتمع البشري ككل؟
كل أنموذج يقدم للإنسان قيمة مضافة يكون مُلكاً مشاعاً لكل العالم دون استثناء، فنرى مقولات غاندي ومانديلا وتيريزا وغيفارا وآينشتاين وغيرهم مشاع في كل العالم، في حين نرى أن الأمر يتوقف وتتعطل تلك المعادلة عند علي “ع”، وتلك ظلامة كبيرة للمجتمع الإنساني عندما لا يعرف علياً في منهجه السياسي -بالرغم من اتخاذ وصيته لمالك الأشتر كميثاق عالمي وأنموذج جميل ودقيق لحقوق الشعوب والأقليات-، وعندما لا يُعرف علياً في منهجه الأخلاقي، ولا يُعرف في منهجه الاجتماعي والإصلاحي والعرفاني والبطولي والعلمي والروحاني، وغيرها من جوانب شخصيته، والتي إن تم تسليط الضوء عليها كان شحيحاً، وإن برز بدا متواضعاً، وإن خرج كان وقفاً على لغة واحدة لا غير. من يظن أن علياً للشيعة فقط، فقد ظلم نفسه بحرمانها من علي، فعلي للإنسان أياً كان دينه ومجتمعه وتوجهه.
ومن أجمل ما يمكن أن يوصف هذه الحالة، ما قاله الشاعر المسيحي “بولس سلامة”:
لا تقل شيعة هواة علي ..إن كل منصف شيعياً.
هو فخر التاريخ لا فخر شعب ..يصطفيه ويدعيه ولياً.
ونقول “أن كل منصف هو شيعي لعلي، وليس كل شيعي هو منصف لعلي”
ونهمس بجرأة الأخ الناصح لكل شيعي بمعناه العرفي الموجود: نَسَبك الشيعي ليس شفيعاً أو طوق نجاة وليس خارطة طريق بناءة ما دمت تحتكر علياً لنفسك، لأن ذلك قمة الأنانية، وهي القيمة التي لا يرتضيها علي لمتبعيه ومريديه ومحبيه و”شيعته”.
وكما نهمس بقلب المحب الشفيق لغير الشيعي “العُرفي”: لا تخسرنّ علياً بسبب أن غيرك رفع اسمه هوية له وأعلنها جهاراً. أليس الحكمة ضالة المؤمن، ومن أولى أن تجد الحكمة فيمن علّمه النبي ألف باب من العلم، ومن كل باب فيه ألف باب من العلم؟
أي عاقل يترك بئر المعرفة هذا؟

صلب علي بين شيعي وسني
هناك من يحتكر علياً لنفسه وكأن لديه “صك أمان” ويسبغ على نفسه هالة الاتباع وضريبة ذلك وبرمجة جماعية عليه دون الفهم العميق المميز لمنهج علي “ع”، منهج “لا تكن صلباً فتُكسر ولا تكن ليناً فتُعصر”، ومنهج “أعينوني بصبر واجتهاد وعفة وسداد” وسبيل “وعليكم بنظم أموركم”، هذا فضلاً عن سيرته النبيلة في تطوير المجتمع الإسلامي مهما كان موقعه السياسي، عبر نصح الخليفة وصد المظالم ونشر ثقافة الإسلام الأصيل بتعزيز كرامة الإنسان ورفع شأنه، وذلك عبر شعاره الكوني “الناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”.
لا نود أن نصلب علياً على خشبة معرفتنا الأنانية تارة أو من جهل ابتعادنا عنه تارة أخرى.
كيف لشخصية لصيقة وظل للنبي محمد “ص” تكون هي الفارق الأعظم بين المسلمين؟ بين شيعة وسنة؟!
بدل أن يكون بقاءه مُلهماً للجميع، سني شيعي، زيدي، أباظي، سلفي ، إلخ من قائمة من يود الحكمة ويبحث عن مظانها. أبعدنا علياً كأنموذج حي للحكمة والتغيير وسياسة الإصلاح وهو أنجب تلامذة الرسول “ص” والمسموع رأيه ونصحه ومشورته من قبل الخلفاء كأبي بكر وعمر، ومقولة الخليفة الثاني معروفة في حقه “لولا علي لهلك عمر”. في دلالة على تواصل بينهما ونصح واستماع من أجل هيبة الدولة الإسلامية الغضة آنذاك، ولم يغفل علياً ذكر ما يراه حقاً له في الخلافة في أكثر من موقع، ومع ذلك، يكون الناصح الذي لا يتردد في تقديم رأيه للخليفة الرسمي في زمانه.
فيتحدث عن حقه ويحافظ على بيضة الإسلام بتواجده المنتج للدولة آنذاك، فلم يعتزل العمل السياسي يوماً، فمنهجه إصلاح الإنسان أينما كان، ولم يتوقف عن ذلك يوماً، مذ فتح عينيه في بيت الله مروراً بصحبة النبي كظله إلى أن انتقل للرفيق الأعلى في بيت من بيوت الله أيضاً، وكأنه يُكمل دائرة العطاء المتفرد منه لهذه الدنيا، من نقطة مقدسة ويُنهييها في نقطة مقدسة أخرى، وما بينهما
نظلم أنفسنا بظلمنا لعلي إذا احتكرناه في صندوق الإنتماء المذهبي، ونظلم أنفسنا أكثر إذا ما زهدنا فيه والأخذ بمنهجه ورأيه وأسلوب تفكيره.

