قبل صياح الديك

جعفر حمزة

التجارية ٣٠ يناير ٢٠٠٨
كان مقدراً لها أن تلقى حتفها على يد ملك بلادها، إلا أن ذكائها وحنكتها وحسن تقديرها للأمور، بالإضافة إلى خيالها الواسع جعلت مسألة قتلها بعيد المنال، فقد كانت تسرد القصص التي لا تنتهي، وتتوقف عند كل مكان حرج في القصة لتُكملها في اليوم التالي، وبهذا حافظت على نفسها من عادة الملك في قتل من لا يحبها ولا يرتضيها زوجة له. كانت تلك الأميرة “شهرزاد” التي لم تتوقف طوال “ألف ليلة وليلة” من سرد القصص على مسامع الملك “شهريار”، وكان الفاصل الإعلاني بين قصة وأخرى هو صياح الديك عند الصباح. خطرت في بالي هذه القصة وأنا أقرأ الواقع المحلي الاقتصادي والمعيشي، الذي تجاوزت قصصه آلاف الليالي لا للتسلية بل للإلهاء أو لنقل بذل الجهود في أمور نحن في غنى عنها. ولئن تشابهت الوسيلة مع ما اتخذته “شهرزاد” إلا أن الهدف مختلف تماماً، فهي سعت إلى إنقاذ بنات مملكتها من حكم الملك الجائر وإيقاف القتل المتواصل للنساء، في حين يسعى البعض على هذه الجزيرة لإلهاء الناس عن الملفات الأساسية والمحورية، ويبدو أن هذه الثقافة العربية المتأصلة في الزمن والتراث والحضارة العربية ما زالت باقية ووصفة “شهرزاد” سارية المفعول لحد الآن. فقصص “شهرزاد” أصبحت على لسان الكثير من ماسكي الملفات المعيشية في الساحة المحلية، أكان من يمسك تلك الملفات وزارة أو هيئة أو مسؤول أو نائب ... وتستمر الحكاية. لقد أصبحت القضايا الأساسية والتي من المفترض أن تكون ضمن سير عملية الإصلاح الواقعية أمراً يستحق لـ”شهرزاد” أن تُطيل سردها وبطرق متنوعة وإبداعية ليتم طرحها على الجمهور الذي سينشغل بالحبكة القصصية وأحداثها بدلا من التركيز على القضايا الأساسية للوطن، كما انشغل “شهريار” عن مصير “شهرزاد”. فالعديد من الملفات المعيشية الأساسية من قبيل مصير إيرادات أسعار الزيادة في النفط وسبل تصريفها، والقوانين التي جعلت الأراضي مشاعا للجميع، بل أصبح الحصول على أرض أو بيت من الأماني صعبة التحقق في بلد نفطي، بالإضافة إلى ترهل البنية التحتية وسبل تطويرها وإعادة النبض الواقعي الحضاري لها، فضلاً عن انتشار التمييز الوظيفي وانعكاساته على التطور المهني وإثراء الاقتصاد الوطني، وملفات البيئة المنكوبة والسواحل المصادرة والفساد الإداري والمالي في بعض الجهات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية وملفات الحريات المدنية والبطالة المقنعة وغياب استراتيجية وطنية شفافة إزاء ذلك الملف، فضلاً عن ضيق الحرية الإعلامية في إنشاء القنوات والإذاعات الخاصة، وتضارب الرؤى الاقتصادية للوطن بين من يخلص في تسريع عجلة التنمية وبين من يضع العصا في العجلة. وكل تلك الملفات الساخنة والأساسية أصبح الحديث عنها في فضاء هوامشها لا في أصلها، فقد بات الحديث عن البناء العمودي بدلاً من “أرض لكل مواطن”، وأصبح الحديث عن زيادة ٧٠ أو ٥٠ ديناراً لكل أسرة بدلاً من وضع خطة واضحة للاستفادة الحقيقة من زيادة إيرادات النفط، وأصبح الحديث عن تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر “FDI” بدلاً من تشجيع الاستثمار في العقول المحلية، وبات الحديث عن اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية والتغنّي بها بدل التفكير في إنشاء مناطق صناعية مؤهلة”Qualified Industrial Zones”والتي تسهم عند إزدياد عددها في توفير السلع ذات كلفة دنيا ونوعية أعلى للمستهلكين المحليين، فضلاً عن تصديرها للدول الجارة وصاحبة الاتفاقيات الثنائية. وهكذا تستمر “شهرزاد” في سرد قصصها المشوقة والي لا تنتهي، لينشغل “شهريار” بها طوال الليل، ولينتظر تكملة الحكاية في الليلة التالية. ولا تقتصر “شهرزاد” على الجانب الحكومي، وإن كان لها نصيب الأسد في سرد الحكايا “الأسطورية”، إلا أن مؤسسات المجتمع المدني والكتل النيابية والتجار والمثقفين في البلاد لهم نصيب من تلك الحكايا، ألم نقل أن “شهرزاد” متأصلة في الثقافة العربية، فبدلاً من الإنشغال في هوامش وآثار حكايا “شهرزاد” الحكومية كان لا بد بالإضافة إلى ذلك السعي تأسيس وعي معيشي يمكن معه مجاراة التغيرات المحلية والإقليمية والعالمية، فتجديد الخطاب الشعبي وحث الناس على تبنّي عقلية النمو والتطوير والبحث عن السبل الكفيلة بتنوع الدخل للفرد والرقي بوعيه المعرفي والاقتصادي، فضلاً عن مبادرات لمؤسسات وتجار ووجهاء في إنشاء مشاريع وحاضنات فكرية وإبداعية تنتج أكثر مما “تجتر” في المفردات والخطابات بين “نافث” للفتنة و”محترق” بها و”إطفائي” ينتظر رؤية الدخان ليبدأ عمله. فبدلاً من كل ذلك “الإنشغال” المهووس بالسياسة لحد النخاع و”الإنغماس” في تشدد الخطاب الديني لبعض رافعي “صكوك الغفران” إلى القاع، لا بد من فتح أبواب أخرى للإشتغال والإنشغال الإيجابي للمواطن البحريني عبر ملفات اقتصادية وفكرية ينتج معها أكثر مما يتلقى ويتفاعل، ولتكون الأجندة القادمة هي أجندة مواجهة التحديات والتغيرات على المستويين المحلي والعالمي عبر نافذة اقتصادية ومعيشية. فهي البوابة الواقعية للتطوير والاستقرار، وفي الحديث “لولا الخبز لما عُبد الله” يقول علي بن أبي طالب (ع):’ما دخل الفقر قرية إلا وقال للكفر خذني معك’. ففي كل منا “شهرزاد” قد تتمثل في الخطاب الحكومي، وتتمثل في خطاب مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات والكتل، ويبقى السؤال عن إنتهاء سرد القصص في الهامش والابتعاد عن الهدف الرئيس ، فهل نستمر في سماع “شهرزاد” ونتخذها أسلوباً في السياسة والدين والثقافة أم أن الوقت حان للتوقف عن استماعها ليس عند صياح الديك في الصباح، بل قبل ذلك؟

اليابان تطلق القنابل



بين برمجة "المانجا" و "الهانتاي"
الرسوم الكرتونية اليابانية تطلق قنابل افتراضية في العالم


جعفر حمزة


" القدرة على الرسم طاقة تحي أمة وتميت أخرى"
عُرف اليابانيون كغيرهم من جيرانهم كالصينيين والكوريين بالقدرة الجميلة في الرسم والتلوين، ولا أدل على ذلك من التراث الغني لهذه البلدان والمتمثلة في المعابد التي تزخر بالزخارف والرسوم التي تأخذ بالألباب، ولا ينسى المرء ولو للحظة الرسوم للإنسان والحيوانات والنباتات التي يخال للمرء أنها ستخرج من مكانها لدقة رسمها وبراعة راسمها.
ويبدو أن براعة الإنسان وحسه الإبداعي يقفز محلقا مبتعدا عن حسه الإنساني الطبيعي عندما لا يرى سبيلا نيرا يسترشد به، لتتحول تلك البراعة إلى سواد ملون بالرسوم، ويكون ذلك الإبداع سلاحا مُبتكرا للربح والترويج لقيم العنف والجنس، فما الذي حول تلك الرسوم التي تحكي التاريخ إلى أفلام ومسلسلات كرتونية يابانية تحاكي الإنسان في عنفه وجنسه؟

قبل الخوض في غمار القيم الكرتونية اليابانية بالخصوص، لا بد من معرفة المادة الأولى لتصنيع تلك القيم وترويجها وبيعها بملايين الدولارات حول العالم، إذ تمثل "المانجا" المادة الخام للرسوم الكرتونية اليابانية، حيث تعني هذه الكلمة الكتب الأدبية المرسومة بشكل كرتوني، وهذه الظاهرة انتشرت في اليابان وتجد رواجا هائلا بين فئات الشعب المختلفة في اليابان، وبعد نجاحها محليا انتشرت في أنحاء العالم حيث انتقلت إلى كل أوروبا وأمريكا.
وهذا النوع من الأدب يستخدم الصورة المرسومة بالإضافة إلى النص المصاحب لها، وتتناول مواضيع مختلفة وتخاطب شرائح المجتمع كافة، إذ أنها لا تقتصر على الاطفال، بل أن أكثر رواد هذا النوع من الكتب الكرتونية هم من البالغين والكبار. ومن الكتاب اليابانيين الذين برعوا في هذا الاتجاه "جو ناجاي" صاحب مغامرات الفضاء المعروفة عند الجمهور العربي، وكذلك "أوسامو تيزوكا" الذي يعد الأب الروحي للمانجا الحديثة.

وقد أخذت "المانجا" صورتها الأولى في اليابان كقصص مرسومة للناس خلال فترة "الإيدو" (1603-1868)، حيث بلغت العلاقة الثنائية بين الرسم والكتابة صيغتها التفاعلية المهيئة لظهور "المانجا"، وتذكر بعض الدراسات أنها صينية الأصل، وانتقلت إلى اليابان بعدئذ، وقد كانت تحكي تلك القصص حوادث ووقائع سواء كانت خرافية أم حقيقية، وقد بدأ التحول الفعلي في تناول "المانجا" لموضعات الجنس والعنف في "الثورة التعبيرية للغة المانجا" خلال الفترة من الستينات إلى السبعينات.

