بين برمجة "المانجا" و "الهانتاي"
الرسوم الكرتونية اليابانية تطلق قنابل افتراضية في العالم
جعفر حمزة
" القدرة على الرسم طاقة تحي أمة وتميت أخرى"
عُرف اليابانيون كغيرهم من جيرانهم كالصينيين والكوريين بالقدرة الجميلة في الرسم والتلوين، ولا أدل على ذلك من التراث الغني لهذه البلدان والمتمثلة في المعابد التي تزخر بالزخارف والرسوم التي تأخذ بالألباب، ولا ينسى المرء ولو للحظة الرسوم للإنسان والحيوانات والنباتات التي يخال للمرء أنها ستخرج من مكانها لدقة رسمها وبراعة راسمها.
ويبدو أن براعة الإنسان وحسه الإبداعي يقفز محلقا مبتعدا عن حسه الإنساني الطبيعي عندما لا يرى سبيلا نيرا يسترشد به، لتتحول تلك البراعة إلى سواد ملون بالرسوم، ويكون ذلك الإبداع سلاحا مُبتكرا للربح والترويج لقيم العنف والجنس، فما الذي حول تلك الرسوم التي تحكي التاريخ إلى أفلام ومسلسلات كرتونية يابانية تحاكي الإنسان في عنفه وجنسه؟
قبل الخوض في غمار القيم الكرتونية اليابانية بالخصوص، لا بد من معرفة المادة الأولى لتصنيع تلك القيم وترويجها وبيعها بملايين الدولارات حول العالم، إذ تمثل "المانجا" المادة الخام للرسوم الكرتونية اليابانية، حيث تعني هذه الكلمة الكتب الأدبية المرسومة بشكل كرتوني، وهذه الظاهرة انتشرت في اليابان وتجد رواجا هائلا بين فئات الشعب المختلفة في اليابان، وبعد نجاحها محليا انتشرت في أنحاء العالم حيث انتقلت إلى كل أوروبا وأمريكا.
وهذا النوع من الأدب يستخدم الصورة المرسومة بالإضافة إلى النص المصاحب لها، وتتناول مواضيع مختلفة وتخاطب شرائح المجتمع كافة، إذ أنها لا تقتصر على الاطفال، بل أن أكثر رواد هذا النوع من الكتب الكرتونية هم من البالغين والكبار. ومن الكتاب اليابانيين الذين برعوا في هذا الاتجاه "جو ناجاي" صاحب مغامرات الفضاء المعروفة عند الجمهور العربي، وكذلك "أوسامو تيزوكا" الذي يعد الأب الروحي للمانجا الحديثة.
وقد أخذت "المانجا" صورتها الأولى في اليابان كقصص مرسومة للناس خلال فترة "الإيدو" (1603-1868)، حيث بلغت العلاقة الثنائية بين الرسم والكتابة صيغتها التفاعلية المهيئة لظهور "المانجا"، وتذكر بعض الدراسات أنها صينية الأصل، وانتقلت إلى اليابان بعدئذ، وقد كانت تحكي تلك القصص حوادث ووقائع سواء كانت خرافية أم حقيقية، وقد بدأ التحول الفعلي في تناول "المانجا" لموضعات الجنس والعنف في "الثورة التعبيرية للغة المانجا" خلال الفترة من الستينات إلى السبعينات.
وبدأت المرحلة الثانية من التحول في "المانجا" من الرسم الثابت إلى الرسم المتحرك، لتدخل "المانجا" عالم الرسوم المتحركة وقد كانت مهيأة في ذاتها لذلك، وهناك قاعدة في اليابان تقول: "إذا كان بالإمكان القيام بعمل فيلم بممثل حقيقي، فبالإمكان أيضا صناعة فيلم بممثل كرتوني"، وقد كانت الانطلاقة الحقيقية والقوية لصناعة الرسوم الكرتونية اليابانية التي تحتفظ بقوتها المميزة لها دون غيرها في الدقة، والتفاعل، والتلوين، والخلفيات، وقبل كل ذلك في ملامح وجوه الشخصيات، والشخصيات التي تتميز بها الأفلام أو المسلسلات الكرتونية اليابانية تتسم بالتعقيد، وفي بعض الأحيان يبدو أن الفاصل بين الطيب والشرير عويصا وليس واضحا، ومن المباديء التي تطرحا "المانجا" الجنس، ، العنف والموت.
يبلغ حجم عائدات الاقتصاد الياباني من قيمة صادرات الرسوم المتحركة، ألعاب الفيديو، الأفلام، الرسم، الموسيقى والموضة ذات العلاقة بالرسوم ما يعادل 17.1 مليون دولار أمريكي في عام 2002م، وبناء على دراسة لمعهد "ماروبيني" للأبحاث بطوكيو، فإن 60% من الرسوم المتحركة (أنيميشين) في العالم تأتي من اليابان، تذكر "البوكيمون"، "الديجيمون" والقائمة طويلة جدا يتذكرها الجميع بلا استثناء كبارا وصغارا على حد سواء، ناهيك عن الألعاب الكمبيوترية ذات العلاقة مثل "جيم بوي"، "بلاي ستيشن" و "إكس بوكس".