علي محاصر في غرفنا المظلمة!
يلزمنا الخروج من الغرفة المظلمة التي حصرنا علياً فيها؟غرفة الأنا التي نقرأ علياً من خلالها، ولا نقرأ علياً لها، وشتّان بين الأمرين.
إن الأمة التي لا تُحيي عظمائها عبر ذكرهم ونشر قيمهم، هي أمة فقيرة بِحُمق.
كقوم على نفط، يأخذون ما يتسرّب منه لحاجاتهم البدائية، دون استثمار حقيقي له عبر التنقيب عنه والصناعة منه والتجارة فيه.
عليٌ ترجمان لخط الله على الأرض، وهو الخرّيج الأول لمدرسة النبي وتربيته، فلا غرو أن يكون فيه فيض من عبق النبي وسبيله.
والمسلم الحكيم من يتلمّس الأقرب فالأقرب من منهج خاتم المرسلين “ص”، والعاقل من يرى ويقرأ ويفكر بأي منهج يفكر علي، وأي عطاء قدمه، بل كيف نوظف كل ذلك لمصلحة تنمية المجتمع وتطوره.
فلنقرأ علياً في منهج حكمه ورسالته لمالك الأشتر، والتي اُعتبرت منهجاً ووثيقة للدولة العادلة والحكيمة، ولنقرأ علياً في زهده ومناجاته، ونطلع على معاني وعمق دعاء كميل المُبهر لغة ورسالة وجمالاً، وفي سياسته الاقتصادية وهو القائل “ما جاع فقير إلا بما مُتّع به غني”، ولنقرأ علياً في بطولته وسياسته الحربية، فهو المحارب الجسور والإنسان الرؤوف.
لنقرأ علياً كما اطلع عليه “جورج جرداق” المسيحي، لنقرأ علياً كما رآه العقاد السني، لنقرأ علياً كما تعمّق فيه شريعتي الشيعي، لنقرأ علياً بتجرّد عن كل أوزاننا التي تجعلنا نتثاقل إلى الأرض بعيداً عن فهم علي واستثمار فكره ومنهجه في حياتنا اليوم.
وما علي إلا ظل للنبي، وامتداد حقيقي لمنهجه في السلم والحرب، في نصحه للصحابة ومساندته بالتصويب للخلفاء، لأنه ينظر بعين الله، وعين الحكيم المهتم بالمصلحة العليا للأمة لا للشخص.
عليٌ أسكنّاه في غرفة مُظلمة، معنونة بالتشيع تارة وبالتسنن تارة أخرى، علينا إخراجه منها، لنعرفه أكثر ونستلهم منه..
وطالما عرفناً علياً، فإننا نفتح الأبواب على مناهج وعلوم لم ندركها من قبل
“علمني رسول الله ألف باب من العلم، يفتح من كل باب ألف باب ممن العلم”.
وأي حظوة لمجتمع مُكتنَزٌ فيه شخص كعلي، وهو الأولى بدراسته وفهمه وتقديره وتطبيق رؤاه؟
وما كل ذلك إلا ترجمان للنبي في رسالته.


"بين انتظار منتج وتفجير جسد" ... كيف تتحول الحاجة إلى رغبة؟


لماذا لا نتوقف عن استهلاك منتجات جديدة وهي تؤدي نفس غرض ما بين يدينا من منتجات، لمَ لا نكتفي بما لدينا؟! 

 أليست المنتجات المتوافرة قبل سنة تفي بالـ "حاجة" Need؟! 

 ما الجديد في معجون الأسنان من قبل عام مضى إلى الآن؟ هو معجون يؤدي "الغرض" وكفى؟! 

 

 والأمر يسري على كل منتج صَغُرَ أو كَبُر. مع ذلك نظل نستهلك دون توقف، ونكون في "عقل جمعي" لاستمرار شراء منتجات جديدة بالرغم أن ما يسبقها يفي بالغرض. 

 ما القوة المحركة في هذا العقل الجمعي العام الذي يرسم له طريق "الشراء" و"الاقتناء" بصورة متكررة؟ سواء لأساسيات أو كماليات؟ 

 

 وبالمنطق فقط، فإن العمر الافتراضي للمنتج لا يسعه الإنتهاء حتى تكون قائمة الخيارات من نفس المنتج ومن نفس الهوية التجارية Brand على رفوف المتاجر وتم إعلان "النفير البصري" له عبر الإعلانات والعروض. 

 هنا يغيب المنطق، وتحضر "الرغبة Desire"، والتي تعمل عليها وسائل الإعلام عبر تثبيت "الرسائل االضمنية Subliminal Messages" التي تربط المنتج برغبة لدى الإنسان ربطاً شرطياً، فيكون الجمال مرتبطاً باستخدام هذا النوع من الشامبو مثلاً، أو ربط الإقدام والجرأة بهذا المشروب، وهكذا تتم عملية العنونة-وضع العناوين- أو ما يسمونه ب Labeling فتتمثّل الرغبات مع القيم في هيئة منتج أو خدمة للهوية التجارية.

 

 

 وأكبر عاملين مؤثرين في استمرار عملية الاستهلاك من هوية تجارية بذاتها، هما:

 

 ١. الحضور البصري المكرر أو الذكي أو كليهما للهوية التجارية، بحيث تكون جزء من جدولة النظر للفرد خلال يومه لفترة معينة. ولهذا الحضور المكثف مساحة من مخزون الذاكرة للفرد والتي يتم تقديمها بربط شرطي واضح بين المنتج أو الخدمة مع الرغبة Desire والتي يرتفع مستواها لتكون قيمة Value. وعندها يكون الارتباط أكثر والعلاقة أوطد.

 

 ٢. التجربة وحديث الناس Word of Mouth WOM وهو الداعم الأكبر إن لم يكن رقم واحد في تثبيت العلاقة بين الهوية التجارية والرغبة أو القيمة. وعند انتشار فكرة "الربط" بهاتين الكيفيتين، تتولّد قوة الإقتناء لدى الفرد وبدرجات مختلفة. عندما تريد تثبيت فكرة، عليك بربطها برغبة أو قيمة أو كليهما معاً لتكون محل اهتمام الفرد.

