مرسلة بواسطة
hardthinker
الأحد، ٢٨ ديسمبر ٢٠٠٨
في
١١:٤٧ م
جعفر حمزة*
التجارية ٣١ ديسمبر ٢٠٠٨م
شدته بقوة لجرأتها، بل و"لوقاحتها" الواضحة لتخرج للملأ دون رقيب أو حسيب، فاقترب من صاحبها اليافع وسأله عنها: "تعرف شنو مكتوب على فانيلتك؟".
فكانت إجابته بالنفي، وأردف قائلاً: " بس شفتها فانيلة سودا، واشتريتها عشان محرم، يعني شنو مكتوب عليها؟ كتابة بالإنكليزي وبس!"
لم يكن يُدرك بأن العبارة التي يحملها على صدره تدعو للإباحية وبصورة مباشرة ومقززة، ويبدو أن ما دفعه لشرائها هو لونها الأسود ليتناسب مع موسم شهر محرم والذي يتشح فيه المجتمع البحريني بالسواد إحياءً لذكرى عاشوراء الأليمة، والتي اُستشهد فيها حفيد الرسول الأكرم (ص) الإمام الحسين (ع) عند رفضه لواقع الظلم والتحريف في الدين في زمانه.
وفي كل عام تنتعش سوق الملابس السوداء في البحرين عند اقتراب موسم عاشوراء، نتيجة أن الكثير من الناس يلبسون السواد إظهاراً للحزن على فاجعة كربلاء، وإحياءً لتلك المناسبة الدينية الكبيرة.
ويبقى السؤال، ما الذي نلبسه في محرم؟ وأي نوع من السواد يمكننا لبسه؟ وهل هناك بديل؟
يُعتبر شهر محرم من ضمن المواسم الدينية التي تنتعش فيها أسواق بيع الملابس السوداء، كونها تمثل مظهراً للحزن وتعبيراً عن معايشة أجواء هذا الشهر العظيم، ونتيجة لفقدان "البديل" من الثياب السوداء المطروحة، وخصوصاً بالنسبة للشباب، يتوجه أغلبهم إن لم يكن كلهم إلى شراء كل ما هو أسود، مع بعض الزخرفة أو الحركات الموجودة في الثياب، وذلك كنوع من الاختلاف والتميز، وهو ما يميل إليه الشباب عادة، إلا أن ما يغفل عنه الكثيرون، هو نوعية "المسج" أو الرسالة المكتوبة على تلك الثياب، سواء نتيجة "جهل" من يشتري باللغة الإنكليزية، أو نتيجة "تهاون"، فما دام اللباس أسود، فلا ضير بما هو مكتوب عليه.
وقد لا يقتصر الأمر على مناسبة عاشوراء فقط عند تناولنا لموضوع "مسجات" الملابس، إلا أن أبرز مظاهر تلك المسألة حضورها بسلوك جمعي واحد، وهو لبس الناس للون الأسود، فضلاً عن طبيعة المناسبة والتي هي دينية بحتة.
ونتيجة لذينك السببين: السلوك الجمعي في اللباس، والصبغة الدينية للمناسبة، يكون الأمر بارزاً إن تم تناول موضوع الملابس و"المسجات" التي عليها، وينسحب الاستنتاج من هذا الكلام على جميع الأوقات وفي جميع المناسبات،كل بحسب ظروفه ورسالته وبيئته.
وفي قبال ذلك يبقى السؤال: أين البديل في الملابس وخصوصاً للشباب؟
تُعتبر سوق الملابس من أنشط وأنجح أنواع التجارة في العالم، وتتباين حجم ونشاط تلك التجارة اعتماداً على البيئة والجو وأعراف وتراث كل مجتمع، فالمجتمعات المحافظة لها نمط معين من الملابس في التصميم ونوعية القماش، في حين تكون المجتمعات الغربية لها نمط آخر تميل إليه في الملابس وهكذا، فكل يغنّي على قماشه.
وبذا تتحرك قطعة القماش اتساعاً وضيقاً وزهاء ولونا اعتماداً على ثقافة وميل المجتمع وأذواق الناس فيه.
وعند الحديث عن موسم عاشوراء تأتي خصوصية لا بد منها في الملابس، فمناسبة عاشوراء دينية وتكتسي بالحزن والمأساة، لذا لا بد من تحقق أمرين فيما يخص الملابس في هذه المناسبة، وهما:
أولاً: أن تكون الرسالة "المسج" معبرة عن المناسبة، لتتخذ خصوصيتها في المناسبة.
ثانياً: أن تكون حديثة الطراز ومبتكرة।
وذلك لأن الفئة المستهدفة من طرح ذلك هم الشباب والفئة الناشئة والتي تبحث عن الشيء الجديد المميز. وفي حال غياب هذين العنصرين سيكون اللباس الأسود بصورته العامة هو ما يبحثه الشاب للبسه في هذه المناسبة الدينية. ونتيجة لذلك تنتشر الألبسة التي تحمل الشعارات والكلمات التي لا تمت إلى الإنسان المسلم فضلاً عن تناقضها الواضح مع رسالة موسم محرم التغييرية والإنسانية.
فما الذي ينقصنا لتقديم البديل المنافس؟
إن المقومات موجودة لطرح مثل هذا المشروع، فالقاعدة المستهلكة لهذا النوع من المنتجات "الثياب السوداء" موجودة، وجودة التصنيع متوفرة، وما علينا إلا صياغة "ماركة" يمكنها أن تحل مكان المطروح في الأسواق، وخصوصاً للمجتمعات المحافظة.
ويمكن اعتبار مشروع "البديل" والذي طرحته شركة "إسلاميديا" من خلال منتجها الجديد "نبراس" تجربة تستحق التقدير والإشادة والدعم، وقد سمعت الكثير من التعليقات المشجعة على هذه الخطوة، مما يشير إلى مقدار الفراغ الحاصل في السوق بالمجتمعات المحافظة، والتي تريد أن تواكب العصر وتحتفظ بالهوية في نفس الوقت، وذلك ممكن وبطريقة محترفة أيضاً إن أحسنا التخطيط وقدمنا البديل المنافس والأقوى.
فالتصميم حديث وشبابي بعضه باللغة الإنكليزية والآخر باللغتين العربية والإنكليزية، فضلاً عن تقديم نماذج نسائية في الملابس، لتتسع دائرة "البديل" وتدخل بحركة ملحوظة في السوق، من خلال تقديمها البديل المناسب والذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة في آن معاً.
ومن اللطيف في الأمر تحوير مثل شعبي وهو "اللي في قلبي على لساني" إلى ترجمة ذكية لرسالة "نبراس"، حيث أصبح "اللي في قلبي على ثيابي"، وهو تعبير عن الهوية والاعتزاز بالثقافة من خلال طرحها للنماذج التي تحوي الرسالةالمناسبة للموسم.
وسيمثل "نبراس" انطلاقة جديدة ومميزة-إن تم التخطيط لها جيداً- لتكون ماركة بحرينية محلية، تقدم البديل المنافس في الثياب، ونأمل أن نرى مشاريع مشابهة تنزل في السوق وبقوة معتمدة على ثقافة المجتمع والتي تمثل نقطة البيع الفريدة للمنتج، وهو ما لا تملكه الماركات الأخرى العالمية.
وقد نطمع بأن نرى عروض "fashion Show" تحمل من القيم ما تمثل نقلة نوعية في التعامل مع اللباس، والذي بات بمثابة جلدنا الثاني؟
فهل ينقصنا شيء، فالجمهور والملعب في صفنا، لكي لا يستمر لبس شبابنا لثياب تحمل من الرسائل بعضها ما يخدش الحياء وبعضها ما يحارب الدين،
ليكون شعار"اللي في قلبي على ثيابي" واقعاً عملياً ملبوساً مطلوباً.
*مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي.
مرسلة بواسطة
hardthinker
الجمعة، ٢٦ ديسمبر ٢٠٠٨
في
١١:٣٨ ص
واقع الإبداع الفني في المجتمع البحريني
مـن يصنع الخـبـز؟
الوقت ٢٦ ديسمبر ٢٠٠٨م
جعفر حمزة:
''إن لم تستطع أن تقدم ثقافتك। فهناك غيرك من سيملأ الفراغ الذي أحدثته أنت''। لم يقلها فيلسوف أو مفكر أو كاتب، بل قالها صاحب شركة صغيرة في إحدى الدول الأفريقية، والتي قامت بإنتاج سلسلة رسوم كرتونية تحكي قصصاً عن تاريخ تلك الدولة وحضارتها القديمة. لقد تغيرت المعادلة هذه الأيام مقارنة بالخمسين سنة الماضية. إذ أصبح ميدان التحدي أو ما أميل إلى تسميته بالتدافع ''ولو لا دفع الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد''وفقاً للمفهوم القرآني، حاضراً وبقوة وهي المعادلة الطبيعية لإيجاد توازن بين الشعوب والأمم. لقد أصبح هذا التدافع ملموساً بصورة لا يمكن سوى فهمها وترجمتها لصالح المجتمعات بدلاً من أن تكون مدعاة للتصارع وحروب الهوية.
ومما يحفظ ذلك التوازن هو وجود آليات تضخ القوة والثبات للمجتمعات بالحفاظ على هويتها من جهة والتعاطي بمرونة مع المتغيرات المحيطة به من جهة أخرى، لنصل إلى صورة الكوكب الذي يسير حول نفسه ''الثبات على هوية المجتمع'' ويسبح حول الشمس ''المتغيرات المتسارعة''، ويسير مع منظومته الشمسية إلى مسار أكبر، وهو مسار التكامل والقوة التي وضعها الخالق للمجتمعات الإنسانية.
