جعفر حمزة*
التجارية ١٤ يناير ٢٠٠٩م
لم أشأ النظر لها، بل حتى الإقتراب منها، فهي لم تفهمني، ولم أفهمها.
فلم التقارب إن كانت لغتها لا تشترك حتى في حرف واحد أو بمخرج لفظ واحد من لغتي؟ فتركتها على "هواها"ترتع وتلعب. وكان ديدنها التحدث بلغة لا أفهمها، بالرغم من كوننا على أرض واحدة ونعيش ذات الأحداث ونتنفس نفس الهواء، فازداد عجبي منها وازدادت هي ابتعاداً مني. حتى أتى ذلك اليوم الذي ظننتُ فيه بأنها ستتفهم وتعاود التفكير مرة أخرى في لغتها الغريبة عني. فمر موسم محرم الذي يشترك فيه الجميع من القيادة السياسية وحتى أصغر طفل على أرض هذه الجزيرة، ولم تلتفت إليه، بل تجاهلته سلبياً، وبالرغم من أن موسم عاشوراء يمثل تظاهرة ثقافية بمختلف صورها، والذي يميز البحرين عن بقية دول العالم الإسلامي في هذه المناسبة هو مقدار نتاجاتها الثقافية وصورها التفاعلية في هذا الموسم.
ومع ذلك نأت "شاشتنا المحلية" عن العروج علي المناسبة بما يليق. بل وتأصلت لغتها "الغريبة" عندما تجاهلت كل الحراك المجتمعي والذي تفاعل مع مأساة غزة. من مسيرات وندوات وتجمعات وغيرها.
حتى باتت نسيباتها من الصحف أقرب ملامسة لما يجري وقعاً وتحليلاً وعرضاً، أما هي "تلفزيوننا الوطني" فهو أبعد ما يكون عن الشارع المحلي فضلاً عن الشارع العربي.
فهل بالغتُ في تأنيبها والتطاول عليها؟
لا يبدو لي ذلك، خصوصاً عندما اسأل الكثيرين من المسن إلى الطفل الصغير، هل تتابع شاشتنا المحلية، فيرد ضاحكاً مستهزأً "ومن يتابعها"؟ فأصبحت كالمركونة من ضمن أثاث لا يتم استخدامه، فضلاً عن النظر له، فالصور أربع، ولنرَ من أي صورة تنتمي لها شاشتنا المحلية؟
فالتحوّل الحاصل في عالم الصورة ينقسم إلى التالي:
أولاً: هناك صورة من صوت واحد، ولكنه يكون كالمرآة الذي يعكس ما يجري في الطرف الآخر (المجتمع).
ثانياً: وهناك صورة من صوت واحد صماء، لا تعكس إلا نفسها.
ثالثاً: وهناك صورة تفاعلية بحدود معقولة تسمح للتفاعل من جميع الأطراف، ليأخذ كل دوره في تقديم الصورة.
رابعاً:وهناك صورة تفاعلية يصنعها المجتمع من الناس، وهي بمثابة "الهايد بارك"، من خلال تقنيات حديثة باتت في متناول الجميع، بل أصبح الناس يصيغون الصورة ويقدمونها لأنفسهم وللآخرين، من خلال اليوتيوب، والعديد من الخدمات والتقنيات الجديدة.
