مقال تم نشره في مجلة الرمضانية البحرينية
جعفر حمزة*
“لا يولد الإبداع إلا من رحم الحاجة، ولا تتجسّد القوة في الصورة المرسلة إلا بعد معاناة وملامسة للواقع”.
كان لا بد من التوقع أن التغيير لن يشمل نظاماً سياسياً فحسب، وذلك بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، بل انسحب التغيير ليشمل عقلية ومنهجية تفكير وسلوك تشكل قبل وأثناء وبعد الثورة الفكرية في المجتمع الإيراني.، وكان التحول الحقيقي هو في التعاطي مع الدين بطريقة جديدة ألقت بظلالها على ميادين مختلفة من الحياة الإيرانية، وكان من بينها “الفن والسينما”.
إذ أن الفن لم يمثل ذلك “الشر المطلق” في ذاته ليُقصَى من الساحة بشكل عام، فقد حث الإمام الخميني على ضرورة الاستفادة من الفن والسينما لخدمة الإسلام، وقد كان هذا التوجه جديداً عندما نقرأ خطوط الساحة الدينية في العالم الإسلامي آنذاك.
إن ما يميز السينما الإيرانية خطابها البسيط في عفويته الإنسانية التي لم تعتمد على الجنس، العنف، أو المغامرات لتقديم أصل الفكرة في الفيلم، ولقد نجحت السينما الإيرانية بامتياز من دون اللجوء إلى تلك السبل، وهي السينما التي قدمت معاني الإنسانية في عنوانها العام والخاص للعالم، ولقد كسبت ثناءً محموداً من لدن نقاد ومشاهدين من شتى أنحاء العالم.
وللمرأة نصيب مشهود في السينما الإيرانية، فخلال السنوات التي أعقبت انتصار الثورة في إيران، لم تلعب المرأة الإيرانية دوراً مهماً في التمثيل فحسب، بل أخذت دورها المميز كمخرجة ومنتجة وكاتبة، ولم يكن حال سينما الأطفال بأقل شأناً وأهمية من سينما الكبار، فقد خصصت السينما الإيرانية بمؤسساتها المختلفة مهرجاناً دولياً لسينما الأطفال والناشئة، وقد قامت مؤسسة الفارابي التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي بتشجع العديد من المخرجين والمنتجين بالتركيز على الطفل في السينما الإيرانية .
ومن المقومات الذاتية والخارجية لهذه السينما، والتي أصبحت قيد الدراسة لتفكيك “الحياكة البصرية” المميزة لها، خصوصاً بعدما سرقت الأضواء في المهرجانات العالمية.
هي السماوات الخمس التالية:
السماء الأولى:
الألم الذي يحتضنه المجتمع يمثل جزءً كبيراً من وقود الإبداع في السينما الإنسانية، والتي تحتل إيران مساحة كبيرة منها، ومن ذلك الألم يتحرر الأمل. وذلك من خلال “المرايا العاكسة” لا النظرة المباشرة، وبمعنى آخر يتم استعراض الألم، ألم الطفولة والفراق والاشتياق عبر دلالات ورموز بسيطة لا يجهد المشاهد فكره في تحليلها والوصول إلى المغزى من ورائها، بل هي بسيطة في التحليل وعميقة في الطرح والتصوير، ما يجعل المشاهد منغمساً في المشهد بالرغم من بساطته في التركيب وسهولته في العرض، إلا أن القوة تتركز في المعنى الذي يحتويه من خلال قسمات وجه طفل، أو دمعة أم أو إنكسار على وجه صبية، وهو نفس المعنى الجاذب بلا شعوريته المباشرة للمشاهد، والذي يتفاعل بحرارة من الداخل مع الفيلم من خلال مشاعر حقيقية تتفاعل مع المشاهد ضمن توليفة ثنائية مُحكمة.
