جعفر حمزة*
التجارية ٢٦ مارس ٢٠٠٨
كانت على وشك أن توقف تصنيعها لأحذيتها التي شهدت ركوداً ملحوظاً في مبيعاتها، إلا أن “نقطة التحول” لديها بدأت ما بين أواخر ١٩٩٤ وبداية ١٩٩٥، حيث انتشر اسم ماركة أحذية “Hush Puppies” بسرعة وأصبحت “موضة” يبحث عنها مصممو الأزياء مثل المصمم “جون بارليت” وانتقلت عدوى هذه الأحذية إلى مصمم آخر هو “جويل فيتزجيرالد”، وهكذا بدأت عدوى العلامة التجارية تنتقل من مكان إلى آخر، نتيجة ظهور هذه الماركة بطريقة معينة وبأثر معين نطلق عليه اسم “تأثير الدمينو -Dynamo Effect” ويطلق عليه “"Malcolm Gladwell"” مؤلف كتاب “The Tipping Point” صفة “الوباء - Epidemic”، وهو الذي أسرد ذلك المثال ضمن طرحه لجواب سؤاله وهو “كيف يمكن للأشياء الصغيرة أن تحدث تغييراً كبيراً؟”.
ولئن كانت نظريته تنسحب في المجال الاقتصادي والاجتماعي نوعاً ما، إلا أننا نؤمن بأن ما سرده المؤلف ينسحب على كل مجال وفي أي بلد في العالم، حيث أن مفردات طرحه مشتركة لدى معظم المجتمعات الإنسانية في العصر الحديث.
لم أنهِ ذلك الكتاب بعد، حيث وصلت في نصف بحره الصغير، فقَفَزَت إلى ذهني أمثلة مختلفة، تترجم معنى “الوباء” كما يقول Gladwell“ أو Dynamo Effect” كما أحب أن أسميها، ومن الجيد التفكير فيها بروية كما هي مجردة دون تعليق، فيكفي سردها وللقارىء مهمة التحليل والتفكير فيها، ليعرف أين هو من موقع قطع الدمينو. أعتقد سيكون في معظمها إن لم يكن كلها.
القطعة الأولى:
قلة السواحل العامة والحدائق العامة تؤدي إلى توجه الناس نحو المجمعات التجارية، والنتيجة تواجد الناس في بيئة تبث إشارات شرائية متواصلة، وتقوم بصياغة اللباس المناسب لتلك المجمعات، على الأقل ستكون نسبة مضمونة ولو قليلة من عملية الشراء نتيجة تواجد ذلك العدد الكبير من الناس في المجمعات.
القطعة الثانية:
يؤدي غلاء الأسعار إلى البحث عن مصادر دخل مختلفة تتمثل في العمل بوظيفتين، أو العمل لساعات طويلة “نوبات” للحوق بركب ارتفاع المستوى المعيشي، والنتيجة ارتفاع نسبة الإرهاق بالعمل وما يسببه من أمراض في القلب والجهاز العصبي والتنفسي وغيرها، فضلاً عن ارتفاع نسبة حوادث العمل.
القطعة الثالثة:
بالإضافة إلى أن غلاء الأسعار نتيجته غياب الأب على أحسن تقدير والوالدين كليهما في أسوأ تقدير عن المنزل والأولاد، والنتيجة قلة عملية التلاقي بين الأبناء وآباءهم، وهذا له كبير الأثر في التربية ومتابعة الدراسة والتأديب للأولاد، بحيث يخرجون باردين عاطفياً وهذا يوثر في صياغة شخصيتهم مستقبلاً، وتبعات ذلك على المجتمع.
القطعة الرابعة:
يؤدي الغلاء في المستوى المعيشى إلى نتيجة مفادها التوجه نحو مفهوم الربح السريع والمتمثل في الدخول في المسابقات أو في انتظار أرباح معينة تقدمها بعض الشركات قبال وضع رأس مال محدد فيها، بدلاً من التفكير في الاستثمار وتشغيل المال.
