جعفر حمزة*
التجارية ٤ أغسطس ٢٠٠٨م
جاءني صاحبي - وهو من أحد البلدان الأوروبية- سائلاً إذا شاهدت الدعاية التلفزيونية لتشجيع الاستثمار في البحرين على قناة البي بي سي البريطانية. ففرحت كثيراًبمجرد سماع أن هناك إعلاناً تلفزيونياً تم بثه في قناة عالمية، ولم يجعل فرحتي تكتمل، حيث علّق على الإعلان وهو مختص في ذلك، بأن الفكرة جيدة إلا أن التنفيذ لا يرقى لمستوى وجودة الرسالة والهدف من الإعلان، وهو تشجيع الاستثمار في مملكة البحرين، حيث تعرض المادة الإعلانية أشخاصاً تبدو على سماتهم بأنهم بحرينيون وتصور الكاميرا وجوههم دون إظهار عيونهم ويتحول فمهم بالتدرج من الوضع الذي هو عليه إلى ابتسامة. (١)
وكانت تلك المادة الإعلانية من ضمن حملة إعلامية ينفذها مجلس التنمية الاقتصادي لتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر FDI وذلك تحت عنوان Bahrain, Business Friendly".
وبغض النظر عن ملاحظات صاحبي في تنفيذ الفكرة-بعدما شاهدتها على الإنترنت- لتلك الدعاية والتي تحمل نسبية في النقد قد أتفق معه أو اختلف، إلا أن الشيء المهم هو وجود توجه رسمي لترويج صورة البحرين في الخارج كمحطة مميزة وفرصة للاستثمار।
ونعتقد بأن تلك الخطوة مهمة جداً وفي محلها، خصوصاً إذا علمنا بأن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر يقارب تريليون دولار أمريكي، في ٢٠٠٧م، وأدى إلى خلق فرص عمل تقارب ٣ ملايين فرصة عمل في مختلف الشركات في العالم.(٢) وتنامي الاستثمار الأجنبي المباشر هو أحد نتاجات المنافسة التي خلقتها التغيرات الاقتصادية التي أتت للأسباب التالية:
أولاً: تكوين تكتلات اقتصادية لا تجهد في البقاء ورص الصف فيما بينها فحسب، بل تسعى للتفوق والتميز والحصول على حصة كبيرة من السوق.
ثانياً: إبرام الكثير من الدول الصناعية منها والنامية عقوداً للدخول في المنظمات الدولية كمنظمة التجارة العالمية WTO والبنك الدولي WB ، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO مما يجعل من المنافسة تشتد بنفس الشروط على كل الدول الموقعة، وهو ما يستدعي جر النار لقرص كل دولة.
ثالثاً: البحث عن التنوع في الاقتصاد، فضلاً عن تنشيط الاقتصاد المحلي نتيجة الاستثمار الأجنبي المباشر، والذي يشكل عنصراً مهماً في توفير فرص العمل، وتنويع الدخل القومي، فضلاً عن تعزيز الاقتصاد المحلي وتقويته. ونتيجة لتلك الأسباب وغيرها الكثير، يبدو أن خطوة مجلس التنمية الاقتصادية في محلها، بل ومطلوبة بشدة أيضاً. وعوداً إلى صاحبنا الأوروبي الذي قدم انطباعه كونه مختصاً في الدعاية والإعلام، لو كانت ملاحظته نسبية، إلا أنه من المهم مراعاة أدق التفاصيل والتي تقدم "صورة" عن "بلد" من خلال رسائل يتم عرضها على شاشات عالمية وفي دول تتميز بخبرة عريضة في مجال التسويق والدعاية والإعلان، ولا نود الدخول في تفاصيل ذلك الإعلان التلفزيوني، ولنبحث بدلاً عنه عن الصورة الأكبر المطلوبة. فالتسويق والترويج لبلد لا تشبه أي نوع آخر من الدعاية والإعلان لمنتج أو خدمة، فهو عمل يهدف لبناء وتقديم وتثبيت صورة في ذهن المتلقي، ومن هو المتلقي؟مستثمرون أفراد وشركات متعددة الجنسيات وبنوك وغيرها.
