لم يخطأ ظني عندما تفرسّتُ بها وعلمتُ أنها ستلعب دوراً أكبر من “حجمها” بكثير، فألفتُ كتاباً عنها بالعربية والإنكليزية بعد نشر مقالات وأبحاث مصغرة حولها، فكان الحصاد كتاب “أنا أحب دميتي، سيرة عشق الإنسان لصورته الدمية”، وكنتُ متأملاً أن تكون التجارب العربية والإسلامية بها من القوة ما تكون بديلاً عن تلك الدمية المسماة “باربي”، لكن هيهات، فقد سبق السيف العذل، فبين من انكفأ على تجربته وظنّ أنه وصل، وهو لم يحرك إلا قدماً وتوقف ضمن مسيرة تتطلب نَفَساً طويلاً، وبين من أصابه غرور الربح السريع وزاد بريقه وانطفأت شعلة الرسالة لديه، وبين هذا وذاك تجارب عديدة بين خجل وتراجع.
ولا عجب أن تتقدم “باربي” بقوة حضورها وشخصيتها وسوقها المربح، والذي وصل حداً أن تُباع في الثانية الواحدة دميتين من “باربي” حول العالم.
وما أعجب له حقاً ذلك التحول الغريب بالمجتمع الأمريكي والذي انتفض على الظهور الأول لهذه الدمية في 1959 والتي عرضت نفسها بالبكيني المخطط بالأبيض والأسود في جرأة صارخة على مجتمع محافظ بالعموم حينها.
وواصلت رسالتها برغم الآثار السلبية التي تركتها كصورة ذهنية عن الجمال والأنوثة وما تبع ذلك من أرقام مهولة في عمليات التجميل، ارتفاع حجم المبيعات للدمية وتوابعها ومنتجاتها المصاحبة، فضلاً عن التغيير الحاصل في معنى تمكين المرأة والصورة الذهنية العامة عن المرأة، وكل ذلك أتى من قطعة البلاستيك هذه المُسمّاة بالدمية “باربي”، وحقاً ما قيل، بالسابق كانت الفتاة تُلبس الدمية الثياب، حتى أصبح الأمر معكوساً، الدمية الآن هي من تُلبس الفتاة ما ترغب!
ما دمنا في موقع الدفاع والممانعة، فإن احتمالية الاختراق دوماً تكون أكبر، لأن المدافع لا يملك التوقيت ولا ساحة النزال، بل يكون مترقباً وثغوره مفتوحة.
لذا من المهم ادراك هذه الخطوات الثلاث:
١. الممانعة، بالتوعية واستخدام أدوات الصد المتنوعة بالأسلوب المؤثر والذكي والحسن واللطيف والقوي بذات الوقت
٢. التصنيع: إنتاج ما يتلائم مع هوية المجتمع، فالتصنيع تثبيت للهوية بحضوره اليومي، وذلك من خلال توفير المنتج الثقافي المناسب والمرن والجذاب والتمتع بالاستدامة فيه، لا ردة فعل فقط
٣.التصدير: هنا خطوة الإقدام لا استقبال الضربات، هنا خطوة تصدير المنتج الثقافي للآخر، وهذه ترجمة القوة وعمق الرسالة.
ما زلنا نراوح مكان الممانعة مع ضعف فيها إلا من صدٍّ من أُولي العزيمة والبصر والغيرة. والتعويل على ذلك فقط تمثل قمة الاتكالية والانسحاب من معركة القيم، وكأنما الأمر لا يعنينا، وهكذا يكون تعزيز مذهب الفردية مغروساً فينا، لرفع رتم الاستهلاكية والفردية بنا حد التخمة.
أتخيل مجرد تخيل، أن تعمل المجتمعات ذات التجانس الواحد بصناعة منتجاتها الثقافية وتدعمها، كونها جزء من هويتها وكيانها وليس ترفاً، أوليس نرى تجربة مماثلة للدمية “فلة” وربما أفضل؟ لأن الهوية نابعة من قلب المجتمع، واستدامة ذلك المنتج يتم دعمه كواجب ثقافي وفكري وترجمة لتثبيت هوية وليس لهواً أو أمراً هامشياً.
ما لم نقدم منتجاتنا الثقافية بقوة واستدامة الحضور المؤثر، ستكون هناك منطقة فراغ واسعة يمكن لـ”باربي” وغيرها إتيانها والتربع عليها كلما شائت، فإن لم تملأ الفراغ، ملأه غيرك.
حديثي للمجتمعات المتمسكة بهويتها والراغبة في تثبيت حضورها بمنتجاتها.
تناول كتابي عن الدمية في فصول خمس عن تاريخ ظهور الدمى قبل ٤ آلاف سنة مروراً بصناعة الدمى في اليابان، وتناول فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى وبذرة ظهور الدمية “باربي” والتحولات الثقافية بعدها.
وصولاً إلى التسويق للدمية المنافسة لباربي وهي الدمية براتز.
وتم التطرق لتجارب من الشرق من دول عربية وغيرها بالكتاب ومساقاتها التجارية والثقافية.
صناعة التمكين الثقافي هو امتداد فطري بالضرورة للمجتمعات الواثقة بهويتها والقادرة على بسط حضورها بمنتجاتها.
وصلة الكتاب من موقع أمازون:
0 التعليقات:
إرسال تعليق