وما ادعيه بأن المعادلة قد تغيرت نتيجته هو ''الانفجار المعلوماتي والتقني'' حول العالم، حيث لم تصبح التقنية ''حكراً'' على مجتمع دون غيره أو لدولة دون أخرى، والتي كانت في السابق بمثابة نقاط قوة وسلاح تستخدمه المجتمعات في النصف الشمالي للعالم في تعاملها مع مجتمعات النصف الجنوبي كما يقولون.
بل إن الأمر قد اختلف، فنتيجة ذلك الانفجار في التقنية والمعلومة أصبح من الصعب وضعها في قفص مجتمع دون غيره، حيث باتت تلك التقنية متوافرة في العديد من المجتمعات، والتي اعتبرت بالأمس القريب أقل من نامية لتمتلك الآن مناطق تقنية تنافس فيها الدول المتقدمة، منها على سبيل المثال لا الحصر ''مدينة السيليكون'' وهي مدينة بانغلور الهندية، والتي تتميز بصناعتها لرقائق السليكون والعديد من مراكز الأبحاث والتطوير والتقنية العالية الدقة। والتي باتت بمنزلة ''وادي السليكون'' في أمريكا
لم تعد التقنية مرتبطة أو ''حصرية'' على الرجل الغربي، بل قد أصبحت ''مشاعاً'' ومتوافرة، وينبغي على الأفراد كما على المجتمعات الاستفادة منها ومعرفة الوصول إليها أولاً والاستفادة منها ثانياً والاحتفاظ بها وتطويرها ثالثاً.
ونعتقد بأن الحديث بل والتعمق في تناول الإبداع الفني بآلياته طبيعية وتفتح منطقي للعيون، التي أغفلت أو تغافلت أو لم تدرك مقدار القوة ''الكامنة'' الموجودة فيها، فهل يكون هذا الطرح ''رفع عتب'' ومن أجل رضا نفسي؟ أم تكون بداية مسؤولية حقيقية لتصبح ''بداية عمل'' يجب أن يتحملها الجميع دون استثناء؟
وفي غير تلك الحالة سنكون كمن يملك كنزاً تحت بيته، ويقوم برسم الخرائط وتقسيم الثروة المفترضة من هذا الكنز دون البداية العملية، وهي ''الحفر'' واستخراج الكنز والاستفادة منه.
وبالتالي لن نضيف للمجتمع وقبله أنفسنا سوى وقت ''للتنفيس'' ووريقات تُتلى، وكلام يُقال لنوهم أنفسنا بأننا قد وضعنا النقاط على الحروف، لندرك بعد حين أننا لم نكن نمسك قلماً أصلاً لنضع تلك النقاط.
هي مسؤولية الجميع دون استثناء في تحويل الإبداع إلى مسؤولية والخروج من تصور أن ''الإبداع'' هو ''المقبلات'' في الوجبة وليس هو الوجبة الرئيسة.
من يجمع القطع المتناثرة؟
لا يُنكر القارئ لواقع الفن (المسرح، الأفلام القصيرة، الفيديو كليب، الفن بأنواعه) في المجتمع البحريني بأن الأخير يتميز بقدرته الملحوظة في ''هضم المتغيرات المتسارعة'' كتقنية وأدوات. حيث إن ما ذكرناه من ''الانفجار المعلوماتي'' يطل على الكثير من المجتمعات، ويبقى السؤال هو في كيفية الاستفادة منها.
وحديثي هنا هو عن فلان المبدع في التصميم، والذي يعيش عالمه الخاص عبر الإنترنت وبرامج التصميم التي تمثل امتداداً لشخصيته، وهو لا يُعير اهتماماً لما حوله من هوية أو تحديات. وحديثي أيضاً عن ذلك الكاتب المسرحي الذي يمتلك قوة قلم وخيال خصب وهو محاصر من قبل بعض واضعي الحجج الشرعية للحد من حركته، ليكون مُقعداً في النهاية دون حرية حركة أو حرية إبداع قلم. وحديثي عن المغرم بألعاب الكمبيوتر الذي يعرف التقنيات وتفاصيلها وهو قادر على الغوص في عالم الألعاب وتحويرها كما يشاء، وهو لا يبالي بما نقوله في هذا المؤتمر أو غيره. وحديثي عن ذلك المصور المبدع الذي يعيش عالمه الخاص من عدسات وأنواع الكاميرات والتقنيات الجديدة في التصوير، وقد يتخذها هواية أو تكون عمله اليومي، ومع ذلك تكون طاقته الإبداعية حكراً على عمله ونفسه فقط.
حديثي عن كل هؤلاء وغيرهم، ممن يمتلكون الإبداع والموهبة والطاقة، إلا أنها متفرقة كالجزر، ولا يجمعها هدف أو يوحدها حلم ومهمة، وبالتالي تكون تلك الطاقات كمثل كرات الطاقة المتناثرة، دون أن يكون بمقدور المجتمع توجيهها للحصول على الطاقة الكافية للتغيير، وذلك حسب منهجية ودعم مالي مدروس من أجل التغيير ومن أجل رسم ملامح جديدة لمجتمع محلي بات كحبات السبحة المتناثرة.
وللوصول إلى تلك الطاقات، لا بد من عرض القطع المتناثرة، والتي تمثل أساساً مهماً في معرفة القوى أولاً، وإزالة العقبات ثانياً، وتطويرها ثالثاً. فأين هي تلك القطع؟
«الحاجة أم الاختراع»
قد تكون الحاجة مادية كزيادة في الدخل أو حل لمشكلة تُعيق راحتك، وقد تكون الحاجة نفسية من أجل إرضاء الذات من ناحية معنوية، وقد تكون الحاجة متمثلة في إزالة ما يعكر صفو المجتمع وإقراره.
وبالتالي يكون الإبداع لازماً للإنسان في كل تحركاته، وليس ''زيادة'' أو ''ترفاً'' يتجمل به الإنسان. وما نعيشه من تقنية وتطوير في المجال المادي هو نتيجة حاجة قام برفعها الإبداع.
ومن الضروري مراجعة العقلية الحاصلة في مجتمعنا المحلي تجاه الإبداع في الفن، فهو ليس ''زينة'' أو ''مضيعة وقت'' كما يسميها البعض. فبوجود العقليات المثبطة، والتي تأتي من الشخص نفسه أو من الوالدين أو الأصدقاء أو حتى عالم الدين، فضلاً عن الدولة بمؤسساتها وخطابها، يتحول دافع الرضا الذاتي من الإبداع إلى إبداع من نوع آخر، إبداع سلبي في النقد والتحبيط والسوداوية. ليكون بمثابة ''الفيروس'' الذي يصيب الأب فينهر ابنه عن العمل مع أصدقائه في مشروع إبداعي، وهو الفيروس الذي يصيب الأم لتضع على عيني ابنتها- كتلك الذي يضعونها على الحصان الذي يجر العربة- حجاباً، ولتقول لها ''ما شأنك وتلك الأنشطة؟ عليك أن تدرسي فقط''. وليس ببعض علماء الدين بمحصنين عن الإصابة بذلك الفيروس ليكون ''عقبة'' في أنشطة يقوم بها البعض في المجتمع من أجل ترفيه مباح لإيصال رسالة مبدئية، وليكون هو ''الآمر الناهي'' بعيداً عن القراءة المتأنية والواقعية لرأي الشرع الحنيف في مثل تلك الأمور. وهكذا ينتشر ''فيروس التحبيط'' ليحد الإبداع من النمو، وليُبدله بنظرة تشاؤمية ساهمت فيها كل من الدولة والوالدين والأصدقاء ومؤسسات المجتمع وعالم الدين والمثقف-أو مدعيها- كل بنسبة معينة، لتتحول إلى عقلية سلبية لا تنتج وإذا أنتجت تم الحد من إنتاجها، وإذا أنتج غيرها انتقدت وثارت. وهكذا يتحول الإبداع من حل لحاجة إلى هم لا حاجة لنا فيه، وبالتالي يتحول المجتمع إلى ''مجتر'' للأفكار والأشياء دون نتاج ذاتي أو تغيير في عملية الإنتاج الفنية، والتي تمثل إحدى أهم صور التغيير في المجتمع، عبر المسرح والفيلم واللباس والشعر والتصميم والإنترنت و... والقائمة لا تنتهي.
لذا، عندما يتحول تعاملنا مع الإبداع إلى كونه ''حاجة'' ستتغير سلوكياتنا وتعاملنا مع أنفسنا والآخرين، ليكون الإبداع حلاً أساسياً لا هامشياً. هو حلٌ مادي وثقافي وفكري وديني وسياسي.
وبالتالي يتغير خطابنا وسلوكياتنا ومنهجيتنا في التفكير. إن ما نقوم به الآن هو مثل ذلك الحطاب الذي أنهكه قطع الأشجار، فرآه أحدهم ونصحه بأن يأخذ وقتاً في سن أدواته ليقطع أسرع وبراحة أكثر، لكن صاحبنا الحطاب رد كلام الرجل بأن ليس لدي وقت لأسن أدواتي، فذلك مضيعة للوقت.
فأيهما مضيعة للوقت؟
وعندما يتعامل المجتمع مع الإبداع كحاجة، سيكون الاهتمام أكثر، عبر تخصيص وقت ومال وجهد له، لأن المنتج الإبداعي في آخر المطاف من فنان أو مخرج، ومن مصور أو مصمم، أو من كاتب أو خبير إضاءة، سيكون له مردودٌ مالاً ووقتاً وجهداً يشكل المجتمع بسلوكيات جديدة وبتعامل جديد مع المتغيرات.