 

 وبالمثل هناك منتجات فكرية وسلوكية تنتجها السياسة والعلوم والدين، ويكون الفرد ضمن شبكة ربط علاقات متتالية ومتراكبة ومعقدة أيضاً، فيتم ربط "مفهوم أو عنوان" ما بفرد أو جهة، لتتولّد حينها الصورة النمطية Stereotype، وتكون بمثابة ملصق ثابت يستحضره الفرد عندما يتعامل مع الطرف "المُلصَق" عليه تلك الصورة النمطية، ويأتي السلوك الخاص بهذه الصورة تباعاً سلباً أو إيجاباً أو غيرهما. إن القدرة على ربط السلوك الفردي وفق عناوين مبرمجة أصبحت آلية جِدُّ خطيرة، يستخدمها خبراء التسويق النفسي في جعل الفرد مرتبط عاطفياً وسلوكياً بمنتج ما، فتراه ينتظر بشغف نزول "منتج" جديد على أرفف المحال التجارية، وترى تلك القوة في الربط موجودة و"مربوطة" في الذين يُقصون الآخر ويُنفونه بقتل أو تصفية أو تعدٍّ على معتقدات الآخرين، كون ذلك بمثل "قيمة عليا" ارتبطت برغبة استندت على حاجة في مثلث ماسلو "الحاجة إلى الإنتماء"! وهكذا تتسع أو تضيق مساحة "الربط"، بين مُنتظرٍ على قارعة الطريق لأجل منتج جديد، وبين مُفجِّرٍ نفسه في منتصف الطريق لأجل أن يكون "شهيد"!! 

 

 

 وما يجمعهما معاً هي القدرة في تحويل "الحاجة" عندهما إلى "رغبة"، والأخيرة هي مُحرِّك انجذابها لما يودان فعله. 

 ولإعادة أي سلوك منهما، علينا تفكيك مكوناته ودوافعه، لفصل الرغبة عن الحاجة، وتحوير الرغبة إلى سلوك جديد يمكننا صنعه وتشكيله والتنبؤ به، إذا ما أعدنا العلاقات الشرطية الأساسية من جديد. 

 

 فلو كانت الرؤوس الصلعاء هي "الموضة" وترتبط بالشجاعة أو الحكمة أو الأناقة عند الرجال، لبارَت وتضعضعت P&G، وهي مارد صناعات منتجات العناية الشخصية في العالم. ولو كانت الأحذية المسطحة دون كعب للنساء هي "الموضة" لتكسرَّت الكعوب العالية في مصانعها وما خرجت للعلن أبداً. 

 

 وما يحكم كل ذلك ويجعله يستمر؟ 

 علاقة الرضا المعلنة وغير المعلنة بين المنتج والمستهلك، فالمنتج يقدم جديده على المستهلك بألف طريقة وطريقة والأخير يتجاوب ويشتري، ولهذا فإن المنتجات من نفس الهوية التجارية لن تتوقف، ما دامت دائرة الاستهلاك متحركة، والسلوكيات والمواقف مهما كان نوعها لن تتوقف ما دامت تتغذى من معادلة تحويل الحاجة إلى رغبة. 

 

 والأمر بيد أحدهما، إما أن توقف الشركات أو الجهات اللعب بصناعة العلاقات والربط الشرطي وهذا لن يكون، فذاك مصدر دخلها وتخمتها، وإما أن يتوقف الفرد عن استهلاك ما لا داعي له ويكسر تلك الدائرة، وتكون المبادرة ورسم سياسات السلوك القادمة الاستهلاكية والمجتمعية منه هو لا من كبرى الشركات أو من مصدروا الفكر الإقصائي الأسود. 

 

 وتجارب وقضايا تغيير تلك المعادلة كثيرة في العالم، من بينها قضية بدأها مواطن أرجنتيني ضد أكبر شركات إنتاج البيض في بلاده، والمحتكرة له، وكسب التحدي وفرض معادلة جديدة يكون المستهلك فيها هو الرابح الأكبر. والأمر بين يديك، إما تكمل دورانك في هذا المسلسل، أو تعيد رسم قصته، وثمن ذلك تعب وجهد الكبيرين. فاختر!!

 

 

 

 

 

 الصورة من كتاب Buy.logy Truth and lies about why we buy By Martin Lindstorm

 

من قال أن حمامة الحي لا تُطرب؟! موقع ” لوغونون” تجربة طموحة بنكهة عربية



 

ما إنْ تزوره حتى تحسب نفسك في موقع أجنبي لاحترافيته وتنظيمة وجمال إخراجه وببساطته التي يعرفها ممن يتردد على تلك المواقع الاحترافية في مجال التصميم وابتكار 

الشعارات.

Logos

 

وقد اتخد مصمم الموقع وصاحب فكرته الشاب البحريني  المبدع ابراهيم جعفر مع شريكه المصمم محمود العالي المزج الذكي بين الاسم الأجنبي واللمسة العربية فيه، مما يشد انتباهك ويدفعك لمعرفة المزيد، ولتكشف اللثام عن سر هذا الشعار الغريب مع الاسم، لتفتح لك مغارة علي بابا الإبداعية.

 

ذلك هو موقع

logonon

 والذي يعتبرالموقع العربي الوحيد الذي يجمع الشعارات العربية مع المصممين العرب بصورة احترافية، ويعرض أعمالهم، وهناك مساحة للمشاركة والتعليق، مما يجعل هذا الموقع متفرداً في فكرته وطريقة طرحه.

 

فعلم تصميم الشعارات والاحتراف فيها، يراه  كثيرون مقتصراً على الغرب دون العرب، لما يولونه من أهمية ودراسة، وإقامة مؤتمرات ومعارض وتدريسه في مدارسهم  وتقديم دورات تدريب و حديث مختصين عنه وتأليف كتب حوله ومقالات وورش عمل ومسابقات والقائمة تطول. 

 

فكانت تلك البيئة الخصبة التي يتولد منها المحترفون في تصميم الهويات التجارية أو الشعارات عموماً. 

والسوق العربية بوجود هذا الكم الهائل من المشاريع المتسارعة والتي ما إن ينتهي أحدها حتى يبتدأ تاليها، بحاجة إلى ”حرفنة” في هوياتها التجارية لتتناسب مع المستوى العالمي في تصنيع الهويات التجارية.

 

ومن أساسيات القيام بذلك، هو توفير بيئة التكامل والتواصل والمشاركة بين المهتمين والعاملين في هذا المجال، لذا نؤمن بإن موقع 

logonon،

يمثل إنطلاقة ضرورية إذا ما أردنا الحديث عن رفع مستوى التواصل البصري الاحترافي لأي هوية.

 

فعِلْم الشعارات والتقديم الذكي لها أصبح محيطاً بنا من كل جانب، من فرشاة الأسنان حتى الطائرات، بل له المكانة بالتعريف والتوصيف والتقديم لأي مشروع أو مبادرة أو حدث.

