كتب مهاب نصر:
فلة وباربي وبراتز ليست مجرد دمى تتأرجح بينها رغبة الفتيات الصغيرات، وهن يقارنّ بينها مبهورات وراء الواجهات المضيئة لمحال اللعب والهدايا، وهي ليست فحسب نسلا متطورا للطوطم القديم أو التميمة الحارسة، وقد تطورت في طريقها إلى اللعب من جهة والتسليع والإنتاج بالجملة من جهة أخرى، إنها أيضا ثقافة، وإشارة إلى الصورة التي يحب الإنسان رؤية ذاته فيها، هي إذن شكل من استئناس الإنسان بشبيهه أونموذجه ومثاله، وهي لذلك يمكن أن تتحول إلى نقطة صراع ثقافي بحسب الاختلاف حول هذا النموذج وهذا الشبيه.
في هذا الإطار تأتي أفكار الكتاب اللافت للكاتب البحريني جعفر حمزة، الذي استضافته رابطة الأدباء الخميس الماضي في نقاش تميز بطرافة الموضوع، وأهميته في الوقت نفسه.
يحمل الكتاب عنوانا أصليا طفوليا « أنا أحب دميتي» لكن عنوانه الفرعي الشارح يضع بسرعة ظلا ثقيلا على موضوعه {سيرة عشق الإنسان لصورته “الدمية”}.
سحر ولعب
في البداية قدمت الزميلة أفراح الهندال للكاتب الحاصل على بكالوريوس الهندسة وعلى شهادات عدة في الملكية الفكرية، عمل حمزة محررا في صحيفتي الوطن والميثاق، ولديه مشروعان لكتابين آخرين حول «اللباس في المفهوم الغربي» و « اقتصاد المعرفة والصورة الضائعة».
أبرز جعفر حمزة بعض الإشكالات التي أحاطت بطباعة الكتاب الذي بدأ بمقال في مجلة القافلة، ثم تطورت فكرته لتتحول إلى مؤلف كامل، فقد رفضته بعض الجهات منها مشروع «اكتب» الذي ترعاه مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، لأسباب تتعلق بتحفظات على استخدامه لبعض النصوص القرآنية في ما رأته « توظيفا غير مبرر» وهو ما ينفيه حمزة، كما توقفت أمامه مؤسسات أخرى بسبب صعوبة تصنيفه.
يرى صاحب «الدمية» أن أهمية الفكرة تعود إلى كثافة إنتاج الدمى: باربي، براتز وغيرهما، التي تحولت إلى نوع من الثقافة يساندها ويفيد منها الانتاج الضخم والاستهلاك الواسع. لكن ما الدمية؟ يعود حسن إلى نقطة البداية التاريخية الغامضة للدمى منذ عالم القداسة والسحر، وصولا إلى الشكل المعاصر الذي تحول إلى التسلية واللعب بصورة الذات، ويبرهن حمزة على انتشار انتاج الدمى والألعاب الثقافية التي تغرق الأسواق العربية مهددة صناعتهم التقليدية، ومستفيدة من استثمار قيم ثقافية تعيد إنتاجها لنا.
باربي وفلّة
تعود تجربة الدمية باربي إلى ما يقارب خمسين عاما ويتساءل حمزة عن السبب في استمرارها والقيم المتطورة التي تحملها، حيث كانت بحسب تعبيره، ثورة على القيم في هيئتها وحملت معاني للتحرر والجمال، كانت صادمة للبعض حتى في المجتمع الأميركي. ظلت باربي ممنوعة من الدخول إلى المملكة العربية السعودية بسبب النموذج الذي تمثله، واستفادت من ذلك الدمية العربية « فلة» التي جاءت بصورة أقرب ملاءمة لـ «الاحتشام». و يرى حمزة أن النماذج التي قدمها العرب للدمى سواء المصنعة أو المصورة مثل «بكار» لم تعش طويلا، لأنه ليس وراءها تجديد وابتكار، رغم أهمية هذه الصناعة سواء على الصعيد الاقتصادي حيث يعد الوطن العربي من أكثر المناطق استهلاكا لهذه الدمى، أو على الصعيد الثقافي حيث يشكل الصراع بين الدمى صورة أخرى من الصراع الثقافي.
ليست مملة
ربما لا يعد غريبا في إطار التقاليد البحثية الغربية هذا النوع من الدراسات الثقافية، التي لا تترفع عن تناول موضوعات شعبية أو ذات طابع يومي، لتقرأ من خلالها أشكالا من أساليب التفكير ومن التطورات الاجتماعية والصراعات الثقافية المستترة وغير المباشرة. وهو ما أشار إليه يحيى طالب معقبا على الكاتب، لكن هذا لم يمنع من الاستقبال الحذر أحيانا لهذا الشكل غير المألوف من البحث. أشار حسن الفرطوسي إلى أن فكرة الدمى تعود إلى تاريخ يسبق ما ذكره الكاتب وتساءل عن القارئ الذي يتوجه إليه الكتاب هل هو القارئ العربي أم الأجنبي؟ كما تساءل عقيل عيدان عن مفهوم اللعب الذي تناوله الكتاب وفي إمكان توسيع النقاش حول علاقة الإنسان به، أما سليمان الحزامي فقد أشار إلى تجارب في البحث سابقة ومشابهة برأيه مثل كتاب بزة الباطني، وتمنى لو أن الكاتب كان قد أفاد منه، وهاجم الحزامي الطبيعة الاستهلاكية التي تمثلها دمى مثل باربي وغيرها، بالإضافة إلى حملها قيما اجتماعية وثقافية مخالفة أحيانا للبيئة العربية. وتحدثت هدى الشوى عن افتقادنا للألعاب النابعة من البيئة العربية ونماذجها.
كان واضحا أن النقاش يمكن أن يتفرع إلى قضايا أخرى مثل موقف بعض المتدينين من الدمى، ومحاولة أقطار إسلامية إنتاج دمى تعبر عن خصوصيتها دفعا لما تعتبره غزوا ثقافيا. وكانت الزميلة أفراح محقة وهي تختتم النقاش بقولها إن هذه الندوة الخاصة لم تكن أبدا ندوة مملة.
http://alqabas.com.kw/Article.aspx?id=518431&date=19072009
0 التعليقات:
إرسال تعليق