لم يعد الأمر خافياً لمن يبحث أو يقرأ قليلاً بأن صناعة الموضة يقف ورائها سيلاً من هدر موارد وكرامة وحقوق!
فخط إنتاج الموضة يعمل كثقب أسود من عمالة غير مدفوعة الأجر ومن هدر موارد، ومن إعدام لكثير من المنتجات للحفاظ على سعر المنتج، ولإبقاء ذلك الشرَه في الجمهور دون انقطاع، وكأنها دائرة لا تنتهي، من تقديم تصور لموضة وترويج لها، ومن بعدها تعزيز ذلك في سلوكيات الناس، ليتم الشراء دون وعي، ويتم الإعدام لكثير من المنتجات لتصدير أخرى وهكذا تستمر دائرة الهدر دون انقطاع.
ما تقوم به SHEIN وغيرها ممن تعمل على شاكلتها في مجال الأزياء خصوصاً هو واقع حقيقي للتخمة التي يُراد لها الاستمرار كي لا تتوقف عجلة الصناعة في مثل هذه العلامات، فكل ما تشتهيه تشتريه، ليزداد الطلب وتُستهلك الموارد من طاقة وماء وجهد بشر، ونُرجع للطبيعة كارثة أخرى غير الاستنزاف وهو الهدر والتلوث.
فلم تعد الملابس ستراً فقط، بل تحولت لتمييز طبقي، وبعدها تحول الأمر إلى تفرّد يُسعى إليه، حتى وصلنا لمرحلة أننا نهدر مواردنا لأجل رغبة عارمة في عمر قصير لموضة، لتختفي وتأتي من بعدها موضة، وهكذا تستمر عجلة الانهيار من أجل رغبة لا حاجة، وهوس لا ضرورة، وتكون صناعة الملابس مساهمة في استمرار هضم حقوق عمال، وذوبان للقيم الإنسانية الأصيلة.
فنحن عندما نشتري هذه الملابس وبهذه المنهجية التي تم العمل عليها، فإننا ننفق في الانهيار لقيمنا كبشر، عندما يكون الهدر مجرد خطوة “لا بد منها” لأجل ما نرغب ونشتهي.
للعلم فإن كلاً من شركتي H&M and Zara كانتا على نفس المنوال وبعد ضغوط تسعيان لتعديل أمر خط الموضة السريعة المستهلك للطاقة والمدمر للبيئة، ولا أعلم وفقاً لما اطلعت عليه إن كان الأمر صحيحاً لهاتين الشركتين.
وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، تساهم صناعة الأزياء بنسبة 10% من انبعاثات الكربون العالمية سنويًا، وهي نسبة تتجاوز مجتمعة انبعاثات الرحلات الجوية الدولية والشحن البحري. (١) تخيّل؟!
لنعلم أن الأزياء السريعة هي دورة من الاستخراج والإنتاج والتلوث والالقاء ويتم تقديمها على أنها خيار، وكأن الأمر لا مفر منه، في حين لو نظرنا لنماذج أخرى مثل Patagonia (٢)، لرأينا كيف أمكنها استخدام المواد المستدامة وتوظيف كرامة الإصلاح وإعادة الاستخدام والاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية، فضلاً عن وجود الاعترافات والشهادات بما فيها شهادة B Corp إلى جانب مبادرة ١٪ من أجل الكوكب.
الخيارات متوافرة فيما ننفق ونشجع على أي مسار تكون الصناعة، صناعة هدر أو صناعة استدامة. فلا يمكننا الاستمرار في الاحتفاء بمثل هذه الإمبراطوريات المبنية على الاستغلال ويتم الترويج لها على أنها ابتكار!
ليس الأمر بمقتصر على شركة صينية هنا أو شركة أمريكية هناك، إنما الأمر على كل شركة تهدر الموارد وتساهم في تشكيل وعي سلبي لما نلبس، وعلينا كجمهور واع أن نقف أمام هذا الانهيار في هوس الشراء مهما كان مصدره، لنكون ممن يساهم في استدامة الموارد والمحافظة على عليها، دون ذلك الإسفاف من صنّاع الموضة السريعة ولا من جمهور يتماشى مع ما يتم التقدمي له دون وعي أو شعور بمسؤلية حقيقية.
ما بين تخمة تلك الإمبراطوريات وسهولة الوصول لها عبر التجار لهامش ربحهم وبين جمهور يسعى لارتداء ما أوهموه أنه موضة، تكون الحلقة مستمرة بين أولئك الثلاثة، ويبقى الرهان أولاً وأخيراً على الجمهور الذي يشتري بوعي حقيقي للمحافظة على الموارد من خلال سلوكه الشرائي ولإيقاف ماكينة الهدر وبناء امبراطورية النفايات.
ولعلنا نبدأ بصناعة ما يستر أجسادنا، فالأمة التي تلبس ما لا تنسج وتأكل ما لا تزرع، أمة مستهلكة وبها ضعف لا يمكن إغفاله.
الصورة ليست مبالغة، وإنما حقيقة لا يُراد لها الظهور للعلن.
تم تخيل هذا العمل بواسطة Emanuele Morelli باستخدام أداة التصميم بالذكاء الاصطناعي Midjourney
(١) https://earth.org/fast-fashion-and-emissions-whats-the-link/?utm_source=chatgpt.com