 

وموقع مثل موقع

logonon

يرفع من ذائقة الإنسان العربي وتجعله يستشعر بجمال ومعنى الهوية التجارية بأسلوب احترافي جميل.

فالشعار هي “أول نظرة” من الفرد لأي هوية تجارية وهو عنوان الكتاب كما يقال. لذا كانت أهميته كبيرة جداً في الاهتمام والعناية والمنافسة. 

ويطمح هذا الموقع لإصدار كتاب يضم الشعارات العربية، والذي سيعتبر أول كتاب من نوعه إذا تم ذلك فعلاً، ويمكن اعتباره مرجعاً عربياً جديداً لمدارس التصميم في المعاهد والجامعات ليس في الوطن العربي فحسب، بل في دول أخرى كونه منتج ثقافي احترافي جديد في عالم صناعة الهويات التجارية.

 

لقد أصبح الفرد أكثر ذكاءً ووعياً بما حوله نتيحة التراكم المعرفي ومجانية الإطلاع وانفتاح العالم، وما موقع

Logonon

إلا استجابة ذكية لهذه المتغيرات في أحد أهم مجالات العمل والتسويق، وهو مجال صناعة الهويات التجارية

Brand building 

موقع عربي طموح، اتخذ من اسمه تبياناً للهوية بأسلوب عالمي، فدمج بين 

Logo

كاسم أجنبي للهوية البصرية "الشعار”، وبين النكهة العربية الخاصة فكانت

Noon

 "نون" حرفاً عربياً أصيلاً فيه

وهو مستمد من الآية القرآنية الكريمة "نون والقلم وما يسطرون"

ذلك هو قمة الإبداع أن تتماشى مع المتغيرات دون أن تفقد هويتك فيها.

 

 

 

 

 

كيف أغير؟ نظرية السقوط الحر والتموج الأفقي



 

 مجموعة لفتات ذاتية المنشأ من الكاتب تتناول فلسفة التغيير في المفهوم القرآني عبر التأمل في آياته. واستنطاق الطاقة الكامنة في الكون عبر الفيزياء الرياضية في تعزيز فهم سُنة الله، وهي أهم أساس لحركة التغيير، حتى لغير المؤمنين بالله والذين يعملون بها حتى مع عدم إيمانهم بها. 

 

 مقدمة التغيير ...  

التغيير هي حركة انتقال من نقطة إلى أخرى، وليس بالضرورة أن يكون أقصر الطرق بينهما هو خط مستقيم كما في المفهوم الرياضي البحت. فذلك المفهوم يسري في عالم ثنائي الأبعاد، أما في عالم ثلاثي الأبعاد أو حتى أكثر، فأقصر الطرق بين نقطتين يمكن تحقيقه بغياب المسافة بينهما، وذلك بطي السطح التي تقع عليه النقطتان، كما لو فعلت ذلك في ورقة مرسوم عليها نقطتان، فعبر طيها تكون قد أوصلت النقطتين بلا مسافة مطلوبة بينهما. مما يعني أن التغيير له ألف طريقة وطريقة، لكنه يتبع قاعدة كونية موحدة ولها عناصرها المتغيرة والثابتة، وفي هذه اللفتات سيكون الحديث عن تلك المعادلة الكونية والتي تم ذكرها في القرآن الكريم بصورة واضحة جداً. والتي أسميتها "نظرية السقوط الحر والتموج الأفقي" للتغيير. سيتم طرح ثلاثية "لماذا؟" و"لمن؟" و"كيف؟" ضمن هذه الحلقات البسيطة والتي تم تقديمها من قبل "كمحاضرة مع تصرف يتناسب مع نشرها للقاريء. .... 

أسئلة الوجود الثلاثة وخلق التموجات.
 لمَ نحن هنا؟! وإلى أين متجهون؟! وما المطلوب منا خلال وجودنا الأرضي؟! 
 معرفة جواب هذه الأسئلة ستشكل "خارطة طريق-Road Map" واضحة المعالم للإنسان من أجل أن يكون وجوده ذو هدف وغاية ضمن نظام كوني دقيق حد الإعجاز في كل تكوينه. 
 لماذا؟ الجواب القرآني للرد على السؤال الوجودي الأكبر هو "وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون" المهمة واضحة لمخلوقَيْن عاقلين هما الإنس والجن معاً، مع أفضلية وتعاظم مهمة البشر، فالتكليف الأول عليهم، وكون الأنبياء منهم ومهمة الإعمار في الأرض "وقفٌ" على البشر دون الجن، وللوصول إلى تلك الـ"ليعبدون"، لا بد من أدوات يمكن تسخيرها لترجمة تلك العبادة بربطها بمفهوم "الاستخلاف" في الأرض وتحقيق القيمة القصوى من الوجود، بتحويل الطاقة الكونية المختزنة في الإنسان إلى "تموجات" تُحدث التغيير وتُكيف الوضع المحيط به إلى ما ينشده من راحة وطمأنينة وبناء العش الفِطري له. ومع تلك القدرة التي يتمتع بها هذا المخلوق الذكي دون سواه، نلحظ منه الشطط والإنحراف عن "عش الفطرة" ليتجه نحو الـ"فرعنة" باغترار قوته بأقصى درجاتها أو ينغمس في "القَرْوَنَة" - نسبة إلى قارون – عندما يشعر بتخمة المال بين يديه، أو يصاب بغرور "البَلْعَمَة" -نسبة إلى بلعم بن باعورا- حين يصيب علوماً ومعرفة تُشعره بنشوة السيطرة الذهنية.
 لذا كانت القوانين الكونية هي المرجعية للتفكير والتدبر وهي المحفّز للتغيير بالرغم من ثباتها، فكان الاستدلال المنطقي للأنبياء عبرها في الخلق وآيات الله في الأرض، وكانت دعوة القرآن الكريم للتدبر والتفكر هي "شرارة" الإيمان للوصول إلى "المعادلة الكبرى"، وهي التي تتضمن الجواب على السؤال الأكبر "لماذا؟". 
 ما هي هذه العبادة المطلوبة، ليتم خلق هذا الكون البديع من أجله؟ ما طبيعتها ليكون الإنسان ضمن أدق وأجمل منظومة معقدة ما زلنا في السطح نرفع اللثام عن بعض مكونات المعادلة الكبرى للكون. ولم يصل الإنسان لهذه القدرة من السيطرة والإبداع فيه إلا من خلال فهم سُنة الله، وسُنته هي قوانينه التي نعيش بها ونسير عليها، وفيها مساحة حرة من التحرك كسعة الكون نفسه.