وبدأت المرحلة الثانية من التحول في "المانجا" من الرسم الثابت إلى الرسم المتحرك، لتدخل "المانجا" عالم الرسوم المتحركة وقد كانت مهيأة في ذاتها لذلك، وهناك قاعدة في اليابان تقول: "إذا كان بالإمكان القيام بعمل فيلم بممثل حقيقي، فبالإمكان أيضا صناعة فيلم بممثل كرتوني"، وقد كانت الانطلاقة الحقيقية والقوية لصناعة الرسوم الكرتونية اليابانية التي تحتفظ بقوتها المميزة لها دون غيرها في الدقة، والتفاعل، والتلوين، والخلفيات، وقبل كل ذلك في ملامح وجوه الشخصيات، والشخصيات التي تتميز بها الأفلام أو المسلسلات الكرتونية اليابانية تتسم بالتعقيد، وفي بعض الأحيان يبدو أن الفاصل بين الطيب والشرير عويصا وليس واضحا، ومن المباديء التي تطرحا "المانجا" الجنس، ، العنف والموت.

يبلغ حجم عائدات الاقتصاد الياباني من قيمة صادرات الرسوم المتحركة، ألعاب الفيديو، الأفلام، الرسم، الموسيقى والموضة ذات العلاقة بالرسوم ما يعادل 17.1 مليون دولار أمريكي في عام 2002م، وبناء على دراسة لمعهد "ماروبيني" للأبحاث بطوكيو، فإن 60% من الرسوم المتحركة (أنيميشين) في العالم تأتي من اليابان، تذكر "البوكيمون"، "الديجيمون" والقائمة طويلة جدا يتذكرها الجميع بلا استثناء كبارا وصغارا على حد سواء، ناهيك عن الألعاب الكمبيوترية ذات العلاقة مثل "جيم بوي"، "بلاي ستيشن" و "إكس بوكس".

" في الحقيقة، من موسيقى البوب إلى الأجهزة الإلكترونية، ومن العمارة إلى الموضة، ومن الطعام إلى الفن، اليابان أخذت سيطرتها الثقافية بالظهور أكثر من فترة الثمانينات، عندما كانت قوة اقتصادية"، هذا ما قاله "دوجلاس مك كاري" الذي كتب مقاله في مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية عام 2003.
وقد أخذت العديد من تلك الرسوم والأفلام وكذلك المسلسلات طريقها إلى الولايات المتحدة الامريكية، ليكون لها عشاقها ومتابعيها، حيث تصدر اليابان العديد من أفلام الرسوم المليئة بالعنف والدماء وتبث عبر التلفزيون، بمعدل مرتفع جدا عما هو معروض في تلفزيونات الولايات المتاحدة الأمريكية نفسها، ولم تقتصر "المانجا" اليابنية على التصدير بل أخذت بالتأثير، فمسلسل "عودة بات مان" الذي أنتجته شركة "ورنر برذرز" الأمريكية مصنوع في الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن التأثير الياباني في القتال والحركة أخذ موضعه من ذلك المسلسل الأمريكي.
بل أن الكثير من القنوات الأمريكية أخذت ببث المسلسلات اليابانية بصورة متكررة وغير مسبوقة نتيجة الطلب المتزايد على تكرارها ومشاهدتها، فقناتي "فوكس" و "دبليو بي" وأيضا قناة "كرتون نتوورك" أصبحت تعرض مسلسلات مثل "ديجيمون" و "بوكيمون" ثلاث مرات في يوم السبت ضمن البرنامج اليومي لديها.
ويبدو أن اليابانيين قد تملكتهم القوة الكرتونية ليحتلوا السوق الأمريكية صوريا، حيث أن الكثير من مجلات "المانجا" باتت تطبع وتنشر للشباب في الولايات المتحدة الأمريكية.

وتعدى الأمر ليصل إلى الرسوم الكرتونية الجنسية "مانجا الجنس" في الكثير من المسلسلات والأفلام الكرتونية اليابانية، فقد ظهرت موجة تسمى بأفلام الجنس الكرتونية أو "هانتاي"، وقد شكلت كارثة على صناعة الرسوم الكرتونية المتحركة اليابانية المحافظة على عاداتها، ورغم أن الرسوم المتحركة اليابانية تحتوي على أطنان من التلميحات الجنسية والتعري الواضح والكامل، إلا أن صناع الرسوم المتحركة الكبار في اليابان هاجموا صنّاع "الهانتاي".
و "هنتاي" كلمة يابانية تستخدم خارج اليابان، وبالخصوص في البلدان الغربية والكثير من البلدان الناطقة باللغة الانجليزية، للدلالة على الرسوم المتحركة اليابانية والمجلات، ألعاب الكمبيوتر التي تحوي الموضوعات والصور الإباحية والجنسية الواضحة.

وقد يبدو من الغريب أن تخرج مثل هذه الصناعة من لدن مجتمع محافظ كاليابان المتميز بتمسكه بتقاليده والمحافظة على الكثير من القيم الاجتماعية، إلا أن الحقيقة بأن اليابانيين قد تخلوا عن المحافظة واتجهوا للأفلام الجنسية منذ الثمانينات، ويبقى السؤال حول سبب انتشار هذه الألعاب في اليابان بشكل أكثر من بقية الدول فالجواب يأتي من اختلاف الواقع الياباني عن الأمريكي والأوروبي، ففي أمريكا وأوروبا بامكان أي شخص أن يدخل إلى صالات التعري، أو أن يحصل على متعته في الشارع، وهذا الأمر لا يوجد بتلك الطريقة المفتوحة كليا في اليابان حيث يضطر الياباني البحث عن بديل، وقد يكون البديل افتراضيا.

ويذكر "مايك لايزو" المدير المساعد للبرامج والإنتاج في "كرتون نتوورك" بأن الغريب والعجيب أن تصنع أفلام العنف الكرتونية في أقل البلدان في معدلات العنف في العالم".

وفي مقالة له عن "المانجا" يذكر الكاتب الياباني "فيوسانوسيوكي ناتسومي" بأن الجنس والعنف ليست أكثر من مواضيع تتناولها "المانجا" كغيرها من المواضيع، وبالاعتماد على التقارير التي تكشف الرأي العام حول التفاعل المقاس مع مواضيع "المانجا" الكرتونية، يتبين مدى الحقيقة التي تطرحها "المانجا" والتي تعبر عن انعكاس للداخلي الياباني المكبوت، والتمييز بين ما هو حبيس في النفس وما هو حر.

ويبدو أن اليد اليبانية المبدعة في الرسم، تخطت تقاليد مجتمعها وتراثه ، لتطلق العنان لنفسها في عالم تتسيده دون غيره حتى أن أمريكا تكون متخدرة بالفن الياباني العنفي والإباحي، الذي أخذ مساحته الكبيرة والملحوظة في القنوات الأمريكية والأوروبية، فضلا عن المواقع الإلكترونية والمجلات وألعاب الفيديو، فهل يشكل اليابانيون قيم العالم الافتراضي الجديد؟

"الكلب، الجرس، الطعام



الاستنساخ البصري ما زال مستمراً
ثلاثية "الكلب، الجرس، الطعام" وتحدي النمطية

جعفر حمزة

"النسخ المتعدد للتوجهات الموحدة للأفراد بات مُنتجاً يتم تغليفه وبيعه في نظام الإنسان فيه محلاً للاستهلاك أكثر من أن يستهلك".
الرؤية العامة للنظام الاقتصادي المعاصر يتحرك نحو "نسخ السلوك الاستهلاكي" للأفراد ما يدفع الكثير من شركات التصنيع في مختلف المجالات إلى توظيف مفهوم "الاستنساخ الاستهلاكي" الذي يحوّل الأفراد إلى مستهلكين متماثلين في التوجه والذوق وهو ما يعود بالفائدة التجارية على كبرى الشركات.
وكمثال تقريبي لتقديم ما نريده هو وجود محل تجاري في منطقتك ويريد أن يشتري كل الناس ما يبيعه من منتجات مختلفة إلا أنها تخرج من مكان واحد هو "المحل" لا غيره، ويسعى إلى تحقيق ذلك من خلال ترويج قيم استهلاكية معينة وبمختلف الوسائل لزرع ارتباط شرطي بين المنتج والقيمة. ما نحاول الوصول إليه من خلال استعراض "صوري" للمنتج هو تسليط الضوء على الصيغة المتحركة في السوق العالمية من أجل استنساخ الأذواق بما يتناسب مع كمية الدخل لكبرى الشركات فيما يخص بالترويج والدعاية وبرمجة الصورة الشرطية عند المستهلك.

"إيفان بافلوف" والتركيبة السرية
"الكلب والجرس والطعام" كانت تلك التركيبة السرية التي أوصلت "بافلوف" إلى جائزة "نوبل" عام 1904م, والقصة معروفة، حيث أجرى "بافلوف" على نظرية الارتباط الشرطي التي طبقها على كلب يأتيه بطعام بعد أن يدق الجرس، ومع مرور الوقت أصبح لعاب الكلب يسيل بمجرد دق الجرس،إذ ارتبط سماع صوت الجرس بالطعام، بمعنى آخر لم يعد الطعام في حد ذاته مثيراً للكلب، بل أصبح الجرس مثيراً جديداً بمثابة المثير الأصلي وهو اللحم.
إن نظرية الارتباط الشرطي هي الأساس العلمي للترويج والتسويق العالمي المعاصر، فعن طريق ربط القيم الإيجابية من خلال الصور البصرية تتكون علاقة قوية تعتمد على أساسين مبنيين على تلك النظرية،هما:
أولاً: الاتساق.
ثانياً: التكرار.
وتعتمد منهجيا التسويق المعاصرة على ذينك الأساسين للترويج و"خلق" حالة مُعاشة وارتباط لا ينفك بين قيمة فكرية أو جمالية معينة وبين المنتج المادي (بضائع) أو المنتج المعاملة (الخدمات).
لقد قدم "بافلوف" نظريته تلك والتي كانت أساساً علمياً لما يسمّى باللغة الإنجليزية "براندينغ" الخاصة بعملية الترويج التجاري للبضائع والخدمات، ما نؤمن به هي الحقيقة الموضوعة بين يديك في الجرائد والمجلات وقبلها في الفضائيات والإعلانات في الشارع والمحلات والمجمعات، ومجموع كل الصور التي تمر على باصرتك يومياً بمعدل يزيد عن ثلاثين ألف صورة في اليوم بالمعدل الطبيعي، سواء كان إعلاناً أو جزءً منه، وتزداد كثافة الصورة المتكونة في الذهن في علاقة طردية مع المساحة التي يمكنك أن تتحرك فيها دون إعلانات أو صور، ويأخذ الأمر أهميته الخاصة في مملكة البحرين ذات المساحة الصغيرة والكثافة السكانية العالية، بالإضافة إلى المساحات العمرانية الممتدة، مما يجعل فرصة إراحة العين من النظر تبدو قليلة جداً، وهو ما يعزز من جانب ثانٍ الارتباط الشرطي بن الصورة والقيمة، فعن طريق الاتساق بين موضوع الطعام العصري و"ماكدونالد" على سبيل المثال، أو بين "كوكا كولا" والمشروب الغازي المفضل لمذاقه و"موضته" إن صح التعبير، وذلك من خلال استخدام صور ذات مدلول إيجابي وجذاب، تصل الرسالة بصورة واضحة للذهن بوجوب وجود ربط بين تلك القيمة الايجابية والصورة المقدمة "ماكدونالد" و "كوكا كولا" على سبيل المثال.
ولا يمكن الاعتماد على عملية الربط فقط لترويج الصورة إذ لا بد من التكرار لتكون عملية "الحفر الذهني" بين القيمة والصورة أعمق وعلاقتهما أوثق، وهو الأمر الذي تقوم عليه كبرى الشركات من خلال خلق حالة من "الولاء" للمنتج وهي السياسة العامة للسوق الدولية التي تجهد للوصول إلى تلك الحالة بشتى الوسائل.

نظام بصري لا خطي، كيف نتعامل معه؟
بصريات العولمة المعاصرة ترقى إلى الوصول إلى "نمذجة نمطية" للأفراد، بمعنى آخر تعمل العولمة المعاصرة إلى محو الفوارق الفكرية والذهنية بين الأفراد والشعوب لترسي قيمة واحدة وواحدة فقط عبر الاجتهاد البصري المدروس، هي قيمة "الاستهلاك" من خلال التوظيف الذكي للإعلام والإعلان في الترويج لتلك القيمة.
ولمعرفة "فلسفية" للعولمة التي تمثل لغة الحركة السوقية اليوم لا بد من الاستناد إلى خبراء في هذا الجانب لمقاربة بسيطة نوعاً ما لتلك "الأيقونة" ومن ثم الدخول الموضوعي للمسألة قيد البحث.
يقول "موري جيل مان" الحائز على جائزة نوبل، والأستاذ السابق في الفيزياء النظرية بجامعة "كالتيك": ( لقد ظهرت هنا على كوكب الأرض، بمجرد تشكلها، نظم متزايدة التركيب والتعقيد نتيجة للتطور الفيزياء للكوكب، والتطور البيولوجي، والتطور الثقافي البشري. ولقد سارت العملية مشواراَ بعيداً إلى درجة أننا نحن البشر نواجه الآن مشكلات إيكولوجية وسياسية واقتصادية واجتماعية بالغة التعقيد. وعندما نحول التصدي لهذه المشكلات الصعبة، فإننا بطبيعة الحال نميل إلى تقسيمها إلى أجزاء أسهل في التعامل معها. وهذا أسلوب مفيد، ولكن له أوجه قصور خطيرة. فعندما يتعامل المرء مع أي نظام لا خطي، ولا سيما إن كان مركباً، فإنه لا يستطيع قصر فكيره على الأجزاء أو الجوانب أو مجرد جمع الأشياء معاً وأن يقول إن ذلك سلوك هذا أو سلوك ذاك، وعند جمعهما معاً، يُسفران عن الأمر برمته. لا بد للمرء، في وجود نظام لا خطي مركب، أن يقسمه إلى أجزاء، ثم يدرس كل جانب، وبعد ذلك يدرس التفاعل الشديد جداً بينها جميعاً. فبهذه الطريقة وحدها يستطيع وصف النظام بأكمله".
إن الهدف من عرض تلك المقولة كاملة هو التعرف على النظام الذي نعيش فيه، ذلك النظام المعقد في تعريفه البسيط حين النظر إليه، إن أصل المسألة لا تنحصر في ارتباط شرطي محكوم الدراسة هنا، أو ترويج مدروس هناك لهذه العلامة التجارية أو لتلك البضاعة، إننا نعيش في عالم مركب ولا يمكن الاستمرار فيه من موقع "المؤثر" إن اقتصرت النظرة من موقع "المتأثر" والمستهلك فقط.
ما نعيشه في الواقع هو مجموعة عناصر مختلفة ومتنوعة تجتمع لتكوّن صورة تجهد حكومات وأسواق عالمية فضلاً عن توجه عام ترسمه السياسات الاقتصادية في أن تكون تلك الصورة هي "الإله الجديد" الذي ينبغي للجميع بلا استثناء السجود له والتودد إليه عبر "تقرّب بصري" من خلال "هضم" المنتج المأكول والمشروب والملبوس و..إلخ.
إن أساسا التعامل مع نظام العولمة المركب اللاخطي كما سماه "جيل مان" هو التفكيك البسيط، وذلك عبر تحليل الصورة البصرية للقيمة إلى وحدات بسيطة وتقديمها للمستهلك، ليعرف أن أصل اللعبة القائمة في الترويج هي سياسة "الكلب، الجرس،الطعام" من جهة، والصورة المركبة من جهة أخرى،ولا نعتقد أن الإدراك وحده يكفي للتخفيف من "هوس الاستهلاك النمطي" الذي يستعين بشركات ضخمة للترويج فضلاً عن شبكة متشعبة من الاستراتيجيات الفرعية في تعميم "مبدأ الشراء النمطي"، إذ لا بد من رؤية معاكسة بمعنى وجود استراتيجية لا نمطية في الاستهلاك، وبوادرها ذات ظهور متواضع إلا أنها موجودة متمثلة في جمعيات وتجمعات مناهضة للاحتكار البصري ضمن الشركات الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية والتي ترسم منهج الفرد في التفكير والشراء بل وحتى في الأمور الخاصة جداً به.

كوكا كولا، كوكا كولا، كوكا كولا
تبقى السلعة الاستهلاكية هي "شيفرة" العولمة المعاصرة التي تزيل الفوارق لتنسخ المجتمعات دون فوارق وتتلاشى الخصائص والتمايزات، ويصبح السلوك الإنساني في كل العالم واحداً من الغرب إلى الشرق، من أمريكا إلى الصين، ومن آلاسكا إلى بلاد الأنكا، ذلك السلوك الإنساني الذي يستهلك نموذجاً نمطياً واحداً لا يتغير، فيستهلك السلعة نفسها ويطمح إلى اقتنائها.
وليكون الوجه الإنساني بعد ذلك نمطاً لا يعتريه التبدل إلا ما تلزمه الحملات الإعلانية الخاصة بالمنتج "الإله"، وقريباً يُصبح العالم يأكل "الماكدونالد" ويشرب "الكوكا كولا" ويلبس "الجينز" ويقتني "البلاي ستيشن وإكس بوكس"، ونصل إلى مرحلة "الفراغ في الهوية" إذ تكون هويتنا تنزل مع كل منتج جديد من الأسواق العالمية، وعلى رفوف محلات الموضة، وهكذا تتمثل الشخصية "الاشتراطية" التي تناولته نظرية "بافلوف"، فمع كل مثير بصري تتحرك منا ردة فعل جسدية وفكرية بل وحتى ثقافية عقائدية، وبعد التكرار والاتساق تذوب الهوية وتظهر القيمة السوقية في السلوك.
ونهتف عندئذ :(كوكا كولا، كوكا كولا) ليكون ذلك الهتاف هو النداء اليومي الذي نسمعه ونردده كرمزية لقيم ما زالت تتفنن في التقديم لتضمن استمرار الاستهلاك.
وتبقى المسألة في المعرفة الحقيقية المخططة في رد الاعتبار لقيمة الإنسان في استقلاله وفردانيته بعيداً عن الخطط الترويجية والاستخفاف المدروس بالعقول، فهل نصل إلى مرحلة الاستقلال والخيار الذاتي، أم أن عصر "الكوكلة" ما زال في بدايته؟


الولايات المتحدة البحرينية





الولايات المتحدة البحرينية

جعفر حمزة

جريدة التجارية، ٢٣ فبراير ٢٠٠٨
سياتل، واشنطن دي سي وميامي، كانت تلك بعض الولايات التي زرتها قبل عدة سنوات وقابلنا فيها صانعو القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي فيها، ولكل ولاية نكهتها الخاصة وعالمها الخاص، وكأنك تزور بلداً مختلفاً في كل ولاية، ولا يخطر على بالك أنها تحت مظلة سلطة حكومة مركزية واحدة. تراءت في خاطري تلك الولايات المختلفة حين قرائتي للخطوة الجريئة والصريحة التي اتخذها الشيخ سلمان بن حمد رئيس مجلس التنمية الاقتصادية، عندما تناول تباطيء بعض الجهات الحكومية والوزارات في التفاعل المطلوب مع رؤية المجلس الاقتصادية الهادفة إلى وضع البحرين في سكة التغيرات الاقتصادية في المنطقة والعالم، وما يتبع ذلك من وضع سياسات لرفع المستوى الاقتصادي للبلد ونتاج ذلك معيشياً ومعرفياً. وأما وجه الشبه بين تلك الولايات الأمريكية والوزارات الحكومية، فهي الاستقلالية التي تتبعها الوزارات، وكأن لها "حكم ذاتي" خاص بها في المنهجية والآليات المستخدمة في ترجمة تلك الرؤية بعيداً عن الجهة الوطنية صاحبة الرؤية الاقتصادية المنظمة وهو مجلس التنمية الاقتصادية. إنّ الدول التي تريد أن تبقى على الخارطة الاقتصادية العالمية عليها وضع القناة المناسبة لقيادة الصفوف الداخلية من أدوات تملكها الدولة متمثلة في الوزارات والجهات ذات العلاقة المباشرة بالحكومة، فضلاً عن القطاع الخاص والمؤسسات المتوسطة والصغيرة "إس إم إي" ، وذلك من أجل تركيز الجهود ووضعها في المكان الصحيح ضمن منظومة تلعب فيها كل جهة دورها المناسب دون التمدد على المساحات الأخرى أو الإنكماش على الداخل، وتلك معادلة صعبة في الغالب الأعم، وتكون أكثر صعوبة بل وتصل إلى مرحلة "التعقيد" والضبابية المركبة في التعامل، عندما تتبع بعض الجهات سياسة "الولايات المتحدة المستقلة" في المضي قدماً بناءً على رؤيتها الخاصة وآلياتها الموسومة باسمها الخاص، لا باسم الرؤية العامة للدولة. ونعتقد بأن تناول الصحف في الصفحات الأولى الرسائل المتبادلة بين رئيس مجلس التنمية الاقتصادية الشيخ سلمان بن حمد وعاهل البلاد الملك حمد يوحي بأكثر من دلالة لا تخفى على المراقب الاقتصادي، حيث يمكن الوصول إلى نتيجة المراسلة بين ولي العهد وعاهل البلاد عبر تقديم البنود التشريعية الخاصة بتنظيم العلاقة بين المجلس والوزارات والهيئات الحكومية والتي أصدرها عاهل البلاد بعد ذلك من دون وضع المراسلات على صفحات الصحف، إلا أن الحكمة من ذلك أمور عديدة، منها الجهر بصوت صريح وشفاف والإشارة الواقعية إلى"الولايات"-آقصد الوزارات- التي أحاطت نفسها بهالة من البيروقراطية رافعة علم السلحفاة على مكاتبها، تلك الوزارات التي تمثل العقبات في سبيل لا مجال في ظل التغيرات بالمنطقة والعالم إلا الأخذ به، وهو سبيل الشفافية والتغيير من الداخل ووضع كل الوزارات والجهات الحكومية والقوى الاقتصادية تحت مظلة واحدة ورؤية واحدة تقودها راية واحدة، فلا مجال لتعدد الرايات بعد الآن. لقد تعامل المجلس في الفترة الأخيرة قبل أن "يطفح الكيل" مع بعض الجهات الحكومية وكأنها جزر متفرقة يصعب الوصول إليها، جزر تكوّن أرخبيل لم يستطع المجلس أن يفك طلاسمه، وكأن تياراً معارضاً يقود تلك الجزر في قبال ما يقوم به المجلس. لقد وصلت الأمور إلى حد لابد من إيقاف من يضع العصا في العجلة وذلك من خلال خطوتين هما الرفع و الدفع، تتمثل الأولى في مراجعة أصحاب المناصب ممن يتبعون سياسة السلحفاة الصماء، وذلك عبر ضمان ربط الجهات التي يتولونها برؤية موحدة تحت نظر مجلس التنمية الاقتصادية، وتوظيف الآليات المناسبة لترجمة تلك الرؤية. والثانية هي الدفع وقد اتخذها المجلس كخطوة صريحة نتجت عنها إصدار التشريعات والخطوات العملية لتفعيل خطط المجلس. بين تلك الخطوتين التي ستحد من طول أذرع بعض الوزارات، لابد من الوصول إلى "مأسسة" الرؤية الاقتصادية للبلاد، بدلاً من وجود ربانين في سفينة واحدة، وتداعيات ذلك في هدر الجهود والأموال وانعكاس ذلك على الوضع المعيشي للمواطن ومركز البحرين الاقتصادي. وعلى اعتبار أن الخطوة العملية الأولى أتت من خلال بنود نظيمية للعلاقة بين المجلس والجهات الحكومية الأخرى، إلا أن ذلك هو نصف الحل، والنصف الثاني يتمثل في المصارحة والقراءة الجريئة لواقع بعض الوزارات من قمة رأسها إلى أخمص قدمها، والتي تمثل ولايات مستقلة وجزر متفرقة، ويتمثل ذلك عبر مكافحة الفساد والتمييز الوظيفي الذي يخلق حالة من الحكم الذاتي والاستقلال السلبي للوزارات، وبالتالي ابتعادها عن الرؤية الموحدة لما فيه مصلحة الوطن والمواطن ولئن كانت سياتل وواشنطن دي سي وميامي ولايات قائمة بذاتها إلا أن ما يجمعها دستور واحد ورؤية واحدة ضمن نطاق دولة واحدة، ونرى أن بعض الوزارات أخذت بتكوين "دولتها" الخاصة كرؤية وهدف بعيداً عن الرؤية الاقتصادية الموحدّة للوطن. فشتان بين ولاية وولاية.

فراشات ملونة برائحة الشِعْر


فراشات ملونة برائحة الشِعْر
قراءة في الفيديو كليب الإسلامي الشيعي

جعفر حمزة*

مجلة الطف- السنابس
تمثّل الكلمة الموزونة "عُملة" تم تداولها –وما زال- في العديد من المجتمعات البشرية، وظهرت بصورة أكبر للمجتمعات ذات القابلية "السمعية الفنية" ضمن أدبياتها وثقافتها وحياتها اليومية. وكان الشعر بمثابة "سلاح مسموع" في المجتمع العربي الجاهلي وما بعد الإسلام. إذ احتفظ بقوته واستمر إلى يومنا هذا ليكون "رافعاً" أو "خافضاً" لهِمَم وأفكار. ومن الأهمية القيام بقراءة إبتدائية لوجود ما يُسمّي بالفيديو كليب ذو الطابع الشيعي والأخذ به قدر الإمكان إلى المساحة التفاعلية التي رسمها المعصومون "كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا"، وتلك مسؤلية تحتاج إلى تزاوج النية الصالحة والعمل المتقن لصيغة خطاب واقعي متزن ورسالي ، ومن هنا تكون قرائتنا لإحدى صور ذلك الخطاب، وذلك من خلال استعراض متسلسل للكلمة "الموزونة المرئية" تاريخاً وواقعاً.

حروف لا تهدأ!
لم تكن مكافأة الشعراء في العصر الإسلامي –وقبله في الجاهلية- إلا تأصيل وتقوية لـ"آلة إعلامية" ذات تأثير لا يُستهان بها، إلا أن صورة الشعر تغيرت وبدلت "جلدها" مع الزمن، فبالأمس كانت تتم مكافأة الشاعر – أنموذج قصيدة التائية لدعبل الخزاعي من جانب وشعراء السلاطين من جانب آخر- عبر قرضه وإلقائه للشعر أو كتابتها وإلقائها، وانتقلت صورة الشعر لتتحول في الأندلس إلى "موشحات" عكست نمط الحياة السائدة آنذاك، لتدخل روح "الترنيمة" و"اللحن" فيها، وقبلها في زمن الأمويين والعباسيين كانت "المقاربة" بين الشعر واللحن والموسيقى في فترة "خطوبة" ليتم الزواج في الأندلس عبر تلك "الموشحات"، وأما اليوم فإن صورة الشعر تبدلت لتتحول إلى "أغنية" وتكون الكلمات "متعددة الزوجات" مع اللحن الموسيقي.


وكما تتطور المجتمعات وتتغير، كذلك تتبدل الأدبيات بلحاظ "الأدوات الجديدة" التي تخرج على السطح، ومن تلك المجتمعات ما ينسى "هويته" باستغراقه في "التغزل" و"الإنغماس" في تلك الأدوات، ومنها ما "يشذبها" و"يأقلمها" لتكون هي طوع أمره وليس العكس.

إن المجتمع المعاصر يعيش حضارة الصورة التي طغت في التلفزيون والفيديو والإعلان والحياة العامة، كما نجد ذلك في الأزياء والأثاث والديكور والرسومات والمعارض..إلخ. وهذا العامل في حد ذاته أضعف العديد من الفضاءات الثقافية والقيمية المرتبطة بما هو رمزي أو مجرد في المجتمع. وما هو صوتي فقط بالمعنى التقليدي، يلزم "بث" روح الصورة في الصوت لحناً أو حركة. حتى غدا الشعر يُلقى مع خلفية "موسيقية" لوضعه في مقام تأثير آخر أشد وطأً وأقوم قيلاً. أو على الأقل تكون الأيدي وقسمات الوجه "ميداناً" للشعر.

لقد مر الشعر من الإلقاء إلى وجود خلفية موسيقية مصاحبة معه إلى "غناء"، ومن ثم إلى تحويل الشعر نفسه في إلقائه إلى موسيقى "الموشحات الإندلسية"، ويرجع مرة أخرى إلى "الغناء" ولكن بصورة جديدة، ويبقى السؤال في أهمية التوظيف البصري للقصيدة الملتزمة والهادفة، لتكون أشد وقعاً وذات تأثير أقوى.


من الساحة المفتوحة إلى الصندوق السحري!

لم تقتصر مسألة الجهاد بالكلمة عند الأئمة (عليهم السلام) في مجال الشعر إلقاءً فحسب، بل في التوظيف البصري لقضاياهم وهي قضايا الأمة ذاتها، إذ تذكر بعض الروايات أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) كان يبكي كلما شرب الماء لتذكره عطش أبي عبدالله الحسين (عليه السلام)، وهذا درس بصري يعلمه الإمام للأمة في عملية ربط شرطية بين الماء وقضية الثورة الحسينية في توضيح للظلامة ومنهج الثورة في آن واحد، وتذكر روايات أخرى أن الإمام الصادق (عليه السلام)(3) هو أول من شهد "الشبيهات" عندما دخلن عليه بعض أهله حاملة لرضيع فتذكر كربلاء، وأصبحت مسألة الدمج بين الشعر الكربلائي وتمثيلها "أول مسرح حركي" في الإسلام.
الجمع بين الصوت "الشعر" والصورة "الفيديو والتمثيل" ليس بالأمر الجديد في الموروث الشيعي، إذ لا زالت "الشبيهات" تُقام كل عام وبطرق متنوعة في شتى بقاع العالم، وقد أمدت "المسرح" بحياة أخرى، ودفعة جديدة.

ويمثل ما يُمسى بـ"الفيديو كليب"(4) إطاراً آخر للحركة الدعائية، حيث يمتاز بقصره الزمني مقارنة بتحليل أو برنامج تلفزيوني، بالإضافة إلى وجود التناغم بين الصوت "الشعر" والصورة "التمثيل أو المشاهد"، وهو ما يعزز كليهما فيه، وبالرغم من إرتباط إسم "الفيديو كليب" بالأغاني الدارجة قبل عدة سنوات في الفضائيات العربية، وهي نسخة من بعض الفيديو كليبات الغربية المعتمدة على الإثارة والإستثارة في العرض، إلا أنه "كمادة وتقنية" لم يكن ببعيد استخدامه للدعوة وترويج القيم الإسلامية.
ومن الجدير بالذكر أن المنشد الآذري الأصل البريطاني الجنسية "سامي يوسف" قد وضع "النقاط على الحروف" عملياً بدخوله في الساحة الإعلامية بقوة من خلال "الفيديو كليب الإسلامي" لدرجة أن بعض القنوات كقناة "روتانا" التي تضع نوعية معينة من الفيديو كليب البعيدة عن المحتوى الإسلامي والديني قد أدرجت أناشيد "سامي يوسف" ضمن أجندتها في العرض، مع وجود طلب متصاعد وقوي من قبل المشاهدين إليه، مما يوحي وبقوة إلى وجود قاعدة عريضة من الجمهور تتوق إلى "التوظيف البصري" الجيد للقيم الإسلامية ووضعها في قالب عصري بصري جذاب، لتكون النتيجة "جماهير" تواقة لسماعه، ولتكون "رنّة هاتف"، بل أن شركات الإتصالات والهواتف المتنقلة والشركات الخاصة في مجال خدمات الهاتف المتنقل باتت تقدم "الأناشيد الإسلامية" ووضع مقاطع الفيديو كليب من ضمن خدماتها، مما يرسم مؤشراً على الحضور الفعال الذي يقوم به "الفيديو كليب" الإسلامي.
ومع إزدياد عدد القنوات الفضائية الإسلامية أو ذات المحتوى الديني، أصبح للفيديو كليب الإسلامي مساحة خاصة به، سواء لتلك القنوات "المتحفظة" من الموسيقى أو تلك "المنفتحة" بالموسيقى، مما يقدم خيارات متنوعة للمشاهد.
ويبقى السؤال في موقعية الفيديو كليب الشيعي في خضم الكم الهائل والمتجدد من الفيديو كليبات الإسلامية من جهة، ومسؤلية القنوات الفضائية الشيعية في إنتخاب أو دعم تلك الأعمال بمفهومها الإنساني العام وليس الضيق باتباع أهل البيت (ع
).

بين جدران المأتم وجدراننا!

ليس غريباً أن يتلون "الفيديو كليب الشيعي" بما يمتلكه الموروث الشيعي من أدبيات غنية ومتنوعة، باللون المآتمي –نسبة إلى المآتم- فيما يمثله الحزن من "تفاعل" في التعاطي مع القضايا التاريخية سرداً ومحاكاة، إلا أن الغريب –وقد تكون مرحلية- أن يتحول الحزن إلى نمط سائد في الفيديو كليب الشيعي، بمعنى أن يكون "عزائياً" كما هو في المأتم وكما هو في العزاء، في حين يتطلب بصيغته الجديدة المطروحة في "الفيديو كليب" أسلوباً آخر، يحفظ للعزاء ماهيته وهويته، ويستخرج منه إبداعات وصوراً جديدة تؤدي الرسالة بتفاعل وآليات متنوعة.
لقد تم استخدام الموروث العزائي بطريقة مفرطة في الكثير من التجارب الأولية وما زال الكثير منها مستمراً لحد الآن، إذ لم تخرج من طوق المأتم لتنتقل إلى فضاءات أرحب وأوسع.(6)
الحزن والفرح مساران خطهما الشعر الشيعي في تفاعله مع أهل البيت (عليهم السلام) في أحزانهم وأفراحهم، حيث يتم الإستغراق في الحزن حد الألم ضمن سرد تاريخي مكرر وبطرق متنوعة، في تبيان "مظلومية أهل البيت (عليهم السلام)" قصيدة وتمثيلاً وإخراجاً، ويتم الإستغراق في الفرح بهجة وسروراً وألواناً، وبين هذا وذاك يهضم حق "تزاوجهما" وهو التغيير"، فعبر قصائد تنهل من قيم الأئمة (عليهم السلام) مباديء التغيير والإصلاح الإجتماعي والسياسي والإقتصادي، فضلاَ عن إصلاح النفس عبر مخاطبتها وتأديبها بطريقة عملية، بعيداً عن "الصوفية" في روح بعض "الفيديو كليبات" التي تتعمق في الدلالات والإشارات النفسية، وبعضها الآخر الذي يبتعد عن الواقعية ليعيش "رمزية" قد لايفهمها المشاهد، أو قد يفهمها إلا أنها لا تترك فيه أثراً.(7)
ومن الأمثلة "السمعية" التي يُشاد بها كتجربة بحرينية محلية هي بعض نتاجات الشيخ حسين الأكرف وقصائد كلاً من عبدالله القرمزي ونادر التتان، حيث تميز إصدار "مشاعر" بمشاعر فياضة، يمكن لها إن تم توظيفها بطريقة إخراجية مدروسة لتترك بصمة لا يمكن نسيانها بسهولة، ويمكن ترجمتها للإنكليزية ولغات عدة، ضمن توليفة متكاملة من القيم والمباديء والمشاعر الإنسانية النبيلة.
ويلعب ملأ الفراغات الزمنية دوراً بارزاً في مسألة "موسمية" النتاجات، وخصوصاً السمعية منها "أشرطة الكاسيت"، والتي تأتي تباعاً بعد عروض الفيديو كليب الخاصة بالإصدار، فقصيدة "ليتني" أتت في غير موسم "الأشرطة" إذ تزامنت مع موسم الحج، لتتسابق الأيدي للحصول على نسخة منه، وما زال متمتعاً بقوته وتأثيره.

ونعتقد بأن "المآتمية" في الفيدو كليبات هي "مرحلية" ولن تطول، بلحاظ نسق التغيير القائم، والتجديد ضمن عملية "مخاض" متكررة لم تتضح ملامحها النهائية بعد، وإن كانت مميزة إسماً، فالفيديو كليب الشيعي يُعرف بأطواره ووزنه الشعري، فضلاً عن نمط الرتم والموسيقى –إن وجدت- والمحتوى البصري المتعارف عليه.
هو ليس بنقد لوجود روح المأتم في أعمال "الفيديو كليب" إلا أنه من غير المنصف أيضاً أن تتحول "روحية" ما يُقدم في تلك الأعمال إلى واجهات مآتم، فالمأتم يحتفظ بروحيته الخاصة وبطعمه المميز، وكذا ينبغي للفيديو كليب الشيعي أن يؤسس مدرسته الخاصة، مدرسة بناء الذات إصلاحاً وبناء الآخر تغييراً وبناء التقديم صورة.

ومن ما يؤخذ على الفيديو كليب الشيعي الإلتصاق المفرط بين النص والطرح البصري، حيث ترى ما يُقال، وتسمع ما ترى، أي تمثيل بصري مباشر لما تسمع، وقد يكون ذلك ضرورياً خصوصاً في المسائل التاريخية التي لا بد من طرحها بطريقة مباشرة وواضحة للجمهور، وينبغي فيها مراعاة أن المشاهد ليس شيعياً فقط، بل من المذاهب الأخرى، وربما يكون غير مسلماً البتة، لذا الإخراج الفني للفيديو كليب عليه مراعاة معرفة المخاطب سواء كان طفلاً، شاباً أو إمرأة، ومنطلق الحديث الأساس هو توسعة مجال العمل في الفيديو كليب الشيع ليخرج من نطاق استذكار التاريخ سرداً وتفاعلاً فقط، إلى استنطاق التاريخ واقعاً ورمزاً ودرساً، لتتم عملية الربط بين قيم مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) والواقع بشكل عملي تفاعلي جذاب.

رسول بألوان قوس قزح!

تمثل أشرطة الكاسيت الشيعية "عزاء، محاضرات، أفراح ومواليد، مراثي، أناشيد وغيرها" سوقاً نشطة ومتجددة على الدوام، إذ أن المصدر لا ينضب من معين أهل البيت (عليهم السلام)، وتمتد مساحة تلك السوق التجارية من منطقة الخليج إلى العراق وإيران والشام، مروراً حتى بالمغرب العربي والجاليات المسلمة في شتى بقاع العالم، وتمتد تلك المساحة مع الزمن، وتوسع القاعدة الإعلامية الشيعية وتعدد وسائل الإعلام المحتلفة، من فضائيات إلى إنترنت واستخداماته المتعددة، وهو ما يفرض نوعاً من الإلتزام الأخلاقي والمبدئي على القائمين على الفيديو كليب الشيعي، إذ أن المسؤلية تتعاظم مع تصاعد وتيرة "النفس الطائفي" في المنطقة والخشية من إمتداداتها لبقية الدول والمجتمعات المسلمة في العالمي العربي والإسلامي، ويتمثل ذلك الإلتزام الأخلاقي، سواء لمعالجة ذلك الأمر أو بتطوير الفيديو كليب الشيعي بصورة عامة إلى التالي:

أولاً: البحث الدقيق في نوعية القصيدة أو الشعر المقدم في الفيديو كليب، ومحتواه وأثره الرجعي في ظل التوتر المشحون طائفياً في المنطقة، وهذا لا يعني نسيان القضايا التاريخية، إلا أنه يدفعنا بمنطق ومنهج أهل البيت (عليهم السلام) إلى استبعاد كل ما من شأنه أن يسبب ردة فعل بسبب أحداث معينة في التاريخ.

ثانياً: نتيجة "التقيد" المكاني في تصوير الفيديو كليب، والذي يفرضه الواقع في كثير من الأحيان ليكون التصوير داخل إستوديو أو في منطقة مفتوحة، إلا أن المساس بالواقع يدفعنا للتفكير الجاد في فيديو كليب يكون من ضمن حياة الناس ومعيشتهم العادية، فإذا أردت أن تتكلم عن الألفة بين الناس والتعاون –على سبيل المثال-، فلتكن بينهم ومنهم وفيهم. أو على الأقل استخدام تقنية وإدخال العناصر المطلوبة فيه.

ثالثاً: عملية التقييم والتقويم من قبل مختصين للفيديو كليب الإسلامي، وذلك عبر عقد ندوات تخصصية وورش عمل، وعرض نماذج وتقييمها، وطرح التقنيات الجديدة فيها، والخروج برؤى وتوصيات ترفع من مستوى العمل الإسلامي الإعلامي ككل والفيديو كليب بشكل خاص. ويمكن القيام بذلك مع وجود رابطة للكتاب والشعراء الحسينيين ورابطة الرواديد، إذ كثير منهم يكون منشداً أيضاً.

رابعاً: بالرغم من وجود الفضائيات الإسلامية، إلا أنها لم تقم بدورها لحد الآن بالصورة المطلوبة، إذ تكتفي الكثير من القنوات الشيعية ومعظم القنوات الإسلامية بعرض الفيديو كليب، دون الحديث عنه تحديداً، سواء بالتحليل أو بالتشجيع، ويُذكر في هذا المجال قناة الشارقة التي أقامت مهرجاناً إنشادياً مميزاً، وهو ما يخرج التجربة من مجرد العرض إلى التفاعل الجماهيري الحي. (8)

خامساً: الإستعانة بمخرجين وكتاب ونقاد للخروج ضمن دراسة متكاملة للنهوض بواقع الفيديو كليب الشيعي على مستوى العالمين العربي والإسلامي، ومع وجود التوجه السينمائي الشيعي للعالم (التجربة الإيرانية، وتجربة فيلم واقعة الطف الكرتوني)، ينبغي شحذ الهمم للحديث والتخطيط لاستخدام أداة أخرى لم نتطرق لها بعد بالشكل المؤثر والعملي وهي الفيديو كليب، إذ لا زالت محصورة في العقلية الشيعية فقط كممارسة.

سادساً: تحويل الفيديو كليب الشيعي إلى أداة دعوة وتغيير منتظمة ومدروسة في المجتمع، والعمل على إكتساح السوق من خلال منتجات ومتعلقات تنشر الفكرة وتروج لها بطريقة تصل إلى مستوى"العقل الجمعي".

سابعاً: الجلوس مع العلماء الأفاضل والبحث في الجوانب الشرعية في عمل الفيديو كليب الشيعي، بالإضافة إلى الإستعانة بخبراء نفس وعلماء اجتماع للوصول إلى التأثير الصوري المطلوب من الفيديو كليب.

ثامناً: العمل على إقامة "مهرجان للفيديو كليب" بحيث يكون جماهيرياً ويحطى بتغطية إعلامية، وبحضور كبار المنشدين ومخرجي الفيديو كليب في العالمين العربي والإسلامي –إن أمكن- أو من العالم الشيعي في هذه المرحلة، ويمكن الإستفادة من تجربة الأخوة في قناة الشارقة.

تاسعاً: إقامة عمل فيديو كليب مشترك على المستوى الشيعي أولاً وعلى المستوى الإسلامي ثانياً، حيث يكون الأول مشتركاً في نشر ثقافة مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، والثاني لنبذ الطائفية والوحدة ونبذ الفرقة والتكقيريين والأفكار الموبوئة والإرهاب الغربي ومن ينتسبون للإسلام زوراً.

عاشراً: الترويج الذكي للفيديو كليب الشيعي من خلال حملات إعلانية إبداعية مبتكرة، وتسويق منتجات تخدم الأهداف الموضوعة.
الحادي عشر: تهيئة الصف الثاني من المنشدين في البحرين، ويمكن إحتواء ذلك عبر رابطة الرواديد البحرينية، وتحت مظلة "جمعية التوعية الإسلامية" أو بترتيب وتنسيق بين المآتم وإستوديوهات الإنت
اج.

ختاماً فراشة يسابقها الزمن

بالرغم من طراوة التجربة الشيعية في الفيديو كليب، إلا أن التطورات المتسارعة والتحديات المتواصلة تفرض نوعاً من الإلتزام الأخلاقي والمهني في ضرورة تلافي السلبيات واللحاق بالمتغيرات بنفس الرتم السريع الموجود حالياً.
وما سردناه كان "خاطرة" للنظر الجاد في الآليات والأهداف للفيديو كليب الشيعي، والذي لم يصل إلى مرحلة "الظاهرة" بعد، إلا أنه في طور "التكوّن" و"التشكل"، فإما أن نغذيه بطريقة صحيحة لينمو "جنيناً" متكاملاً، أو نتركه ليولد "مشوهاً" وناقص.
ويبقى وجوب توجيه الخطاب الشيعي من خلال تجارب ما زالت "تحبو"، ليكون منفتحاً على الذات والآخر الإنسان، وليكون "مبتكراً" في خلق وسائل تفاعلية وصورية خلاّقة تحتاجها الساحة الإعلامية الشيعية خصوصاً ضمن ضربات متتالية وتشويهات متكررة، وتحتاجها الساحة الإعلامية الإسلامية لنفس السبب.
وتتستحق هذه الجماهير الغفيرة والمتعطشة لقيم أهل البيت (عليهم السلام) أن يشاهدو ويسمعوا ويتفاعلوا مع ما من شأنه أن يرسم واقعاً جديداً يتماشى مع التغيرات ويحتفظ بالثوابت من أجل إعلام إسلامي إنساني أصي
ل.

* كاتب بحريني متخصص في ثقافة الصورة والملكية الفكرية.

الهوامش:
إكسير العبادات في أسرار الشهادات، الدربندي، تحقيق: الشيخ محمد جمعة، عباس ملا عطية، شركة المصطفى.
ويُسمى "مقطع فيديو" وهو يحتوي تقريراً أو إعلاناً أو خبراً أو اغنية، وتكون مدته أقل عادة من البرامج التلفزيونية العادية. المصدر: موسوعة ويكيبيديا.
يمكن ملاحظة الكم الهائل من الفيديو كليب ذات الطابع العزائي في كل من قناتي الأنوار وCh14.
من الفيديو كليب المؤثر جداً، فيديو كليب "فرشي التراب" ويمكن الإطلاع عليه بالموسيقى في هذه الوصلة: http://www.fanateq.com/adv/frshi-trab/web.html وبدون موسيقى في هذه الوصلة: http://saaid.net/flash/Frshy_eTurab.htm، بالإضافة إلى "فيديو كليب" "حديث القبر" للشيخ حسين الأكرف ضمن إصدار "أحاديث".
http://www.sharjahtv.ae، http://www.munshid.ae/index.php

محبو العفن



محبو العفن

جعفر حمزة
صحيفة التجارية

كانت البيئة مناسبة جداً ليتخذ من طعامي الذي نسيته على الطاولة بيتاً له، فالطعام مكشوف ومعرض للتيارات الهوائية، فضلاً عن قابلية كبيرة لتقبّل الزائر الذي لا مجال معه سوى أن يكون مصير طعامك سلة المهملات، ولا تجادل.
فالعفن ينتظر الفرصة المناسبة ليتكوّن على سطح الأطعمة المكشوفة ويتكاثر فيها بسرعة، ولا غرابة في إطلاق اسم “مستمعرة” عليه، فهو لا يتوانَ عن اقتناص الفرصة لينمو ويتكاثر.
ذكّرني هذا العفن ببعض الملفات الي كان لا بد من طرحها وتعريضها بشكل صحي تحت قبة البرلمان، لكي لا تنتشر بهدوء وترسم واقعاً لا يمكن الحديث عنه بالعلن.
ومن أهم الملفات التي تنخر في جسد هذا الوطن هو التمييز الوظيفي، والذي يعتمد في حركة التوظيف على نسب العائلة ومكانتها، فضلاً عن الإنتماء العرقي أو المذهبي والمناطقي، وقد ذكرت العديد من التقارير الدولية خطر هذا الملف وتداعياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البحرين، من ضمنها تقرير منظمة “إنترناشيونال كرايزز جروب” للعام ٢٠٠٥م. والذي نوّه إلى أهمية معالجة ما أسماه التقرير بـ “مأسسة التمييز”، والذي يتخذ أنماطاً متنوعة وواسعة تمتد لقطاعات مختلفة في جسم التوظيف بالبلاد.
وكان من المؤمل أن تتبنّى الكتل النيابية ملف “التمييز الوظيفي” الذي طرحته الوفاق تحت قبة البرلمان، إلا أن رفض تلك الكتل لطرح الملف عكس واقعاً خطراً يتبناه بعض“نواب الشعب”، ويُنذز بانتشار “رسمي” للعفن وتوسعة “مستعمرته”في كل ركن من هذا الوطن، الذي ينتظر أبنائه تسخير قدراتهم في القنوات الصحيحة والعادلة بعيداً عن كل الأسباب التي لا حول لهم ولا قوة عليها.
وعندما ينتشر العفن في الطعام، فلا مجال لتناوله ويكون مصيره القمامة، وعندما ينتشر “ التمييز الوظيفي” فإن المساحة الجيدة للعمل ستكون معدومة، ومن الجيد ذكر تبعات توسّع ذلك “العفن”:
- من أهم أسباب هجرة العقول والكوادر المؤهلة لخارج بلدانها، هو وجود التمييز الوظيفي في قطاع العمل، وهو استنزاف لطاقة متجددة تحتاجها البلدان في خضم تحديات العصر.
- تعزيز الغبن وغياب الإنصاف وزرع اليأس في الكوادر الوطنية المؤهلة، وانقلاب المعايير، وبالتالي البحث عن تلك المعايير الجديدة “التملق، الواسطة، الرشوة، إلخ” للحصول على وظيفة أو الوصول إلى مركز أو ترقية.
- التدني في مستوى الإنتاج المعرفي نتيجة وجود كوادر غير مؤهلة للمناصب التي يتولونها.
- تجذّر في شجرة الفساد الإداري والمالي في القطاعات المختلفة لاستمرار ذلك “العفن”، وبالتالي إستنزاف للموارد المالية و”تصريف” أصحاب المؤهلات إلى “الباب الخلفي”.
- استنزاف الجهد والوقت والمال من أجل “تمشية حال” من يحتلون المراكز الوظيفية، عبر دورات وسفرات ومزايا، وذلك من أجل “القيام على أرجلهم” وتسيير الأمور على أقل مستوى.
- تأصيل لعقلية خطرة في الجسم الطلابي كرؤية عند البحث عن عمل، وانعكاس ذلك في سير الدراسة والتخصص وبناء العلاقات.
ويبدو أن “تبعات” ذلك العفن من رائحة ومنظر، فضلاً عن الأمراض التي يجلبها معه لا تخفى على “نواب الشعب” الذين رفضوا وضع ذلك “العفن” تحت المجهر ومعالجته والحد منه، إذ يبدو أن البعض يستسيغ “مشاهدة العفن”!

وفي ظل المتغيرات المحلية والعالمية، والتي تسعى مملكة البحرين من ظلالها لوضع قدم ثابتة على خارطة الاقتصاد والإصلاح السياسي، وهي معادلة طبيعية إذا قرأنا المتغيرات والجهود التي تبذلها البلدان النامية والجارة فضلاً عن البلدان المتقدمة، كدولة الإمارات العربية المتحدة وماليزيا وسنغافورة وغيرها من البلدان التي تسعى إلى “تأسيس” اقتصاد ومجتمع معرفي يعتمد على الكوادر المؤهلة ليست الجيدة بل الممتازة، إذ لا يكفي الحديث و”التغنّي” بالتوصيات والخطب واللقاءات إن لم يكن هناك تشريع يتبعه تنفيذ عبر آليات تراقبها جهات مستقلة ومحايدة.
هناك قطيع إلكتروني متمثل في التحديات الاقتصادية والفكرية والمعرفية في عالم اليوم كما يقول “توماس فريدمان” في كتابه “السيارة لكزس وشجرة الزيتون ”، ولا يمكن الرهان على حصان “مريض” في سباق يضم خيولاً مدربة ومؤهلة وسريعة.
وفي حال استمرار وجود ذلك الحصان، فإننا سنخسر ورقة رابحة قد “تطير” إلى الخارج أو “تحترق” أو يصيبها “العفن”، وفي كل الأحوال فإن بعض“ ممثلي الشعب” هم المساهمون في توزيع ذلك العفن وتأصيله في الأجيال الحالية والمستقبلة.

وما رفض بعض الكتل النيابية لفتح ملف “التمييز الوظيفي” إلا دليل على عقلية لا تفقه القراءة الجيدة للمتغيرات الاقتصادية والمعرفية والتي يجب أن نضع البحرين على خارطة التميز، وتبعات تلك القراءة الناقصة هو انتشار ؛العفن” في كل الوطن.

منجم في الرحم



منجم في الرحم

جعفر حمزة

جريدة التجارية ٩ يناير ٢٠٠٨

بدت الأقمشة السوداء واللوحات الفنية، فضلاً عن الأعلام السوداء وكأنها تعانق الجدران والبيوت في مختلف مناطق البحرين، فهي على موعد لموسم ديني مميز يشارك فيه الجميع بلا استثناء، موسم يشكل محطة زمنية سنوية تتظافر فيها كل الجهود لإظهاره بصورة حضارية ومتنوعة في كل عام.
وما زالت البحرين منذ عقود طويلة تقدم شهر محرم الحرام بطعم يجذب الكثيرين من دول الجوار والدول العربية والإسلامية، حتى باتت مركزاً للإهتمام والمكان الذي يتوقع منه الجميع تقديم الجديد في كل مرة.
وتلك اللوحة الإعلامية تشكلها الصور المتعددة التي ترسم الملامح الفريدة لعاشوراء البحرين، لتتحوّل الأخيرة إلى محط أنظار المهتمين والمتابعين، ومن تلك الصور:
المجالس الحسينية المتنوعة في الطرح والموضوع، المواكب العزائية المميزة بتنظيمها، الفعاليات التي تقيمها بعض الجمعيات والجهات للأجانب بتعريفهم على هذا الموسم الديني من خلال تقديم نهضة الإمام الحسين (ع) وقيمها الإنسانية النبيلة، فضلاً عن بعض الصور والفعاليات التي تلامس الجانب الفني من خلال المرسم الحسيني السنوي، حيث يفتح ذراعيه للجميع، والجانب الإنساني عبر حملات التبرع بالدم..
وكل تلك المفردات تشكل رافداً إعلامياً واقتصادياً مهماً للدولة إن هي أحسنت الاستفادة من حضور موسم عاشوراء بقوة.
ودور مؤسسات المجتمع المدني والأخرى ذات العلاقة المباشرة بتزويد هذا الموسم بعطاءاته ستسهم هي الأخرى إن تضافرت الجهود مع الدولة في بلورة “سياحة دينية” يرسمها جهود أهل البحرين بأطيافه المتعددة مع مؤسسات الدولة.
وتمثل “السياحة الدينية” من ضمن الروافد الثقافية والاقتصادية للدول، ففي كثير من الدول تعتمد في سياحتها على الأماكن الدينية أو التراثية لجذب السياح، وإذا ارتبط الأمر بأماكن ذات قدسية أو احترام خاص لبعض الديانات أو المذاهب فإن ساحة التفاعل في الدائرتين الاقتصادية والفكرية تتسع ويزداد تأثيرها، ولا أدل على ذلك من أماكن السياحة الدينية في العديد من البلدان الإسلامية وغير الإسلامية كالسعودية، والعراق وسوريا وإيران ومصر ولبنان والهند وتايلند والتيبيت وإيطاليا والفاتيكان والبرازيل.
إلا أن ما يجعل البحرين مميزة على خارطة السياحة الدينية في المنطقة هو نشاطها المحموم وإبداعها في تقديم موسم محرم كل عام بطريقة مختلفة، وكأن البحرين تعيش “كرنفال ديني” كل عام من خلال العديد من الفعاليات والأفكار والأنشطة.

إن المواسم الدينية إحدى أفضل الأوقات التي يمكن من خلالها إرسال العديد من الرسائل ذات المضامين الحركية بما يخدم السلم المجتمعي، وتعزز مفهوم السياحة الدينية ذات المردود المؤثر في الجانب الاقتصادي للدولة. فضلاً عن تقديم الرسائل المشتركة بين الدولة والمجتمع، ولا أدل على ذلك من إطلاق مشروع عاشوراء البيئي الذي ينظمه مركز المنامة الإعلامي بالشراكة مع وزارة البلديات ووزارة الصحة والهيئة العامة للبيئة والثروة البحرية والحياة الفطرية، ومجلس بلدي المنامة، بالإضافة إلى الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتدشين رسالة سلام من البحرين للعالم وهي إحدى الصور التي يتمثل فيها التعاون بين الجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، وما حملات التبرع بالدم في موسمي محرم وصفر إلا صورة أخرى تتمثل فيها الرسالة الإنسانية لنهضة الإمام الحسين (ع).
كل تلك الصور تقدم المعادلة التي تجعل من البحرين لها القابلية لتكون مركزاً مميزاً للسياحة الدينية في المنطقة وما في ذلك من مردود إعلامي واقتصادي تضيفه البحرين إلى رصيدها، ويتمثل ذلك عبر إفراد مساحة محترمة تليق بموسم عاشوراء في الإعلام الرسمي، ووضع الخطط التنظيمية المشتركة ليكون عاشوراء موسماً يساهم في صناعة الصورة للدولة أو ما يسمونه ب” كونتري براند”
وفي ظل تطور الطرح العاشورائي في الخطاب والصورة التي تمثل عملية نمو متصاعدة للجسم الديني للموسم حركة وصورة ومنهجاً، نعتقد بأنه من المناسب في ظل تلك الرؤية أن يتم طرح أفكاراً إبداعية تنقل من مستوى الخطاب والصورة من مستوى متعارف عليه إلى مستوى التميز والجذب الإبداعي.
“كرنفال عاشوراء” من ضمن الأفكار التي يمكن طرحها كصورة حركية ورسالية وإعلامية لموسم محرم، حيث يمكن استعراض رسالة الإمام الحسين(ع) وثقافة محرم من خلال مسيرة شاحنات مجهزة بمجسمات وعروض متنوعة من تمثيل وتقديم السمعيات والمرئيات والمطبوعات بلغات متعددة، ليكون “كرنفالاً دينياً” يحتضنه أهل البحرين على مستوى العالم الإسلامي، وهي نقطة جذب رئيسية ستدفع الكثيرين من زوار وإعلاميين ومهتمين ومثقفين إلى شد الرحال إلى هذه الجزيرة النشطة بأهلها.
للبحرين بثقافتها وتراثها نقاط قوة وجاذبة "بوتينشال براند" يمكن الاستناد عليها لتقديم أنموذج حي لتفاعل شعبي رسمي يقل مثيله في الدول، فهل سيتحول محرم الحرام إلى منجم يمكن البحث فيه عن فرص لتحويل البحرين إلى محطة للسياحة الدينية، أم تظل الصور كما هي من داخل الساحة المحلية فقط؟؟

نظارة+جينز= فيلم


نظارة+جينز= فيلم
جعفر حمزة
التجارية 2 يناير 2008
قد تبدو معادلة غريبة من نوعها ، إلا أن معاملاتها (نظارة و جينز)هي مكونات تبرز على السطح نتيجة تفاعل الأفراد(المشاهدين)مع ما يُطرح من أزياء تتعلق بأبطال الفيلم ،و بذا تتم عملية (التدوير)للباس و متعلقاته من شخوصات الفيلم إلى المشاهدين ، و من المشاهدين إلى أصحاب السوق، و تتحرك تلك العملية ك(تغذية راجعة) ، و مؤشر واقعي للتفاعل الحاصل بين المشاهد و الفيلم.
و الترويج للكثير من المنتجات اللباسية و ما يتبعها يتم عبر التعاقد مع كبار الممثلين سواء في الإعلانات الثابتة او المتحركة ، و نتيجة الهوس الرياضي في الكثير من المجتمعات النامية كانت منها أو المتقدمة ،يتم التعاقد مع مشاهير الرياضيين للدخول في عالم الإعلانات من أجل هذه السلعة أو تلك، وقد يتخطى الأمر بالنسبة للبطل الرياضي مجرد إعلان تجاري، ليدخل عالم السينما منأوسع أبوابه،و خير مثال على ذلك هو المصارع (ذا روك) ، و الخطوات المتواضعة للاعب الكرة الإنجليزي (ديفيد بيكهام) عبر أخذه لبعض الأدوار الثانوية في أحد الأفلام.
الكثير من المنتجات المتوفرة في السوق لا تتحرك بناء على الجودة و الفائدة بقدر ما تأخذه من مساحة (بصرية) عند المستهلك، لينسخ من البطل الذي يعشقه سلوكا و فكرا و لباسا يتقمصه ، عسى أن تكون تلك الطريقة مقربة للأنموذج الذي يصبو إليه الفرد المشاهد ، و من خلال النظرة العامة للشباب البالغين في المجتمع ، نرى نسبة التقمص( اللباسي) الذي يعكس الكثير من التصورات عن ذات الفرد و محيطه ، بل و تأخذ منحى تأثيريا إجتماعيا عبر ما يسمى بالارتباط الشرطي اللباسي ، الذي يشكل حركة الفرد بناء على ما يملك من صور تأثر فيه و تتأثر به، و ما اللباس إلا إلا مكون أولي لبيت شخصية الفرد،وحين تحصل تبعية التقليد في أشكال و صور الأفلام من لباس و سلوك ، ينعكس كنيتجة طبيعية على إدراك الفرد لنفسه و السؤال عن ذاته .
النظارة الجينز أهم صورتين بإمكان الفرد العادي أن يتلبسهما ، و يتشكل فيهما بطرق متعددة، و كونهما(الأيقونة) الظاهرة للمشاهد لذا يتم التركيز بعناية في إختيار ملابس الممثلين من الفكرة الرئيسية مرورا بالحياكة و التصنيع و انتهاء بالشكل الخارجي ، فضلا عن وجود (ألبسة ) متفق عليها في نسبتها لأبطالها ليمتد تأثيرها إلى الأطفال من خلال زي (السوبرمان) و (رجل العنكبوت ) و (الرجل الوطواط).
لقد أصبحت مسألة اللباس في حركته التأثيرية على الفرد واضحة الملامح ، نتيجة التفاعل الحاصل مع ما يُطرح في فيلم هنا أو هناك ، ولا تكتمل عند المشاهد رسم صورة الشخصية التي يحبها و يتبناها إلا من خلال عنصرين يتقمصهما و يعمل بهما ، السلوك و اللباس ، وكلاهما يُسقط أثره على ذات الفرد و المجتمع ، و مسألة دراسة ما يُطرح في الفيلم تدفع الباحثين للتدقيق المدروس في التبعات التأثيرية للفيلم المعروض بشكليتيه الصورية و اللباسية
.

المرأة في‮ »‬الأفلام القصيرة‮« ‬ضرورة‮.. ‬والعرف‮ ‬يحكم

المرأة في‮ »‬الأفلام القصيرة‮« ‬ضرورة‮.. ‬والعرف‮ ‬يحكم‮ ‬
شغف قروي‮ ‬لمتابعة الأعمال التمثيلية


صحيفة الأيام الأول من يناير ألفين وثمانية

كتب‮- ‬حسين السنابسي‮:


يؤكد عدد من المهتمين بإنتاج الأفلام القصيرة الموجهة للقرية ان الجمهور‮ »‬القروي‮« ‬متابع جيد للأعمال رغم محدودية الإمكانيات،‮ ‬مشيرين إلى ان عدم إشراك المرأة في‮ ‬العمل الدرامي‮ ‬مباشرة والاستعاضة بالمشاهد الرمزية لا‮ ‬يعتبر تذاكياً،‮ ‬لافتين إلى ضرورة مراعاة ذهنية المجتمع‮ »‬القروي‮« ‬ونقله إلى التحرر شيئاً‮ ‬فشيئاً‮.‬
يقول جعفر حمزة‮ (‬مخرج وكاتب سيناريو‮ - ‬قرية المالكية‮) ‬ان الأفلام القصيرة بدأت تتطور في‮ ‬السنوات الأخيرة،‮ ‬لافتا إلى أن الكثير من الجمهور‮ ‬يعتقد أن كلمة قصيرة تعني‮ ‬المدة الزمنية وهذا‮ ‬غير صحيح،‮ ‬والمقصود منها هو ضغط فكرة الفيلم واحتواء الحجم‮.‬
ويلفت إلى ان الموضوعات التي‮ ‬يتعرض لها منتجي‮ ‬هذه الأفلام متنوعة،‮ ‬فمنها الاجتماعي‮ ‬أو السياسي‮ ‬أو‮ »‬الفنتازي‮« ‬التي‮ ‬تغلب الرمزية على طبيعتها‮ .‬
ويذكر العوائق التي‮ ‬يقع فيها منتجو هذه الأفلام‮ »‬عدم توافر مواقع التصوير،‮ ‬وهذه نتيجة طبيعية للحالة الاجتماعية والسياسية التي‮ ‬تعكس نوعية الأفلام‮«‬،‮ ‬مضيفا‮ »‬فلا‮ ‬يُسمح بالتصوير في‮ ‬المطار أو بعض الأماكن التي‮ ‬يحتاجها المنتجون،‮ ‬ما‮ ‬يجعلهم‮ ‬يستعيضون بأماكن شبيهة لا تعبر عن حقيقة المشهد،‮ ‬فيخرج الفيلم دون المستوى المطلوب‮«.‬

تصنيف مناطقي

ويرفض حمزة تصنيف الجمهور على أساس مناطقي‮ » ‬لا أعتقد ان هناك داع لعملية فرز الجمهور‮ »‬قروي‮« ‬أو‮ »‬مدني‮«‬،‮ ‬هناك حالة التزام،‮ ‬جمهور ملتزم وغير ملتزم،‮ ‬وهذه نتيجة طبيعية لجمهور القرية المحافظين‮«‬،‮ ‬ملاحظا تشابه الظواهر والحالات الاجتماعية والسياسية‮ ‬،‮ ‬فالقضايا مشتركة‮«.‬
ويضيف‮ »‬ان جمهور القرية واع لأقصى درجة من‮ ‬غيره،‮ ‬فالطقوس الدينية التي‮ ‬يقوم بتصويرها في‮ ‬كل عام‮ »‬عاشوراء‮« ‬من خلال تجسيد مشاهد واقعة الطف،‮ ‬مهد له استيعاب المسرح ومتابعة انتاج الأفلام القصيرة بأنواعها،‮ ‬فالاختلاف‮ ‬يكون في‮ ‬الطريقة فقط‮«.‬

وينفي‮ ‬حمزة‮ »‬المحظورات‮« ‬التي‮ ‬يشهدها الفيلم القصير المنتج لجمهور القرية‮ » ‬لا‮ ‬يوجد في‮ ‬واقع الأمر محظورات معينة عند كتابته أو إخراجه،‮ ‬بل هناك ضوابط عامة وموضوعات لا‮ ‬يستسيغها الجمهور بشكل عام،‮ ‬ويمكن الاستعانة ببعض الأمور الضرورية بالرمزية‮« ‬مؤكدا‮ »‬ان إشراك المرأة في‮ ‬العمل ليس مخلا بالآداب العامة،‮ ‬فهناك بعض البلدان المحافظة كالسعودية وإيران تنتج هذه الأفلام وتظهر فيها المرأة بدون ابتذال‮«.‬

تفاعل كبير

ويلفت إداري‮ ( ‬بحارنة للإنتاج الفني‮) ‬علي‮ ‬العويناتي‮ - ‬قرية السنابس‮- ‬ان تجربة انتاج الأفلام القصيرة تعد وليدة،‮ ‬فهي‮ ‬لم تتجاوز ثلاث سنوات،‮ ‬وهي‮ ‬تجربة‮ »‬هواة‮«‬،‮ ‬لافتاً‮ ‬إلى أن قياس تفاعل أبناء المنطقة‮ ‬يعني‮ ‬بأنها تجربة مثمرة،‮ ‬خصوصاً‮ ‬عندما تتعدى رقعة المحلية‮.‬
ويضيف‮ » ‬أعمالنا تلامس الواقع،‮ ‬وتحترم ذهنية الجمهور،‮ ‬وتراعي‮ ‬الضوابط الشرعية،‮ ‬فنحن معتدلون في‮ ‬الطرح ولا نميل لطرف على حساب الآخر‮«‬،‮ ‬متابعا‮ :‬نعتمد بشكل رئيسي‮ ‬على القالب الكوميدي،‮ » ‬حياة الإنسان مليئة بالمصاعب،‮ ‬ومن المحبب تقديم الأفلام الساخرة ذات العلاقة بالظروف الاجتماعية أو السياسية‮«.‬
ويعتقد ان المرأة تلعب دوراً‮ ‬هاماً‮ ‬في‮ ‬المجتمع،‮ ‬وتجاهلها‮ ‬يعني‮ ‬تجاهل نصف المجتمع،‮ ‬إلا أن هناك أعرافا تقيد وجود المرأة في‮ ‬الأفلام التي‮ ‬ننتجها،‮ ‬ونستعيض عنها برجال‮ ‬يلبسون زي‮ ‬المرأة‮.‬
ويشير الى الأعمال التي‮ ‬نالت استحسان الجمهور‮ »‬إفطار الصائمين‮«‬،‮ ‬معللا ذلك بالقول‮ » ‬لانها تحاكي‮ ‬واقعا عاما بقالب كوميدي،‮ ‬ولقيت صدى خليجيا في‮ ‬عمان والإمارات‮«.‬
ويدعو العويناتي‮ ‬المؤسسات المعنية لتقديم الرعاية والاهتمام لهذه الطاقات الشبابية،‮ ‬وتوجيهها في‮ ‬الاتجاه الصحيح،‮ »‬فواقع الحال‮ ‬يقر بمحدودية الإمكانيات المتوفرة مثل التصوير والمونتاج‮«.‬

ظواهر حقيقية

ويشير علي‮ ‬يوسف الدرازي‮ ‬أحد أعضاء‮ (‬شمس الولاية للإنتاج الفني‮) ‬إلى ان بعض القرى لها خصوصية معينة،‮ ‬ولهذا فإن بعض الأعمال توجه بشكل خاص لقرية دون أخرى لوجود ظواهر حقيقية‮ ‬يعاني‮ ‬منها المجتمع القروي‮ ‬الخاص،‮ ‬مؤكدا‮ » ‬بعض القرى لا تقارن بتجربتنا لما لها من إمكانيات متقدمة،‮ ‬فنحن نقوم بتصوير الأفلام بكاميرا عادية،‮ ‬وحتى المونتاج‮ ‬يكون على أجهزة الحاسب الآلي‮ ‬الخاص بنا،‮ ‬ولهذا تفتقد للوضوح‮«.‬
ويعتقد ان الأفلام الكبرى تعالج أوضاعاً‮ ‬عامة وبشكل موسع،‮ ‬لكن الأفلام القصيرة التي‮ ‬نوجهها لجمهور القرى تكون حدثاً‮ ‬خاصاً‮ ‬مثل عملنا الاجتماعي‮.‬
وعن مواقع عرض الأفلام‮ ‬يقول الدرازي‮»‬تكون في‮ ‬مؤسسات القرية كالمآتم والمساجد وعلى شبكة الانترنت،‮ ‬وتفاعل الجمهور‮ ‬يبدو واضحاً‮ ‬ومباشراً‮«‬،‮ ‬داعيا الى ضرورة الأخذ بالضوابط العامة مثل الامتناع عن ظهور إمرأة‮ ‬غير متحجبة أو الموسيقى الصاخبة والغناء والاستعاضة عنها بالأناشيد و»الآهات‮« ‬الصوتية‮.‬
و‮ ‬يواصل‮ » ‬بالإضافة للابتعاد عن الكلمات الجارحة،‮ ‬والملابس التي‮ ‬تخدش الحياء والذوق العام،‮ ‬وإن كان المشهد‮ ‬يتطلب ذلك،‮ ‬فتكون الرمزية حاضرة للاستعاضة،‮ ‬مثل تصوير المرأة من زاوية معينة،‮ ‬أو تصوير ظلها‮«.‬
ولا‮ ‬يرى الدرازي‮ ‬ان عدم ظهور المرأة في‮ ‬العمل تذاكياً‮ ‬على الجمهور،‮ ‬فالأخير لمّاح وذكي،‮ ‬فلا نستطيع إظهار المرأة في‮ ‬القرية على عمل معين،‮ ‬فضابط العادات والتقاليد‮ ‬يحكم الأمر،‮ ‬متمنيا التحرر من بعض القيود التي‮ ‬يفرضها العرف وليست الحدود الشرعية