ما نريده كلمة مشجعة من عالم دين تعبر عن التزامه وانفتاحه في الوقت نفسه، وما نريده هو تفكير استثماري في الموارد البشرية المبدعة من قبل تاجر أو صاحب عمل أو وجيه، وما نريده هو دعم عملي من قبل مؤسسات المجتمع المدني، وما نريده قبل كل ذلك هو أن يؤمن المبدع بأن ما لديه أكثر من مجرد موهبة، هي مسؤولية يجب عليه أن يدرك أنها لا يمكن أن تتوقف بمجرد أن يسمع كلمة من يائس هنا أو من محبّط هناك، أو من تجاهل حكومي أو من تهميش مجتمعي. لأنه لا يمكن للإبداع أن ينمو إن لم تكن للنبتة قابلية للنمو أصلاً.
لقد حولت الحاجة العدسة الإيرانية إلى فن إنساني ملتزم وجعلها مدرسة عالمية في السينما، وحولت الحاجة شركات الرسوم الثري دي بماليزيا إلى فن إسلامي وجعلتها منتجة لأفلام الأنيميشن، وباتت تنافس كبرى الشركات العالمية في هذه الصناعة.
فأي حاجة نريد لنكون؟
من سيصنع الخبز؟
من الجيد أن ترفع راية تُعلن فيها عن اهتمامك الأولي بالخبز-أقصد الإبداع-، ولكن الأمر غير كافٍ. إذ من سيقوم بصناعة الخبز-الإبداع-؟ وعلينا هنا أن تأتي بالقطعة الثانية..
فبعد أن يتحول الإبداع إلى حاجة، لتكون الأخيرة صانعة له، علينا تحويل تلك الحاجة إلى الخطاب الذي يعيشه المجتمع، وذلك عبر التالي:
أولاً: تشجيع الكوادر الموهوبة بشقيها المُعلن والمخفي لضرورة إخراج نفسها من دائرة ''الخوف'' أو ''العيش في جزيرتهم الخاصة''، دون النزول للمجتمع وتسخير إبداعهم لأجل رفع العديد من المشاكل والعقبات وإيجاد الحلول الإبداعية। عبر تشجيعهم مادياً ومعنوياً، وإفساح المجال لهم لتقديم إبداعهم بما يخدم المجتمع وقبله أنفسهم مادياً ومجتمعياً।
ثانياً: عندما يكون المخبز مغلقاً فلا فائدة في الخبز الموجود داخله، وكذا الأمر بالنسبة للمبدعين، فإن وُجودوا ينبغي أن يكونوا في مواقع التغيير، وأن لا يتم تحجيم تحركاتهم بـ''تابوات'' يصنعها البعض، مرة بغطاء ديني وآخر بغطاء سياسي، وهكذا تتعدد الأغطية ليتم حجب ''المخبز'' عن الناس। وهنا تحتاج شجاعة دينية من لدن العلماء ونزولهم من ''مكانتهم'' إلى المبدعين الذين تمثل لهم موقف العالم لهم دعماً وقوة। وتحتاج شجاعة سياسية من لدن السياسيين عندما يتم توجيه الدفة للمبدعين لينتجوا।
ثالثاً: اقتناص المواهب الموجودة، والتي لها القابلية للاحتراف، وتطويرها لتكون منتجة مغيرة في المجتمع، ويمكن ذلك عبر ابتعاث موهوبين في مجال الإخراج التلفزيوني أو التصميم أو الرسم أو البرمجة، وغيرها من مجالات الفن والإعلام والإعلان المتعددة إلى أماكن ستزيد من رصيد إبداعهم، وبالتالي يمكن الحصول على مبدع محترف بعد أن كان مبدعاً هاوياً، فالأول يُنتج على نطاق ضيق وقد يكون على نطاق شخصي وينقصه الاحتراف، في حين ينتج الآخر على نطاق مجتمع وتكون نظرته أوسع. وشتان بين الاثنين.
رابعاً: تزويد المجتمع بمعاهد متخصصة في مجالات الإبداع المختلفة، وتغيير أسلوب البذل المجتمعي، والذي بات حكراً على اتجاهات عبادية بحتة، ولم يعِ بعد قيمة الإبداع في التغيير الإيجابي، والذي يمثل الترجمة الحقيقية للعبادة، وهي الخلافة في الأرض لإعمارها. فالدعم الحقيقي للإبداع لن يأتي من خلال ''تعليق'' الحجج على الدولة وإن كانت ساحتها ليست ببريئة عن التقصير الكبير في هذا المجال. إلا أننا نؤمن بأن قدرة المجتمع على التغيير هي أكبر من قدرة الدولة. وما دام المجتمع لا يؤمن بأهمية الإبداع في الفن من جهة، وتتجاهل الدولة بطريقة أو بأخرى المبدعين من جهة أخرى، فسيكون نمط التصدي للأفكار الجديدة والغريبة عن المجتمع ضعيفاً، وبالتالي وإن كان اللوم جاهزاً والخطب العصماء معدة مسبقاً، عندها لن ينفع البكاء على اللبن المسكوب. ويمكن أن تكون المعاهد المذكورة متعاونة مع أخرى متخصصة خارج البلاد أو الاستعانة بالمحترفين في البلد، منها على سبيل المثال لا الحصر: في مجال الرسوم ثلاثية الأبعاد، التصميم المحترف، كتابة السيناريو، الإخراج السينمائي، تصميم الملابس، والقائمة تطول.
خامساً: تعزيز الاتجاه في الاستثمار البشري للأفراد المبدعين، حيث سيكون ذلك بمثابة التعاون الثنائي بين المستثمر ''جهة أو مؤسسة'' والكادر المبدع، إذ يدعم المستثمر المبدع مادياً، ويقوم الأخير بتقديم إبداعه من أجل المستثمر ضمن اتفاقية لا يتم احتكار المبدع فيها، ولا يتم صرف مال المستثمر فيها دون عائد.
سادساً: القيام بخطوة تقاربية أكثر تقوم على مبدأ الحوار والتوجيه بدلاً من منطق الأمر والنهي، وتلك العلاقة تتمثل بين المبدعين في المجال الفني وعلماء الدين.
فلو وجد عذر يخرج من عالم الدين، فإن الحكم على الإبداع سيكون ''التحجيم'' و''التهميش'' إن لم تكن المواجهة والنقد اللاذع. لذا، لا بد من تقارب بين المبدع وعالم الدين. والتجربة السينمائية الإيرانية شاهدة على مدى التقارب الإيجابي في مجال السينما.
قبل أن تأكل الخبز. فكر قليلاً
إذا أردت أن تواجه مداً عاتياً، فهناك طريقتين لا ثالث لهما، إما بتحوير مسار المد أو التخفيف منه عبر بناء سدود أو حفر خنادق، وإما بتوظيف المد وتحويله إلى طاقة للاستفادة منه، وبالتالي تحويل ''التهديد'' إلى ''طاقة'' بشرط توافر الآليات والمعدات اللازمة لذلك. ؟؟وفيما يتعلق ببعض المبادرات الفردية أو من قبل جهات، والتي يمكن أن تزرع أو ترعى الإبداع بأشكاله المختلفة، فالأمر متعلق بتوفير ''العدة'' اللازمة لذلك، وإلا فلا داعي للسؤال، وسيبقى حال الإبداع أمر فردي بحت لا يمكن له السير في المجتمع واستحصال الفائدة منه.
لذا لا بد من مراجعة جريئة لخطابنا المسيس والديني بما يتعلق بواقع الإبداع بعد مفهومه:
أولاً: لا يكفي طرح مشروع هنا ومشروع هناك تحت الإطار التثقيفي فحسب، فالبطن الجائع لا يهمه فكر، والعين التي ترى ''الزخارف'' وحلو الحياة من على الشاشة، لا يهمها ما تقدمه إن لم يكن من القوة لتوقفه وتجعله يتفاعل مع ما تطرح। واعتقد أن ما يُطرح من مشاريع ما هي إلا بمثابة ''إكمال حجة نفسية'' على الذات، بأنها قامت وفعلت ونظمت، هو تخدير موضعي وحلم مؤقت بدعوى ''تقديم البديل'' و''المواجهة''، لا أكثر ولا أقل। وليس هذا بتقليل للجهود، فنحن نملك من الطاقات ما يجعلنا نؤسس لإبداع مُنتج وفاعل -إن أحسنا استخدام الأدوات المناسبة لذلك-। وعوداً إلى أحد ''أدوات العدّة'' اللازمة للخطاب الإبداعي، وهو النظر إلى الإبداع كونه حاجة وليست زيادة। فليس وضع ''فعاليات ثقافية'' بمشروع يدعم الإبداع، وليس وجود قنوات شيعية بالصورة المطروحة في أغلبها بمشروع يخدم الإبداع، وليس إنتاج مسرحيات أو أفلام قصيرة متفرقة هنا أو هناك بمشروع يخدم الإبداع، وليس إصدار مجلات ونشرات بمشروع يخدم الإبداع। فهي كلها جزر متفرقة أو ''فتات طعام'' لا يُسمن ولا يغني من جوع। وإذا أردت الدليل فانظر إلى ما يشاهده الناس وما يلبسون وما يأكلون وما يسلكون، فإذا لم تستطع أن تصيغ سلوك الفرد، فما تقوم به إلا تقديم ''حبة بندول'' لإرضاء ضميرك، وتعتقد بأنها ''إكمال حجة'' على الآخر।
وإذا أردت العلاج، ففي دعوة نبينا المصطفى (ص) مرجعاً عملياً. إذ كانت دعوته ''ممنهجة'' ولديها خطة زمنية موضوعة، وكذلك الأئمة (ع) من أهل بيت النبوة، لم تكن منهجيتهم في ''التنظير'' والدعوة لمواجهة خطابات الطرف الآخر المشوه للإسلام بالأساليب التقليدية، بل كانت دعوتهم مخططة ومرسومة، وفي الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) مثالان يستحقان الدراسة المعمقة لمعرفة آليات المواجهة وأساسياتها من منظور قرآني ونبوي. وبأساليب إبداعية جديدة. وقصة الشاعر دعبل الخزاعي مع الإمام الرضا (ع) بعد أن ألقى قصيدته المشهورة ''أفاطم لو خلت الحسين مجدلا'' مثال واضح لتشجيع الإبداع وتأسيسه. حيث أهدى الإمام إليه رداءه ومبلغاً غير يسير من المال. ولم ذلك؟ لتشجيع الإعلام المبدع والملتزم في الوقت نفسه، إذ كان يكفي الإمام الدعاء له دون الجائزة التي منحها لدعبل.