 ما هي هذه العبادة التي توصلك إلى فهم ميكانيكة هذا الكون بما فيها الإنسان نفسه؟ 
 هل هي الصلاة والصوم والحج والزكاة فقط؟ تلك "مَرْكبات" لها خاصية التأثير إذا ما تم وضع الفكر الكوني الصحيح فيها للتغيير ومن أجل "لماذا"، وإلا تحولت إلى محطات "استنزاف" للطاقة، وحرفٌ لهدفها الأول لتكون "مرتعاً" لمكبِّ الأفكار الخاصة فيها. وآية أخرى تقدم جواب "لماذا" عبر "يا أيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاًِ فملاقيه"، الخطاب لكل إنسان على وجه الأرض، الكدح الإنساني العام له من يراه ويُقيّمه ويُجازَى به. والكدح به استهلاك مضاعف للطاقة من الإنسان. مما يعني وجوب الظفر بمصدر طاقة متجدد لضمان الكدح الحاصل في طول عمر الإنسان. وهذه المعرفة بالكدح هنا "كدحاً" واللقاء هناك "فملاقيه". 
 هناك "إلا ليعبدون" وهنا "كدحاً فملاقيه"، فالعبادة كدح وعمل وتفكر وتبصر وتخطيط ورؤية وإنجاز وترك أثر. و"لماذا" هي الموجة الأم لتردد موجات الأسئلة الكبرى الأخرى والتي تأتي تباعاً: 
 لمن التغيير؟ وكيف التغيير؟
 لمن؟ 
 جوابه الآية الكريمة "إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها". معادلة بسيطة في تركيبها وبحاجة إلى كدح في تحصيل عناصرها. كل طاقة تنبعث من الإنسان سلباً أو إيجاباً تعود عليه في بناء تركيبته النهائية في آخر مطافه على هذه الأرض، أي تكون شحناته تراكمية مثل طبقات الجو أو الأرض، وهو ما يسميها القرآن بالدرجات “ورفع بعضكم فوق بعض درجات”، وتكون الطبقة الأهم وقمة الجبل فيه هي خاتمة حياته، لذا يكون الدعاء بحسن الخاتمة كونها الطبقة النهائية التي يكون عليها الإنسان قبل انتقاله لعالم آخر تكون المحاسبة فيه على ما عمل وختم به حياته. 
 بعد معرفة “لماذا”؟” وهو الدافع، لا بد من معرفة “لمن؟”أي المتلقي، و لمن سيعود التغيير بالفائدة؟ ليكون الإنسان هو الجواب على ذلك. أما كيف؟ وهو السؤال الأرضي الكبير، والذي كان وما زال هاجس الإنسان نبياً أو مصلحاً، مفكراً أو مخترعاً أو حتى ذلك المُغرِّد خارج سربه الرتيب، فيكون جوابه في أعجب معادلة كونية فيزيائية ثابتة يذكرها القرآن الكريم... 



 استنطاق التغيير الداخلي وإكمال المعادلة الكونية 

 لمعرفة جوهر كل شيء لا بد من فك جزيئاته واستخراج معادلة آلية عمله أو ميكانيكا التشغيل له. والتغيير كأي عملية تخضع لمعادلة تسير عليها، تتضمن عناصر ثابتة وأخرى متغيرة تحفظ نتيجتها "هيبة" النظام الفيزيائي الثابت والذي لا يتغير، وهو تجلٍّ لدقة وعظمة هذا النظام وخالقه. وإحداث التغيير يتحرك في دائرة "سُنة الله" والذي يستلزم توفير العناصر المتغيرة لتكون مقترنة بالعناصر الثابتة للحصول على نتيجة المعادلة الكلية. 

 فالتغيير ليس رغبة أو مجرد فكرة تسبح منعزلة في الفراغ، والتغيير لا يتحرك بصورة مجردة دون ترجمان ملموس، والتغيير ليست "موضة" ذهنية فقط. إنما التغيير هي حركة رياضية سماوية محسوبة بدقة، وهو ظاهرة طبيعية عامة كهطول المطر وسقوط الثلج، والمد والجزر وغيرها من الظواهر الطبيعية وقوانينها. 

 وفي حال توفرت ظروف مع عناصر معينة تكونت الظاهرة، ويمكن "تصنيع" الظاهرة بعد فهم معادلة تكوينها. فكان المطر الصناعي، والثلج الصناعي وتقنية الـ Nano Technology المعتمدة على فهم تكوين العوالم الصغرى بهدف تمثيل ومحاكاة قدرات تلك العوالم على مقاسات أكبر. 

 فالتغيير "معادلة"، يمكن أن يتقنها من يعلم بعناصرها ويعمل على توفيرها. وليس هناك مرجع ذو مصداقية لفهم معادلات الكون والحياة كالقرآن يمكنه أن يقدم "التغيير" بكل تعقيداته في شرح القاعدة بلغة بسيطة ودلالة عميقة جداً في الوقت ذاته. فكانت هذه الآية هي المعادلة، وهي "المركّب الذري" في كيمياء أبهى سلوك بشري يعكس تفرده عن بقية المخلوقات وهو التغيير وفق إرادة الإنسان وخطته متجاوزاً التغيير الجبري، ليكون تغييره اختيارياً ومحسوباً لديه.

لنتأمل بدقة هذه الآية وكأننا نراها لأول مرة: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). 

 عنصر "التغيير من الله" لا يتحقق وجوده إلا بتوافر "تغيير ما بأنفسنا". والملفت في الآية عولمة إمكانية التغيير بغض النظر عن المحرك الفكري والديني لمن ينشد التغيير، والدليل ذكر "ما بقوم"، مهما كان إنتماءهم ودينهم وعرقهم وثقافتهم، وكان وصفهم مجرداً عن أي صفة تلحق بلفظة قوم. 

