جعفر حمزة ل”أريج”: من بين السماء و الارض تخرج”نبراس” بتصاميمها المختلفة


مجلة أريج، فبراير ٢٠١٠


ليس الإبداع حكراً على اشخاص دون آخرين، إذ استطاع العديد من البشر إثبات ذلك ، بعد أن آمنوا بقدرتهم على تحقيق أحلامهم و ثابروا حتى حققوا ما يصبون إليه، و بالطبع طريق الميل يبدأ بخطوة ، و لا بد من أن تفتح الباب حتى تستطيع الخروج إلى العالم الأوسع و ذلك ما فعله المبدع ” جعفر حمزة” الذي شارك مؤخراً في عرض أزياء “بولي مودا” الذي أقيم في جامعة البحرين بوليتكنك، بالعلامة التجارية “نبراس” التي ظهرت كما يقول حمزة ”نتيجة للتدافع الثقافي الحاصل بين ما هو مقدم من الغرب و ما هو مطلوب من الثقافة الاسلامية في تجديد آليات و استحداث و ابتداع طرق جديدة لها في الحضور”.

التقت مجلة أريج بالسيد جعفر حمزة مدير الإبداع لعلامة “نبراس” للوقوف على بداياته في مجال التصميم و ماهية العلامة التي يتبناها و الآمال التي يسعى إلى تحقيقها، فكان التالي:


متى بدأت التصميم؟

من أيام الابتدائية، فأنا أعشق أن يحتوي ما حولي على مسحة من شخصيتي ، سواء كانت تلك الاشياء صغيرة كالمقلمة، أو أكبر من ذلك كالحقيبة المدرسية و الحذاء والكراسات و حتى أدراج ملابسي ، و شرارة التصميم بالمعنى المتعارف عليه بدأت قبل أكثر من عشر سنوات من خلال انتخابي للقماش والتصميم الذي أود ارتداءه، و تحولت من مجرد التحكم في القماش إلى الطباعة عليه و اختيار ما هو مناسب للرسائل التي أؤمن بها و أريد أن أظهرها للآخرين ، وكانت لي تجارب عديدة في هذا المجال تنوعت من قميص عن العراق و المجازر التي تجري فيه إلى آخر يظهر فن و جمال الخط العربي إلى ثالث يحمل رسالة ضد الجهات التي تحمل نفساً طائفياً، و هكذا تعدد الرسائل في ثيابي.


و تحول ذلك الهم إلى مشروع له خطة و هوية بعد أن كانت مبادرات شخصية بحتة تعكس ما أؤمن به فقط ، لتتحول حينها إلى مشروع له هيكل و خط زمني للتنفيذ، و ذلك بسند و دعم من الأخ العزيز جعفر القدمي صاحب مؤسسة نبراس للإنتاج الفني و الذي كان يحمل هم تقديم البديل الثقافي للمجتمع ، فكان بيننا هذا التعاون الذي أظهر ” نبراس” كماركة تجارية تقدم البديل العصري الشبابي الذي يحوي القيم الإسلامية و الإنسانية ، المتناسبة مع قيم المجتمع و انتمائه الأصيل.


- ما الذي دفعكم إلى المشاركة في عرض أزياء بولي مودا؟

شاركنا في المعرض لأنه يستهدف فئة الشباب ، إلى جانب كونه وسيلة حديثة لعرض ماركة “نبراس” لتأخذ زخماً اعلامياً مناسباً لها ، و قد تلقينا كل الدعم و المساندة من قبل القائمين عليه، و بالرغم من أننا العلامة التجارية الوحيدة التي تبدو “نشازاً” في الجو المتعارف عليه في عروض الأزياء ، كون “نبراس” تحمل قيماً إسلامية عن الصلاة و القرآن و الغيبة هي النماذج الثلاث التي تمت المشاركة بها ، مع كل ذلك فقد كان حماس الجمهور واضحاً و تشجيعه ملحوظاً عند ظهور ” نبراس” على منصة العرض لأول مرة، و هذا يدل على ميل أفراد المجتمع مهما كانت توجهاتهم إلى النظر إلى أصالتهم بطريقة تحاكيهم و تفهم لغتهم.




- ما الذي أضافته إليكم المشاركة؟

ظهور إعلامي و تعريف ضمن مساحة جديدة من التواصل مع الجمهور لرسالة “نبراس” و تجربة جديدة ستكون بداية لتجارب ممثلة خاصة لماركة “نبراس”.


- إلى أي المدارس تنتمي في تصميماتكم؟

ننتمي إلى مدرسة الإنسان، فتصاميم “نبراس” هي مخاض من ترجمة قيم الإنسان و القرآن و الإسلام ، و وضعها في قالب عصري جذاب ، يقبل عليه الشباب و يستأنس به، و التصاميم المقدمة تميل إلى البساطة و الفكرة العميقة و الألوان الشبابية ، فتلك الثلاثية هي سبيل المدرسة التي ننتمي إليها.


- من أين تستوحي تصاميم أزيائك؟

من السماء و الأرض، من السماء عبر قيم القرآن و تعاليمه، و من الناس من خلال أحاديثهم، اهتماماتهم ، همومهم ، و من بين السماء و الأرض تخرج “نبراس” بتصاميمها المختلفة و المتنوعة و التي بدأت تحث الخطى لتقديم المزيد في تنوع الرسائل والتصاميم على حد سواء.