القطعة الخامسة:
أما التمييز الوظيفي فيؤدي إلى تدني مستوى العمل وإنتاجيته، والنتيجة خلق الحساسيات في جو العمل، والذي سيوثر في كفاءة العمل بالمؤسسة والشركة والوزارة.
القطعة السادسة:
هضم حق المواطنين نتيجة التجنيس العشوائي، والنتيجة تأخير حق المواطنين المنتظرين لخدمات الدولة من إسكان وخدمات صحية وبلدية وغيرها، حيث يأخذ ذلك النوع من التجنيس وقتاً ومساحة وحقاً من كل بحريني للتمتع بالخدمات الواجب على الدولة توفيرها له.
القطعة السابعة:
يؤدى الانفتاح الاقتصادي إلى تنوع الخيارات الاستثمارية، وتنوع الخيارات المطروحة للمواطن منتجاً أو بضاعة، والنتيجة زيادة ثقافته الاستهلاكية نتيجة التنوع وحجمه.
القطعة الثامنة:
يقوم الانفتاح الفضائي بعملية تغيير في سلوكيات الأفراد، والنتيجة تغيير في نمط حياتهم، والذي يمثل اللباس والأكل والترفيه أحد مظاهرها الأولية، حيث يصوغ الإعلام السلوك الشرائي، وتزداد مبيعات سلوك شرائي لماركة تجارية دون أخرى.
القطعة التاسعة:
تكون عملية البحث عن ارتباط جديد في مجتمع افتراضي نتيجة الانفتاح الإلكتروني (الإنترنت) ضمن ما يُسمّي “cyber community” أي مجتمع السايبر. والدخول الذكي للإعلانات فيه، والنتيجة إكساب الفرد مساحة من التعبير والثقة بصوت مسموع. وأثر ذلك في صياغة سلوك الأفراد وتفاعلهم فيما بينهم سلباً وإيجاباً.
القطعة العاشرة:
يؤدى الانفتاح التعليمي إلى تعدد الخيارات والاختصاصات، وبالتالي عملية الإختيار تحتاج إلى بحث وتقصٍ، والنتيجة صياغة عقلية منفتحة واعية في اختيار التخصص المناسب لسوق العمل.
القطعة الحادية عشرة:
إن الانفتاح الوظيفي المتمثل في عدد الشركات المحلية والأجنبية شكل أرضية خصبة في طرح التنوع في الوظائف المطلوبة، وبالتالي تحدياً في تنمية المهارات اللازمة وضرورة تقديم خيارات متنوعة، والنتيجة زيادة عدد المعاهد والجامعات.
وهناك العديد من القطع الصغيرة غير الملحوظة، وكمثال على ذلك العلاقة بين وزارة الأشغال وزيادة أرباح الكراجات، فالترصيف غير المكتمل وغير المنتظم نتيجته ضرر في الـ” Suspension” للسيارة ، ودفع مبلغ تصليحه للكراج.
ما أوردناه من أمثلة هي ترجمة للطرح الذي قدمه المؤلف في كتابه، بالإضافة أنه واقع حسابي تأخذ به الدول المتقدمة، ويُطلق عليه الرياضيون “التتابع الهندسي الرياضي” أو الدالة التتابعية “Sequences Function”، وهي اللبنة الأساسية للتغيير والإصلاح الذي يعتمد عليها التخطيط الاقتصادي للمجتمعات الحديثة، حيث تتمثل في فهم البدايات والنهايات وما بينهما قبل حصولها وتجهيز الأدوات المناسبة لها.
ونعتقد أن كل واحد منّا لديه أكثر من عشر قطع يراها يومياً أو يعايشها وجهاً لوجه، ومن المهم معالجة تلك القطع منذ البداية، حيث لا ينفع التحليل بعد سقوط القطعة الأخيرة من الدمينو.
* باحث في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق