“من يصنع الترفيه، يمتلك دفّة التوجيه”
أخذت صناعة الترفيه الرقمية “والحديث هنا عن الألعاب الرقمية” مساحة مهولة من الاهتمام والوقت من فئة الأطفال واليافعين بالخصوص. تلك الجاذبية المُتقنة التي تشدك شداً تدعوك لفتح أبوابها والولوج في عالمها، لتصبح أحد مرتاديها أو عُشاقها، فتكون أنت “العُملة” الحقيقية لهذه اللعبة، فتفاعلك من متابعة ولعب وإشادة بها، يمثل رأس المال التسويقي الفعلي لها، لتنتشر كالنار في الهشيم، وتكون محط اهتمام واستخدام.
تلك المغناطيسية في الألعاب، من ثمار الفهم العميق للسلوك البشري، وتقديم “فسحة افتراضية” للتنفيس والشعور بالتحدي والمغامرة وتقديم لذة الإنجاز، فضلاً عن التنافسية، إلى صنع مجتمع مواز افتراضي، خصوصاً للألعاب الجماعية. وكانت هذه ديدن المجتمعات البشرية منذ القدم في صناعتها للترفيه، مع اختلاف وتطور أدواتها.. “صناعة المُتنفّس” عبر رياضة أو خرافة أو غيرها.
ومع زيادة عدد مستخدمي الهواتف الذكية في العالم، وسهولة تنزيل الألعاب من متاجر أبل وغيرها، أصبحت سوق الألعاب أكثر وفرة ووصلاً للجمهور، حيث يقع بين يدي المستخدم عشرات الآلاف من الخيارات ليرفّه عن نفسه متى شاء، ليُخال له أن القرار بين يديه مع هذا الكم المهول من الخيارات.
تتخذ بعض الألعاب ما أسميه أسلوب النمو الأفقي فيها، بزيادة عدد الخيارات وتوسّع مجال المنافسة والتشويق عند المستخدم، حيث يمكنه اكتشاف مناطق جديدة، بل تكون له القدرة في صناعة بعضها بنفسه، مثال “لعبة Roblox” التي تمثل أكبر وأضخم منصة تفاعلية رقمية في هذا المجال، حيث تُعتبر بحسب الموقع الرسمي لها بأنها اللعبة رقم ١ للأطفال واليافعين. وقد أنشأ المستخدمون ما يزيد عن ١٥ مليون لعبة باستخدام الخيارات والأدوات التي توفرها هذه اللعبة لهم، حيث تُمكنك اللعبة من صناعة عالمك الخاص وقوانينك التي تود، لتتحول هذه اللعبة إلى مساحة تفاعلية ضخمة من المستخدمين حول العالم.
فضلاً عن الزاوية التعليمية المتعددة التي يذكرها الموقع الرسمي لهذه اللعبة https://corp.roblox.com/education/
والتي تتشابك بها الرياضيات والفيزياء مع البرمجة بشكل مُلفت وقوي.
وتتخذ لعبة Lego من نفس الاتجاه في توفير “عناصر التكوين والإبداع” لجمهورها، فتتسع قاعدتها دون توقف. ويمكن الاستفادة من تجربتي Lego و Roblox في المجال التسويقي من خلال النقاط التالية:
- فهم دقيق لسلوك المستخدم، عبر تقديم قوالب جاهزة يمكنه أن يرى إنجازاً يحققه أو مغامرة يخوضها أو تجربة جديدة يعيشها، وتمثل هذه الألعاب تحقيقا لتلك “الرغبات”. فضلاً عن فهم “ذائقة” الجمهور المستخدم، وما يتبع ذلك من تصميم لتجربة مستخدم مميزة UX User Experiance . لذا فكّر في أي رغبة تود إشباعها لجمهورك؟ وأي قيمة يمكنك تقديمها بجدارة له؟
- توفير مساحة التفاعل مع الجمهور إذ تعمل الألعاب في جعل المستخدم جزء منها في مستوى وصانعاً لها في مستوى آخر. ويمكن إسقاط ذلك على كثير من المشاريع من خلال توفير هاتين المساحتين، بالنسبة الممكنة حسب نوع المشروع والهوية المقدمة للجمهور.
فتوفير “مساحة تفاعلية” يقوم الجمهور فيها بعمل ما مرتبط بنفس البراند بشكل أو بآخر يكوّن علاقة خاصة بين الجمهور والبراند.
وعليك كصاحب مشروع أن تفكر بالسؤال التالي:
ما المساحة التي يمكنني تقديمها للجمهور للتفاعل مع البراند الخاص بي؟ وهنا لا أتحدث عن تقديم مسابقات أو عروض فقط، بل أن يكون الجمهور بطريقة ما جزء من البراند في تسويقه أو تكوينه أو في سير عملياته أو مشاهدته.