 فلم يقل "ما بقوم مؤمنين" أو "ما بقوم مسلمين"، بل لم يلصق صفة دينية كانت أو غيرها ب"قوم". وكان الوصف الوحيد هو فعل التغيير الذاتي فيهم "يغيروا ما بأنفسهم". 

 وهل هناك أبسط معادلة في الكون من هذه؟ إبدأ عملية التغيير من الداخل ليستجيب لك الخارج. وهذا ما يسمونه حديثاً بقانون الجذب "The Law of Attraction" وله كتابه المعروف باسم "The Secret"  للمؤلف Rhonda Byrne، مع أنه قديم منذ أيام المصريين القدماء واليونانيين، إلا أنه ظهر بصورة أكبر في أواسط القرن العشرين مع علم البرمجة اللغوية العصبية NLP. 

 وفي المنهج الفكري الإسلامي قانون الجذب مذكور بصورة تُثير العجب وتؤسس لمبدأ يتجاوز المنطق الرياضي المألوف. 

 وهي عملية سير إرادة الإنسان مع إرادة الله، وبالتالي تحوّل الإنسان القريب من الله إلى مصدر طاقة ومحل تأثير ملموس، ففي الحديث "عبدني أطعني، تكن مِثْلِي أو مَثَلي، أقول للشيء كن فيكون"! وهنا لا نتحدث عن قانون جذب فقط، بل قانون تحكّم أيضاً.  

وتلك المرتبة موجودة ومثبتة واقعاً من خلال معاجز الأنبياء وكرامات الأولياء ومَدَد الصالحين. وآية التغيير تعطي القدرة المفتوحة لأي إنسان على وجه الأرض في حال تطبيق شرط المعادلة الكونية وهو البدء بالنفس. انطلق من دائرتك الصغرى في التغيير لترى أثر ذلك "تباعاً" وكتحصيل حاصل خارجاً، وهذا وعد إلهي على بياض -كما يقولون-، ( غيِّر سنغيِّر ). 

 فالله يقدم النتيجة لمن يدرك معادلة الحياة التي خلقها، حتى لو كان العامل بها غير مؤمن به تعالى. فترى شعوباً متقدمة في السلوك والإنتاج كالشعب الياباني الذي عمل بالمعادلة الكونية وقانون الجذب وعلى رأسها المعنى العملي للآية الكريمة، فكانت النتيجة أن تحوَّل هذا الشعب من صدمة الدمار والتراجيديا إلى ثورة الإعمار والإنتاجية. وكذلك هي المجتمعات التي ترفع من قيمة فهم معادلة التغيير، فتستجيب لها قوانين الكون.


 فكلما تعمَّق المجتمع في فهم ميكانيكية عمل ما يحيط به وما هو فيه، كلما اقترب من "زِر" القدرة المتوقعة للتحكم به. 

 فلا غرو إنْ رأيتَ مجتمعات متقدمة وتتمتع بالقدرة والقوة، لأنها أدركت تلك المعادلة الكونية الخالدة، التي تعطيك النتيجة بدقة متناهية ما دمتَ تُحقِّق عناصرها فيها. فالكون يسري وفق سُنة الله على الجميع، فالنار تُحرق المؤمن والكافر، فطبيعتها الإحراق، تلك هي معادلتها التي لا تنفك عنها إلا عند إبطال طبيعتها ولا يكون ذلك إلا بإرادة صانعها وبحكمة منه، كما في قصة نبي الله ابراهيم الخليل "عليه السلام" فلم تحرقه نار النمرود، بل كانت له برداً وسلاماً!!  

لتُدرك طاقة التغيير عليك بفهم معادلتها الثابتة. قُم بترتيب البيت الداخلي في ذاتك تتغير عناصر الخارج آلياً عند ذلك. تغيَّر اليابانيون والتمسوا الإرادة الصلبة والتخطيط المتقن سبيلاً لهم، وتغير كل العالم لهم. تحول المجتمع الياباني إلى أنموذج وهوية Model & Brand. 

 وهذا من أقصى ما يمكن تقديمه عند التغيير، لتتحول إلى مصدر مُلْهِمٍ له بعد أنْ تقتبس منه وتعمل منه. إن سنة الله لا تفرق بين قوم وقوم أو بين جنس وجنس، سُنة الله معادلة ثابتة تعكس حكمته ودقته وشديد نَسَق نظامه، فمفتاح التغيير بين جنبيك، ليكون العالم كله بين يديك. 

 

 لكن ما تفاصيل معادلة التغيير وعناصرها تحديداً؟!

 


معادلة "التغيير" الكونية...  

 

تمثل الظواهر الكونية قوالب معرفية جاهزة للإنسان، كونه الخليفة على هذه الأرض حسب المنظور الإسلامي. وهو مُحاط بأوسع بيئة تعليمية بسعة الكون، بدءً من نفسه وامتداداً إلى حجم العالم المحيط به، "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق".  

هذا العالم الذي يخضع لكل القوانين الفيزيائية والرياضية مُوصلٌ عقلاً إلى مرحلة “هضم” حكمة الوجود، فضلاً عن اتخاذ تلك القوانين سبيلاً مُترجِماً للإيمان بتلك الحكمة، “وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”. ولا يتوقف نظام الخلق في أسبابه ومسبباته نتيجة عدم وصول الإنسان للحكمة من ورائها والتسليم بعظمة مُوجدها. وإلا لما وصل غير الموحدين لله لاكتشاف أسرار كبيرة في هذا الكون، ولما وصل غير المؤمنين إلى فك شفرة معادلات حياتية معقدة، ولَكَان كل ذلك “وقفٌ” على “المؤمنين” فقط. وهذا غير وارد أبداً.