- برأيك هل تتيح البحرين التسهيلات الكافية للمصمم ، ليبرع في مجال عمله؟


هناك الفرص و هناك التحديات و في كل منهما يكون للحكومة نصيب كما هو الحال للمصمم، التسهيلات تنسحب على عدة أمور، سواء كانت التسهيلات مالية أو اللوجستية أو التسويقية، و في البحرين من الكوادر و الفرص ما يمكن أن تكون مركزاً لظهور علامات تجارية للملابس على مستوى المنطقة ، بل و العالم ، و لا يتم ذلك إلا من خلال خطة محكمة الوضع تتعاون فيها الجهات ذات العلاقة و تعطي الزخم الكافي لدفع المصممين البحرينيين للعمل بصورة أكثر احترافية و بدعم منظم ،فاستيراد المواد الخام من الخارج ممكن في المرحلة الحالية ، إلا أن خيارات مرحلة التصنيع من طباعة و خياطة محدودة و بأسعار غير تنافسية ، لذا يمكن للبحرين أن تكون رائدة في هذا المجال إن وضعنا بعين الاعتبار قيمة المادة و تكلفة الخياطة و الطباعة إلى جانب المورد المهم في هذه المرحلة، و هي مرحلة خلق العلامة التجارية و صورتها ليتم تقديمها على مستوى عالمي، و الكوادر البحرينية موجودة و مميزة ، فقط ما ينقصنا التمويل و التخطيط من القطاع الخاص و الحكومي و لو بنسبة متواضعة لدعم هذه الصناعة، و التي ستنعكس على صورة البحرين في المنطقة و العالم.


  • ما الذي تأمل في تحقيقه؟


نحن نأمل كشركة لتقديم البدائل الثقافية عبر منتجات جديدة في تقديم المنتج الثقافي القوي و المنافس و الذي يكون نداً للعلامات التجارية العالمية في السمعة و الجودة ، و في واقع الأمر نحن نقدم منتجاً مطعماً بالقيم و قيمة تتجسد في منتج، و في كلتا الحالتين نحن نقدمهما لسوق يتقبل هذه المبادرات و يتفاعل معها، لأنها و ببساطة تعينه بطريقة عملية و واقعية على الحفاظ على هويته دون طلب الوقوف جانباً عن مسار التطور و الحداثة بمعناها العولمي، و قد بدأنا بالتسويق الإلكتروني كأول علامة تجارية محلية تبيع عبر الإنترنت مع تواجد لخدمة التوصيل المجانية.



- كلمة أخيرة

أشكر كل من شجع و دعم و عمل و أشاد بهذه التجربة التي تعتبر من التجارب التي تنتظر دعماً منظماً لنرتقي بها إلى مستويات العلامات التجارية العالمية، و لتكون بذرة تجر وراءها مشاريع أخرى بديلة تشحذ الهمم و تشجع الإبداع و تحرك عجلة الاقتصاد من الداخل و تشد الخارج، و في كل ذلك تكون الرسالة واضحة و يتم السعي لها ، و هو الثبات على القيم من جهة والتماشي مع روح العصر من جهة أخرى في توازن حكيم.

وصلة لبعض الصور من عرض أزياء “بولي مودا” لماركة “نبراس”

http://www.fashionarabia.net/index.php?option=com_joomgallery&func=viewcategory&catid=571&Itemid=2


موقع نبراس

www.albadeel-bh.com

حمزة للوسط أون لاين: الدمية تصنيع للهوية


في برنامج مسامرات والذي يبث اليوم على «الوسط أونلاين»

حمزة: الدمية تصنيع للهوية


الوسط - محرر فضاءات

صدر للباحث جعفر حمزة كتاب «أنا أحب دميتي» سيرة عشق الإنسان لصورته الدمية وكان لبرنامج مسامرات لقاء معه، إذ أشار إلى أنه ينظر للدمية باعتبارها تعيد تصنيع الهوية إذ تتبع الدمية وقصتها من أين بدأت وإلى أين انتهت وإلى أين وصلت، وما نقدمه نحن كثقافة عربية وإسلامية بالنسبة لدمى الأطفال وما هي البدائل في هذه السوق المحتدة من الصراع فيما يتعلق بسوق الأطفال والذي يدر الملايين فأين صناعة الثقافة العربية من خلال صورة الدمية؟

هل لك أن تعرفنا بكتابك أنا أحب دميتي في بطاقة تعريفية سريعة؟

- اسم الكتاب «أنا أحب دميتي» والعنوان الفرعي هو سيرة عشق الإنسان لصورته الدمية، وهو كتاب من الحجم الصغير في 112 صفحة وقام بطباعة الكتاب مركز الشيخ إبراهيم للدراسات والبحوث، والكتاب لا نستطيع أن نصنفه ضمن صنف معين مثل الدراسات الإنسانية أو التاريخية إنما هو خليط وهجين بين الكتابة الروائية والبحث العلمي.

ما الموقف الذي تقفه من الدمية أو ما الموقف الذي يصنعه الكتاب من الدمية ثقافيا باعتبارها امتدادا لهوية، باختصار ما مشكلتك مع الدمية؟

- بطبيعة الحال ليست لي مشكلة مع الدمية بقدر ما هي لديها مشكلة معي، فالدمية تمثل عنصر بحث يستفز الباحث ليقرأ ما بين السطور فيما يتعلق بالسلوكيات اليومية وخصوصا عندما نتكلم عن مصنع ثقافي أو مصنع هوية وأبرز دلالة أو مصداق على المصنعات الثقافية هي الدمية، كونها تتفاعل مباشرة مع الطفل سواء كان ذكرا أو أنثى وخصوصا الأنثى (البنات الصغار)، مشكلتي أو مشكلة الدمية معي أني بحثت في زاوية لم يبحث عنها أحد من قبل كون هذه الزاوية نوعا ما تستفز الباحث، وتجعله يبحث في التفاصيل، كل هذه الدمى لا تمثل ثقافتنا، ماعدا ما شذ ونذر من قبيل فلة وسارة ودارة التجربة الإيرانية، وفلة التجربة العربية التي نفتخر بها برغم كل الملاحظات.

بدأت مع فكرة الدمية من خلال مجموعة من المقالات والتي تحولت فيما بعد لكتاب هل تحدثنا عن تفاصيل هذه الرحلة.