ويمكن العروج بهدف الإلهام على تجربة kidzania كمثال جميل على نمط التفاعل المقدم فيها.
٣. التحديث المستمر، وصناعة “الشغف”، بحيث يكون التجديد بين وقت وآخر ديدن مشروعك، ولو بشكل بسيط، باستخدام أسلوب الكايزن في التطوير البسيط المستمر Continus improvement، فالرتابة هي عدو تطوير العمل، والتجديد هو ما يحفظ بريق البراند للجمهور في كل مرة.
ما تقوم به منصات الألعاب هذه، هي خاصية التجديد والتطوير الذي يمتد لأبعاد كبيرة. فالتحديث المستمر هو التشويق بعينه لاكتشاف الجديد وسبر مغامرة مختلفة، فيتم فتح باب ومن كل باب ألف باب، حتى تمتد الجاذبية لأبعد مدى. وهنا يكون اللعب على وتر “حب الاكتشاف” و”الغموض” الدافع للفضول، وكلها دوافع ذات طاقة هائلة يمكن ترجمتها لسلوك مكرر يشبه الإدمان، وهو ما نلاحظه في اليافعين والأطفال ممن يتابعون الألعاب وتحديثاتها، فيتم صناعة وعي جماعي ذكي تقوده قوة الكلمة Word of Mouth في مجتمع افتراضي وعُرف قوي لا يمكن الفكاك منه.
٤. الثقافة الترابطية بين المستخدمين، بحيث تكون هناك “لغة” تواصل مشتركة بين المستخدمين عند اللعب، ويأخذ ذلك مدى أوسع من اللعبة لتكون جزء من الكلام المحكي أو حتى السلوك المحكي، مثال رقصة Floss في لعبة Fortnite.
حيث أصبحت أيقونة لتلك اللعبة بطريقة أو بأخرى، حتى ألقت بظلالها بشكل أوسع، لتكون جزء من دعاية بيبسي للعيد الوطني السعودي. “قد تم حذفه كما يبدو، ويمكن مشاهدتها من خلال هذه التغريدة”
وتلك الرباعية الترفيهية تُسهم مع الوقت في زيادة رقعة التفاعل الكمية والكيفية إلى تكوين “مجتمع” له مصلطحاته، إشاراته، طقوسه، لغته، بل حتى رقصاته. وهذا الشعور بالإنتماء هو فيصل توجيه السلوك وصياغته، ولا مناص منه، إذ يعمل كالمغناطيس، فيشدك شداً إليه، ويجعلك تشعر برغبة الاستمرار فيه، لأنه يغذيك بتلك الجاذبية الفطرية الذي يميل الناس له، وهو “الشعور بالإنتماء” كما يذكره Simon Sinek في عدد من محاضراته حول تحليل سلوك الناس تجاه بعض البراندات دون غيرها.
فالجمهور يريد أكثر مما هو منطقي Audience want more than Logic كما ورد في كتاب Brand Gap للكاتب Marty Neumeier
فالتماشي مع الرغبات الفطرية الدافعة لتكوين السلوك واتخاذ المواقف، هي ما تقوم عليه أكثر الألعاب الرقمية شعبية، فضلاً عن التموضع الذكي الذي تقوم به كبرى البراندات في العالم، لكسب القلوب بامتدادات بصرية ونفسية، لأجل المحافظة على الجمهور الحالي والعمل على توسعة هذا “الإنتماء” كماً وكيفاً، وإشباع ذلك بالرباعية الترفيهية (الفهم/التوفير/التحديث/اللغة)
كيف نستلهم نقاط التميز في الألعاب التفاعلية لأجل تسويق أفضل للمشاريع؟
- الوقوف بشكل متأمل ودراسة بيئة السوق المستهدفة
- العمل على “الدوافع الفطرية” بشكل متأن يتسم بالنفس الطويل
- صناعة محتوى ملهم
- ابتكار طرق تفاعل باستخدام الوسائل والمنصات المتوافرة
- خارطة طريق للتسويق مرنة وقابلة للتطوير المستمر
- محطات إعادة شحن طاقة التفاعل بين الجمهور والبراند
- وضع العين دوماً أثناء العمل على رسالة المشروع/البراند.
كل ما يحجز مساحة من الإهتمام ويولد التفاعل المُفضي لتشكيل سلوك يتبعه شراء بشكل مباشر أو غير مباشر، يجب أن يكون موضع إهتمام للمعاينة والدراسة واتخاذ نقاط القوة منه موضع تأمل ودراسة. وما زالت الألعاب التفاعلية لها مكانتها في القلوب جيلاً بعد جيل، وحريٌّ الاستخدام الأمثل لنقاط قوتها في مجال البراند وتسويقه.. لمن تأمل..