فالمعرفة تلزمها حركة وجهد وتجربة وعناية وبحث ومتابعة، وهذه أساسيات استحصال العلوم التي لا تشترط “الإيمان أو الإسلام” للفرد الباحث لكي يظفر بها. فالكون له قواعده، ومن يفهم قواعده يتبوأ منصب التحكم في الأرض مهما كان توجهه الفكري، أكان مسلماً أو غير ذلك. والدعوات القرآنية للتفكر والتدبر في أنفسنا وما يُحيط بنا هي دروس عملية للوصول إلى القوالب المعرفية التي تقدمها لنا الطبيعة والكون للإنسان من أجل رُقيِّه العلمي لخدمة راحته وتطوره وبسط اليد على الأرض. 

 ومن تلك الظواهر الطبيعية التي تشد الإنتباه وتدعو للتأمل العميق، هي ظاهرة “التموّج في سطح الماء عند سقوط جسم عليه”، حيث تتعامد عوامل كثيرة لخلق هذه المحصلة التي نراها بشكل طبيعي غير مُلفت لنا، إلا في حال الإلتفاتة الفنية لها عبر تصوير بصري إبداعي أو تقديم جديد لها، وما عدا ذلك، فقد تم تصنيفها في عقولنا بأنها ضمن خانة “الأمور المعروفة -العادية جداً-”، إلا أن التأمل العميق فيها يُفضي إلى قوانين كونية كبرى، تنسحب على الإنسان في سلوكه الأرضي. فعملية الإسقاط المعرفي من مكونات الطبيعة على الإنسان وضرب الأمثلة هو من ضمن منهج قرآني أصيل، بل أن ذلك سبيل إنساني عام، تراه في أدبيات الثقافات والحضارات المختلفة، في قصص “كليلة ودمنة” وأساطير اليونان وتاريخ الفراعنة وحضارة المايا وغيرها من الحضارات الضاربة في القدم.


 إلا أن ما يميز الهوية القرآنية في عملية إسقاط الأمثلة الطبيعية للإنسان في مجتمعه، هي العملية التكاملية التي تنشد للإنسان الوعي الكامل بالكون وخالقه وتوظيف كل أسباب القوة في الأرض من أجل هدف تأصيل أنسنة الإنسان وارتباطه الحركي بالسماء من أجل الإنسان نفسه، كرامةً وحريةً وإنتاجاً وتطوراً. وعوداً إلى ظاهرة التموج على سطح الماء عند سقوط ثقل عليه، نرى فيها عمقاً جميلاً يمكن أن يكون “صورة مصغرة” لعالم الإنسان، وذلك في حال القراءة التطابقية بين هذه الظاهرة والسلوك الإنساني، وبعد معرفة المشتركات بينهما. فما المشترك بين سقوط حجر مثلاً في بركة ماء راكدة وبين آلية إحداث التغيير في مجتمع ما؟ وهنا تكمن معادلة التغيير الكونية الجميلة والعميقة لدى الإنسان.

فلنأخذ هذه الظاهره عنصراً بعنصر ونجري عملية الإسقاط على عناصر حركة التغيير المطلوبة لدى الإنسان. عندما تُريد أن تُحدث “تغييراً” في سطح ماء البركة، تقوم برمي حجر عليه. وهنا تعمل كل القوانين الفيزيائية والرياضية لنرى إثرها الموجات التي تتشكل من نقطة سقوط الحجر.  

والتشبيه هنا للتعلَّم من الطبيعة التي أوجد الله فيها كل هذه القوانين لنعرف أيها نستخدم ولأي هدف وكيف. فعوامل إحداث الموجات يتطلب التالي:

 أولاً: سطح سائل قابل للتموج والتغيير بناء على إحداث القوة فيه. والماء هو من أبرز الأمثلة على ذلك، وفي غياب هذه الخاصية لن نرى التموجات التي ننشدها. والإسقاط الإنساني هنا في وجود بيئة لها قابلية في التغيير، ويمكن العودة إلى ذلك للمشتركات الاجتماعية، اللغوية، الدينية، الفكرية والاقتصادية، والعديد من العوامل الأخرى التي تسمح بإحداث أثر ولو بدا صغيراً. 

 فكانت بيئة قريش سطح أقرب للصخر منه إلى السائل ومع ذلك أستطاع النبي محمد (ص) بوزن رسالته أن يجعلها تتموج للسماء به. لذا، علينا البحث عن المنطقة الرخوة لمقاومة التغيير في المجتمع عبر المشتركات ليكون التأثير منطلقاً منها، فكانت دعوة النبي (ص) في بداية الإسلام لمن يرسلهم للتبليغ إلى الإسلام أن يخاطبوا الحَدَث من الناس، أي الشباب، كون عقولهم لم تيبس بعد جرّاء البرمجة الجماعية حينها. وفي ذلك تأمل لطيف عند التفكير في وضع خطة تغيير، على مستوى فردي أو مجتمعي.

 ثانياً: وجود جسم ذو وزن ، وليس المهم حجمه، فقد تكون هناك ورقة ضخمة إلا أن تأثيرها أقل بكثير من كرة حديدية بحجم قبضة الكف لها تأثير أكبر منها، لذا المهم هو الوزن لا الحجم. 

  وهنا لطيفة أخرى، فالمهم ما تعمل به لا ما تعلم عنه، والمهم ما تملك من حكمة ومعرفة لا مقدار ما صليت وصمت فقط، فكانت الأحاديث التي تحث على العلم والمعرفة وتفضيل صلاة العالم على الجاهل. وكيف نحصل على هذا الوزن؟ من خلال المعرفة، والعلم الخبرة والسلوك المُنتج وكل عوامل زيادة الوزن لمن يريد التأثير. 

 ثالثاً: لن يكون هناك تأثير البتّة في حال انعدمت الجاذبية ولم يستقر لا الماء ولا الثقل. ويتمثل ذلك في أهمية إدراك سُنة الله في خلقه، مما يتطلب لمن يريد التغيير فهم أكثر للإنسان والمجتمعات، والعوامل المؤثرة فيه ودراسة وهضم ومعايشة المجتمع ليفهم “مفاتيح” أبوابه المغلقة التي يكون التغيير من وراء فتحها. فكان الأنبياء من بني قومهم لا غرباء عنهم. ادرس مجتمعك، اعرف نقاط قوته وضعفه، قم بتحليل SWOT (نقاط القوة والضعف والتحديات والفرص) له، وأدرِك مكامن التغيير الممكنة فيه، وقم بالتنفيذ. والأمر يسرى على دائرة العائلة كما الفرد على حد سواء. 