السماء الثانية:
اعتماد السينما الإيرانية على “اللاممثلين” في أفلامها، إذ تلحظ تفاعلاً غريباً، لا يمكن أن يقوم به ممثل إن لم يكن هو بالفعل صاحب القصة وصاحب الألم وصاحب الموقف لتتجسد فيه الشخصية ليكونا واحداً، والنتيجة هي مشاهدة “حقيقية” للقصة عبر أشخاص “حقيقين” لا ممثلين.
ومن الأفلام التي يغيب عنها الممثلين -كما يقول أحد النقاد المصريين- هو فيلم “لون الجنة- رنك خدا”، والذي يبدع فيه الصبي “محمد” الضرير دوره لدرجة البكاء معه بل وقشعريرة لا يمكنك مقاومتها عندما ترى مواقفه التي تقطر شعوراً دفاقاً وألماً وأملاً وحياة ونظرة مختلفة للحياة.
السماء الثالثة:
على الرغم من وجود “السجادة السينمائية الإيرانية” في تركيبتها المعقدة، إلا أن الشكل العام لها يمثل “راحة بصرية” للمشاهد، لذا بالإمكان ملاحظة “قوة البساطة” في السينما الإيرانية من خلال استخدام التقنية البسيطة من جهة، واختيار زوايا التصوير من جهة أخرى، ويكأن الفيلم تم تصويره من دون كاميرا، بل بعين بشرية هي عين المشاهد نفسه،وتلك البساطة هي مكمن القوة الجاذبة للمشاهد.
السماء الرابعة:
الموسيقى الإيرانية التصويرية ذات “النغم الحي” الملىء بالأحاسيس، ومن المعروف أن الموسيقى الإيرانية تتمتع بميزة نقل “النَفَس” من النفس إلى الآلة عبر مقطوعات مؤثرة تُلهب الأحاسيس وترسم صورة سمعية تتفاعل مع المشهد البصري.
السماء الخامسة:
طرق الأبواب المثيرة للتوجس نتيجة طبيعة “العلاقة الموضوعية” للفكرة المطروحة، سواء كانت من ضمن “التابو-المحرّم” أو المسكوت عنه، أو من خلال تقديم “إضاءة” لزوايا لا يوجد فيها إنارة للنظر إليها، ويسري ذلك الأمر على الكثير من العناوين “المحرمة” اجتماعياً أو ثقافياً، مع وجود “مبررات” دينية لا يكون للدين يدٌ فيها أصلاً، وذلك الطرق “الإبداعي” ميزة أخرى للسينما الإيرانية.
لقد باتت السينما الإيرانية ترسم سبيلاً سينمائياً عالمياً جديداً، وطريقاً يلامس الإنسان في إنسانيته بمفرداته المختلفة بعيداً عن صورة الجنس والعنف والخيال المفرط الذي يعزز الهّوة بين الإنسان وواقعه من جهة، ويُصنّع وحدات استهلاكية إعلامية من جهة أخرى، وتلك كانت الرسالة ببساطة إمكاناتها وصفاء رسالتها التي جسدتها السينما الإيرانية الماضية قدماً على الصعيد العالمي باعتراف جماهيري واحترافي في آن معاً.
وهي درس عملي، يقدم الرطار العام لمفهوم السينما الإنسانية، والتي بإمكان أي مجتمع تقديم ألمه وأمله عـبر مقاسه الخاص باحتفاظ هويته دون المراهنة على استنساخ التجارب الغربية أو الشرقية، بل عليه أن يستنسخ تجربته الذاتية ويقدمها كما هي دون “مكياج” أو “قناع” لتصل إلى قلب المشاهد عبر عينه وسمعه، وتبقى السينما الإيرانية وبعض السينما من دول أوروبا كإيطاليا ومن الشرق كاليابان والصين وكوريا نماذج تقدم سينما الإنسان للإنسان.
جعفر حمزة*
“لا يولد الإبداع إلا من رحم الحاجة، ولا تتجسّد القوة في الصورة المرسلة إلا بعد معاناة وملامسة للواقع”.
