مرسلة بواسطة
hardthinker
الأحد، ١ نوفمبر ٢٠٢٠
في
١:٢٦ ص
كانوا ثلاثة والإنجاز رابعهم، فالرياضيات شغفهم، وهي التي جمعتهم مع اختلاف مناطقهم ووظائفهم وأعمارهم.
جلستُ معهم بعد طلبهم استشارة مني بخصوص طرق حماية واستثمار ما وصلوا له من إنجاز، فقد عملوا على معادلات لوغاريثمية متقدمة مرتبطة باكتشاف المعادن وربطها بحركة الأقمار الصناعية.
شددتُ على أياديهم بدفعهم لإكمال بحثهم وارساله لمنظمة الملكية الفكرية
WIPO.
كمصنف أدبي في أقل الاحتمالات، فضلاً عن ضرورة تواصلهم مع الشركات المهتمة عالمياً بعد استنادهم على مرتكز قانوني متين بجانبهم.
والتقيتُ بأحدهم صدفة، وبعد سؤالي له، أخبرني أنهم توقفوا بسبب الرسوم المرتفعة للتسجيل، فضلاً عن الإجراءات التي لا يملكون "الوقت" لمتابعتها وعملها، وكل له وظيفته وعائلته والتزاماته.
هذا يذكرني بقصة الأستاذ الجامعي الذي طرح السؤال التالي على طلبته: ما أغنى الأراضي في العالم؟
طبعاً الإجابات متنوعة، بين لندن ومكة وشيكاغو وغيرها من المدن، إلا أن الأستاذ صمت بُرهة بعد سماعه كل تلك الأسماء وغيرها، وقال: أغنى الأراضي في العالم هي المقابر!
والسبب أنها تضم الكثير من العقول التي كانت تملك قدرة التأليف والحصول على علاج لمرض، فضلاً عن مجالات أخرى كالشعر والعلوم وكل ما يمكن تخيله من اكتشافات وإبداعات، لكنها ذهبت مع أصحابها تحت الأرض بموتهم، إما بسبب تردد أو خوف أو تجاهل، والقصة يذكرها
Todd Henry
مؤلف كتاب
Die Empty
إن التحديات المتسارعة في مجالات الطاقة والاتصالات والتقنية والذكاء الاصطناعي وغيرها تُلزم منطقاً، العمل على اللحاق بذلك الركب على أقل تقدير إن لم تكن المنافسة فيه، ويمكن الحصول على أفضل النتائج من خلال جمع العقول المبتكرة معاً من خلال
Think Tank
، واستحصال أفضل ما فيها، وقد اتبع مؤسس علي بابا السيد "جاك ما" سياسة جمع العقول بقوله: "في التجارة ليس مهماً أن تكون ذكياً بل المهم أن تقوم بتوظيف من هم أذكى منك"، وهذه العقلية هي التي تُنتج وتطور وتتسع وتؤثر حتماً.
لا تنقصنا العقول المبتكرة، فهي موجودة بالفعل، وعدم ظهورها على السطح، إما بسبب ذاتي لغياب التسويق الفردي أو قلة الاطلاع على منصات الدعم العالمية المتنوعة، مثل
Kikstarter
وغيرها، أو لصفات شخصية مثل الخجل والتردد، أو لسبب خارجي، كغياب الاهتمام بالابتكار بشكل احترافي وشفاف.
المجتمع الذي لا يمكنه توليد الأفكار المبتكرة وتحويلها لمشاريع وفرص استثمارية فضلاً عن دعمها، هو مجتمع يُعاني من الكساح وسيظل في دائرة الاستهلاك أكثر من الإنتاج. فمصادر الابتكار بالبحرين متنوعة، يمكنك أن تلقاها بشكل فردي أو بالجامعات وخصوصاً في نسبة جيدة جداً من مشاريع التخرج أو القطاعين العام والخاص على حد سواء، ومع ذلك، فالاستثمار في الابتكار زهيد جداً، سواء مالياً أو إعلامياً، وقبل ذلك كتخطيط استراتيجي وهو الأهم..
إن أكثر ما نحتاجه ليس وجود التشريعات المشجعة فقط، وإنما في صناعة ثقافة الابتكار التي تنشد التغيير والتطوير والتحدي بروح تتسم بالشفافية المطلقة ومساواة الفرص ورؤية دقيقة للأمر مع وجود قياس مؤشر أداء
KPI
تتم مراجعته بشكل دوري.
وصناعة ثقافة الابتكار معناه أن نحول العقلية السائدة إلى اهتمام ملحوظ وعملي، بدء من مناهج التعليم، وتأسيس مراكز أبحاث وابتكار متخصصة، وإقامة الفعاليات وانتداب الخبراء وصناعة المحتوى للابتكار، والتركيز على تشجيع إنشاء ”وحدات ابتكارية“ في كثير من المنشآت والمؤسسات ومتابعتها وتقييمها.
فضلاً عن توجيه البوصلة التسويقية المنظمة تجاه هذا المصدر الذي لا ينضب من إنتاجية إذا ما تم العمل عليه بجدية واحترافية.
نعيش في عصر ذابت معه الحدود الجغرافية والأُطر الكلاسيكية في العمل، فكل مبتكر أينما كان يمكنه أن يروّج ويبيع ابتكاره خارج حدوده، وعندها لا "وقفية" لابتكار ضمن جغرافيا معينة أبداً. وعندما لا تحتضن الأرض ابتكار أهلها، فسيكون لهم ألف خيار وخيار للعمل على ابتكارهم خارج أرضهم، وعندها استنزاف لأكبر مورد متجدد لا يمكن تعويضه.
لم يعد الرهان لأي دولة على ما تمتلك من موارد طبيعية أو حتى خدمات لوجستية أو غيرها، فتلك متغيرات لا يمكن التحكم بها من الداخل، بل أصبح الرهان الأكبر على الاستثمار في العقول وفتح المجال للابتكار وتصدير نتاجه للعالم، في مجالات الطاقة والتقنية والألعاب والبرمجيات وغيرها من القطاعات، فالبحرين لها القدرة لأن تكون .
Innovative Hub
ويمكن وضعها على خارطة الابتكار العالمية عندما نقوم بتوظيف كل نقاط القوة بجدارة وحل نقاط الضعف باحترافية وشفافية. إذ لم يعد الابتكار خياراً "كمالياً" للدول، بل أصبح ضرورة في جميع المجالات الاقتصادية للدولة إذا ما أرادت مواكبة التغيرات عبر التوظيف الذكي لقدراتها الداخلية، والخروج من دائرة الاستهلاك إلى ساحة الإنتاج والريادة فيه.
عندها فقط يمكننا تحريك بيدق الابتكار في ساحة عالمية تتسم بالتحديات على رقعة شطرنج معقدة جداً.