بدأت القصة بملاحظتي لإحدى الفتيات الصغيرات في أحد المجمعات وهي تحدق بنظراتها كالعاشق للدمية تسمرت في مكانها وهي تنظر إلى باربي وإلى برتس، هذا الموقف الذي لم يتجاوز ثواني معدودات استوقفني وقلت في نفسي ما سر هذا الانجذاب بين قوسين هذا (العشق) الذي يجذب هذه الفتاة الصغيرة التي يتعدى سنها 12 إلى دمية مصنوعة من مجرد قطع بلاستيك، ومجرد قطع ثياب صغيرة ما هو السر؟ بناء على هذا الموقف كتبت في بعض المقالات في إحدى الصحف المحلية ومن هذه الصحف تحول الأمر من مجرد عمود إلى مقال صحيفة «الميثاق» بداية ومن ثم تحول إلى موضوع رئيس في مجلة القافلة إلى السعودية وكان موضوع الغلاف عن الدمية كان بيني وبين باحثة مصرية تكلمت عن الدمى كصناعة حرفية وهي الباحثة نادين صبري، وبعدها تلقيت الدعم من كثير من الأصدقاء والقريبين وخصوصا زوجتي في أن أدفع بهذا البحث إلى أن يكون كتابا مستقلا.

الكلام عن الدمية يتسع للكثير فما أهم الموضوعات التي عالجتها في الكتاب؟

- سميت فصول الكتاب بالأغلفة وعرضت موضوعات البحث عبر 5 فصول أو 5 أغلفة، منذ تاريخ ظهور الدمية من ناحية انثربولوجية، مرورا بالمنعطفات التاريخية كصناعة الدمى وما يتعلق بالحربين الحرب العالمية الأولى والثانية وصولا إلى المعمرة باربي التي مر عليها أكثر من 50 عاما وقصتها من أين بدأت وإلى أين انتهت وهي لم تنته إلى حد الآن وإلى أين وصلت، والغلاف الرابع يتكلم عن منافستها الشرسة وهي الدمية براتس وهي أيضا أميركية ووصولا إلى الفصل الـ 5 وهي ما نقدمه نحن كثقافة عربية وإسلامية وما هي البدائل في هذه السوق المحتدة من الصراع فيما يتعلق بسوق الأطفال والذي يدر الملايين فأين صناعة الثقافة العربية من خلال صورة الدمية، هذه هي الفصول الـ 5 التي حاولت قدر الإمكان أن أسلط الضوء فيها على الدمية وأهز القارئ العربي أولا والقارئ الغربي ثانيا بسوق واعدة وسوق تؤثر في الثقافة كما تؤثر في أسهم الشركات المساهمة في مثل هذه الصناعة.

تتبعت مراحل تطور الدمية وكيف انتقلت من مرحلة إلى مرحلة أخرى ما أهم الصعوبات التي واجهتك كباحث في تتبع موضوع دقيق طريف كهذا الموضوع (الدمية)؟

- موضوع الدمية وإن كان من المواضيع الهامشية كما أشار أحد النقاد ولكن ليست الهامشية غير ضرورية، هي موضوع هامشي في حياتنا اليومية ولكنها موضوع أساسي في سلوكنا اليومي أيضا، وهو ما يتطرق إليه كثير من الكتاب الغربيين عندما يحلل أمرا ما ونعتبره نوعا ما هامشيا مثل قضية اللباس أو قضية سلوك ما صحي بسيط جدا ولكن الباحث يركز الضوء عليه ويستقرئه ويستخرج منه الدلالات الكبيرة التي من خلالها نقرأ المجتمع، هذا الموضوع بطبيعة الحال هو الأول من نوعه حسب علمي في المكتبة العربية الذي يتطرق إلى صناعة الدمى كثقافة وكفكر واقتصاد وما يسمى بتصنيع الهوية، هناك الكثير من الكتب التي تناولت الدمية كصناعة حرفية لكن كصناعة ثقافية لا يوجد إلى حد الآن والصعوبة في طبيعة الحال كانت في المصادر، إذ 95 في المئة من المصادر هي باللغة الإنجليزية والفرنسية، وهذا لا يشكل صعوبة بقدر ما يشكل نوعا من الحزن عندما لا نرى تطرقا لمثل الموضوع باللغة العربية، هذه العقبة الأولى إن صح التعبير، والعقبة الحرفية في أخذ هذه المصادر باللغة الإنجليزية وتحويلها ووضعها في قالب باللغة العربية كما هو موجود في الكتاب والذي يتخذ من الأسلوب الأدبي الروائي المحاكي بين المؤلف وبين الدمية سياقا تعبيريا لهوية الكتاب، فكانت الصعوبة بمكان أن تنتقل من مصدر غربي بحت اللغة العلمية الموجودة فيه إلى اللغة العربية ومن اللغة العربية إلى صيغة الرواية.

قرأت الدمية كحالة ثقافية وتربوية وبالطبع هناك مؤسسات ثقافية تلقتك، كيف كان طبيعة التلقي من قبل المؤسسات التربوية والثقافية أو من قبل الأطفال أو الكبار؟

- بطبيعة الحال ليس هناك مقياس يستطيع من خلاله الكاتب أن يعرف مدى تلقي المؤسسات أو غيرها للكتاب ولكن معظم التلقي كان من قبل النقاد، من قبل المثقفين من قبل من يهتم بالقراءة بصورة عامة سواء كان في البحرين أو الكويت نتيجة وجود فعاليات كانت مصاحبة للصدور في الكويت أو في البحرين من قبل أسرتي الكتاب والأدباء لهذا الكتاب ومن الطريف في الأمر خصوصا في الكويت أن 6 صحف غطت هذه الفعالية و4 صحف منها تكلمت عن الكتاب كأنه رواية ووصفتني بأني شاعر، غير أن كل مراسلي الصحف الموجودين يعرفون طبيعة الكتاب وأنني لست بشاعر إنما مجرد باحث، فهذا الخلط يشير إلى أن هذا الكتاب مؤثر بسبب الجدة وأن الموضوع جديد نوع ما في المكتبة العربية وملفت لدرجة أنهم وصفوني بالشاعر وأنا لست بشاعر، ووصفوا الكتاب بأنه رواية وهو ليس رواية.