كان لا بد من التوقع أن التغيير لن يشمل نظاماً سياسياً فحسب، وذلك بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، بل انسحب التغيير ليشمل عقلية ومنهجية تفكير وسلوك تشكل قبل وأثناء وبعد الثورة الفكرية في المجتمع الإيراني.، وكان التحول الحقيقي هو في التعاطي مع الدين بطريقة جديدة ألقت بظلالها على ميادين مختلفة من الحياة الإيرانية، وكان من بينها “الفن والسينما”.
إذ أن الفن لم يمثل ذلك “الشر المطلق” في ذاته ليُقصَى من الساحة بشكل عام، فقد حث الإمام الخميني على ضرورة الاستفادة من الفن والسينما لخدمة الإسلام، وقد كان هذا التوجه جديداً عندما نقرأ خطوط الساحة الدينية في العالم الإسلامي آنذاك.
إن ما يميز السينما الإيرانية خطابها البسيط في عفويته الإنسانية التي لم تعتمد على الجنس، العنف، أو المغامرات لتقديم أصل الفكرة في الفيلم، ولقد نجحت السينما الإيرانية بامتياز من دون اللجوء إلى تلك السبل، وهي السينما التي قدمت معاني الإنسانية في عنوانها العام والخاص للعالم، ولقد كسبت ثناءً محموداً من لدن نقاد ومشاهدين من شتى أنحاء العالم.
وللمرأة نصيب مشهود في السينما الإيرانية، فخلال السنوات التي أعقبت انتصار الثورة في إيران، لم تلعب المرأة الإيرانية دوراً مهماً في التمثيل فحسب، بل أخذت دورها المميز كمخرجة ومنتجة وكاتبة، ولم يكن حال سينما الأطفال بأقل شأناً وأهمية من سينما الكبار، فقد خصصت السينما الإيرانية بمؤسساتها المختلفة مهرجاناً دولياً لسينما الأطفال والناشئة، وقد قامت مؤسسة الفارابي التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي بتشجع العديد من المخرجين والمنتجين بالتركيز على الطفل في السينما الإيرانية .
ومن المقومات الذاتية والخارجية لهذه السينما، والتي أصبحت قيد الدراسة لتفكيك “الحياكة البصرية” المميزة لها، خصوصاً بعدما سرقت الأضواء في المهرجانات العالمية.
هي السماوات الخمس التالية:
السماء الأولى:
الألم الذي يحتضنه المجتمع يمثل جزءً كبيراً من وقود الإبداع في السينما الإنسانية، والتي تحتل إيران مساحة كبيرة منها، ومن ذلك الألم يتحرر الأمل. وذلك من خلال “المرايا العاكسة” لا النظرة المباشرة، وبمعنى آخر يتم استعراض الألم، ألم الطفولة والفراق والاشتياق عبر دلالات ورموز بسيطة لا يجهد المشاهد فكره في تحليلها والوصول إلى المغزى من ورائها، بل هي بسيطة في التحليل وعميقة في الطرح والتصوير، ما يجعل المشاهد منغمساً في المشهد بالرغم من بساطته في التركيب وسهولته في العرض، إلا أن القوة تتركز في المعنى الذي يحتويه من خلال قسمات وجه طفل، أو دمعة أم أو إنكسار على وجه صبية، وهو نفس المعنى الجاذب بلا شعوريته المباشرة للمشاهد، والذي يتفاعل بحرارة من الداخل مع الفيلم من خلال مشاعر حقيقية تتفاعل مع المشاهد ضمن توليفة ثنائية مُحكمة.
السماء الثانية:
اعتماد السينما الإيرانية على “اللاممثلين” في أفلامها، إذ تلحظ تفاعلاً غريباً، لا يمكن أن يقوم به ممثل إن لم يكن هو بالفعل صاحب القصة وصاحب الألم وصاحب الموقف لتتجسد فيه الشخصية ليكونا واحداً، والنتيجة هي مشاهدة “حقيقية” للقصة عبر أشخاص “حقيقين” لا ممثلين.