 رابعاً: من الضروري “غياب المعترضات” عند سقوط الجسم على السطح السائل، وإلا غاب التأثير. من قبيل الهواء الشديد أو من يلقف الوزن قبل سقوطه على سطح الماء. ومن المعترضات في حال طلب التغيير هي، إنعدام الثقة أو ضعفها للذي ينشد التغيير، وغياب أو ضبابية أو تناسي الهدف . 

 وهناك نقطة يمكن وصفها بالعامل الخامس، وهي أنه كلما زاد وزن الجسم وارتفع عن سطح الماء، كان التموج أكبر وأشد.

 وبالتالي ، كلما علا مبدأ الإنسان المُغيِّر زادت التموجات وارتفعت، لذا يكون تأثير النبي من أعلى مستويات التأثير كون مبدأه عال جداً. فعندما ترفع مبدؤك يزداد أثر تغييرك ولو بعد حين. والأمر يسري في السلوك المجتمعي كما في أي حقل آخر كالعلوم مثلاً. يُذكر أن ثرية أوروبية كانت مُغرمة بالرياضيات والفيزياء قامت بتفنيد رياضي دقيق لإحدى النظريات المشهورة في زمنها بأوروبا، لكن لم يُعر أحداً إهتماماً بها، فاعتبروها “تتسلّى” بذلك لا أكثر. وبعد مرور ١٠٠ عام على رحيلها، اكتشف العلماء أنها كانت محقة في نقدها الرياضي وبصورة تدعو للدهشة. فلها وزن البحث العلمي، وقامت برمي جهودها على سطح “قد لا يبدو سائلاً” في وقت الرمي، إلا أنها رحلت قبل أن ترى أن موجات تأثيرها قد ارتفعت عالياً بعيداً عن نقطة السقوط الحر لوزنها. وهنا تأتي نكتة لطيفة جداً، وهو الإيمان بعمق وثقل الرسالة التي تسعى للتغيير تحت ظلها ولو لم ترَ آثارها في حياتك بعد، أي أن تعمل لها وأنت غاض الطرف عن عامل الزمن في تحصيل ثمارها، لا من باب عدم وضعها في الحساب، بل من عنوان الأمل الطويل في تحصيل الأثر.

فكانت دعوة نبي الله نوح (ع) الطويلة، وكل الأنبياء والصالحين والمصلحين والثائرين والمبدعين، يعلمون يقيناً أن نتاج تضحياتهم تؤتي ثمارها بعد حين، وقد لا يكونون موجودون على الأرض ليروها، إلا أن ذلك يدفعهم من أجل معادلة إحداث “الموجة العُليا” بعيداً عن نقطة سقوط وزنهم على المجتمع، أي نقطة بداية تكوين الأثر. وبإدراك هذه العوامل الأربعة مع الوضع في عين الإعتبار للعامل الخامس، وهو علو وزن المؤثِّر يرفع من مستوى موجة التغيير. 

 هذه المعادلة الكونية للتغيير، يمكن اتخاذها منهجاً عملياً في إحداث الأثر ونشره. ويكون الرهان الحقيقي على الإنسان المُغير كنبي أو مصلح أو ثائر أو عالم أو باحث أو مثقف أو حتى رجل الشارع الذي يحمل همّ التغيير عبر وزنه وعلو مبدئه، يكون على الإدراك الحقيقي لسُنة الله وهو ممكن حتى لغير المؤمن بالله حتى، وهو نصف الطريق، والنصف الآخر يكون على إدراك طريق الله، وهو طريق الإنسان المُكرّم الحُر العاقل المنتج. وعندما تجمع بين سُنة الله وطريق الله، تكون قد ظفرت بفيزياء الكون هنا وبكيمياء الحب هنا وهناك، وما بينهما رياضيات إحداث الأثر لتكون تحت مظلة حديث نبوي جميل يوجه كلامه إلى إنسان التأثير الجامع بين الفيزوكيماء الرياضة الإمام علي (ع) بالقول: 

 ( يَا عَلِيٌّ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلًا خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ). 

 

 أَحْدِث تغييراً، تترك أثراً... 

 


ابتسامة باردة من فيفا!!






هذا الإعلان لم يُبذل به أدنى جهد يُذكر، لا من ناحية
Concept
الفكرة، ولا من ناحية الإخراج العام

وبالرغم من إمكانية إبداع مميزة جداً للعرض، إذا ما تم الاستفادة من الفكرة الكبرى 
The Big Idea

الغائبة بسبب الإنتخاب الضعيف لزاوية النظر لتلك الفكرة،  فضلاً عن التنفيذ الضعيف مما جعل من الإعلان رتيباً ومملاً، نتيجة غياب الفكرة الكبرى وضعف التنفيد.

وكان بالإمكان “تضخيم” الابتسامة كأسلوب في الطرح الإعلاني،لجعلها أكثر “فكاهة”، كما هو حال الإعلان للذين ليس لديهم عروض “فيفا” باستخدام المبالغة في ذرف الدموع.

اعتقد أن هذا الإعلان افتقد بصورة كبيرة مقومات كثيرة للإعلان الجاذب والمؤثر كوسيلة إبداعية، ولا يمكن قياس ذلك بزيادة عدد الطلبات لهذا العرض بالإعلان، إذ يمكن وضع نص مباشر يطرح العرض وترى الناس زُرافات تبتغي العرض.
المقياس في التأثير من الإعلان يأتي عبر التفاعل معه، تقديم قيمة فعلية بربطها مع قيمة المنتج أو الخدمة.
وكزبون إلى فيفا، لن التفت إلى هذا إعلان بهذا المستوى ما دام العرض المقدم يليق بي وهو ما أحتاجه، وما هذا الإعلان إلا ذلك الشخص ثقيل الظل الذي يقف أمام ما أبتغيه.



------------
فاصل إعلاني "غير ممل"..
أمثلة لإعلان "متعوب عليه"..