ماذا عن المؤسسات التربوية وخصوصا أن الموضوع يتعلق بالطفل وعلاقته بالدمية؟

- بطبيعة الحال لغة الكتاب لا تندرج تحت اللغة الموازية لعقلية الطفل، اللغة نوعا ما أدبية، أو علمية وهي لا تناسب الطفل، ليس لأنها معقدة وإنما لا يستسيغها، طبيعة الحال هي ليست رواية أو قصة قصيرة أو كتابا علميا بلغة بسيطة بحيث يتناسب مع الطفل هذا الكتاب موجه إلى كل من يهتم بهذا الموضوع. لحد الآن ليس هناك تفاعل بين وواضح وملموس ومقروء لمثل هذه المؤسسات مع هذا الكتاب إلا أن ما استهدفته في الكتاب هو المحاكاة ومحادثة صناع القرار، على سبيل المثال نايف المطوع مثلا صاحب فكرة سلسلة... 99 شخصية بالإضافة إلى فلة وانيو بوي السورية بالإضافة إلى مسلسل فريج لمحمود سعيد حارب المخرج، هؤلاء هم الذين استهدفهم لأنهم هم صناع القرار وهم صناع الدمية وهم صناع الهوية، أنا أخاطب من يهتم بهذا الأمر من ناحية مالية تسويقية ومن يهتم بهذا الأمر من ناحية مشروع وكفكرة فلذا حتى قبل أن أطبع هذا الكتاب أرسلت أكثر من نسخة إلى هذه الجهات وغيرها لكي يتفاعلوا ويوجد بعض التعليقات في نهاية الكتاب لهذه الجهات، أما كمؤسسات تربوية فمن المفروض أن يكون هناك تفاعل بما أن الكتاب يتكلم عن مثل هذه الفئة العمرية المهمة جدا، ولكن الحقيقة والحقيقة تقول ليس هناك تفاعل.

هل لديك خطة لتطوير الكتاب في شكل مطبوع يخاطب الطفل ويقدم الرسالة إليه بشكل مباشر؟

- هناك طريقتان للتفاعل مع هذا الأمر إما أن تخاطب الطفل وهو ليس صاحب القرار بنسبة 100 في المئة أو تخاطب ولي أمره سواء كانت مؤسسات تربوية من مصنعين أو مسوقين أو أصحاب رؤوس الأموال وأنا مع الخيار الثاني وهو مخاطبة أصحاب القرار في هذا الشأن وليس مخاطبة الطفل مباشرة، لذا الخطوة الآتية ليست في تصغير الحجم سواء كان لغة أو شكلا وإنما هو في تطويره بطريقة مختلفة كونه الكتاب الأول من نوعه في هذا المجال الذي يطرق هذا الباب وأسميه باب «ألس في بلاد العجائب» لأني دخلت في حفرة عميقة جدا، لذا الخطوة القادمة هي تطوير الكتاب من ناحية وضعه إلكترونيا إذ سيكون هناك موقع إلكتروني خاص ليس فقط للتصفح إنما كل ما يستجد حول العالم في هذه الصناعة سواء كان ما يتعلق بالفيديو أو ما يتعلق بالصوتيات والمقالات بأي لغة، في طبيعة الحال ستكون فقط اللغة العربية والإنجليزية وكل ما يستجد من أخبار.

هل تعمل على تطوير الكتاب في طبعة ثانية بإضافة أو توسيع ما درسته في كتاب آخر مثلا، وما جديك أو ما مشروعك القادم؟

- بالنسبة إلى هذا الكتاب مثل ما ذكرت سابقا سيتم وضعه في المجال الافتراضي أي وضعه من خلال موقع إلكتروني وبالإمكان بعد فترة تنزيل هذا الكتاب مجانا للكل لأن الغرض منه ليس تجاريا بل ثقافي بحت، بطبيعة الحال سيكون مدعوما بأمور أخرى، عندما نتكلم عن ثقافة صورة سيكون هناك فيديو وصور وحتى صور من الواقع سواء كان في المجتمع المحلي أو المجتمع الأجنبي فيما يتعلق بهذا الموضوع وكل ما يستجد من خبر في العالم من أخبار وإلى غير ذلك سيكون موجودا في هذا الموقع بما يعني أن هذا الموضوع حيوي وليس مختصا بجانب معين، أما بالنسبة للجديد أنا أعمل حاليا على تأليف كتاب يتعلق بثقافة اللباس عند الغرب وتحولاته الثقافية أي من خلال الجانب الديني البحت من خلال الإنجيل الكتاب المقدس عند المسيحيين مرورا بالعصر الفكتوري وعصر التطورات عصر الظلام أو عصر الظلمة كما يقولون في القرون الوسطى وصولا إلى الآن، كيف تحول اللباس إلى تصنيع هوية وإلى انعكاس لثقافة الجسد لثقافة الغريزة كما يقول البعض عند الغربيين، فكيف تحول هذا الجلد الثاني ألا وهو اللباس من مجرد ستر ومن مجرد حشمة عند المسيحيين في فترة معينة وصولا إلى الآن كما نرى نوعا من الإسقاط على مفهوم الجسد عند الغربيين وتحوله إلى صناعة وهوية بطريقة مغرية غريبة تستحق الدراسة، فهذا هو الكتاب الجديد أتناول فيه تحولات اللباس في المفهوم الغربي وعنوان الكتاب أخص به «الوسط» وهي أول جهة إعلامية ستسمع هذا الخبر سيكون عنوان الكتاب «آدم من ورقة الزيتون إلى كلفن كلاين» كلفن كلاين وهي الماركة المعروفة للجينز المتعارف عليه فلمَ هذا التحول من ورقة الزيتون المفهوم الإنساني إلى المفهوم التجاري هذا هو الجديد.



العدد : 2729 | الخميس 25 فبراير 2010م الموافق 11 ربيع الاول 1431هـ

المقابلة الصوتية موجودة في موقع الصحيفة والموقع الآخر لي www.scrambledpaper.com

لتكن موهبتك في مكانها



لوحة البصمات في برنامج رايات



برنامج “رايات” بثته قناة المنار اللبنانية خلال عشرة محرم، وهو يتناول مواضيع ذات طابع فكري وأدبي بعرض بصري جذاب وبسيط.

تناول اللقاء مشروع “لوحة البصمات البشرية” وهي أكبر لوحة للبصمات البشرية حول العالم ، والتي تم تدشينها في البحرين قبل سنوات عدة، ولاقت رواجاً داخل البحرين وخارجها.

تم اللقاء في أحد فنادق العاصمة اللبنانية بيروت أثناء تسجيلي لبرنامج “شباب” التي عرضته المنار قبل عدة أشهر.

http://www.youtube.com/watch?v=zcPd14GqmPc


وللضعف قوة … قراءة في نقاط تحوّل الضعف إلى قوّة في صور الرسالات والتضحية الإنسانية ج٢

الجزء الثاني

جعفر حمزة*

الثقب الأسود


إنّ سر قوة الحق في صور ضعفه الظاهرة هو اكتنازه لروح الإنسانية الأصيلة والإمتداد السماوي المتين، وبين تلك الروح وذلك الإمتداد تظهر القوة الحقيقية للحق الذي يتحول إلى ما يشبه “الثقب الأسود” (١) الذي يجذب نحوه كل شيء أرضي وسماوي، بغض النظر عن خلفية الأرضي وعن معتقد السماوي، ألم تر ما قاله المفكرون عن النبي الأكرم والإمام علي والإمام الحسين والأئمة عليهم السلام، وهو غيض من فيض؟

بالرغم من أن أولئك لا ينتمون عقيدة ولا عرقاً ولا تاريخاً مع تلك الشخصيات العظيمة، قالوا في حق النبي إنصافاً وتعبيراً عن إنسانيتهم، وقالوا عن علي ترجمة لمصداقية إنسانيتهم، وقالوا في الحسين رجوعاً إلى روح الإنسانية الأصيلة، ومنهم البوذي والمسيحي والغربي والشرقي والأبيض والأسود، كل تلك الألوان المتنوعة من صور الإنسان انجذبت إلى تلك الشخصيات فقالت ما قالت وكتبت ما كتبت.



(تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فانتصر)

قالها إنسان من بلاد الهند قاد شعبه للتحرر من رتق الاستعباد من الإحتلال الأجنبي البريطاني، وهو المحامي والمفكر والثوري الذي اتخذ من مبدأ اللاعنف سبيلاً للتحرر عبر الثورة الصامتة التي أخرجت المحتل وكسرت قيد الأجنبي في الهند، وهو المهاتما غاندي، الذي قال هذه العبارة التي تستبطن القوة في صور الضعف الخارجية، وما قاله غاندي هو مبدأ قوة الضعف الظاهري الذي يختزن كل معاني قوة الإنسانية والمبادىء، ولم يكُ الضعف حاضراً إلا نتيجة “غياب” تلك المبادىء والشعور الإنساني المحرك للتغير وإحداث التوازن لاستحصال العدالة، لذا تكون كل صور المأساة والظلم التي تقدم “ضعفاً ظاهرياً” هي في الحقيقة ترجمة لغياب الحس الإنساني، إلا أن ذلك لا يدوم طويلاً، حيث يستقيظ الضمير نتيجة فطرته التي تدفعه للنظر بعمق في المأساة والضعف ليتحول بعد حين إلى مارد ينشد العدالة وينسف كل صور الظلم.

كمن يرى ابنه يُقتل أمامه وهو مكتوف اليدين لا يستطيع حراكاً، ففي ظاهر الصورة هناك عجز وضعف عند الوالد نتيجة تكبيله وإضعافه عن أن يدافع عن ابنه، لكن الحقيقة أن هناك قوة جارفة موجودة بين جنبي الوالد تخرج عندما تُرفع الأغلال عنه، ليتحول إلى مارد ينسى الألم والضرب وكل ما يقف أمامه من لحم وحديد، أي من بشر أو حجر لينتزع الضعف من صورة المأساة الحاصلة بين يديه. وتتحوّل إلى قوة جبارة تغيّر المعادلة.

لا تستفز إنسان الداخل


ألم ترَ إلى الشعوب الثائرة التي يكون الضعف في واقعها حاضراً في البداية وتنتفض بعد أن يكون ذلك الضعف هو حاضناً للقوة لتنتصر بعد حين؟


إنّ صور الضعف الظاهرة في المجتمعات تختزن القوة في داخلها إن تم استنفار الإنسان بداخلها لينهض ويثور ويقوم بالتغيير.وما مآسي العظماء من أنبياء وأولياء ومغيرين إلا انتصار لا انكسار.

وتستطيع المجتمعات أن تتحوّل من الضعف إلى القوة عبر ضعفها عندما يتم تسليط الضوء على مكامن استنفارها ونهضتها عبر ضعف واقعها، لأن في كل مجتمع هناك إنسان سوي يريد أن يعيش إنسانيته مهما كانت خلفيته الاجتماعية والسياسية والدينية، لأن الفطرة هي التي تظهر في السطح مهما تم الضغط عليها، حالها كالكرة التي تضغط عليها لتبقى داخل الماء، لكنك لا تستطيع أن تضع يديك عليها للأبد لأنها ترد ضغطك عليها بضغط مماثل لتكون على سطح الماء لا تحته، نتيجة وجود الهواء بداخلها، والفطرة الإنسانية في المجتمعات هو ذلك الهواء ، الذي لا يمكن إغفاله أبداً.


لقد حوّل العظماء من أنبياء وأئمة وأولياء ومغيرين ضعف أممهم ومجتمعاتهم إلى قوة، لا لأنهم أضافوا قوة من الخارج بقدر ما استخرجوا القوة من داخل إنسان مجتمعاتهم وأممهم، لذا يكون التغيير “إنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” الرعد١١.