ثانياً: بعد وضع المشروع والتزود من مصادره الطبيعية، لابد من تحويل تلك الطاقة إلى مفردات وسلوكيات يومية يتفاعل معها الفرد، فإذا أردت أن تحرق ورقة على سبيل المثال، لا بد من توافر (المادة القابلة للاشتعال (الوقود)، والحرارة، والهواء). ويتمثل الوقود في القابلية الموجودة في المجتمع من وجود مبدعين يمكنهم أن يؤثروا إن تمت المزاوجة مع المرجعية لفكرية للمجتمع، يمكنهم أن يحدثوا تغييراً إيجابياً في المجتمع.
فإذاٍ القابلية موجودة، وأما الحرارة فهي تأتي من المشاريع نفسها، إن كانت لها القوة الكافية للتفاعل مع الناس. وأما الهواء فيمكن القول بأنه الدعم بنوعيه المادي والاستراتيجي الذي يمد تلك الحرارة باستمرارها في المادة القابلة للاشتعال[1].
الخبز نعمة فلتشكر ربك
لم أشأ أن أكون واضعاً للحلول، لأنها ببساطة تأتي منك أنت المبدع ومنك أنت المبدعة، عندما تفكر وتسخر طاقتك الإبداعية لنفسك أولاً عبر تحصيل مردود مالي من إبداعك إن أمكن، وعبر توسيع دائرة نشاطك لتخدم وطنك وأهلك، وتتسع دائرة مسؤوليتك كلما كبر إبداعك، لتكون مخرجاً سينمائياً مثل ''محسن مخملباف أو ميل غيبسون''تحمل الرسالة وتنشرها حول العالم، ولتكون ممثلاً مثل ''دريد لحام'' تترك بصمتك على سلوك الناس وأقوالهم، ولتكون المصمم مثل ''خالد المحرقي'' الذي يُبهر الناظرين في فنه وإبداعه.
إن العائق الأول والأخير في المجال الفني في البحرين هو نحن، أنا وأنت قبل أن يكون العائق مادياً أو حكومياً، فالمال يأتي عندما يؤمن الناس بضرورة إنتاج فيلم سينمائي عالمي يحكي واقعة الطف، بمقدار الإيمان العميق الذي يدفعهم بسخاء للعطاء للمآتم. وهكذا تترابط الأمور ببعضها لتنتهي عندي وعندك، وهو مصداق واقعي للآية الكريمة ''إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم''.
- بتصرف من مقال تم نشره في صحيفة الوقت وعلى موقع سعوديات.نت. يمكن الاطلاع على المقال بالكامل حول الغزو الثقافي على العنوان التالي:http://jaafarhamza.blogspot.com
- مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي
مرسلة بواسطة
hardthinker
الأحد، ٢١ ديسمبر ٢٠٠٨
في
١١:٢٦ ص
جعفر حمزة*
التجارية ٢٤ ديسمبر ٢٠٠٨م
كانا يأكلان الطعام ويمشيان في الأسواق، ويعملان بشغف لم يغب عنهما للحظة، كانا وما زالا يحبان اهتمامهما المشترك، والذي جمعهما من على صفحات الإنترنت. فتولدت تلك الصداقة التي ما فتأت حتى كبرت وكبر حلمهما معاً، فصار محمد وعلي أكثر من صديقين بل أخوين يشاركان الطعام والأفكار والعمل، فما الجديد في علاقة محمد وعلي؟
قد لا يكون في الأمر جديد بالنسبة لهما، إلا أن كلاً من محمد وعلي من بيئتين مختلفتين، بكل ما للكلمة من معنى، فمحمد يعمل في جهة حكومية ويسكن إحدى المدن، في حين يعمل علي في إحدى الشركات الصغيرة، ويقطن قرية صغيرة. هذا فضلاً عن اختلاف في مذهبهما، والذي لم يكن عائقاً البتة في عملهما وتواصلهما الأخوي المتين أبداً.
ما جمع محمد وعلي هو الإبداع والاهتمام والشغف في العمل المحترف، وكفرا بكل الحواجز التي بينهما، كفرا بوهم الفرق بينهما، وكفرا بوهم المسافة والتقاطيع المبرمجة للسكن، وكفرا بكلام الناس، واستمرا في المضي عملاً وإبداعاً من ٧ سنوات سمان بينهما، وتركا عجل السامري الطائفي والعُرفي وحيداً بعيداً عنهما।
وما إن كفرا بكل ذلك حتى آمنا بما لديهما من قدرة تتزاوج بينهما، ليكون "العالم الافتراضي" وتوابعه من برامج الأبعاد الثلاثية هو "البُعد" الجامع بينهما وبقوة، فاحترفا تلك المهارة في "صناعة" العالم الافتراضي للعديد من الشركات والجهات، فأصبحت لمساتهما بارزة كشابين يافعين اعتمدا على نفسيهما في شحذ تلك المهارة لتكون احترافاً، وتركا بصمتهما في إحدى المسلسلات الخليجية، وغيرها من الدعايات والفواصل الإعلانية، ولم تخل المنتديات المتخصصة في برامج الثلاثية الأبعاد من مشاركتهما والإدلاء بدلوهما فيها.
يعملان بجد وضمن خطة للقيام بمشاريع متعددة مشتركة.
هما مصداق عملي بعيداً عن أي تنظير يتم طرحه هنا أو هناك في مجال نبذ الطائفية والتي تخمت قاعات المؤتمرات والصفحات من الكلمات والخطب والمقالات، هما -ومن على شاكلتهما- أنموذج وطني يستحق الافتخار بهما، لأنهما آمنا بأن تخصصهما وعملهما المحترف فوق كل اعتبار مناطقي وطائفي وعرقي، فتولّد من بينهما إبداع مشترك مميز.
هما مثالان يضربان عرض الحائط واقعين سوداويين، واقع تمارسه بعض الجهات الحكومية من خلال تمييزها الوظيفي وواقع يرسمه العُرف يُبعد من كان في "الفئة" الأخرى في المجتمع عن أي عمل مشترك بغض النظر عن إبداعه .
وبين نار التمييز الحكومي والإبعاد الشعبي قد يموت الإبداع أو ينكمش، وذلك بعد أن ضاقت بهذه النماذج الوزارات التي بدأت تُصنف مثل الكانتونات لتكون هذه الوزارة للفئة الفلانية وأخرى لتلك الفئة، وبعد أن انسحب فيروس التمييز إلى القطاع الخاص، والذي يجب أن يكون الأبعد عن مثل هذا الداء العضال، أصبحت المساحة المشتركة الممكنة والتي لم يقترب منها ذلك التمييز بعد هو في مجال العمل الحر
"Free lancing"
أنموذج محمد وعلي المصغر يمكن أن ينتشر ويكسر طوق بدأ البعض بشد لفه حول عنق المجتمع، ليبدأ بالإنتاج المستند على الموهبة والكفاءة بعيداً عن انتماء هذا أو ذاك.
وهذه هي الرؤية الحقيقية التي ينبغي السير عليها، رؤية الكفاءة والعمل الوطني الموحد، رؤية نموذج يجب أن يُحتذى به في العيد الوطني للوصول إلى إنتاج حقيقي وتقدم ملموس في المجالات التي تنشدها المملكة في خضم التحديات الاقتصادية والسياسية القائمة في المنطقة والعالم، عليها أن تهيأ الجو وتشجعه لمحمد وعلي معاً، وكل محمد وعلي آخرين.
فلا مجال للتمييز إن أردنا التقدم وتحقيق رؤية اقتصادية فاعلة. فمحمد وعلي أنموذج حي يعيش بيننا، في ظل ترهلات في النظرة الاقتصادية الفاعلة والمنتجة، وتحت ظل اصطفافات عقائدية انسحبت على الجانب المعيشي بصورة لا يخطأها ناظر أو فاحص بسيط.
فاتركوا العقال الذي يربط كل محمد وفكوا قيد كل علي لترو أن محمداً وعلياً هما أنموذج وطني وبجدارة ينبغي أن يُحتفى بهما، تزامناً مع كل فرحة للوطن، ومع كل رفة علم للبحرين।
هذه هي صورة حقيقية للبحرين مجتمعاً واقتصاداً وعملاً، صورة ينبغي أن لا تتحول إلى أنموذج يُذكر وكأنه الاستثناء بدل أن يكون القاعدة، صورة نخشى أن تتحول إلى المتحف، بدل أن تكون واقعاً نلمسه، نريد أن تكون تلك الصورة لمحمد وعلي نعرفهما ونشاهدهما كل يوم.
* مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي.
ملاحظة: فضل كل من محمد وعلي علي عدم الكشف عن اسميهما ليبقيا رمزا صافيا بعيدا عن كل حسابات السياسة النازعة لللرحمة والمزيلة للصداقة.
مرسلة بواسطة
hardthinker
الأحد، ١٤ ديسمبر ٢٠٠٨
في
٩:٣٦ ص
جعفر حمزة*
التجارية ١٧ ديسمبر ٢٠٠٨م
اشتدت رغبته في لقاءها، فطفق مُسرعاً إلى محل تواجدها الدائم في ذلك المكان الموعود، وما إن جلس معها حتى اقتربت من شفتيه، وأحس بسخونتها المعهودة। ولمسها بكلتا يديه "متشبثاً" بها في ظل شتاء اقترب। فهي إلى كونها رفيقته الدائمة، فلها ميزة أخرى، فهي تُريح أعصابه من الكم الهائل من ملفات "كابوسية" تُلاحق كل فرد من أقرانه من أزمة سكن، وضنك من العيش وسياسة توجع الرأس وتكسر الظهر.
