جعفر حمزة*
التجارية ٢٤ ديسمبر ٢٠٠٨م
كانا يأكلان الطعام ويمشيان في الأسواق، ويعملان بشغف لم يغب عنهما للحظة، كانا وما زالا يحبان اهتمامهما المشترك، والذي جمعهما من على صفحات الإنترنت. فتولدت تلك الصداقة التي ما فتأت حتى كبرت وكبر حلمهما معاً، فصار محمد وعلي أكثر من صديقين بل أخوين يشاركان الطعام والأفكار والعمل، فما الجديد في علاقة محمد وعلي؟
قد لا يكون في الأمر جديد بالنسبة لهما، إلا أن كلاً من محمد وعلي من بيئتين مختلفتين، بكل ما للكلمة من معنى، فمحمد يعمل في جهة حكومية ويسكن إحدى المدن، في حين يعمل علي في إحدى الشركات الصغيرة، ويقطن قرية صغيرة. هذا فضلاً عن اختلاف في مذهبهما، والذي لم يكن عائقاً البتة في عملهما وتواصلهما الأخوي المتين أبداً.
ما جمع محمد وعلي هو الإبداع والاهتمام والشغف في العمل المحترف، وكفرا بكل الحواجز التي بينهما، كفرا بوهم الفرق بينهما، وكفرا بوهم المسافة والتقاطيع المبرمجة للسكن، وكفرا بكلام الناس، واستمرا في المضي عملاً وإبداعاً من ٧ سنوات سمان بينهما، وتركا عجل السامري الطائفي والعُرفي وحيداً بعيداً عنهما।
وما إن كفرا بكل ذلك حتى آمنا بما لديهما من قدرة تتزاوج بينهما، ليكون "العالم الافتراضي" وتوابعه من برامج الأبعاد الثلاثية هو "البُعد" الجامع بينهما وبقوة، فاحترفا تلك المهارة في "صناعة" العالم الافتراضي للعديد من الشركات والجهات، فأصبحت لمساتهما بارزة كشابين يافعين اعتمدا على نفسيهما في شحذ تلك المهارة لتكون احترافاً، وتركا بصمتهما في إحدى المسلسلات الخليجية، وغيرها من الدعايات والفواصل الإعلانية، ولم تخل المنتديات المتخصصة في برامج الثلاثية الأبعاد من مشاركتهما والإدلاء بدلوهما فيها.
يعملان بجد وضمن خطة للقيام بمشاريع متعددة مشتركة.
هما مصداق عملي بعيداً عن أي تنظير يتم طرحه هنا أو هناك في مجال نبذ الطائفية والتي تخمت قاعات المؤتمرات والصفحات من الكلمات والخطب والمقالات، هما -ومن على شاكلتهما- أنموذج وطني يستحق الافتخار بهما، لأنهما آمنا بأن تخصصهما وعملهما المحترف فوق كل اعتبار مناطقي وطائفي وعرقي، فتولّد من بينهما إبداع مشترك مميز.
هما مثالان يضربان عرض الحائط واقعين سوداويين، واقع تمارسه بعض الجهات الحكومية من خلال تمييزها الوظيفي وواقع يرسمه العُرف يُبعد من كان في "الفئة" الأخرى في المجتمع عن أي عمل مشترك بغض النظر عن إبداعه .
وبين نار التمييز الحكومي والإبعاد الشعبي قد يموت الإبداع أو ينكمش، وذلك بعد أن ضاقت بهذه النماذج الوزارات التي بدأت تُصنف مثل الكانتونات لتكون هذه الوزارة للفئة الفلانية وأخرى لتلك الفئة، وبعد أن انسحب فيروس التمييز إلى القطاع الخاص، والذي يجب أن يكون الأبعد عن مثل هذا الداء العضال، أصبحت المساحة المشتركة الممكنة والتي لم يقترب منها ذلك التمييز بعد هو في مجال العمل الحر
"Free lancing"
أنموذج محمد وعلي المصغر يمكن أن ينتشر ويكسر طوق بدأ البعض بشد لفه حول عنق المجتمع، ليبدأ بالإنتاج المستند على الموهبة والكفاءة بعيداً عن انتماء هذا أو ذاك.
وهذه هي الرؤية الحقيقية التي ينبغي السير عليها، رؤية الكفاءة والعمل الوطني الموحد، رؤية نموذج يجب أن يُحتذى به في العيد الوطني للوصول إلى إنتاج حقيقي وتقدم ملموس في المجالات التي تنشدها المملكة في خضم التحديات الاقتصادية والسياسية القائمة في المنطقة والعالم، عليها أن تهيأ الجو وتشجعه لمحمد وعلي معاً، وكل محمد وعلي آخرين.
فلا مجال للتمييز إن أردنا التقدم وتحقيق رؤية اقتصادية فاعلة. فمحمد وعلي أنموذج حي يعيش بيننا، في ظل ترهلات في النظرة الاقتصادية الفاعلة والمنتجة، وتحت ظل اصطفافات عقائدية انسحبت على الجانب المعيشي بصورة لا يخطأها ناظر أو فاحص بسيط.
فاتركوا العقال الذي يربط كل محمد وفكوا قيد كل علي لترو أن محمداً وعلياً هما أنموذج وطني وبجدارة ينبغي أن يُحتفى بهما، تزامناً مع كل فرحة للوطن، ومع كل رفة علم للبحرين।
هذه هي صورة حقيقية للبحرين مجتمعاً واقتصاداً وعملاً، صورة ينبغي أن لا تتحول إلى أنموذج يُذكر وكأنه الاستثناء بدل أن يكون القاعدة، صورة نخشى أن تتحول إلى المتحف، بدل أن تكون واقعاً نلمسه، نريد أن تكون تلك الصورة لمحمد وعلي نعرفهما ونشاهدهما كل يوم.
* مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي.
ملاحظة: فضل كل من محمد وعلي علي عدم الكشف عن اسميهما ليبقيا رمزا صافيا بعيدا عن كل حسابات السياسة النازعة لللرحمة والمزيلة للصداقة.
1 التعليقات:
٢٦ ديسمبر ٢٠٠٨ في ١٠:٤٦ ص
الأخ حمزة ،
كل منا قادر على أن يكون محمد وعلي. لكن السؤال الأهم: هل نحن قادرون على أن نخلق في داخلنا محمد وعلي..؟ لا أريد أن أكون تشاؤمية حيال ذلك، لكن جولةواحدة في العالم الافتراضي تشاهد من هو على غير شاكلة محمدوعلي متخندقين تحت متاريسهم الطائفية، وخفافيش الظلام تسرق كل ضوء منا. لكن مع ذلك نستطيع أن نتغلب على التمييز بالإبداع وعدم الاستسلام.
شكراً لك لمست هو صورة حقيقية لهذا الوطن الصغير.
دمت بمحبة،
سامية حسن
إرسال تعليق