وهذا يتطلب الكثير من الإحتراف والدقة والتخطيط، وهو ما لا يجب أن يغيب على مجلس التنمية الاقتصادية، فالتسويق لأي بلد مهمة لا تضخ ميزانية على البلد فحسب من خلال الاستثمار فقط، بل تجعل من البلد على خطى الاعتماد على الذات والاستفادة من التكتلات الاقتصادية والدخول في المنظمات العالمية للاستفادة القصوى من كل مقوم للإعتماد على الذات في الاقتصاد، وليس فتح السوق المحلية لتكون "سبيل"، وهذا هو الفرق الذي يجعل دولاً كإيرلندا وأسبانيا من دول اعتيادية في الجسم الأوروبي إلى بلدين مهمين ويُشار لهما بالبنان، والأمر بالمثل في آسيا كسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايلند।
وبعبارة أخرى هناك فرق بين من يروج لبضاعته بواجهة محل منسقة وخدمة زبون ودودة مع وجود يافطة جذابة، وبين محل وإن امتلك البضاعة الجيدة وبأسعار تنافسية، إلا أنها غير مرتبة، فضلاً عن يافطة ناقصة وغير جذابة للمارة والمشترين. ونعتقد بأن البحرين قادرة وبامتياز في التسويق المميز للاستثمار الأجنبي المباشر، فلديها المقومات الكافية لذلك، وهناك أمور تساعد في ترتيب المحل وعرض البضاعة بالطريقة المناسبة ليكون اسم البحرين قريناً بالفرص الاستثمارية في منطقة الخليج والشرق الأوسط . فما هي تلك الأمور :
أولاً: وجود توجه من أعلى السلطات في البلد، فهذا الأمر بمثابة البطارية التي تزود الخطوات والخطط بالطاقة للاستمرار والتقدم. وهذا الأمر متوفر من خلال توجه مجلس التنمية الاقتصادية والذي يترأسه ولي العهد.
ثانياً: صياغة وتقديم التشريعات والقوانين بما يحفز الاستثمار المحلي أولاً والأجنبي ثانياً، ولا يكون الأخير عل حساب الأول। وقد أفرد الموقع الذي يروج للبحرين في الخارج معلومات بهذا الخصوص। (٣)
ثالثاً: معرفة الهوية المقدمة باسم البلد، وهي مهمة جداً، فمن خلالها تُعرف الخطوط العامة للتواصل والدعاية والإعلان، فضلاً عن كونها تقدم ما يُسمّى "نقطة البيع الفريدة " Unique Selling Proposition USP ، والتي يمكن الاعتماد عليها في صياغة سيناريوهات عدة للحملة الإعلانية والحديث عن مقومات الاستثمار في البحرين.
رابعاً: الاستعانة بالخبراء ممن قاموا بالتسويق لبلدان حققت نجاحاً، ليس على مستوى التسويق الإعلاني فقط، بل على مستوى نماء وتطوير الاستثمارات بنوعيهاالداخلي والخارجي।
خامساً: العمل على إنشاء شبكة منظمة بين الوزارات والجهات ذات العلاقة بالاستثمار لتسهيله على المستويين الداخلي والخارجي، يتأتّى ذلك من خلال وجود نظام تعاوني مشترك وملموس بين تلك الجهات. وقد بادر ولي العهد في تذليل الصعاب بين مكونات الجسم الحكومي لتتبع منهجية ورؤية واحدة صاغها مجلس التنمية।
سادساً: توظيف الإعلام بشتى الطرق عبر طريقة ممنهجة ومدروسة، من الطابع البريدي إلى الصورة الموجودة والمتفاعلة في ذهن البحريني وغير البحريني على حد سواء। ومن المهم جداً أن تكون العقلية التفاعلية اليومية للمواطن البحريني هي صورة البحرين من خلال عمله اليومي وشعوره وسلوكه وفكره تجاه تلك الصورة، كما هو الحال على سبيل المثال مع تجربتي سنغافورة وإيرلندا، حيث يتحول التفاعل إلى سلوك يومي، لدرجة أن الشعب الإيرلندي من الشعوب المميزة في محاربة القرصنة والمحافظة على مستوى الملكية الفكرية في بلدانهم، لتصل إيرلندا إلى مصاف أفضل الدول في حقل الملكية الفكرية।
وفي هذه النقطة السادسة، نبيّن أهمية الوسائل الإعلامية المختلفة، والتي قام مجلس التنمية الاقتصادية بالاستفادة منها، حيث باتت حملته الترويجية موجودة في مواقع متعددة حول العالم والتي تعتني بالاستثمار الأجنبي المباشر، منها على سبيل المثال لا الحصر http://www.fdiintelligence.