التغيير الداخلي الذي يجب أن ينطلق ليستخرج القوة ويركن الضعف والخَوَر والعجز جانباً، ليأتي بعد حين الانتصار والفوز “إن تنصروا الله ينصركم” محمد٧، فالبداية تأتي من داخل الإنسان السوي الذي ما إن يرجع لفطرته حتى تسنده السماء، لأنه أخذ بالأسباب والمعادلة الطبيعية في الحياة هو التوازن المادي والمعنوي، فلولاه لساخت الأرض ومن عليها وانفلت الكون بما فيه، لذا تكون قوى الطرد والجذب هي الحاكمة في إحداث التوازن، سواء على مستوى المادة أو الفكرة والسلوك ” ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض” الحج ٤٠، هذه هي معادلة القوة والضعف، فبغياب ذلك الدفع المتبادل بين الناس يختل الميزان وتحدث الفوضى، لذا يكون الوضع الطبيعي هو في وجود قوتي الشد والجذب بين الناس ليصلوا إلى مرحلة التوازن، كحال الكواكب السيارة التي تسبح بين قوتي الطرد والجذب، ولولا القوتين لانفلتت الكواكب أو اصطدمت.

حسابات غير رياضية


وتتمثل القوة الحقيقية في الضعف الخارجي السطحي التأويل والعكس صحيح، ويتبيّن لك جلياً في سياسة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، حيث يقول “ الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه”، تلك هي المعادلة الطبيعية للقوة والضعف، أن تكون كلاً منهما في قالبها الطبيعي، وفي غير تلك الحالة يختل التوازن وتضطرب الحالة ، وعلى من يقوم بأمر الله أن يُعيد التوازن كما كان في الأصل.

ويبقى النزر القليل من مآسي القوة مصاحبة للزمن لأنها تحتضن كل قمم الإنسانية في قيمها وصورها، لذا تبقى قرينة الإنسان أينما كان في الزمان والمكان، لأنها الصورة الأم للبشرية، وأبرز صور مأساة الإنسان هي واقعة كربلاء ، لذا قال الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب الملقب بالصادق (عليه السلام) “ كل أرض كربلاء ، كل يوم عاشوراء”

ففي حين يختل التوازن الإنساني بين البشر تحدث المأساة بصورها المتعددة لتجسد واقعة كربلاء في ظلم الإنسان للإنسان في المكان والزمان.

وما زالت كربلاء الواقعة وعاشوراء مأساة الإنسان حاضرة بقوة في ضمير المستضعفين في العالم مع مرور أكثر من ألف عام على الواقعة، ولأنها تمثل القوة في كل مصاديقها بالرغم من الضعف في كل صورها.


تلك القوة الجاذبة للملايين على مر العصور كسيل بشري متلاطم نحو تلك البقعة التي شهدت قمة العطاء من الحسين وأصحابه وقمة الإنحطاط من جيش يزيد وأعوانه، تلك الملايين التي تنجذب لا شعورياً نحوها بالرغم من كل “قنابل” الضعف التي تُرمي بحقدهها ونارها على أولئك العاشقين للقوة، وما زال بالرغم من المطحنة البشرية التي بدأت من بعد مقتل الحسين إلى يومنا هذا تتواصل تلك الحشود دون توقف، لأن سيرها فطري طبيعي، ولأن عشقها يمشي وفق حسابات غير أرضية البتة وخارج المنطق الرياضي المعروف، الذي يفرض على الزائرين لكربلاء في العراق أن يحجموا عن الزيارة نتيجة الأعمال الإرهابية الدموية التي تودي بحياتهم، ألا ترَ أن القتل والدماء والتيتيم والإثكال ضعفاً؟ ألا ترَ أن الذين يذهبون ضحية تلك الأعمال الإرهابية هم نتاج لصورة الضعف في الظاهر؟

لكن الأمر ليس كما يبدو، ففي كل صورة قتل لنفس بريئة وإزهاق لأرواح عديدة تكبر القوة وتزداد شوكته مع الزمن ومع الحدث، ليحدث الزلزلة في الضمير الإنساني ليحفر السؤال عن هذه القوة الجاذبة الغريبة التي تشد الناس وتجذبهم حتى يفدّوا بأرواحهم لها.


كل صور الضعف الظاهرة التي نراها في سير العظماء والمستضعفين وحوادث المأساة الكبرى، ما هي إلا الغلاف البيّن للقوة الجبارة التي تقف ورائها.


وما على المجتمعات إلا استنفار إنسانها الذي بداخلها بكل طاقاته ليخرج ذلك الفارس المقدام للتغيير وإحداث ثورة الفرد والبيت والمجتمع والدولة والعالم، عبر الأخذ بأسباب النصر وتفعليها حتى لو مرّت بمآسٍ هنا وتراجيديا هناك.

عند مآسي الإنسانية تتساقط كل صور المنطق الأرضي وحساباته ودفاتره، ليبقى ذلك الخيط الرفيع القوي المتين الذي يصل بين المأساة وقوة الإنسان فيها وبين روحه النقية الخالصة من روح الله، لذا يبقى الحسين ومجرّته في فلك الإنسانية كالثقب الأسود التي تتداعى إليه كل الأرواح الصافية وكل إنسان، ليذوب في الحسين كما ذاب الحسين في الله، لتعود كل الأرواح من أصحابها إلى أصلها التي لا ينفك عنها، وأنّى لها غير ذلك إلا المغضوب عليهم والضالين.


  1. الثقب الأسود هي منطقة في الفضاء ، تتكون نتيجة القوة العكسية لإنفجار النجوم، وهي عبارة عن كتلة كبيرة في حجم صغير، ولها جاذبية خارقة جداً حتي الضوء لا يفلت من جاذبيتها.

مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي

وللضعف قوة … قراءة في نقاط تحوّل الضعف إلى قوّة في صور الرسالات والتضحية الإنسانية (ج١

الجزء الأول

جعفر حمزة*

ألم وأمل

لم تكُ ببعيدة عن مثيلاتها في خط سير وقوف الحق في وجه الباطل، الحق الذي يعطي للإنسانية اتزانها ومساحتها الطبيعية في التعبير والتعمير والتفكير، فكانت كل صور الرسالات بتنوعات أشكالها وبوحدة قلبها تتحرك في فلك أن تكون الإنسانية بعناوينها العامة حاضرة حيّة تتمثل في الفرد سلوكاً وفكراً وتفاعلاً انطلاقاً من الذات وانسحاباً وانتشاراً للآخر الإنسان وما دونه.

والسير في ذلك الدرب الإنساني السماوي المتجسّد في الأنبياء والأولياء والصالحين والعاملين لم يكُ محفوفاً بالورود أبداً، وأنّى له ذلك؟ بل كله ألم يعصر هذا النبي وذاك الولي ليخرج من بينه أمل، ألم من الأرض التي أثّاقل إليها الإنسان ليقاوم التغيير” بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون” الزخرف٢٢، وأمل من السماء التي ترسم صراطاً مستقيماً للإنسان (وإنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه) الأنعام ١٣٥

ذلك الدرب الإنساني صعب مجهد؛ لتربّع الأهواء والمصالح الشخصية على جانبي الطريق ترمي الأشواك وتعرقل المسيرة لتصنع في قبال مسيرة الإصلاح مأساة هنا أو مجزرة للإنسان في فطرته هناك ظنّاً منها -أي الأهواء والمصالح الدونية- أنها ستعرقل السير وتُبطأ الحركة وتبث اليأس في سالكي ذلك السبيل. لتكون بالنتيجة قلة ممن يسلكون سبيل الحق “لا تستوحشوا الحق لقلة سالكيه” كما قال الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ومن منّا يسلك درباً صعباً شائكاً موحشاً موغلاً في الألم وفي غياب الأُنس البشري؟ ومن منّا يريد أن يشمّر عن ساعديه في غابة مظلمة ممطرة موحلة؟لا ليناطح طواحين الهواء كدون كيشوت، بل ليناطح فراعنة وقياصرة بجيوش جرارة.

لذا يتفتّق النصر بعد حين “ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب” الطلاق ٢،

فالتسلّح بالتقوى ضرورة للظفر بالمخرج لأنه يكسب أداة تغيير وثورة في اليد ومدد من السماء في اليد الأخرى، وهو الذي كان بينّاً على الدوام لأولئك العظماء الذي يرون بعين الله، وقد غفلت تلك الأهواء أن الحق قويٌ حتى في صور الضعف الظاهرية والتي يحسبها البعض أنها مؤشر تقهقر أو ضعف في شكيمة الحق، والناظر المنصف يكتشف أن صور المأساة التي تجري على يد الباطل هي في الأساس ذروة الحق في قوته.

ألم ترَ؟

ألم ترَ إلى ما أقدم عليه قابيل من قتل أخيه هابيل؟ لم تك تلك الصورة قوة لقابيل بل لضعف فيه، ليندم ويتعظ من غراب يرشده، كان هابيل في قمة قوته في تلك اللحظة التي صعدت فيه روحه للسماء، ليكون الأنموذج الأول والأبرز لمظهر الظليمة وتعدّي الإنسان على أخيه الإنسان.

ألم ترَ إلى قمة الاستهزاء بنبي الله نوح عليه السلام عندما كان يبني السفينة بعيداً عن البحر. كانت هي قمة القوة بين جنبيه، لأن قومه غفلوا عن الحقيقة في تلك اللحظة التي كان هو يعيشها بوحي من الله تعالى؟

وألم ترَ إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام عندما تم قذفه في النار، تلك كانت قمة الحق في قوته، لأنه أوصل رسالة التضحية بكل شيء بالمبدأ الذي عاشه وهي رسالة الله إلى قومه؟

بل ألم تره وهو يوشك أن يقتل ابنه بعد عمر طويل قد أتى؟ أليس ذلك ضعفاً وخوار لقوى الأب؟ بل العكس كانت قمة قوة نبي الله ابراهيم في تلك اللحظة التي شد فيها عنق ابنه اسماعيل وأراد أن يحز رقبته، في تلك اللحظة الصادقة “الضعيفة” الظاهر، كانت ذروة الحق بالاستبدال وتقديم المنزلة الرفيعة لنبيي الله ابراهيم وإسماعيل عليهما السلام.

وألم ترَ إلى نبي الله يوسُف (عليه السلام) عندما همّ أخوته بقتله ورموه بعد حين في غيابت الجب المظلم؟ وانتقل من صورة ضعف “بئر” إلى أخرى “عبد مملوك” إلى “مسجون”، كانت تلك هي صور الضعف الظاهرة التي اكتنزت ذروة الحق بتجلياتها ومسيرتها ليكون “القوي” في كلها لا في بعضها فحسب. كانت خطوات القوة بكل تفاصيلها في ستار الضعف الظاهري ليكون “عزيز مصر”.

وألم ترَ إلى نبي الله موسى (عليه السلام) عندما خرج من المدينة خائفاً يترقب؟ كانت تلك قمة القوة لأنه اقترب من نقطة التحوّل في مسيرته ليكون نبياً وينقذ أمة بأكملها من براثن طاغية جبار متكبر كفرعون.

وألم ترَ إلى السيدة العذراء مريم المقدسة عليها السلام حين رُميت بالإثم والخطيئة في ظل ضغط اجتماعي وإشاعات تنهش من سمعتها واسمها؟ لتكون قاب قوسين من تلقّي قصاص رهبان المعبد، فصمتت بأمر من الله لتكون في قمة صوتها المجلجل في ذلك الصمت، لتصل إلى الذورة لينطق السيد المسيح في تلك اللحظة، التي بدت كأنها ضعف، في حين أنها تكتنز القوة كل القوة في معانيها.