ومن الأفلام التي يغيب عنها الممثلين -كما يقول أحد النقاد المصريين- هو فيلم “لون الجنة- رنك خدا”، والذي يبدع فيه الصبي “محمد” الضرير دوره لدرجة البكاء معه بل وقشعريرة لا يمكنك مقاومتها عندما ترى مواقفه التي تقطر شعوراً دفاقاً وألماً وأملاً وحياة ونظرة مختلفة للحياة.
السماء الثالثة:
على الرغم من وجود “السجادة السينمائية الإيرانية” في تركيبتها المعقدة، إلا أن الشكل العام لها يمثل “راحة بصرية” للمشاهد، لذا بالإمكان ملاحظة “قوة البساطة” في السينما الإيرانية من خلال استخدام التقنية البسيطة من جهة، واختيار زوايا التصوير من جهة أخرى، ويكأن الفيلم تم تصويره من دون كاميرا، بل بعين بشرية هي عين المشاهد نفسه،وتلك البساطة هي مكمن القوة الجاذبة للمشاهد.
السماء الرابعة:
الموسيقى الإيرانية التصويرية ذات “النغم الحي” الملىء بالأحاسيس، ومن المعروف أن الموسيقى الإيرانية تتمتع بميزة نقل “النَفَس” من النفس إلى الآلة عبر مقطوعات مؤثرة تُلهب الأحاسيس وترسم صورة سمعية تتفاعل مع المشهد البصري.
السماء الخامسة:
طرق الأبواب المثيرة للتوجس نتيجة طبيعة “العلاقة الموضوعية” للفكرة المطروحة، سواء كانت من ضمن “التابو-المحرّم” أو المسكوت عنه، أو من خلال تقديم “إضاءة” لزوايا لا يوجد فيها إنارة للنظر إليها، ويسري ذلك الأمر على الكثير من العناوين “المحرمة” اجتماعياً أو ثقافياً، مع وجود “مبررات” دينية لا يكون للدين يدٌ فيها أصلاً، وذلك الطرق “الإبداعي” ميزة أخرى للسينما الإيرانية.
لقد باتت السينما الإيرانية ترسم سبيلاً سينمائياً عالمياً جديداً، وطريقاً يلامس الإنسان في إنسانيته بمفرداته المختلفة بعيداً عن صورة الجنس والعنف والخيال المفرط الذي يعزز الهّوة بين الإنسان وواقعه من جهة، ويُصنّع وحدات استهلاكية إعلامية من جهة أخرى، وتلك كانت الرسالة ببساطة إمكاناتها وصفاء رسالتها التي جسدتها السينما الإيرانية الماضية قدماً على الصعيد العالمي باعتراف جماهيري واحترافي في آن معاً.
وهي درس عملي، يقدم الرطار العام لمفهوم السينما الإنسانية، والتي بإمكان أي مجتمع تقديم ألمه وأمله عـبر مقاسه الخاص باحتفاظ هويته دون المراهنة على استنساخ التجارب الغربية أو الشرقية، بل عليه أن يستنسخ تجربته الذاتية ويقدمها كما هي دون “مكياج” أو “قناع” لتصل إلى قلب المشاهد عبر عينه وسمعه، وتبقى السينما الإيرانية وبعض السينما من دول أوروبا كإيطاليا ومن الشرق كاليابان والصين وكوريا نماذج تقدم سينما الإنسان للإنسان.
1 التعليقات:
٢١ سبتمبر ٢٠٠٨ في ٩:٠٥ م
صحيح أن سينما الإيرانية وصلت لى ماهي عليه
لكنني أشعر أنها لاتحصل مقدار من الاهتمام المطلوب من المشاهدين وخصوصا أنها وصلت ما وصل
بالنسبة للسماءالثانية
شي جميل أن نعتمد على مجسدين للحال اللي يتعايشونه لاممثلين
أسمح لي بأن أصحح أسم الفلم بالعربي صبغة الله
إرسال تعليق