وكانت سريعة الاستجابة له، فلبت طلبه في غضون دقائق معدودات، فجلس معها مستفرداً مستأنساً، وما إن "شربها" حتى "ارتاحت" أعصابه. أتخدعه، أم يخدع نفسه بها؟ أو ربما الإثنين معاً! كانت تلك قهوة "ستاربكس" على يمينه والصحيفة اليومية على شماله، وما إن وقع بصره على ذلك الخبر حتى انشرحت أساريره وكبرت "عشيقته" القهوة في عينيه। ومفاد الخبر أن "ستاربكس" تطرح مشروبات جديدة لدعم مكافحة الأيدز في أفريقيا، وذلك عبر تبرعها بخمسة سنتات لقاء كل كوب يتم بيعه. (1)
فرفيقته ذات شأن، وتهتم بالجانب الإنساني، حالها كنجمات السينما الشهيرات ك"أنجلينا جولي" وغيرها ممن يهتم بالفقراء والناس البسطاء। فاختياره لها رفيقة كان موفقاً وفي محله। وقد أطراها أمام صاحبه في مساء ذلك اليوم، إلا أن نشوته بها لم تكتمل، فصاحبه يعلم "خبايا" و"أسرار" صاحبته "ستاربكس" الخفية، فرفض ما سمع في البداية، وبعدما قدم صاحبه له الدليل تلو الدليل تحول ذلك "الشغف" إلى "تردد"، و"الحب" إلى "شك"।
فما هي الحكاية؟ وما الذي تُخفيه "ستاربكس" عن "عشاقها" و"روادها"؟، والذي امتد عشقها إلى أن تتكون جماعات ضمن "الفيس بوك" تيمناً باسمها. وما سر القهوة السمراء التي أخذت ترمي بخيراتها على القارة السمراء، بل وأصبحت تساهم وبسخاء ملحوظ في مشروعات كبرى كتلك التي تدعم مكافحة الأيدز في أفريقيا؟
قد يختصر الأجوبة فيلم وثائقي أحدث ضجة في أمريكا وبريطانيا، بل ودفع مسؤولين كبار في أثيوبيا للمطالبة بحقوق المزارعين التي تحصد شركة "ستاربكس" من وراءهم ثروة ضخمة، ولا يحصل مزارعو البن في تلك الدولة إلا أقل من فتات فتات "الفتات". فما هو الفيلم الذي فضح رفيقة صاحبنا العاشق؟ Black Gold هو اسم الفيلم، وعنوانه الفرعي التفاعلي هو Wake up and smell the coffee وقد أخرجه الأخوان" نيك ومارك فرانسيز"، ويتناول الفيلم تجارة البن واستغلال المزارعين من قبل الشركات الضخمة "الهوامير" ، ويقول أحد مخرجي الفيلم " نيك فرانسيز": إن فكرة فيلم "الذهب الأسود" انبثقت من اهتمامه بقضايا فقر مزارعي البن في أثيوبيا، في الوقت الذي تحصد فيه شركة مثل "ستاربكس" ملايين الدولارات من جراء بيع القهوة في فروعها المنتشرة في كافة أنحاء العالم.
ومن الجدير بالذكر أن شركة "ستاربكس" والتي تتخذ من مدينة سياتل الأمريكية الجميلة مربعاً لها، تجني أرباحاً سنوية تُقدر ب ٧.٨ مليار دولارأمريكي، وهو -أي المبلغ- ليس بأقل من ناتج الدخل القومي الإجمالي لأثيوبيا! ويتضمن الفيلم العديد من المعلومات والحقائق التي تتحرك خلف صورة العلامة التجارية لإحدى أكبر سلسة المقاهي في العالم، والتي تتعدى مساحة عملها مكان بيع تلك "القهوة المميزة"، لتصبح في مصاف العلامات التجارية التي تظهر في الكثير من الأفلام صورة وكلمة. بل تضع بصمتها "الإنسانية" خلال بعض مشاريعها، ومن ضمنها ما ذكرناه بخصوص "دعمها" لمكافحة الأيدز في أفريقيا، وهي القارة التي تحرث من وراء مزارعي البن فيها ثروتها الضخمة.(٢)
ولو لم يحدث هذا الفيلم فرقاً، لما بادرت شركة "ستاربكس" بالتحرك للدفاع عن سمعتها وعلامتها التجارية والمبالغ الطائلة التي دفعتها لتنوء بنفسها عن ما ذكره الفيلم عنها। وذكرت وكالة "الآسوشيتد برس" بأن شركة "ستاربكس" رفضت مقابلة المخرجين أثناء قيامها بعمل الفيلم، ولكن بعد عرض الفيلم في مهرجان أفلام "Sundance" السينمائي، دعت "ستاربكس" المخرجين إلى مقرها الرئيسي في" سياتل". ويعتقد "نيك فرانسيز" أن فيلم "الذهب الأسود" ساهم في التعجيل بعقد اجتماع بين كبار المديرين التنفيذيين في شركة "ستاربكس" وبين رئيس وزراء أثيوبيا.
وللعلم، فإن مقدار الباوند الواحد من البن، والذي يستلمه المزارعون في أثيوبيا هو ١.١ دولار أمريكي، في حين يبلغ مقدار الباوند الواحد الذي يستلمه تجار التجزئة ١٦٠ دولار أمريكي. وبحسبة أخرى، فإن ما يتم دفعه مقابل فنجان قهوة وهو ٣ دولارات تقريباً، يتقاضى مزارعي البن في المقابل ٣ سنتات فقط! وتعقيباً على "المبادرة الإنسانية" التي أطلقتها "ستاربكس" لدعم مكافحة الأيدز بأفريقيا، وهي ليست الأولى من ضمن مبادرات الشركة، حيث قامت بالتبرع في عام ٢٠٠٥م بالتبرع بمبلغ ١.٥ مليون دولار أمريكي للعالم الثالث. وتعقيباً على ذلك نقول ما قاله أحد الذين شاركوا في الفيلم، وهو أثيوبي :"نحن لا نريد هذا النوع من الدعم، نحن نريد سعراً عادلاً لمزارعينا. إنهم يجنون من وراءهم أرباحاً طائلة، وإعطائنا جزءً من حقنا لا يساعدنا البتة". (٣)
بعد هذه الجولة الصغيرة في دهاليز علامة القهوة الشهيرة، يبقى السؤال متوقفاً في إحداث الفرق والتغيير في سلوكيات كبرى الشركات الأجنبية، والتي تقوم باستغلال رخص الأيدي العاملة، فضلاً عن تهميش حقوق العمال في بداية سلسة إنتاجها।
والفرق يأتي مني ومنك، من الطرف الأخير في السلسلة وهو المستهلك، إذ بدون المستهلك لا تكتمل الحلقة، وبالتالي لن يكون هناك عائد لمثل هذه الشركات التي "تقتل القتيل وتمشي في جنازته" كما يقولون. وهذا غيض من فيض من "جاذبية" العديد من العلامات التجارية الشهيرة، والتي تمتد من المشروبات الباردة والساخنة، مروراً بالمأكولات والملابس، وانتهاءً بمستحضرات التجميل، والتي تمر عبر العديد من التجارب على حيوانات لا حول لها ولا قوة وبطريقة بشعة.(٤)
وكوننا في نهاية الحلقة، ويتم إخفاء الحلقات السابقة، فإننا نساهم بطريقة أو بأخرى في استمرار الاستغلال السيء للعمالة ذات الأجر المتدني من مزارعين، وعمال نساء وأطفال في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، وبعض دول أوروبا الشرقية. إنّ العلاقة "الودية" بين الفرد والعلامة التجارية التي تخفي الكثير من ملفاتها عن "محبيها" ينبغي أن تتوقف من المستهلك نفسه، فلا يستمر أي ود بعد ذلك، أرأيت حباً يستمر إن كان من طرف واحد فقط؟ لقد باتت العديد من الشركات الكبرى باستغلال الأيدي العاملة الرخيصة جداً في البلدان النامية وما دونها، لتدور "تروس" مصانعها من بلدان النفط "الغنية" و"الفقيرة" باكتفاءها الذاتي، ليتم تصدير تلك المنتجات ذات العلامات التجارية والشهيرة و"ذات السمعة" من ثروات شعوب النفط وعرق شعوب أخرى إليهم من جديد، وتكون النتيجة حصد أموال مضاعفة من الشعوب التي لا تستأنس بجلوسها إلا عند شربها ل"ستاربكس"، ولا تشعر بالراحة إلا عند لبسها هذه الماركة أو تلك، والتي عليها الكثير من الإشكالات الأخلاقية في صناعتها. وبصريح العبارة، يتم استخدام ثروات شعوب وتعب شعوب أخرى ليتم بيع منتجات تلك الدول "المتقدمة" لنفس تلك الشعوب لصرف ما تبقى في جيوبها لهذه العلامة أو تلك। ما نحتاجه هو وقف تلك التروس الضخمة للعديد من المصانع التي "تحرث" من ظهور المعوزين والعاملين من نساء وأطفال، ليس بمظاهرة أو رفع يافطات أو الامتناع عن أساسيات العيش "الكريم"، ما نحتاجه هي وقفة إنسانية مستمرة قد تُعيد النصاب إلى ميزان مختل أصلاً غذته قوانين واتفاقيات مُحاكة بليل لضمان مصلحة "هوامير" الدول من اتفاقيات التجارة العادلة واتفاقية التريبس وغيرها.
ما نحتاجه هو أن نستيقظ من شرب عرق العمال في زجاجات وعلب معدنية أصبحت جزءً من حياتنا اليومية، وأن نستيقظ من لبس أحذية من عمر الصغار في آسيا وأمريكا الجنوبية، وأن نستيقظ من لبس ثياب تم إجهاد المئات بل الآلاف من النساء في صناعتها وحياكتها لي ولك، وأن نستيقظ من وضع بعض المساحيق التي تُضفي جمالاً على نسائنا على حساب دماء حيوانات بريئة يتم استغلالها ببشاعة مفرطة। ما نحتاجه هو فنجان قهوة قوي "سادة"، ولكن من نوع آخر، فنجان قهوة يوقظنا من سبات نمط حياة مزيف ندعيه، ونحرث من أجله على ظهور المستضعفين من داخل أفريقيا إلى أطراف آسيا ومن شرق أوروبا إلى أمريكا الجنوبية، لنشعر بأننا نحدث فرقاً كأفراد يعيشون إنسانيتهم دون الدخول في برمجة الأقنعة التي تصنعها العديد من الشركات العالمية। ما نحتاجه ليست قهوة صاحبنا الذي طلقها ثلاثاً وعاهد نفسه بأن يكون مستيقظاً، ما نحتاجه هو أن نقول لأنفسنا وللآخرين Wake Up
(1) صحيفة الوقت، ١٢ ديسمبر ٢٠٠٨م.
2)
http://www.blackgoldmovie.com/3)
http://www.guardian.co.uk/business/2007/jan/29/development.filmnews4)
http://www।peta.org/فكرة الصورة المرفقة مع الموضوع مقتبسة مع تعديل يتناسب مع سياق الموضوع من الوصلة التالية
http://adsoftheworld.com/media/print/wake_up_coffee_mountains
مرسلة بواسطة
hardthinker
الاثنين، ٨ ديسمبر ٢٠٠٨
في
٣:٤٨ ص
جعفر حمزة *
التجارية ١٠ ديسمبر ٢٠٠٨م
ما إن وطأت قدماها عتبة سكناها بعد يوم دراسي طويل حتى افتتحت فصل آخر من فصول العمل التي تبدأ قبل طابور الصباح، ولا تنتهي عند جرس إنتهاء الدوام المدرسي. حتى باتت "مهنتها" منهكتها صبحاً ومساءً.
هي معلمة في إحدى المدارس الابتدائية، ربما "جنت" على نفسها بامتهان التدريس، وربما جنت لنفسها في ذلك. وبين الجني على النفس والجني لها، لا بد من استعراض جو التدريس العام الحاصل في مدرستها، وهي أنموذج مصغر لعامة "مصانع الأجيال القادمة"، إذ يُعتبر تطور وقوة النظام التعليمي في أي دولة مؤشر على تطور الدولة وسيرها الواثق نحو النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي من أحد أكبر أبوابه، وهي تربية الأجيال وصياغة السلوكيات للجيل النشء.
كلام جميل، أليس كذلك؟ وماذا بعد؟
هل مبادرة تحسين أداء المدارس لها صدى قريب من المعلمين كما للطلبة في تغيير واقع يكتنز بين جنبيه الكثير من السلبيات والنواقص؟ وهل مشروع تطوير التعليم في البحرين له ذلك البُعد التغييري الملموس لأطراف العملية التعليمية (الإدارة المدرسية، المعلم، الطالب، أولياء الأمور وموظفي الوزارة)؟ وقبل كل هذا وذاك، هل وصل "مد" التغيير في العملية التعليمية إلى العقلية التي تتعامل مع الأجيال الجديدة؟ أم أنها تحولت إلى ما يشبه "الطقوس" التي يجب على إدارات المدارس الإلتزام بها نصاً، دون الاقتراب من "روح" التغيير الفعلي في فهم العملية التعليمية، حتى باتت بعض الإدارات المدرسية متمثلة في مديراتها باتباع "النص" لنظام الجودة وكأنه قرآن منزل، دون الإلتفات إلى طرفي العملية من الأساس وهما الطالب والمعلم. بل أصبح "ترتيب الملفات" وإعداد التقارير لتبييض واجهة هذه المدرسة أو تلك أهم من المعلم في وقته الممنوح، ليقضي وقتاً عادلاً مع الطالب ؟
وعوداً إلى "معلمتنا" التي ما إن أغلقت باب سُكناها، حتى فتحت كراسات الطالبات، لينتظرها بعد ذلك "طابور" من كراسات التصحيح والتحضير، وإعداد الأنشطة واللجان المكونة داخل المدرسة. فبالتالي سيكون "وقتها" زهيداً لمنزلها، فكأنها وهبت نفسها للمدرسة في وقت الدوام، وما بعده.
وتبعات ذلك تلقي بظلالها على العائلة والأبناء والزوج والمجتمع، لتتحول "المعلمة" إلى إحدى "تروس" مشروع تم "تغييب" أحد أهم عناصره فيه ، وهي "هي" أي "المعلمة".
فهل ما ندعيه هو "افتراء" لا أساس له؟ وإن كان عكس ذلك، فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. وإليك بعض براهيننا التي نرجو من القيمين على مشروع "تطوير التعليم في البحرين" وضعه في عين الاعتبار. والذي يترك أثراً غائراً لا يمكن غض النظر عنه في نفس المعلم، وذلك عندما يتم خدش "رسالته" و"إثقاله" بما لا يُطيق، وبالتالي يتحول من حامل رسالة للأجيال إلى حامل لهمٍّ لا قبل له به.
البرهان الأول: عندما تُثقل لا تحصل
تخيل أنك معلم لصف يزيد عدد طلابه عن ٣٣ طالباً وقد يصل بعضهم إلى ٤٠ طالباً، ونصيبك من الصفوف التي تقوم بتدريسها يتراوح بين ٥ إلى ٦ صفوف، أي بما يساوي تقريباً في المعدل ٢٠٠ طالباً، والوقت المخصص لكل حصة هو ٤٥ دقيقة، وتكون هناك بمعدل حصتين "فرصة" لك، بالإضافة إلى "الفسحة" -التي يكون في معظمها مناوبة مراقبة فيها-، ومع وجود ذلك "الجيش" من الكراسات والامتحانات للطالبات، والتي يستلزم التصحيح والرصد والتقييم، ستكون الحصتين و"الفرصة" وقتاً ثميناً للقضاء على "جبل" الأوراق التي على المعلمات متابعتها وتصحيحها ورصدها وتقييمها. فبالتالي لن يكون هناك وقت مخصص للطالبات المائتين في وقت الدوام المدرسي، وهنا تنفصل عروة أساسية من ضمن معادلة الرقي بالتعليم، وهي العلاقة المباشرة والوطيدة بين المعلم وتلميذه.
وإن كانت مبادرة إنشاء "كلية البحرين للمعلمين" بتوصية من معهد التعليم الوطني بسنغافورة، وذلك ضمن تعاونه مع مجلس التنمية الاقتصادي جيدة بل ومطلوبة، إلا أن المعادلة ناقصة هنا وبوضوح، فالإعداد للمعلمين في المستقبل مطلوب، إلا أن تحسين أوضاع المعلمين الحاليين ورفع كفاءتهم ومنحهم الوقت لتقديم رسالتهم الأساس للطالب لا يقل عن هدف إنشاء الكلية نفسها.
وما ذكرناه "ثقل" من ضمن "أثقال" أخرى توضع على كاهل المعلمات، من بينها الاشتراك في لجان داخل المدرسة، والمتابعة والعمل في أنشطة تقدمها الإدارة. وبالتالي يكون هناك أكثر من ٢٠٠ ثقل على المعلمة. وفي مثل هذه الحال، هل يتوقع "عطاء" من المعلمة للطالبات؟ فضلاً عن إيفاء لشروط الجودة في التعليم، في ظل غياب أساسيات الجودة من وقت لا تملكه المعلمة، وفروض والتزامات تتعدى مكان وزمان الدوام المدرسي، لتلاحقها حتى في عقر دارها وتشاطرها حتى وقت العائلة ونفسها.
البرهان الثاني: في صلب المعادلة وخارجها
يمثل المعلم أحد أهم ركائز العملية التعليمية، والأخذ برأيه والاستئناس به يمثل رافداً يهب لأي عملية استراتيجية لتطوير التعليم "مصداقية" وواقعية، فضلاً عن أن ما سيُقدم من اقتراحات وتوصيات سيكون أول من يأخذ بزمامها ويطبقها هو المعلم نفسه.
والملاحظ وجود خطابين في ساحة التعليم المحلية، أحدهما تقدمه وزارة التربية والتعليم بالشراكة مع مجلس التنمية الاقتصادي لتطوير التعليم، عبر مشاريع متنوعة ومبادرات ككلية البحرين للمعلمين،وبرنامج تحسين أداء المدارس ومشروع تطوير التعليم في البحرين. في قبال خطاب آخر يسرده المعلمون من ملاحظات عدة على نمط إدارة دفة التعليم في المدارس، والحديث عن كادر المعلمين، ما يضع فكر المعلم/المعلمة على أساسيات يتطلعان إليها (زيادة في الراتب والرتبة وتوزيع عادل للمهام الموكلة إليهما كماً وكيفاً). فهل إلى ذلك من سبيل؟
البرهان الثالث: معلمة بسبعة أرواح
إنّ الناظر المنصف للإلتزامات المُلقاة على عاتق الكثير من المعلمات، يتعجّب من القدرة المتوقعة والمنتظرة منهن، فعدد الطالبات "الكبير" في الصفوف الدراسية، والتي لا يتناسب مع أساسيات العملية التعليمية المنتجة، فضلاً عن حجم المسؤليات التي تتولاها المعلمة، سيعكس إثره بصورة مباشرة على العلاقة المفترضة والمهمة بين المعلمة والطالبة، فلا الطالبة يمكنها التفاعل المباشر مع المعلمة ومتابعتها بعد الصف، ولا يمكن للمعلمة الجلوس مع الطالبة ونقاش نقاط ضعفها وقوتها، إلا في يوم وحيد فقط، وهو اليوم المفتوح، ووقته ضيق أيضاً نظراً للعدد الكبير للطلبة التي تشرف عليهم المعلمة.