وألم ترَ إلى نبي الله عيسى عندما همّ اليهود بصلبه؟ لم تكُ تلك لحظة ضعف، بل قمة الحق في قوته لأنه مثّل رسالته في ذلك الإصرار على المبدأ بالرغم من صور المأساة التي أُريد أن يُساق لها.

وألم ترَ إلى خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما تم رميه بالقاذورات ووضع الشوك في طريقه وتشويه سمعته ومحاولات قتله ومحاصرته وكسر ثناياه المباركة؟ تلك كانت قمة الحق في قوته، لأن المؤمنين يرون في تلك اللحظة ما لا يراه الآخرون في الجانب الآخر من الضفة، وعندما يستبين الحق في ظاهره للجالسين على الضفتين الحق والباطل، يبقى الحق قوياً وبصورة متساوية لهما، لذا يكون الحق أقوى ما يكون عندما يراه المؤمنون عين اليقين ولا يلتفت إليه الآخرون حتّى.

وألم ترَ عندما تم ضرب رأس الإمام علي بن أبي طالب (عليه السام) في مسجد الكوفة وهو يصلي صلاة الفجر؟ كانت تلك اللحظة هي قمة الحق في قوته، لذا قال الإمام (فزت ورب الكعبة)، وهل يكون الفوز إلا في قوة لا ضعف؟

وعندما تم قتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) وبعد مرور سنوات لا تتجاوز الخمسين على انتقال جده الرسول الأكرم إلى الرفيق الأعلى، وبتلك الصورة البشعة التي تعبّر عن انفساخ وانسلاخ الأمة في ذلك الوقت عن إنسانيتها فضلاً عن إسلامها، في تلك اللحظة الفاجعة في واقعة كربلاء وبعد أن تمّت التصفية الجسدية البشعة بالإمام الحسين عليه السلام وأهله وأصحابه بعد أن خرج لإحداث التوازن الذي أخلّه من مسك الأمور السياسية في تلك الفترة وهو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان المشهور بارتكابه المحارم وعدم أهليته ليكون خليفة للمسلمين، بل كان يُشكك حتى في إسلامه أصلاً كما يذكر ذلك الشيخ الآلوسي في كتابه (كتاب روح المعاني في تفسير القرءان العظيم و السبع المثاني)

قاع المأساة قمة القوة

في قمة مأساة الطف بكل صورها من نسج مقدماتها بدءً بتخاذل الأمة عن الوقوف بوجه يزيد بن معاوية مروراً بقتل سفير الحسين إلى أهل الكوفة، وهو مسلم بن عقيل ورميه من على قصر الإمارة وانعطافاً بمحاصرة الإمام الحسين وأصحابه في أرض كربلاء ومنع الماء عنهم إلى حين رفع الرؤوس الطاهرة لأهل البيت وفي مقدمتهم الرأس الشريف لابن بنت نبي الله الأكرم الإمام الحسين عليه السلام وانتهاءً بالسبي وأخذ أهل بيت الإمام الحسين وأهل بيت أصحابه المستشهدين إلى قصر يزيد بن معاوية بالشام وبصورة أرادت الحكومة الأموية أن تكون فيها الذلة والمسكنة والتشويه الإعلامي عبر غسيل دماغ جمعي.

في كل تلك القيعان من المأساة كان الحق في قمته من القوة لا ضعف فيه أبداً، فأثناء مسيرة الحسين بأهل بيته وأصحابه لكربلاء انضم إليه خُلّص أصحابه الذين كانوا أبعد ما يكون عن خط الإلتزام الرسالي والجهادي قبل انضمامهم لمعسكر الحسين، ولم تكُ المسيرة التي كان في ظاهرها الضعف إلا مولّد طاقة متنقل، بل مصباح هدى تنجذب إليه أرواح وأجساد المخلصين العاملين كالفراشات العاشقات.

وفي الوقت الذي يتجهّز جيش عمر بن سعد للهجوم على معسكر الحسين عليه السلام تحوّل أكبر قادة ذلك الجيش وهو الحر بن يزيد الرياحي إلى معسكر الحسين ومعه بعض الرجال، وعند اصطكاك الأسنّة استيقظت بعض القلوب من جيش ابن سعد وانسحبوا منه، وهناك العديد من المواقف التي يكون ظاهرها الضعف المادي تحولّت إلى نقاط تحوّل كبرى في حياة العديد من الناس وبالتالي انعكست على السلوك العام للأمة وتمخّض منها حركات ثورية مناهضة وحركات ارتدادية كبيرة من بعد زلزال كربلاء، تمثل بعضها في الثورة العسكرية كثورة التوابين وغيرها، والأخرى في الفكرة عبر الأدبيات ومدارس التغيير والإصلاح وثالثة في التربية الروحية والإصلاح الاجتماعي، ولا أدل على الأخيرة من المدرسة الأخلاقية التي كانت غائبة وسبباً في استشهاد ابن بنت نبي الإسلام، وقد أخذ الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب “زين العابدين” عليه السلام هذه المهمة على عاتقه، ليتحوّل الحسين عليه السلام في كل صور الحياة إلى رسالة تتجدد بصرياً وفكرياً ما إن تتراءى تلك الرموز التي تجسدّت في مأساة الطف من ماء وطفل رضيع وخيم ونساء وغربة. وما أصدق من قول الشاعر الدكتور المرحوم الوائلي في وصف القوة في ضعف الظاهر للقضية الحسينية حين أشعر:

وبأنّ من قتلوك ودوا عكس ما

قد كان لو علموا المدى المقصودا

……

ظنّوا بأن قتل الحسينَ يزيدهم

لكنما قتل الحسينُ يزيدا

لم تكُ تلك صور ضعف حتى لو ظهرت للكثيرين أنها كذلك، إلا أن قمة الحق في كل تلك الصور التي تحتضن بين جنباتها قوة الحق، ليمتد ذكره ويحضر فعلاً وقوة في كل موقف في قبال الباطل والذي وإن بدا حاضراً فهو غائب بعد حين।

مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي