نغزة ... مشروع هايكو بحريني

كما تتكدس أبيات قصائد الهايكو، التي لا تتجاوز الأربعة في أغلب الأحوال بكثير من الدلالات والجماليات، تمتلئ الأفلام القصيرة جداً التي تعتمد الهايكو أساساً نظرياً لها، بكثير من الدلالات والمعاني والثيمات.

وفي الأغلب لا تتجاوز مدة أطول أفلام الهايكو، أو الأفلام القصيرة جداً جداً، الخمس دقائق، لكن طموح مجموعة من الشباب البحريني أطلقوا مشروعاً لتقديم باقة أفلام «هايكو»، تتجاوز ذلك. المشروع دشن أخيراً تحت اسم «نغزة»، عشرة هي الأفلام التي يطمح كل من جعفر حمزة ومحسن المتغوي وحسن نصر، لتقديمها عبر هذا المشروع. دقيقة هي مدة أطولها، ومعان أخلاقية اجتماعية ودينية هي ما يسعى الثلاثة لتضمينها عبر أفلامهم القصيرة جداً.

التحدي الذي يخوضه البحرينيون الثلاثة كبير يتطلب منهم مقدرة عالية على تقديم فكرة يمكن اختصارها في دقيقة أو نصف دقيقة، ثم إعداد رؤية إخراجية لتحويلها إلى صورة بصرية عالية الدلالات. بالطبع نعلم أن كتابة عبارة موجزة تنقل الكثير، هو أمر لا يتقنه الكثير، لكن ترجمة تلك العبارة إلى صورة تنقل في وقت قياسي كهذا، يعتبر قمة التحدي.

المونتاج أو التقطيع وتركيب الصور يمثل هو الآخر تحدياً مختلفاً عما يمكن أن يواجهه من يقوم بمونتاج فيلم طويل أو قصير (وليس قصيراً جدا). إذ وكما أشار الشباب فإن الأخير يعتمد إحداث صدمة لدى المشاهد، وهي صدمة كفيلة بنقل الفكرة.

والحق يقال، فقد تمكن الثلاثة في أول أفلامهم القصيرة جداً «راح البحر»، لا من نقل فكرة وحسب، بل قضية من قضايا الشارع البحريني، تتمثل في الردم «الجائر» للبحر. في أقل من دقيقة نشاهد رجلاً «يعد عدته» لرحلة صيد، يدخل البحر، ونعيش أجواء البحر. نعتقد، جهلاً وربما اعتماداً على المألوف مما نراه، أننا أمام قصة «تراثية» بحرينية أخرى. هو ذا الصياد البحريني بلبسه القديم الجديد، «هي ذي» الشباك ذاتها، والإزار ذاته. هل هي قصة «مملة» أخرى؟

لكن المتغوي، مخرج الفيلم، لم يتركنا عرضه للتساؤلات والظنون والشكوك، فاجأنا في بضع ثوانٍ حين توقفت سفينة كانت تلاعبها مياه البحر فجأة. تحسب أنك أمامك لقطة جامدة، لكن أصوات أخرى لم تصمت، وصرخة ألم مفاجئة تنطلق من الصياد الذي يفاجأ هو الآخر حين يجد نصفه مدفوناً وسط التراب... لقد دفن البحر.

لن نتحدث عن دعم منتظر أو تشجيع أو إبراز أو أي ما شابه ذلك من أي جهة رسمية. باتت الكلمات حول هذا الأمر مبتذلة!!



منصورة عبد الأمير
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2848 - الخميس 24 يونيو 2010م الموافق 11 رجب 1431هـ
http://www.alwasatnews.com/2848/news/read/436721/1.html

حمـزة والمتـغــوي ونصـر: مشـروعنـا «نغزة»... و«راح البحر» أول المشوار

أفلام «هايكو» توعوية لا تتجاوز الدقيقة

حمـزة والمتـغــوي ونصـر: مشـروعنـا «نغزة»... و«راح البحر» أول المشوار

الوسط - منصورة عبدالأمير


الوسط - منصورة عبدالأمير


لم تتجاوز مدة عرض الفيلم البحريني القصيرجداً جداً «راح البحر» الخمس وثلاثين ثانية، لكن حجم إعجاب الجمهور به تجاوز ذلك بكثير، إذ عرض للمرة الأولى في أبريل/ نيسان الماضي. لم يشتمل الفيلم الذي شارك به محسن المتغوي بمهرجان الخليج السينمائي في دبي، على أية حوارات. ليس سوى صوت البحر وخطوات صياد منى النفس بصيد ثمين، لكن صورته المختصرة جدا جدا كانت أبلغ من أية كلمات.

«راح البحر» فيلم بحريني يصفه صانعوه بالقصير «جدا جدا جدا»، هو في واقع الأمر فاتحة مشروع متكامل بدأه ثلاثة شباب بحرينيين أطلقوا عليه اسم «نغزة». عرض الفيلم الأول والوحيد جاء خلال الدورة الثالثة لمهرجان الخليج السينمائي التي عقدت في الفترة 9-15 أبريل/ نيسان الماضي في دبي.

«الوسط» حاورت مخرج الفيلم محسن المتغوي، كاتب السيناريو وصاحب فكرة الفيلم والمشروع ككل جعفر حمزة، والقائم بعمليات المونتاج حسن نصر وهو أيضا صاحب استوديو مون ميديا، الحاضن التقني للمشروع.

محسن، برأيك ما سر التصفيق الحاد والإعجاب الشديد الذي حظي به أول أفلامك في أول عرض له؟

- في البداية كنت خائفاً بسبب قصر مدة الفيلم التي لا تتجاوز 35 ثانية، إلا أنه بعد تصفيق الجمهور عرفت أنه نال إعجابهم. وبعد خروجي من صالة العرض تحدث إلي البعض قائلاً: توقعنا أن تكون مدة الفيلم أطول من ذلك وسيكون مملاً، لكنهم تفاجأوا بختامه في نفس الدقيقة، ما أثار إعجابهم. وتدور فكرة الفيلم حول شخص ذهب إلى البحر لكن البحر دفن أثناء تواجده فيه، تماماً كما يحصل الآن.

كاتب الفيلم جعفر حمزة، تقول إن الفيلم جزء من مشروع متكامل لتقديم أفلام توعوية قصيرة. حدثنا أكثر عن هذا المشروع.

- تم البدء في المشروع تحت مظلة اسمها «نغزة»، والغرض منه «نغزة»، ومعناها معروف حسب اللهجة الدارجة الخليجية «إياك أعني واسمعي يا جارة»، إشارة معينة لا حاجة لذكرها ويفهمها الشخص المُخاطب «على الطاير»، سواء كان في المجال البيئي أو المجال الديني والأخلاقي وغير ذلك.

الهدف من هذا المشروع هو إيصال رسائل توعوية قصيرة جداً في أقل وقت ممكن وبصورة مختزلة جدا لا تضر بالرسالة وفي نفس الوقت توصلها بطريقة سلسلة وسهلة يفهمها الجميع دون أي حوارات، وتأتي كل الرسائل مكثفة في صورة بصرية هي عبارة عن فيلم قصير.

لدينا أفكار كثيرة تأتي تحت مظلة هذا المشروع لكن «راح البحر» هو أول أفلامنا وفيه نسلط الضوء على ردم البيئة وعلى الدفان الجائر الحاصل في البلد أو في العالم بصورة عامة، لكننا نتكلم عن البحرين حالياً، وهذه صورة مصغرة عن الموجود في الواقع.

لذلك، أكرر أن هذا العمل عمل عالمي وليس مختص بجانب فئوي معين أو جانب يتعلق بمدرسة معينة، فما يراه المسلم يراه الأجنبي وبالعكس، وليست لدينا أي مشكلة في هذا الجانب.

تحدثت عن تأثركم بأسلوب ياباني في تقديم أفكار مهمة عبر أفلام قصيرة جداً جداً جداً، حدثنا عن هذا الأسلوب.

- هذا الأسلوب مأخوذ من الشعر الياباني «هايكو» أو «هايدو» حسب تسمية البعض، وهو شعر قصير جداً لا يتجاوز ثلاثة أو أربعة أبيات، وتختزل فيه كل الفكرة، وهناك نسخ من هذا الشعر مترجمة إلى قصص قصيرة جداً جداًً، تتكون ربما من فقرة أو فقرتين فقط، تختزل فيها الفكرة والقصة والإخراج كله. انتقل هذا المفهوم الثقافي الياباني من الشعر والقصة إلى أفلام قصيرة جداً جداً. وهنا ينبغي ملاحظة أن هناك فيلماً قصيراً وفيلماً قصيراً جداً وهو ما يصنف ضمن الأفلام الدعائية القصيرة جداً التي توازي الإعلانات الدعائية المعروفة على مستوى عالمي. ومعروف أن هذه الأفلام الدعائية لا تتجاوز مدتها الخمس وثلاثين ثانية وهذه قمة الصعوبة، فإذا كان لدينا فيلم طويل باستطاعتنا أن نتكيّف معه، لكن في الفيلم القصير تختزل كل القصص والدراما والسيناريو في وقت جداً قصير، وهنا تكمن الصعوبة إذ تحتاج إلى آليات كثيرة، كسيناريو محكم ومخرج مبدع وإنتاج يراعي كل هذه الجوانب. الأسلوب إذاً مأخوذ من الأسلوب الياباني في الإخراج، أما الفكرة بطبيعة الحال فلا بد أن نراعي الظروف الموجودة حولنا ونقدم الأفكار بناءً عليها.

ما الذي يميّز هذا الأسلوب في تقديم الأفلام، ولماذا نقدم فيلماً في هذه الفترة القصيرة جداً جداً، هل تعتقد أن رسالة الفيلم تصل بشكل أبلغ؟

- كما ينتشر «ماكدونالدز»، و»كنتاكي» تنتشر هذه الأفلام، بمعنى أنه كما توجد أكلات سريعة جدا، هناك أيضا أفلام سريعة جدا. نحن الآن في عصر سرعة، وانشغالات الأفراد تجعلهم لا يمتلكون الوقت الكافي لمتابعة أفلام طويلة. لذلك، نحن بحاجة إلى إيصال رسائلنا في أقل وقت ممكن وبصورة مختزلة مباشرة إلى الفئة المستهدفة.

مرة أخرى أقول كما تنتشر الوجبات السريعة ستنتشر أيضاً أفلام «هايكو» أو «هايدو». يمكن لنا أن نقلل مدة الأفلام لتصل إلى عشر ثوان مثلا ونعطيها اسما خاصا بنا، ويمكن لهذا أن يعطينا مرونة أكبر في الانتشار سواء في القنوات الفضائية أو اليوتيوب أو الفيس بوك أو وسائل الإعلام الاجتماعي أو الإيميل أو حتى تحويل هذه الأفلام إلى رسائل هاتفية.

قوة أي فكرة، خصوصاً الفكرة البصرية هي في تحويلها إلى أمر محيط بنا، من هاتف نقال إلى جهاز حاسوب، إلى الإنترنت، إلى شيء آخر. هذه هي قمة التحدي والتي نحاول – إن شاء الله – أن نعمل عليها حالياً حتى نصل إلى الهدف.

عودة إلى مخرج الفيلم محسن المتغوي؛ كيف تعاملت مع الفكرة وكيف استطعت أن تقدمها في أقل من دقيقة واحدة؟

- واجهت صعوبة في كيفية إيجاد إيحاء بسيط لإيصال الرسالة، أو أن أبحث عن جمالية ومن ناحية أخرى أقوم بإيصال الرسالة في وقت أسرع. لدينا أفكار كثيرة لكن نواجه صعوبة في كيفية إيصال الرسالة في أقل من دقيقة.

حسن نصر؛ كونك المشرف على الأمور الفنية المتعلقة بالفيلم، ما حجم التحدي الفني في تقديم مثل هذه الأفلام؟

- التقنية مشابهة لتقنية الأفلام الطويلة لكنها هنا مختصرة، ربما القطع هنا يتم بشكل أكبر، بدلاً من الاسترسال فيها كما في الأفلام الطويلة. من ناحية أخرى فإن جانب الصوت مهم جداً في هذا الأفلام، فحينما أخرج محسن الفيلم لم يكن هناك صوت للبحر، بل قمنا بتركيبه حتى صوت الخطوات تم تركيبها لاحقاً. الفيلم يعتمد على الصوت بنسبة 70 في المئة أحيانا. هناك جو عام في الفيلم، بدونه لا يصبح للفيلم أي قيمة. فالمشاهد إذا تابع فيلماً بدون صوت لن يشعر به.

هل هناك حاجة إلى برامج خاصة لتنفيذ مثل هذه الأفلام؟

- لا حاجة لأي برامج خاصة، نستخدم جميع البرامج المعروفة في مجال صناعة الأفلام الطويلة أو القصيرة. لدينا فكرة نعمل عليها حالياً لإدخال برامج الغرافيكس في أفلامنا القادمة.

ما مدى صعوبة دخول الشباب إلى هذا المجال من الناحية التقنية؟

- التقنية نفسها ليست صعبة، المطلوب فقط هو مواكبة أي تقنية جديدة ومستحدثة في هذا المجال، ومتابعتها بشكل دائم، وتعلم تقنيات وأساليب المونتاج الصحيح، وليس فقط الاعتماد على طرق مونتاج الآخرين، إنما يجب معرفة اللمسات الدقيقة في الفيلم، أين يقطع، أين يقف، أين توضع الـمؤثرات.

جعفر حمزة، باعتبارك صاحب الفكرة، ما هي مشاريعكم المستقبلية؟

- قبل أن أتحدث عن المشاريع المستقبلية، أود التحدث عن نقطة مهمة وهي أن ما يميز هذه الأفلام القصيرة هو عدم وجود حوار، لذلك هناك تركيز كبير على الصوتيات. نحن هنا لدينا صورة وصوت، صوت وليس حوار، لأننا نسعى لأن نتعامل مع العالم ككل وليس مع جهة معينة. نحن لا نخاطب المتحدثين باللغة العربية فقط، هدفنا العالم ككل، فحينما نضع الفيلم في اليوتيوب فنحن لا نريد أن نقتصر على يوتيوب البحرين أو الخليج أو المنطقة العربية فقط وإنما العالم بأجمعه، من الإسكيمو إلى جنوب إفريقيا. هكذا ولأننا نسعى لأن تكون صورتنا ورسالتنا عالميتين وغير محصورتين في لغة معينة، ألغينا الحوار في هذا الفيلم وفي كل المشاريع أو الأفلام التي ستكون تحت مظلة «نغزة». اللعبة والفيصل في «نغزة» يكمنان في الصوت والصورة والحركة فقط، وطبعاً مع وجود مخرج قدير مثل محسن، واستخدام تقنيات جديدة مستحدثة ومتابعتنا اليومية لها مع حسن.

نتكلم عن أفلام قصيرة تستهدف الجمهور العادي، هل ستعرض هذه الأفلام في التلفزيون؟

- هذا مجال نحن نعمل عليه حالياً لكي نكوّن باقة متكاملة على الأقل من 5 إلى 10 أفلام، لتقديمها من خلال قناة تلفزيونية. سنرى إذا كان هناك إمكانية بيعها على إحدى القنوات، سواء كانت ذات توجه إسلامي أو توجه عام، إذ إن الرسالة عامة للجميع ولا تخص توجهاً معيناً.

إذاً، هي أفلام دعائية تلفزيونية أكثر من كونها سينمائية؟

- نعم، نستطيع تصنيفها من ضمن الأفلام الدعائية.

لكن التكنيك الذي يتم به صناعة هذه الأفلام، سينمائي، هل هذا صحيح؟

- هناك فرق بين التكنيك السينمائي وتكنيك الأفلام الدعائية التجارية. هذه الأفلام هدفها هو بيع خدمة أو منتج، وأفلامنا ليست كذلك. هدفنا إيصال رسالة، سواء على المستوى الاجتماعي أو الأخلاقي أو العام أو الإنساني، وهذا هو الفرق بين أفلامنا والأفلام الدعائية. نحن نستخدم نفس التقنية، وكذلك نستخدم التقنية السينمائية، لكن كما قلت هدفنا رسالي والأفلام الدعائية هدفها تجاري.



صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2848 - الخميس 24 يونيو 2010م الموافق 11 رجب 1431هـ

غريبان في المدينة






غريبان في المدينة
قراءة نقدية لواقع حملات التوعية للنظافة

جعفر حمزة

لم أشأ أن أرفع طرفي لها، فهي كغيرها ممن ركبت الموجة وسايرت وتابعت تلك "الموضة" في الظهور والتقديم، فقد رأيت مثلها من قبل، إلا أن تمنّعي من النظر لها قد ضعف لا لألوانها المختلفة التي وضعتها، بل للشكل الذي ظهرت عليه، مما جعل تفكيري يتوقف للحظات لأنظر لها تأمل فاحص باحث لا متقرب عابث.
وأدركت حينها أن هناك خللاًَ بينّاً فيما قدمته عن نفسها، وقد تأبطت أعمدة الإنارة والتصقت بشاحنات كبيرة وامتدت أذرعها عبر المواقع الاجتماعية المختلفة، فضلاً عن تدشين موقع إلكتروني خاص بها.
فمن هي تلك التي أتحدث عنها؟
إنها الحملة الإعلانية ل"سمير وعزوز" التي دشنتها شركة خدمات "سفينكس" بالتعاون مع بلديتي المنطقتين الوسطى والجنوبية، بغرض رفع مستوى التوعية البيئي فيما يتعلق برمي النفايات في مكانها الصحيح.

مالي ولسمير وعزوز؟

فما الجديد أو المستغرب في "سمير وعزوز" الذي يُوقف النظر وتستدعي الكتابة حولهما؟

أصبح استخدام الشخصيات الكرتونية "موجة" يركبها البعض لإيصال رسائله المتنوعة، وخصوصاً تلك التي تتعلق بالترفيه أو التوعية البيئية خصوصاً.
فهناك نماذج تتحرك ضمن نفس دائرة التنفيذ عندما يتعلق الأمر باستخدام شخصيات كرتونية بهدف التوعية، فهناك "سامي" الشخصية الكرتونية التي قدمتها المحافظة الشمالية ضمن حملة "ارتقاء" في تدشين "نظام رصد مؤشر النظافة"، فضلاً عن استخدام شخصيات كرتونية من قبل ضمن نفس الحملة في موسم عاشوراء بتقديم عائلة من الشخصيات الكرتونية، وهناك "راشد" الشخصية الكرتونية الجديدة التي تقدم الإرشادات البيئية المختلفة.
وعوداً إلى صاحبينا "سمير وعزوز" لنرى إن كانا مختلفين حقاً ليستحقا هذا الوقوف والتحليل، ونحن نتحدث عن خطاب توعوي بيئي يخاطب فئات مختلفة وأدوات الخطاب يجب أن تكون لها خصوصية وابتكار بدرجة ملموسة.
فعندما تنظر إلى الشخصيتين في الإعلان تخال أنك ترى "حيوانين"، يبدو أحدهما له أنف خنزير وهو "سمير" والآخر له أذني "قط" أو كلب وهو "عزوز". ولا تخطأ العين ذلك من أول مرة، ولكون الكاتب يعمل في مجال الإعلان والتسويق، آثرت إلا أن أسأل أكثر من شخص، فكان الرد واحداً، بل لم أكمل سؤالي للبعض شخصياً حتى تلقيت اتصالاً من أحد الأخوان ليخبرني بملاحظاته على "الخنزير" الموجود في الإعلان!


مرآة مطلوبة للشخصيتين

وهناك ملاحظات كثيرة على الشخصيتين، من ضمنها التالي:

أولاً: وجهي "سمير وعزوز"، فسمير بأنف خنزير وشعر "سبايكي" بنفسجي اللون و"عزوز" بأذن قط أو ربما كلب عند ملاحظة طريقة رسم ذقنه. وكأننا نشاهد أحد مسلسلات قناة "كرتون نيتوورك" الأمريكية.

ثانياً: مظهرهما الخارجي، فسمير يرفع أحد طرفي بنطلونه للأعلى في حركة تذكرنا بالشباب "الصايع"، كما ذكرت لي إحدى الأخوات عندما نظرت لهذه الشخصية. والآخر يضع نظارة سوداء في إخفاء لوجهه، في حركة غربية واضحة في تقديم الشخصية.

ثالثاً: اللباس العام الذي يقدم الأنموذج الكرتوني الأمريكي بوضوح.

رابعاً: الحوار العام الدائر بين "سمير وعزوز" في إعلانات الطرق، يفتقد للفكرة والقصة. عندما يسأل سمير عزوزاً عن ما يفعله قبل أن ينام، فيجيب عزوز بأنه يجلس مع الأصدقاء، فيرد عليه سمير بأن يضع القمامة في الحاوية قبل أن ينام، وينصحه بالقول "خلك كووول".
ليس هناك ترابط في الحوار، فضلاً عن غياب الفكرة فيه..فما الذي يجعل وضع النفاية في القمامة قيمة "كوووولية"-إن صح التعبير؟
هناك نقص في الحوار وغياب للفكرة ولصق "الكوولية" في المسألة دون رابط أو مقدمة.

وهدف الحملة لا غبار عليه في رفع مستوى الوعي بالنظافة، إلا أن السؤال يدور في التوظيف السليم لأدوات الاتصال المقدمة في الحملة، ونتحدث هنا عن الشخصيتين البطلتين في الحملة "سمير وعزوز"، ويبدو أن القائمين على الحملة قد وضعوا أنفسهم مكاناً علياً بتوصيف غير دقيق للحملة، فضلاً عن تقديم الحملة يفتقد لمؤشرات النجاح الفعلية.
فقد علق السيد عبدالعزيز زينل المدير العام لشركة خدمات "سفينكس" على الحملة بالقول "نحن على ثقة بأن الحملة الحالية التي نقوم بتنفيذها ستحقق نجاحاً باهراً، لأننا استخدمنا نموذجاً فريداً إلى حد ما في تعزيز مستوى التوعية وتشجيع الجمهور على المشاركة والتعاون مع جهودنا"
ربط النجاح "الباهر" بتقديم شخصية يُدعّى لها التفرد أمر فيه مبالغة ويفتقد للطرح العلمي، فعند الحديث عن "النموذج الفريد"، فإن استخدام الشخصية الكرتونية أصبح موجة ركبها الكثير ممن يروّج للتوعية البيئية خصوصاً، من المحافظة الشمالية إلى المحرق، والآن وصولاً إلى البلديتين الوسطى والجنوبية. فبالتالي ليست هناك فرادة في الطرح. والطريف في الأمر أن ذات الشركة “سفينكس” لها حملة مع المحافظة الشمالية ضمن “ارتقاء” بتقديم الشخصية الكرتونية “سامي”. فهل استخدام الشخصية الكرتونية فيه تفرد، بالرغم من وجوده في ذات الفترة في حملة”ارتقاء”؟


روح بحرينية بصورة غربية

ومع كل تلك الملاحظات المذكورة حول الشخصيين، لا يبدو من الإنصاف سحب الشخصيتين ووصمها بأن لديهما روحاً بحرينية في جوهرهما، وذلك ما أشار إليه بيان خدمات "سفينكس" حول الحملة الإعلانية لسمير وعزوز بتاريخ ١٩ مايو ٢٠١٠، إذ ذكر الخبر الصحفي التالي "وتعتبر روح الحلقات الكرتونية بحرينية في جوهرها"، وهذه نقطة البيع الفريدة لحملة التوعية".
يبدو أن هناك لبساً واضحاً أو غياباً ملموساً لإيصال رسالة الحملة عبر تلكما الشخصيتين، فوصفهما بأن لديهما روحاً بحرينية بعيد عن الواقع بالنظر لهما، وإن كان ذلك هو نقطة البيع الفريدة
USP
للحملة، فإننا نعتقد بأن الحملة تتخبط في تقديم نفسها بناء على هذا الافتراض المبالغ فيه.
فأي روح بحرينية في الجوهر نتحدث عنه هنا؟ أفي مظهر الشخصيتين اللتين تشبهان حيوانين بجسد إنسان؟ أم في طريقة الحوار و"الكووول" المعروضة جبراً في الكلام دون داع لها؟ أم في ملبس الشخصيتين؟ لا ندري!

عناصر غابت وأمور حضرت

إن ما يهدف إليه أي إعلان هو إيصال رسالة في المقام الأول مع مراعاة الوسيلة المستخدمة والفئة المستهدفة والفكرة الكبرى لها
Big Idea
، لتضمن تجاوباً متوقعاً من الفئة المستهدفة للوصول إلى الهدف المعلن من الحملة. وقد ترتقي بعض الحملات الإعلانية درجة أو درجات لتلقي تفاعلاً حركياً، ينعكس على سلوك مجتمع بأكبره إزاء قضية أو موضوع بعينه.

وفي حملة "سمير وعزوز" تغيب عناصر أساسية من الخطاب المكون للإعلان الناجح، والذي قد يرتد بصورة عكسية على الهدف الأساس من الحملة نفسها. فما هي تلك العناصر الغائبة؟

الفكرة الكبرى
Big Idea
تمثل الفكرة الكبرى في التواصل الإعلاني الحمض النووي المؤسس لفكرة أي حملة بغض النظر عن فئتها المستهدفة ورسالتها، فهي-أي الفكرة الكبرى- تشكل القاطرة التي تقدم جميع الأفكار التفاعلية والإبداعية من تحتها، وهي المظلة الجامعة للحملة الإعلانية، لتضمن نسقيتها ووحدة لغتها في التواصل مع الآخر.وعند "سمير وعزوز" تغيب الفكرة الكبرى من الحضور، فوضع النفايات في الحاوية ليس هي معقل الفرس كما يقولون، بل هي في دافع وكيفية ونتائج وضع النفاية في الحاوية، وهو ما يفتقده الإعلان الموضوع للحملة. ليست هناك قيمة تفاعلية جديدة يمكن الاتكال عليها في عملية التواصل التسويقي مع الجمهور المستهدف. فوضع النفاية في الحاوية أمر مطلوب وصحي، لكن طريقة إيصال هذا السلوك لم يكُ موفقاً وناجعاً في الإعلان الموضوع، وخصوصاً إعلانات الطرق.
هناك نقطة يمكن استثمارها من أجل صالح هذه الحملة لتصل إلى أهدافها -أن غضضنا الطرف بصعوبة عن مظهر الشخصيتين الغريبتين وهما أساس الحملة-، وتلك النقطة هي استغلال فكرة "احذروا وحش النفايات" التي حصرتها الحملة في الإعلان التلفزيوني فقط، والذي يمكن أن تتحول إلى الفكرة الكبرى، من خلال كونها تعرض مشكلة رمي النفايات وتصاعد في المشكلة لتتحول إلى وحش، وحل المشكلة بوجود وعي وتعاون من "سمير وعزوز"، ووصولاً إلى نتيجة وهو خلو الشوارع والطرقات من النفايات.



الفئة المستهدفة
Target
ما الفئة المستهدف من الحملة الإعلانية؟
الجميع، والتركيز على إظهار الشخصية الكرتونية في الواجهة، كون اليافعين والشباب هم الفئة التي يمكنها أن تحدث التغيير وتبدأ به.
وفي مثل هذه الحالة نلحظ التوجه العام ضمن الخطاب التوعوي البيئي كيف يتم استخدام الشخصيات الكرتونية من أجل إيصال التوعية البيئية من قبيل سامي وراشد والعائلة ضمن حملة ارتقاء في موسم عاشوراء.
وفي مثل هذه الحالة، لا بد من مراعاة تقديم الشخصية في تفاصيلها، مظهراً وكلاماً وملبساً، بحيث تكون قريبة من الجمهور المستهدف من الحملة.
ولئن كان "المرح والحس السليم" قد تم استخدامهما في الحملة كما تذكر الشركة في خبرها الصحفي السابق، فإننا نرى أن ذلك قد تم خبزهما في فرن أجنبي، سواء من ناحية الحوار أو الأحداث، وذلك بعيد عن "روح الحلقات الكرتونية، وهي بحرينية في جوهرها" كما أشارت الشركة في خبرها أيضاً.



توظيف الوسيلة

إن استخدام وسائط التفاعل الاجتماعية عبر الإنترنت أصبح مطلوباً ومرغوباً، من قبيل "الفيس بوك، واليوتيوب وتويتر. ومع وجود هذه الموجة الجديدة من التوظيف الكرتوني في حملات التوعية، فإنه بالإمكان قياس مؤشر التفاعل مع هذا النوع من الحملات من خلال قراءة متأنية لردود الفعل والتعليقات على الحملات من الجمهور المستهدف والمختصين. وهي فرصة عملية ممتازة لتقييم العمل وتطويره. وقد كان هذا الأمر غائباً في السابق، أو كان محدود الوسائط.
ومثل هذه المواقع تشكل نوافذ لتطوير الرسائل الموجهة من الفكرة والوسيلة، وعلى وكالات الإعلان كما على الشركات توجيه الاهتمام إلى ذلك بدلاً من هاجس "الإنتشار غير المدروس" والذي تحول إلى "موضة" يتبعها الكل دون التوظيف العملي للتقييم من خلالها.
ويُعتبر الموقع الإلكتروني لأي حملة إعلانية توعوية أساسياً كقناة تعريفية أولاً وتفاعلياً ثانياً. وبالرجوع إلى صاحبينا "سمير وعزوز"، فإن الموقع الإلكتروني لهما وهو
www.sameerandazooz.org
يكمل مسيرة "الضعف في تواصل الحملة"، وذلك من خلال وصف الموقع بأنه موقع تفاعلي، في حين أنه يفتقد لذلك، سواء من خلال غياب أساسيات مهمة فيه، وهو عدم وجود الموقع باللغة العربية أصلاً- لحد كتابة هذه السطور. أليس السواد الأعظم من الجمهور المستهدف هم الناطقين بالعربية أكانوا مواطنون أو مقيمين؟
، وبالرجوع إلى تعريف الموقع التفاعلي، فهو الموقع الذي يسمح لزواره بالتواصل معه، ويمكن للزوار اتخاذ خطوات فعلية في محتوى الموقع. على سبيل المثال يسمح الموقع للزوار باللعب ضمن الموقع وتحريك أشياء فيه.
المصدر
http://wiki.answers.com/Q/What_is_an_interactive_web_page

وضمن مقارنة بسيطة بين "سمير وعزوز" و"سامي" في موقعيهما الإلكتروني، نلاحظ أن موقع "سامي"
www.afkarsami.com
يحقق معنى "الموقع التفاعلي" أكثر من غيره، من خلال الألعاب والأفكار الأخرى التي يقدمها الموقع.
إن المسألة تأخذ عمقاً حقيقاً عند الحديث عن رسائل التوعية الموجهة للمجتمع، وخصوصاً عند استخدام الشخصيات الكرتونة، التي تعتبر مكسباً

وما التحليل أو الطرح مقدم هنا إلا قراءة تحليلية لحملة بعينها، تحوي ملاحظات قد يتفق أو يختلف البعض حولها، إلا أن المهم هو أن ما يُوضع في العلن له متابعين ونقاد، على أصحاب الشأن المعني قرائتها بتأن وحرفية للتطوير في الخطاب والوسيلة.

“سمير وعزوز" ليس الأمر شخصياً عنكما، إلا أن شد الإنتباه والتفاعل وإيصال الرسالة بطريقة مبتكرة تحتاج أكثر من ألوانكما وطريقة إخراجكما، وما يدور بينكما، فعفواً

ملاحظة:
سيتم نشر الموضوع في "أسواق" الأحد القادم، وتم نشره هنا تزامناً مع الحملة قبل انتهائها

يتناول بلباسه مواضيع ساخنة كالطائفية والقضية الفلسطينية..


متناولاً مواضيع ساخنة كالطائفية والقضية الفلسطينية

جعفر حمزة يعبر عن رأيه من خلال ملبوسات نبراس

الأيام البحرينية، ١٩ يونيو ٢٠١٠





يعبر الجميع عن آرائهم بطرق مختلفة، وأحياناً بطرق أكثر إبداعاً من الحديث المباشر، وهو الأمر الذي يذهب إليه الباحث والمصمم البحريني جعفر حمزة الذي قدم أخيراً رأيه في قضية الطائفية من خلال قميص رسمت عليه صورة رجل يفقأ إحدى عينيه معلقاً بعبارة (الطائفية.. مثل اللي يطز عينه بيده).


وبالرغم من أن نبل الهدف الذي يذهب إليه حمزة إلا أن قسوة الصورة قد تقف حاجزاً أمام هذا القميص، وعن القسوة نفسها يقول حمزة: (في هذه القسوة ما يجعل المشاهد يقف ليتأمل ويتساءل)، وربما كان عمله الثاني أقل حدّة حيث قدم عملاً بعنوان (لن نخضع) We will not go down للتعبير عن وقوفه ضد الحصار الإسرائيلي الجائر على أهالي قطاع غزة، والعبارة مأخوذة من أغنية للمغني الأمريكي مايكل هيرت الذي قدم أغنية بهذا العنوان إثر العدوان الإسرائيلي على القطاع، والأغنية قد حظيت بقبول واسع في العالم أجمع، أما تصميم حمزة فيستفيد أيضاً من إحدى علامات التوجيه المرورية يتجه سهمها للأسفل، وعليها علامة المنع في إشارة لكون الاستسلام ممنوع، مذيلاً ذلك بعبارة in Gaza and Beyond.


وأكد حمزة على أنه يستخدم (التعبير كحركة تهدف إلى إحداث أثر لتبيان موقف ونشر رسالة، وذلك باستخدام الكلمات والصور في المواقف المختلفة) موضحاً في الوقت ذاته أن عالم اليوم (تحكمه الصورة، واللباس لوحة يمكن أن نعبر من خلالها عن مواقفنا ونقدم فيها رسائلنا، والهدف إبراز تلك الرسالة ونشرها قد الإمكان).


ومن المخطط - حسب حمزة - أن تُرسل نسختان من قميص «غزة» إلى كل من المغني الأمريكي وللشعب الفلسطيني عبر إحدى القوافل التي ستذهب لغزة.

يشار إلى أن حمزة، والذي يشغل منصب مدير الإبداع لماركة نبراس التي تقدم (التي شيرت) البديل للشباب، قد قام بتنفيذ عدد من التصاميم الشخصية التي تستهدف إيصال رسائل متنوعة، من بينها ما تعلق بموضوع الإرهاب في العراق أو الفن الإسلامي، وأخلاقيات العمل، إضافة إلى التحفيز والدافعية

http://www.alayam.com/Articles.aspx?aid=26263



ملاحظة: تصميم الطائفية وغزة من نتاجات "جعفر حمزة" الشخصية، وليست لها علاقة بنبراس.

المثقفون يموتون مرتين “هم”... متصالحون معه والمعارك ليست وهمية

ابتعاث منظومة الخلود “القبر “ في “نون “

البلاد ٦ يونيو ٢٠١٠

أجرى اللقاء: هدير البقالي

نموت ونحن مستيقظون، ونموت عندما نتصادم بتفكيرنا معه، ونموت ونحن ننجز آخر انتصاراتنا في الحياة، ويقل صخبنا وثرثرتنا في كل زقاق كلامي، من هنا وهناك، كل هذا وأكثر، لم نفهم نسق الموت، ولا يريد الكثيرون مغادرة هذه الحياة بسن مبكر، أو بسن الشيخوخة حتى، فالأمر بهذه البساطة، مراهنتنا على سر الوجود، وعدم اكتفائنا برغد العيش.
فالمثقف يقدم كل ما يملك في سبيل استذكاره ما بعد رحيله، فالموت إذا، صفة للحرية، يأتي من دون موعد ويسرق أغلى ما لدينا، ولسره غموض يعتري الجسد، وتتسلل الرعشة إلينا، فالنبض يموت، والوجوه تصبح واجمة لأكثر من وجه، قد تصفر وتبهت الملامح، لكنه قادم لا محالة منه، فمجيئه مجلل، ووداعه مؤلم، والسبب العقيم في كل ذلك هو نحن، فألن يحين الموعد لإعداد ما لدينا في هذه الحياة، سؤال جوابه معكم، بعد قراءة الحوار الآتي ،”بنون” البلاد، مع الشاعر سلمان الحايكي، وجعفر حمزة المختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي ليعبروا عن نظرتهم الآنية للموت.


ن: المثقف يدرك حتمية تسربل الموت إلى أطرافه فهل هو متصالح معه؟
الحايكي: نحن كبشر مخلوقين على هذه الأرض الساخنة والتي تجذبنا إليها جذباً نعرف تماماً أن فكرة الموت تراودنا منذ أن أرضعتنا أمهاتنا ورأينا النور يسطع في عيوننا لكن الحتمية الأزلية في الموت أننا لانعرف متى تأتي الآزفة وكما قال الشاعر العربي كعب بن زهير: كل ابن أنثى وإن طالت سلامته... يوما على آلة حدباء محمول.
لكن أين ومتى... هنا يكمن الموقف الغامض بالرغم من أننا نودع الحياة في سويعات أثناء النوم وسرعان ما نستعيد الحركة الأزلية التي تبعدنا عن الموت وفي نفس الوقت نعيش ونتحداه ولكن بعيوننا لأن الحذر البشري يتفوق على الوجود المادي.
حمزة: الموت هو الغرفة التي ينتقل فيها المثقف، مما يدفعه للعيش والعمل بكأد في غرفته الصغيرة “الحياة الدنيا”، ليتحول الموت عند المثقف الواعي إلى “محفّز” و”دافع” للعطاء ، لأنه -الموت- المحطة التي يترك فيها كل أدوات الإنتاج والتغيير وإحداث الأثر، ليتحول المثقف المدرك للموت إلى جندي متأهب ٢٤ ساعة مسخراً كل ذرة فيه للعطاء والتفاعل بكيميائية ثورية مع المحيط.
ومن هنا يأتي حديث لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) حين يجسد “حتمية الموت” في معادلة عملية دافعة للإنتاج، من خلال ثنائية قد تبدو متضادة وهي قمة التكامل. في حديثه المعروف “اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً.
وقد يموت المثقف قبل أوانه عندما ينقطع عن التواصل الحركي مع المجتمع، فبالتالي يكون بعض المثقفين ممن يموتون مرتين، مرة في حياتهم وأخرى بعد رحيلهم. والمثقف الذي يحركّه الموت للعطاء والبذل هو المثقف المتصالح ضمناً وفعلاً معه.

ن: لمَ أغلب كتابات المثقف تتمحور حول الموت؟
الحايكي: لأنه واحد من عناصر الحياة وأقول واحد من عناصر الحياة لأن بعد حياة المثقف تكمن حياة أخرى هي البقاء المادي والتراث الإنساني ولا يمكن لأي مثقف يغادر الحياة ولا يترك أثراً غما أثراً ناقصاً أم شبه متكامل.

حمزة : المثقف يستذوق الموت وذلك يعتمد من أي زاوية ينظر المثقف للموت، أمن زاوية الحركة والإنتاج؟ أو من زاوية التأمل والتفكير المجرد؟ أو من زاوية السوداوية وقطع الأمل؟
والموت للمثقف الحركي عالم يبعث للحركة والتغيير، كونه ضمن حلقة لا تنتهي من سلسلة الحياة.

ن: اللقاء الأخير والكفن الأبيض، والقبر، ألا تشكل نوعا من حلقة الصراع مع المثقف في استحضارها على أرض الواقع؟

الحايكي: حين أودع عزيزاً أو قريباً أو أكون ضمن المودعين والمعزين اشعر في قراره ذاتي أن الراحل أمامي قد ذاق كأس الرحيل الذي سأذوقه بعده وينتابني الحنين إلى القبر الذي سيأخذني بين أحضانه والخوف الذي يعتري الإنسان في هذه اللحظة لا وجود له لأن الإنسان الحي هو الذي يشعر بحركة الأشياء أمامه أما الراحل فلا يعرف قبل الرحيل إلاّ اسم الموت ويتعامل معه كضيف أو سحابة صيف أو يحاوره بهدوء فالموت شيء مكتسب غامض يتحرك في أحشائنا ولا نشعر بالصراع معه إلا ونحن أحياء أما بعد الموت فأننا نورث الحياة لمن هو أقرب إلينا من حبل الوريد.

حمزة: بل تشكل تلك المحطة التي يضع فيها المثقف قلمه جانباً، ويستحضر دلالات الموت بل حتى أدواته ويصبح للبعض من المثقفين “صراعاً” مُنتجاً، صراعٌ مع الزمن لينتج ويحرك ويؤثر ويثور ويغيّر، كلها “حِرَاكات” يسعى المثقف لاستخدامها قبل أن يتوقف الزمن عنده وتتوقف بالتالي الآلات عند عتبة الموت.

ن: أيخشى المثقف من الوداع أو أن يدفن في حفرة طولها بضع سنتيمترات على حسب حجمه؟
الحايكي: الوداع الأخير أجمل لحظات الإنسان لأنه لا يشعر بمن حوله ولا يكتشف قلوبهم وما تختزنه نفوسهم تجاهه عكس الحي الذي يعيش العديد من اللحظات الصاخبة مع الحياة ومع مجموعة من البشر غير الأسوياء الذين يشكلون جانباً من حياته قبل أن يغادر إلى عالم آخر والقبر الصغير الذي نراه اليوم ونحن ننبض بالحياة كبير جداً على أجسادنا وصغير جداً على زمن أحلامنا لكن جمود الحركة والتحولات الفيزيائية للجسد البشري داخل هذه المنظومة القبرية تجعل القبر يتسع في الوقت الذي تذوب الهياكل الجسدية وتتحد مع التراب.
حمزة: المثقف الذي يدرك حركة الوجود ينظر للموت كنقلة “لا بد منها”، وهو يجعل “اللابد” حركة إيجابية في انتظاره الخفي للموت، لأن الأخير موجود بالقوة في كل لحظة، إلا أنه يخرج بالفعل ساعة رحيل الإنسان، لذا فنحن نعيش على الموت كل لحظة كطيف خفي لا نراه برغم وجوده في أصل تكويننا.
والخوف من الموت طبيعة بشرية فهو انقطاع عن الحياة الأم، ووقف لموتورات الحركة وإطفاء المصباح التفكير وفرملة إجبارية لقلم المثقف. والموت للمثقف العامل محصلة طبيعية عليه الاستعداد لها، وعندما تعد العدة لأمر سيقع تقل خشيتك منه. والإعداد معناه شحذ كل الأدوات والإمكانيات من لدن المثقف وتسخيرها من أجل ما يحيط به للوصول إلى مرحلة تفاعل منتج بين مخرجات المثقف والمجتمع وعند تصالح المثقف مع الموت، يبدأ محاربو المثقف بالخوف منه، وخصوصاً السلطات التي تخشى من حركة المثقف التي تحركه رغبة التغيير ووضع المصابيح في طريق الآخرين.

ن: ماذا عن المشاريع التي استنفذت قبيل وفاة المثقف، أيعتبر أنه حقق شيئا مضنيا في حياته بعد رحيله؟
الحايكي: المشاريع التي كان يفكر فيها المثقف قبل الرحيل الحاسم أنه لم يستمر كي يحارب الجهل والأمية الثقافية فالمشروع الحيوي الذي لم يكتمل هو الاستمرار في الحياة لإكماله وهنا تكمن متعة الوجود تقابلها متعة الموت فالشمس تسطع على القبر وتضيء فيه الأجزاء المظلمة التي لانراها وهي المشروع الذي سكن ذهن المثقف ولم يتحقق على أرض الواقع لكنه قد تحقق في الحلم الميتافيزيقي أو ماوراء الشمس.
حمزة: هو في سباق مع الزمن، فليس بحجم ما أنتج يمكن أن يقول أنه “حقق”بل بحجم ما “أثّر” و”غيّر”ليكون امتداد المثقف الفعلي حتى بعد رحيله. من خلال نتاجه الحركي المغير الإيجابي “ينقطع عمل المرء إلا من ثلاث، ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية أو علم يُنتفع به”.
وبالتالي فإن المثقف لا يمكنه أن يموت إذا عرف معادلة الخلود، ليبقى ذكره حاضراً مؤنساً مؤثراً مغيراً دافعاً للآخرين عبر فكره ونتاجه.

ن: وسط كل المعارك الثقافية التي خاضها المثقف في عنفوانه، ألا يعتقد بأن كل الرياح الآتية منها ما هي إلا سراب من وهم؟
الحايكي: الحقيقة أن المعارك التي خاضها المثقف في حياته لا تصبح سراباً بل حقيقة من الحقائق النادرة التي تشد الحياة إليها وتحارب الموت فان أسلمنا جدلاً بأن الموت يأخذ كل شيء حي فانه لا يأخذ معه المادة الحية التي لاتموت المادة التي اقصدها الإنتاج البشري المقروء والمسموع والمدفون تحت أرض الحياة... لا وهم إطلاقا مع الثقافة... الوهم أن أتصور الوهم وهماً إنه إعادة إنتاج حياة لم تكن متوقعة أن تذروها الرياح.
حمزة: بل هو تراكم معرفة وشحذ همّة وصقل موهبة وتشذيب مقدرة، كل تلك المعارك ليست معارك “دون كيشوت” بل هي رحلة “سلمان المحمدي” وصراحة وجرأة “أبي ذر الغفاري” وشجاعة “غاندي” وصبر “مانديلا” وثورة “الخميني”.
تلك المعارك الثقافية هي جزء من تكوين شخصيته، فأنّى لها أن تكون وهماً؟.

ن: برأيكما هل الوضع الثقافي يتعرض لانتكاسة الموت، سواء من ناحية الفقر الفكري أو الانزواء بالمنزل بين مكتبة وأوراق، أو الصمت المهمش الذي لا محال منه؟
الحايكي: الموت لا يسبب أي انتكاسة للثقافة ..فهناك العباقرة الميتون الذين تركوا لنا تراثاً ضخماً من القراءة .. هم ماتوا بالفعل وحسب قانون الحياة الأزلي لكنهم أحياء وعلى سبيل المثال لا الحصر الأنبياء والأوصياء والشهداء .. خالق الحياة العظيم منحهم منهجية البقاء في قلوبنا وألهمنا بهم والموت لا يمكن أن يفرق بين الإنسان وعالمه ..أنه التزاوج والإنجاب وتقوية النسل بالوجود فهل يمكننا الاعتقاد بعدم وجود حياة بعد الموت .. لا يمكن الاعتقاد بذلك والقران الكريم ذكر في معظم سوره الكريمة أن الموت حق والنشور حق والرجعة للحياة حق ..إن الانتكاسة الموجودة في الثقافة اليوم هو تخلف الحكومات المسيطِرة على الإنتاج الثقافي الذي أدى كما نرى إلى الفقر الفكري والانزواء في المنازل بين المكتب والأوراق لا يؤدي إلى انتكاسة الثقافة .. هذا العنصر الخلاق لاينتكس بإرادته والتهميش لا يمكن أن يتحقق بإرادة المثقف .. الغزو الفكري والاستعمار العقلي والسيطرة على مقدرات الثقافة وبث السموم في العقول التي تتمتع بابتدائية التفكير عوامل تؤدي إلى توقف الحياة الثقافية مؤقتاً وفي أوروبا يعيش المثقف وينتج ويتوقف عن الإنتاج حينما يشعر بالحنين إلى التوقف أما في الوطن العربي فالتوقف أمر ينبع من داخل السلطة لكن لاتموت الثقافة حتى مع هذه الأوامر الجافة فالثقافة حية لاتموت حتى لو مات صاحبها وذهب خلف الشمس.
حمزة: منهم من يحتضر ومنه من هلك ومنهم من صمد وما اتخذوه سبيلاً. وأيضاً منهم من فسد، تلك هي فسيفساء الوضع الثقافي في أي مجتمع حي، ذلك الخليط الغريب وغير المتجانس بين مثقف ميت يسير ومثقف حي جامد بلا حراك، ولئن كانت عوامل أخرى تحيك سجادة التأمل لمثقف هنا، فهناك أيضاً من يحيك سجادة ليضع المثقف بداخلها ويخطفه، وأخرى يتم حياكتها لتكون زينة للدار، وما أكثرها، وقد يُستخدم بعضها كأداة قتل أيضاً.
فالوضع الثقافي متنوّع، وتكون الغَلَبَة لمن له ثلاثية “الفكرة والوصول والتفاعل”، ومع تزاحم الصور وتدافع الأفكار، حقيق بالوضع الثقافي أن يكون أكثر إثراءً وانتشاراً، لذا لن تكون حجرة المثقف المتهالكة عليه بمعزولة عن العالم مع طفرة التواصل المعرفي، فكل الأدوات بين يدي المثقف، يقطف منها كيف شاء وأنّى شاء ومتى شاء.
ولأن كانت هناك انتكاسة ثقافية حقيقية بعيدة عن “التبرّج الثقافي” ورفع صوت دق الطبول، فذاك نتيجة بطأ في استخدام أدوات التأثير الحالية تارة أو عدم إحاطة معرفة بها، وبين البطأ وقلة المعرفة تأتي الانتكاسة للوضع الثقافي.

ن: ماذا عن حلم المثقف في اللحظات الأخيرة؟
الحايكي: شخصياً وصيتي وهي حلم من أحلامي الكبيرة والضخمة أن يحافظ أبنائي على مكتبتي وكتبي فأنا أسست ينبوعاً واحداً من الينابيع العذبة ولا يتركوا أي كتاب يذهب خارج جدرانها الأربعة .. أنا أعشق قرار سجن الكتب .. إن خرج واحداً منها لا يعود .. إن حلمي الأخير أن أجد المسودات المخزونة وقد تحولت إلى كتب تحمل اسم إنسان يعشق شرايين الثقافة وقلبه ينبض بالحروف الأبجدية للغتنا العربية الجميلة .. لغة القران الكريم والنبي العظيم وآله الكرام المطهرين.
حمزة: ليس للمثقف حلم في لحظة وآخر في لحظة ثانية. فحلم المثقف في تجسيد معنى الإنسانية بعناوينها العامة التي تحترم إنسانية الإنسان وتضعه في منزلته “الطبيعية” لا المصطنعة من اللحظة التي يدرك فيها المسؤولية، وذلك صراع خاضه الأنبياء والرسل والمفكرين والمغيرين وأصحاب الثورة والمبادئ. حلم المثقف أن يكون في صف أولئك الذي يجهدون لإرجاع التوازن الطبيعي لحركة الإنسان مع أخيه الإنسان، دون تمييز أو بطش أو إسفاف. لذا لا يبقى مثقف “إنسان” في حاله ، فهو محارب لإنسانيته التي معناها الوقوف في وجه أصحاب المصالح الذاتية والبرجوازيين الجدد من مفكرين ومتنفذين ومتسلطين وحكام وغيرهم.
حلم المثقف أن يبقى إنساناً أولاً ويسعى ليكون ما حوله في المجتمع يعيشون الإنسانية في صورها المختلفة والمتنوعة.

على الطاير

http://www.youtube.com/watch?v=J3ZANiD_Pho

جعفر حمزة*

التجارية ١٦ يوليو ٢٠٠٨

لم يك الوقت مُعيناً لي في "التقاط" ما كان مكتوباً في الإعلان، بالرغم من تكراره لأكثر من مرة في نفس الطريق، لا لسرعة كنتُ أقود بها سيارتي، بل نتيجة كتابة "مقال" في إعلان خاص بالطرق، وذلك أحد الأسباب التي تقع فيها بعض الجهات المُعلنة، والتي تفتقد لألف باء الإعلان في الطرق، والنتيجة هو وضع المال والرسالة المراد تقديمها للجمهور بطريقة غير احترافية، بحيث "يتبخّر" المال و"تضيع" الرسالة، ولا "من شاف ولا من دري" كما يقال.

ومن الجدير بالذكر أن إعلانات الطرق تحتل المرتبة الرابعة بعد كل من إعلانات الصحف والتلفزيون والمجلات، وتأتي إعلانات الراديو والسينما في المرتبة الخامسة في سلّم استخدام وسائل الإعلان للترويج والإعلان بصورة عامة في الوطن العربي وبالخصوص في منطقة الخليج.
وهذا يستدعي التمعّن قليلاً والتفكير في الوسائل العملية والفعالة في الاستفادة المثلى من هذه الوسيلة في الإعلان، وهناك ميزة فريدة في البحرين تجعلها مختلفة عن بقية دول الخليج في استخدام إعلانات الطرق، وهي صغر مساحتها، مما يجعل من إعلانات الطرق وتوزيعها أمراً سهلاً وممكناً، وخصوصاً في تلك الأماكن التي تشهد حركة سير مكثفة ومتواصلة. ونتيجة لذلك أصبحت أسعار إعلانات الطرق مرتفعة بناءً على المكان والمدة، وهذا ما جعل من ابتكار وسائل أخرى من حيث المكان والطريقة مشهوداً في بعض المناطق بالمملكة. حيث يتم تأجير مساحات أسقف المنازل والبنايات للإعلان، وهو ما يعكس تزايد الطلب على هذه النوعية من الإعلان.
ونتيجة لذلك التزايد والكثافة في إعلانات الطرق، ينبغي أن تكون الإعلانات الناجحة محققة للكثير من الشروط لترتقي إلى مستوى التميّز والملاحظة في خضم "تخمة" إعلانات الطرق والتي تروج للمنتجات والخدمات والرسائل الأخرى من القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني وغيرها.
فما السبيل لجعل الرسائل التي يريد أن يوجهها القطاع العام مميزة وترقى لمستوى الإهتمام وشد الإنتباه، وذلك في ظل الكثافة الإعلانية على الطرقات؟ فضلاً عن إيصال رسالتها بطريقة مبتكرة وواضحة بعيداً عن الأفكار المكررة، والتي لا تشد انتباه الفئة المستهدفة من الإعلان، وغالباً ما تكون الجمهور العام من المواطنين.

ومن الجيد أن تخرج الوزارات الحكومية والقطاع العام بصورة إجمالية في خططهم الإعلانية عبر وسائل متعددة، ومنها إعلانات الطرق، إلا أن الصورة غير مكتملة، بل هناك نقص مركّب فيها، وهو مدار حديثنا الذي نريد أن نسلط الضوء فيه على نمط الإعلانات من القطاع العام في الطرقات، وما أوردناه في بداية الحديث، وهو الوقوع في مطب الإسهاب للتعبير عن الرسالة أو الخدمة هي إحدى السلبيات التي نصبح ونمسي عليها عبر إعلانات معظم الوزارات إن لم تكن كلها، فما هي القطعة المفقودة -والحقيقة هي أكثر من قطعة- في الصورة الإعلانية التي تقدمها الوزارات أو القطاع العام بصورة إجمالية؟

القطعة الأولى: الإسهاب في كتابة محتوى الإعلان وطوله، حيث من المفترض أن يكون المحتوى "Content" مختصراً وواضحاً ومباشراً، فوقت قراءة الإعلان على الطرقات تُعد بالثوان . فما يُكتب في الإعلان المطبوع "الصحف والمجلات" لا يمكن وضعه كما هو في إعلان الطرق، وخصوصاً إذا كان المحتوى يحتاج وقتاً للقراءة.

القطعة الثانية: الاستهلاك في استعمال الأفكار المكررة والتي تدور حول فكرة واحدة وتطبيق واحد، فضلاً عن غياب الأفكار الجديدة في عرض الرسالة المقدمة، سواءً كانت خدمة أو معلومة. وهذا ما يجعل الإعلان غير ملفتاً ومؤثراً، بالرغم من أهمية المحتوى الذي يتضمنه. ولكي لا يكون الكلام في الهواء، فإننا نسرد مثالين عن ذلك، هما: إعلانات هيئة الكهرباء والماء والخاصة بحملة الترشيد والتي تذكرنا بنمط الإعلانات في السبيعنيات، وإعلانات وزارة التنمية الاجتماعية في "صيفنا بديرتنا" حيث أن أقل ما يقال في شأن تلك الإعلانات أن "لا جديد تحت الشمس".

القطعة الثالثة: بالإضافة إلى المحتوى والفكرة Content and Idea، هناك طريقة العرض،فحال الإعلان كحال المنتج، فإذا تم تقديم المنتج في علبة ملائمة، فإنها تشد الزبون لشراءه، فمهما كانت أهمية المنتج، لن يحظ بالاهتمام ولن يشد الانتباه ما دامت طريقة تغليفه وتقديمه غير مشجعة، وهو ما يسمى ب"Packaging". والمتمثل في اختيار الألوان، الحجم والشكل المقدم في الإعلان. فضلاً عن حجم ونوع الخط وكمية المحتوى في المساحة المعروضة. والملفت للنظر هو تكرار مثل هذه الأخطاء بطريقة أصبحت "عرفاً" متداولاً في الكثير من الجهات الحكومية، منها على سبيل المثال لا الحصر، الإعلانات الخاصة بترشيد استهلاك الكهرباء والماء وإعلانات الحكومة الإلكترونية، حيث يلاحظ في الأخيرة زيادة حجم المحتوى المقدم حيث يتناسب مع الإعلانات المطبوعة أكثر من إعلانات الطرق.

القطعة الرابعة: من المهم بعد استكمال تلك القطع وضعها في مكان ووقت مناسبين، وذلك بمعنى اختيار المكان المناسب لعرض الإعلان والمدة الزمنية التي ستكون موجودة، وما يقرر ذلك هو معرفة الفئة المستهدفة "the target" من الإعلان.

القطعة الخامسة: ليكون صوتك مسموعاً بين الجمهور، فهناك طريقتين، إما أن يكون صوتك أرفع من أصوات المحيطين بك وإما أن تذهب للمنصة وتتكلم في مكبر الصوت، والأمر سيّان في ظل "تخمة" من الإعلان في الطرقات، حيث باتت طرق الإعلان فيه متعدددة، فمن المنصات ذات الحجم الكبير إلى المنصات ذات الحجمين والمتوسط والصغير"Megacom, lamppost,Mupi, Unipole".

ومن المهم ابتكار وسائل تقدم الفكرة والرسالة للجمهور بطريقة مميزة، فلا التزام مشروط بحجم وشكل الإعلان الموضوع في الطرقات. واعتماداً على نوع الرسالة المقدمة تتم صياغة الطريقة التي يتم تقديمها للجمهور المستهدف.

وهناك الكثير من القطع الأخرى، إلا أننا قدمنا تلك القطع التي تمثل أولوية مهمة في الاستفادة المثلى من وسيلة إعلانية، وبصورة فعالة، عوضاً عن وجودها كإحدى وسائل الحملة الإعلانية لهذه الوزارة أو لتلك الجهة، بعيداً عن فهم أساسيات التأثير والخروج بأكبر فائدة ممكنة من تلك الوسيلة،

ولا نتوقع أن تتغير العقلية الكلاسيكية في الإعلان في القطاع العام بين عشية وضحاها، إلا أننا نتوقع -على الأقل- وجود نية حقيقية في التغيير بما يتناسب مع المستوى المتغير في الخطاب الإعلاني، وذلك عبر الاستفادة من المختصين والشركات ذات الخبرة والمبدعة في هذا المجال. ونقولها بصراحة، أنه لا يكفي أن نقول أن هذه الوزارة أو تلك الجهة قامت بحملة إعلانية وكلفتهم مبلغاً من ميزانيتهم دون الإطمئنان إلى "احترافية" تقديم تلك الحملة، فليست الحملة الإعلانية "موضة" أو "براءة ذمة"
بل هي مسؤولية تحتاج لخطة ومختصين وميزانية ودراسة، وليست هي عملية "على الطاير" ليُقال بأن هذه الوزارة أو تلك الجهة قد قامت بحملة إعلانية، وللإنصاف ومعرفة فعالية الحملة، ينبغي القيام بدراسة ومسح لمعرفة مدى تأثير هذه الحملة ولا يمكن الاكتفاء بتدشين الحملة فقط.
فهل تستمر حملات إعلانات الطرق "على الطاير"؟