فهل نتوقع أن تكون لدينا معلمات بسبعة أرواح، لكي تعمل ضمن رؤية تطوير التعليم في البحرين، وإيفاء كل المتطلبات عليها من الإدارة والطالبات وأولياء الأمور والوزارة. هذا مع عدم نسياننا بأن المعلمة تعمل في دوام ثابت -ما يعادل ٨ ساعات-، ولها حياتها الخاصة من منزل وعائلة وحياة اجتماعية. فأنّى لها عمل كل ذلك؟
والمعلمات الاحتياط يكنّ "فريسة" جِدتهنّ في العمل وحماستهنّ، بأن يتم الضرب على هذا الوتر بإيكال العديد من المهام والأنشطة، بل وأخذ بعض نصاب معلمات أُخريات للقيام بها وإيفائها كاملة دون نقصان، وبالتالي تتحول المعلمات الجدد إلى "عاملات" في خط سير التصنيع ""
Assembly Line
بدل أن يكنّ مشاركات ومنتجات فاعلات في العملية التعليمية. فما عليها إلا أن يفعلنّ ما يؤمرن ، لا غير!
ليس هناك أسهل من وضع الخطط لو تمت مقارنتها بتفعليها والنزول إلى الساحة والعمل عليها، وفي ظل مبادرات مجلس التنمية الاقتصادية الداعية إلى تحسين وتطوير أداء المدارس في المملكة، وذلك من خلال مشروع تطوير التعليم في البحرين، وتقديم خطط لرفع المستوى التعليمي في المدارس الحكومية في المملكة من خلال "هيئة ضمان الجودة"، ووحدة مراجعة أداء المدارس، وغيرها من المبادرات، في ظل كل ذلك، لا بد من نزول حقيقي ومراجعة شفافة لواقع المعلمين بصورة عامة، والمعلمات بصورة خاصة للوقوف على مقدار الفجوة الحاصلة بين المُعلن والواقع.
فهل ترجع صاحبتنا المعلمة إلى "طبيعتها" ، لتهب ما لديها لطالباتها ما يستحقن من وقت واهتمام، لتصل إلى سكناها لتعيش حياتها كزوجة وأم ومربية وفاعلة في المجتمع؟ أم أنها ستبقى "مُجهدة" بالوصول إلى ما يسطره الآخرون ، وتدور ك"الروبوت" لتقوم بما يتم إملاءه عليها تبعاً دون سؤال أو نقاش؟
ومع حجم الأثقال المُلقاة على عاتق المعلمات، تزداد التبعات النفسية والجسدية والاجتماعية، ونخشى أن تتحول المعلمات إلى رافعات للأثقال في ظل الموجود، وفي غياب حقيقي للتغيير من الداخل.
وعندما تصل صاحبتنا المعلمة إلى سكناها، يتبين أنها بدأت دورة أخرى من العمل في رفع الأثقال التي يجهزها الغير.
* مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي.
مرسلة بواسطة
hardthinker
الجمعة، ٥ ديسمبر ٢٠٠٨
في
١٢:٣٩ م
أخبارالخليج ٥ ديسمبر ٢٠٠٨م
حصل الكاتب البحريني الشاب جعفر حمزة على موافقة مؤسسة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لتبني كتابه الجديد الموسوم «أنا أحب دميتي«، وذلك ضمن برنامج «اكتب«، والذي يشجع الكتاب من الشباب العرب على الكتابة والإبداع. حيث يهدف هذا البرنامج «اكتب« إلى توفير التشجيع المعنوي، والدعم المادي، للشباب المبدع والطموح لدخول عالم الكتابة والتأليف في مجالات شتّى. ويعدّ البرنامج رافداً مهماً في سياق مسعى المؤسسة لإرساء دعائم مجتمع المعرفة. وبرنامج المؤسسة وضع استراتيجية خاصة لتقييم الأعمال المرشحة، وتتألف لجنة تقييم برنامج «اكتب« من تسعة خبراء عرب، يجتمعون بصفة منتظمة؛ لمراجعة الطلبات المقدمة التي استوفت
شروط الدخول في عملية التقييم। وتتم عملية التقييم وفق معايير دقيقة وهي: يجب أن يكون الموضوع جديداً ومبتكراً، وليس مكرراً وتقليدياً، يجب أن يثبت الكاتب مقدرته على التعبير عن منهجية الكتاب وأهميته، يجب أن يكون الطرح واضحاً، واللغة سليمة وسلسة، كما تنظر اللجنة في التقييم العام لأعمال الكاتب السابقة، حيث توافرت كل هذه الشروط في الشاب البحريني جعفر حمزة من خلال أعماله الإبداعية السابقة، وكتاباته في هذا المجال। وجاء ملخص كتاب «أنا أحب دميتي« للكاتب البحريني الشاب جعفر حمزة ليصور سيرة عشق الإنسان لصورته الدمية والتي يعرفها المؤلف قائلاُ: مازالت «الدمية« رفيقة الإنسان في صغره، بل ويستمر تواصلها معه لحين كبره، لتكون له زينة أو مقتنىً خاصاً على شكل هدية أو ما شابه ذلك। وتبقى الكثير من الأسئلة تدور حول ماهية تلك العلاقة التي لم يُعرف منبتها في الزمن، لتكون حاضرة بألوانها وأحجامها وقيمها وثقافتها وصورتها في عالم اليوم، عبر العديد من المنتجات والحملات الإعلانية والإعلامية، لتكون أكثر من مجرد لعبة يتسلّى بها الأطفال، وكفى। ويواصل جعفر تعريفنا ما هي سيرة تلك الدمية؟ قائلاً: يتناول الكتاب من خلال الفصول الستة، وقد أسماها المؤلف «أغلفة« ليكشف القارئ في كل «غلاف« إحدى الصور الناقصة عن سيرة الدمية وعلاقتها بشريكها الإنسان، وكانت الأغلفة كالتالي: الغلاف الأول: تم تناول «شجرة العائلة« للدمية، من حيث ولادتها غير معروفة الزمن، إلى حين تنقلها من عصر إلى آخر، لتتحول وتتقلب إلى رمز ثقافي هنا أو صورة دينية هناك، وبين كل تلك الخلفيات الذهنية للعديد من المجتمعات، بقيت الدمية صامدة حتى أثناء الحروب، لتصبح أكبر من مجرد أداة لتسلية الأطفال لا غير. الغلاف الثاني: كانت أرضها في كل مكان، ولم يهدأ لها بال لتستقر في قطر دون آخر. لذا عرض الكاتب تنقلات الدمية وتجاربها التي شكلت فيها نقاط تحول رئيسية فيها شكلاً ومادةً وفكراً وتسويقاً، ومن بين تلك الأقطار، الصين، واليابان. وأنّى لهذه الصغيرة أن تمتلك زمام العقول والمصانع في دول تحت القصف ومازالت مصانع الدمى تعمل دون توقف. إلى هذا الحد أصبح عشق هذه الدمية أعمى وذا أولوية. الغلاف الثالث: يُسهب الكاتب في هذا الغلاف، حيث يمثل أسمك غلاف مقارنة بغيره، وذلك طبيعي نتيجة حديثه عن الدمية المُعمرّة «باربي« ذات الخمسين عقداً أو يزيد. فمن كونها جنيناً إلى أن شبّت وكبرت، كان الكاتب ملازماً لها كالظل يقرؤها ويلامسها، ليقدم للقارئ سيرتها الحقيقية، ومقدار قوتها التي بسطته على الخلائق شرقاً وغرباً، حتى بات يُباع منها في كل ثانيتين دمية «باربي«. والفرح «الباربي« لم يستمر، إذ دخلت عليها «صاحبة العيون الناعسة« «براتز« وزاحمتها ضيقاً في تسويقها ومناكفتها في السوق، لتكون نداً لدمية خمسينية المولد. ويستعرض الكاتب تينك التجربتين تحليلاً ونقداً وعرضاً، لتكتمل صور الصراع بين الشقراء «باربي« والناعسة «براتز«. الغلاف الرابع: دوام الحال من المحال، وهذا ليس لسان حال الكاتب، بل لسان حال سوق الدمى في العالم. ففي هذا الغلاف (الفصل) يتناول الكاتب تجارب عديدة من لدن دول إسلامية وأخرى عربية في مجال صناعة الدمى، ومقدار حضورها إن كان قوياً أو ضعيفاً أو حتى موؤداً منذ لحظة ولادة التجربة. ويولي الكاتب أهمية لتجربة عربية ملحوظة في مجال الدمى، وهي الدمية «فلة«، حيث يستعرض سيرتها وهويتها ومكانتها نقداً وتحليلاً، مُفرداً مساحة لا بأس بها عنها. الغلاف الخامس: لا يكتفي الكاتب بعرض تجارب عالمية أو «معولمة«، ولا عرض تجارب محلية ليُنهي الأغلفة التي أحاط بها دميته التي يحاورها على طول الكتاب وعرضه، بل يمد عينيه إلى أكثر من ذلك، من خلال عرضه لتجارب أو أفكار قائمة يمكن أن تتحول إلى تجربة دمية يمكنها أن تتخطى ما هي عليه حالياً، ومن تلكم التجارب: مسلسل بكار المصري. الـ 99، وهي التجربة التي قدمها الدكتور نايف المطوع ضمن سلسلة مجلاته. مسلسل فريج. وعند وصول الكاتب للغلاف الأخير، ونزعه عن آخر ما يغطي الدمية، يصل لاستنتاجات وقراءات ملخصة عن رحلة الأغلفة المتعددة للدمية. ويستفز من خلال ملخصه المقتضب الأفكار والهمم لبناء تجارب بديلة بل وقوية تعكس القيم والثقافة والفكر المحلي، في ظل عالم تمخضت عنه «الكوكلة«-نسبة إلى شراب الكوكا كولا، وتمثيلاً بالعولمة. فهل إلى ذلك الحضور من سبيل؟ لم لا؟.