" في الحقيقة، من موسيقى البوب إلى الأجهزة الإلكترونية، ومن العمارة إلى الموضة، ومن الطعام إلى الفن، اليابان أخذت سيطرتها الثقافية بالظهور أكثر من فترة الثمانينات، عندما كانت قوة اقتصادية"، هذا ما قاله "دوجلاس مك كاري" الذي كتب مقاله في مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية عام 2003.
وقد أخذت العديد من تلك الرسوم والأفلام وكذلك المسلسلات طريقها إلى الولايات المتحدة الامريكية، ليكون لها عشاقها ومتابعيها، حيث تصدر اليابان العديد من أفلام الرسوم المليئة بالعنف والدماء وتبث عبر التلفزيون، بمعدل مرتفع جدا عما هو معروض في تلفزيونات الولايات المتاحدة الأمريكية نفسها، ولم تقتصر "المانجا" اليابنية على التصدير بل أخذت بالتأثير، فمسلسل "عودة بات مان" الذي أنتجته شركة "ورنر برذرز" الأمريكية مصنوع في الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن التأثير الياباني في القتال والحركة أخذ موضعه من ذلك المسلسل الأمريكي.
بل أن الكثير من القنوات الأمريكية أخذت ببث المسلسلات اليابانية بصورة متكررة وغير مسبوقة نتيجة الطلب المتزايد على تكرارها ومشاهدتها، فقناتي "فوكس" و "دبليو بي" وأيضا قناة "كرتون نتوورك" أصبحت تعرض مسلسلات مثل "ديجيمون" و "بوكيمون" ثلاث مرات في يوم السبت ضمن البرنامج اليومي لديها.
ويبدو أن اليابانيين قد تملكتهم القوة الكرتونية ليحتلوا السوق الأمريكية صوريا، حيث أن الكثير من مجلات "المانجا" باتت تطبع وتنشر للشباب في الولايات المتحدة الأمريكية.
وتعدى الأمر ليصل إلى الرسوم الكرتونية الجنسية "مانجا الجنس" في الكثير من المسلسلات والأفلام الكرتونية اليابانية، فقد ظهرت موجة تسمى بأفلام الجنس الكرتونية أو "هانتاي"، وقد شكلت كارثة على صناعة الرسوم الكرتونية المتحركة اليابانية المحافظة على عاداتها، ورغم أن الرسوم المتحركة اليابانية تحتوي على أطنان من التلميحات الجنسية والتعري الواضح والكامل، إلا أن صناع الرسوم المتحركة الكبار في اليابان هاجموا صنّاع "الهانتاي".
و "هنتاي" كلمة يابانية تستخدم خارج اليابان، وبالخصوص في البلدان الغربية والكثير من البلدان الناطقة باللغة الانجليزية، للدلالة على الرسوم المتحركة اليابانية والمجلات، ألعاب الكمبيوتر التي تحوي الموضوعات والصور الإباحية والجنسية الواضحة.
وقد يبدو من الغريب أن تخرج مثل هذه الصناعة من لدن مجتمع محافظ كاليابان المتميز بتمسكه بتقاليده والمحافظة على الكثير من القيم الاجتماعية، إلا أن الحقيقة بأن اليابانيين قد تخلوا عن المحافظة واتجهوا للأفلام الجنسية منذ الثمانينات، ويبقى السؤال حول سبب انتشار هذه الألعاب في اليابان بشكل أكثر من بقية الدول فالجواب يأتي من اختلاف الواقع الياباني عن الأمريكي والأوروبي، ففي أمريكا وأوروبا بامكان أي شخص أن يدخل إلى صالات التعري، أو أن يحصل على متعته في الشارع، وهذا الأمر لا يوجد بتلك الطريقة المفتوحة كليا في اليابان حيث يضطر الياباني البحث عن بديل، وقد يكون البديل افتراضيا.
ويذكر "مايك لايزو" المدير المساعد للبرامج والإنتاج في "كرتون نتوورك" بأن الغريب والعجيب أن تصنع أفلام العنف الكرتونية في أقل البلدان في معدلات العنف في العالم".
وفي مقالة له عن "المانجا" يذكر الكاتب الياباني "فيوسانوسيوكي ناتسومي" بأن الجنس والعنف ليست أكثر من مواضيع تتناولها "المانجا" كغيرها من المواضيع، وبالاعتماد على التقارير التي تكشف الرأي العام حول التفاعل المقاس مع مواضيع "المانجا" الكرتونية، يتبين مدى الحقيقة التي تطرحها "المانجا" والتي تعبر عن انعكاس للداخلي الياباني المكبوت، والتمييز بين ما هو حبيس في النفس وما هو حر.
ويبدو أن اليد اليبانية المبدعة في الرسم، تخطت تقاليد مجتمعها وتراثه ، لتطلق العنان لنفسها في عالم تتسيده دون غيره حتى أن أمريكا تكون متخدرة بالفن الياباني العنفي والإباحي، الذي أخذ مساحته الكبيرة والملحوظة في القنوات الأمريكية والأوروبية، فضلا عن المواقع الإلكترونية والمجلات وألعاب الفيديو، فهل يشكل اليابانيون قيم العالم الافتراضي الجديد؟
اليابان تطلق القنابل
مرسلة بواسطة hardthinker الاثنين، ٢٨ يناير ٢٠٠٨ في ٧:٣٣ ص
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
1 التعليقات:
٢٨ يناير ٢٠٠٨ في ١١:١١ ص
فكر قوي .. الى الامام ..
إرسال تعليق