حيث يتضح لمتابعوا القناة-إن وجدوا- فارقاً زمنياً كبيراً وبُعداً شاسعاً بين تلفزيون البحرين والناس من جهة، وبينه وبين الصورة الترويجية لمملكة البحرين في الخارج من جهة أخرى، خصوصاً عند الحديث عن ترويج لصورة مملكة البحرين في الخارج، ويُعتبر التلفزيون الرسمي أحد أهم القنوات التي سيشاهدها المستمثر لأنها تعكس الصورة التي تريد الدولة تقديمها لشعبها وللآخرين. وهنا بيت القصيد، لتكتمل حلقة الترويج التي يتبناها مجلس التنمية الاقتصادية، فالقارىء والمتابع يرى أن هناك "نشازاً" في اللحن العام المقدم عن صورة البحرين، بالرغم من وجود آلات العزف في محلها إلا أن هناك فرداً يعزف لوحده بعيداً عن الأوركسترا। وذلك هو "تلفزيون البحرين"، وفي مثل هذه الحال لا بد من طريقتين لحل هذه اللحن "النشاز"، وذلك بطريقتين، إما:
أولاً: بجعل الموسيقي "يلتزم" باللحن العام المقدم.
ثانياً: استبداله بآخر. وبعبارة أخرى، نرى أن التلفزيون الرسمي لا يسير على "الرتم" العام المقدم للترويج لصورة البحرين للعالم، ولا يكفي تزويد هيئة الإذاعة والتلفزيون بمعدات حديثة إن لم تمكن هناك استراتيجية واضحة وممنهجة للسير على نفس "اللحن" العام لصورة البحرين। والسيناريوهين المقدمين هنا هما:
أولا:ً شراكة فعلية بين هيئة الإذاعة والتلفزيون ومجلس التنمية الاقتصادية، للرقي بمستوى التلفزيون، مادةً وجودةً.
ثانياً: تدشين قناة خاصة لترويج البحرين بأكثر من لغة. والاستعانة بالخبرات والكوادر المحلية المبدعة لذلك. وفي غير تلك الحالتين، سيبقى الصوت النشاز موجوداً ومشوهاً للحن العام المقدم باسم البحرين. فهل نُبقي الموسيقي "النشاز" يلعب بآلته، ندربه من جديد أم نستبدله؟
http://ru.youtube.com/watch?
(٢)
www.fdiintelligence.com
* مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي
نشاز
مرسلة بواسطة hardthinker الثلاثاء، ٥ أغسطس ٢٠٠٨ في ١١:١٥ ص
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
1 التعليقات:
١٢ أغسطس ٢٠٠٨ في ٤:١٢ ص
جميل ان نرى البحرين تعد من الدول التي تروج لنفسها و ان تصبح معروفه عالميا بعد ان كانت غير معروفه حتى بين الشعوب العربيه .. بالطبع هي مازالت في حاجه الى تطورات اكثر و لاكنها مازلت تخطو خطواتها الاولى نحو مستقبل اكبر و افضل انشاء الله ..
إرسال تعليق