ويبدو أن الصفة جاهزة لصاحبتنا الفضية "الشاشة"، فهي صورة لذاتها فقط، ويبرز السؤال حينئذٍ عن أحقية الاستمرار في هذا النهج البعيد عن ملامسة الواقع بشقيه الداخلي والخارجي. فإن كانت صاحبتنا ضمن قطاع خاص، لخففنا العتب قليلاً، ولقلنا هذا شأن خاص ويعكس رأيه، ونحن في زمن الحريات، ولكن أن تتحول قناة رسمية، والتي من المفترض أن تمثل الشعب بواقعية موزونة إلى أداة للتهميش، فضلاً عن الدخول في دائرة تهديد الوحدة الوطنية، من خلال ما بثته في عاشوراء من لقاءات تمس معتقدات الكثير من الشعب البحريني. فما الذي تنويه صاحبتنا لي ولغيري؟
ومن جهة أخرى، وفي ظل التطورات السريعة على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي والذي أخذ البطء في الحركة والاستيعاب من نصيب صاحبتنا الفضية، يبقى السؤال البديهي، هو في أحقية تخصيص ميزانية من أموال الشعب والتي تديرها الدولة ليتم ضخها في جهة إعلامية رسمية دون حتى العمل بوتيرة تتناسب مع الواقع الداخلي، فضلاً عن الخارجي؟
ولا يمكننا إغفال بعض "الخطوات" التي يُشاد لتلك الشاشة، إلا أنها نزر يسير، في قبال الكم الهائل من التجاهل والبطء اللذين باتا رفيقا درب صاحبتنا.
ولعلم التي لا أعيرها اهتماماً حتى بالنظر لها من طرف، فإن حراك الصورة من داخل المجتمع بات أقوى، وقطار التقنية السريع والذي يخطف الأبصار بسنا ضوءه بات أوسع، فأخذ الأفراد أخبار صورهم من المنتديات وغيرها من تقينات البث المباشر والمتابعة، فضلاً عن بحر لجي من الأساليب الجديدة في طرح الصورة، من "اليوتيوب" و"جوست" و"الفيس بوك" و"ماي سبيس"، وغيرها الكثير، مما يركن صاحبتنا على قارعة الطريق لتُحاكي نفسها لا غير.
وفي حال أردنا المضي قدماً في بيان الصورة بواقعيتها وحدثها، لا يكفي "حقن" صاحبتنا بالأجهزة الحديثة والوجوه "السمحة"، إذ لا بد من "معرفة" و"تطبيق" و"حيادية" تضمن وجود "مشاهدين" -على الأقل- لهذه الشاشة. ومتى أُجريت آخر احصائية تبين حجم مشاهدي تلفزيون البحرين؟
نحن نتحدث عن واجهة بلد، وهي التي لها دور -كما أتوقع- ضمن الرؤية الاقتصادية. ولا أدري إن تم إدراجها ضمن تلك الرؤية كقناة إعلامية للترويج وتفعيل الرؤية من خلال إعلامها. وإن كان ذلك، فمن هي الفئة المستهدفة؟
البحرينيون، إذن ينبغي مراجعة هذا الخيار مرة أخرى.
لخارج البحرين، فليكن، إذ ما نفع أي خطوة دون مشاركة فاعلة من المجتمع وأفراده فيها؟
ما سردناه من "سيرة" صاحبتنا هو غيض من فيض ينبغي دراسته وبتأنٍ كبير، للخروج من "ثقب أسود" يصرف المال ولا يعطي للمجتمع سوى الذبول. بل وعدم الإهتمام.
وسلوك صاحبتنا قد يصلح لقناة خاصة، أما أن تكون واجهتنا الوطنية، فعذراً صاحبتي، فلست الشخص المناسب لمرافقتك، فضلاً عن النظر لك، فاجلسي على قارعة الطريق، فلا يمكنني أن أقبل أن تكون لي صوتاً أو صورة أو طعماً أو رائحة। عذراً.
* مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي.
1 التعليقات:
١٤ يناير ٢٠٠٩ في ٨:٢١ ص
وصل حال هذه القناة إلى الحد الذي لا تجرؤ فيه أحد من المؤسسات أن تضع إعلاناتها التجارية فيها
يعني شي مضحك
اتشوف مافيها ولا إعلان أخلونه وحق شنو أخلون إعلان مادام محد اطالع بكون الإعلان بكبره خسارة في هالقناة
المشكلة أنها بدل ماتتقدم قاعدة تتراجع يعني كانت في فترة تعكس عاشوراء في البحرين بصورتها الخاصة (مو بالصورة المطلوبة ) لكنها كانت والحق يقال تعرض.
حاليا لا تهتم ولا شي
إرسال تعليق