مرسلة بواسطة
hardthinker
الاثنين، ١ ديسمبر ٢٠٠٨
في
٨:٢٩ م
جعفر حمزة*
التجارية الثاني من ديسمبر 2008مكان من حُسن حظ الأول تواجده في تلك اللحظة، لتكون له باباً واسعاً لتنقلب حياته رأساً على عقب، ويتمتع بعدها بثراء فاحش وغنىً ينتهي عمره قبل أن تنتهي نصف أو ربما ربع ثروته التي "جناها" من وراء معرفته لكلمة سر الغنى والثروة। فعاش لنفسه في قصر فخم. وأما الثاني فقد كانت علاقته بالثروة من نوع آخر، حيث يظفر بالمال من أناس ليوزعها على آخرين، وكانت الغابة منزله ومأواه. "علي بابا" هو الذي حصل على الثروة لنفسه من خلال معرفته لكلمة السر للكهف الذي تودع فيه عصابة الأربعين حرامي غنائمهم من ذهب وفضة ومجوهرات ونفائس، فما كان منه إلا أن "تمتع" بها دون تعب منه أو إجهاد।و"روبن هود" هو البطل الأسطوري في القرن الثالث عشر، الذي كان يسرق من الأغنياء ليوزعه على الفقراء، وكانت غابة "شيروود" مكان سكناه وانطلاقته ل"تحصيل" حقوق الفقراء. وبقدر بُعد هاتين الشخصتين في الظاهر، حيث كان الأول مغدقاً المال على نفسه، في حين كان الآخر يوزع ما يسرقه من الأغنياء على الفقراء والمحتاجين، بقدر ما كان التشابه بينهما لا يخطأه العاقل المتبصر المنصف।ويتكرر هذين النموذجين بقوالب مختلفة في مختلف المجتمعات، ولكون مجتمعاتنا عربية فالميل إلى "علي بابا" أقرب وحركة سيرته فينا أشد.فهناك من يريد أن يكون ك"علي بابا" في معرفته لكلمة السر في توظيف علاقاته ونفوذه للوصول إلى الكهف والظفر بما فيه، وإنعاش "رغبته" حتى "التخمة".وهناك من يجهد ليكون "روبن هود" في مقارعته للهوامير، وإن لم يكن بمقدروه أخذ شيء منهم، فلا أقل من الحد من "نهمهم" في أكلهم للأخضر واليابس. وبين تلك الرغبة العارمة ليكون البعض مثل "علي بابا" الذي أخذ الأموال بالراحة، وبين البعض الآخر وهم قلة ممن يسعون للحد وتوزيع الثروة بمعيتهم الخاصة كما فعل "روبن هود"، تكون معادلة التوازن الاجتماع مفقودة। وذلك بين شد وجذب لا يحقق العدالة الاجتماعية ولا التنمية البشرية المطلوبة، ويكفي لذي عينين أن يشاهد الهوة الحاصلة بين المواطنين، في ظل ترهل وتفتت لطبقة ذوي الدخل المتوسط من جهة، وإنعاش أصحاب الطبقات المرفهة، سواء كانوا ممن عاشوا في هذه الجزيرة أو الآتون من وراء البحار، وذلك ضمن مشاريع ضخمة تُقام على أرض هذه الجزيرة من رمال الجزيرة وماءها دون حساب يحفظ المال العام. البعض يعشق "علي بابا"، ليعرف كلمة السر ويضع يده على كل تلك الكنوز لينعم "وحده" بتلك الثروة دون تعب أو إجهاد فكر أو قطرة عرق।وهناك من يعمل ك"روبن هود"، والذي يسعى لأخذ ما لدى الأغنياء وإعطاءه الفقراء. إلا ان الفرق هنا أن ما يتم تقديمه هو خطابات نارية أو توصيف للحال دون العمل في الميدان أو تقديم شيء ملموس للفقراء. وبين سيطرة "علي بابا" على الثروة لوحده، وبين خطابات حماسية ل"روبن هود" دون الحصول على شيء ملموس، يضيع المواطن بينهما، ليختار إما التزلف ل"علي بابا" لعلّ وعسى يحصل على بعض من فتات مائدته، أو العيش بكرامة "كما يعتقد" في ظل خطابات "روبن هود" الحماسية، التي لا تُسمن ولا تغني من جوع।وكما تتعدد خطابات "روبن هود" الحماسية طولاً وبلاغة و"جرأة"، فهناك إصدارات مختلفة ل"علي بابا" وبأحجام مختلفة.والمواطن العادي لا يسعى ليتزلف إلى "علي بابا"، ولا يريد أن يحصل على ما يظفر به "روبن هود"-إن وُجد-. فهو يريد حقه الدستوري المتوافق عليه، وهو المتعارف عليه في الدولة التي تسعي لبناء ذاتها عبر إيفاء حقوق المواطنين، وبالمقابل تنتظر الدولة أن يقوم المواطن بواجباته إزائها. وفي خضم ذينك النموذجين بين ما يُقال على لسان حال "علي بابا" للناس كما قالت "ماري إنطوانيت" عندما أخبروها بجوع الشعب الفرنسي :"عليهم بتناول البسكويت"، فناولوها بالإعدام شنقاً। وبين ما يُثيره "روبن هود" من خطب نارية وحماسية، ولا يحصل الفقراء منه إلا على خبز من ورق وكلمات تدغدغ مشاعرهم وتجعلهم ينتظرون الخبز من الأغنياء بدلاً من البدء بحرث الأرض والزرع والاعتماد على الذات بما هو متوفر، لا لرفع العتب والحق من الطرف المعني بالمسؤلية، بل لتحقيق معنى التغيير الذي هو بداية كل إصلاح حقيقي في المجتمع.وبين بسكويت "علي بابا" المرتفع الثمن، وخبز "روبن هود" الكلامي، تظهر من بينهما "البقرات السمان" التي ظهرت في حقل الاقتصاد بالبلاد في سنوات ارتفاع أسعار النفط، ليتم البحث عن تلك "البقرات السمان" اللاتي وضعهن "علي بابا" في الفناء الخلفي لقصره ولم يتحدث عنها للناس، في حين كان من الصعب على "روبن هود" سرقتها أو –استردادها- "كما يحب أن يسمع منا"، فاكتفى بذكرها في خطبه الحماسية وكفى। ولتكون جزء من أحلام الفقراء لعل وعسى أن يستيقظوا وبقربهم نصيب من حليبها المليوني.إنّ ما يُوصل أي مجتمع للإضطراب وعدم الاستقرار، هو القبول إما بأسلوب "علي بابا" في تحصيل الثروة من جهة، أو التنفيس لدى الكثيرين عبر خطابات "روبن هود" الحماسية।والحل هو في إعمال القانون وتنفيذه على الجميع، على "روبن هود" و"علي بابا" على حد سواء. وفي غير تلك الحالة سيكون الاضطراب المجتمعي فضلاً عن توتر العلاقة بين فئات المجتمع والدولة باقياً. وتبعات ذلك لا تخفى على ذوي بصيرة. ما العمل مع تلكم البقرات السمان؟اخرجو البقرات السمان من قصر "علي بابا"، وادعو مريدي "روبن هود" ومتزلفي "علي بابا" للاستفاد منها بدلاً من أن تكون حكراً على فئة، والخشية أن ينقسم المجتمع بين "علي بابا" و"روبن هود"، وفي كلا الحالتين هما بعيدان عن إنصاف قضيتهما، فأحدهما وصل للثراء الفاحش عبر "كلمة السر" التي باتت أبعد من "افتح يا سمسم" في هذا الوقت، ।والآخر امتهن طريقاً تلون حياة الناس بسوداوية قاتمة لا منتجة، وذلك لاستحصال ما يظنه حق له وللمظلومين.ففي حين غفل الأول عن وجود حقوق ومطالبين لحقوقهم، ولن يطول الزمن حتى تصبح ثروة "علي بابا" مغارة أخرى لمتنفذين أو متضررين. وامتهن الآخر "روبن هود" الخطابة دون الفعل المخطط في خطواته في المجتمع، مما جعله "رمزاً" للمظلومبن كصورة دون فعل حقيقي يمكن الاعتماد عليه. وبين النموذجين الشرقي والغربي كمثال تم ضربه هنا، ينبغي الوقوف والتفكر قليلاً، فمع استمرار "علي بابا" بجني ثروته بكلمات سر لا تعب فيها ولا نصب، وعدم توقف "روبن هود" عن حماسته وإلقاء الخطب، سنصل إلى مرحلة تفتت داخلي في المجتمع لا يمكن رأب صدعه ولا رتق فتقه، لأنها ببساطة سيكون كلاً من نموذجي "علي بابا" و "روبن هود" هما المطرقة والسندان للسلم المجتمعي والاستقرار الاقتصادي، ومهددة للصورة المطلوب تسويقها داخل كل مواطن قبل أن يتم تسويقها في الخارج ويتم صرف أموال سواء من أموال "علي بابا" أو من أموال الأغنياء الذي يسعى "روبن هود" لأخذها منهم।اتركوا البقرات السمان للناس، ليتم هجران كلاً من "علي بابا" و"روبن هود"، ليتم العمل الجاد عند إعطاء كل ذي حق حقه. وفي غير تلك الحال سنرى بقرات عجاف والعشرات من "علي بابا" ومثل عددهم وربما أكثر من "روبن هود"، ولا نعلم أي الأنموذجين سيحظى بحليب البقرات السمان! * مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي.