العنزة الطائرة



التجارية ٨ أكتوبر ٢٠٠٨م

جعفر حمزة*

كان التخمين سبيلهما لتوقع ما يتحرك من وراء الشجيرات، فقال أحدهما هو "طير"، فرد الثاني بل هي "عنز"، واستمر تخمينهما مردداً صداه حتى قطع نزاعه جناحي الطير مرفرفاً منزعجاً من جدالهما، إلا أن صاحب "العنز" قد "نزع" - في ذهنه- جناحي الطير ووضعهما على"عنزته" ليثبت أنه على حق، فقال رده المعروف "عنزة وإن طارت".

وقد اُتخذ من هذا الموقف المتعنت أثراً ما زال سارياً على "عنزات" العصر الحديث في ميادين السياسة والاقتصاد والدين والفكر والثقافة، فما على صاحب الموقف الضعيف إلا "وضع" الأجنحة التي يريد على "عنزاته" لتطير محلقة، ولتثبت ما يقول، في موقف أقل ما يمكن وصفه بأنه بعيدٌ عن المنطق والواقع، وقريب من التشدد والتزمت.

ويبدو أن البعض لديه "أجنحة" وبمقاسات مختلفة لتتناسب مع كل عنزاته الكبيرة منها والصغيرة، لتطير أي واحدة منها عند الحديث وطرح النقاش معه حول موضوعات المال العام. وما موقف "هيئة التأمينات الاجتماعية" من قرض الـ ١٠٠ مليون دولار والذي طلبته شركة "ممتلكات" إلا إحدى "العنزات" التي يُراد لها أن تطير بوجود "أجنحة" على المقاس المطلوب، وربما تكون لها "خيارات متكاملة.

لقد وصل البعض إلى مرحلة "تطيير العنزات" في كل موقف وفي كل قضية، حتى خجل "العنز" منهم، وأصبحنا نقوم بتوضيح الواضحات وهو قبيح لدى أهل المنطق، ولا منطق للبعض عندما يرى أن تقديم "عرق" الناس وجهودهم لسنين طوال على طبق من ذهب لشركة "ممتلكات" دون وضوح للرؤية وغياب ضمانات لاسترجاعه، فضلاً عن عدم تخصص "هيئة التأمينات الاجتماعية" في الإقراض بصورة عامة، فعجيب أن يرى ذلك البعض بأن تقديم القرض ممكن وبكل سهولة.

ويبدو أن علينا لإقناع صاحب "العنز الطائرة" أنه ليس هناك ما يتخيله من عنزة تطير، فعلينا "نتف" ريش الأجنحة الوهمية في رأسه، لنعرف كيف نتحاور معه ونتفاهم، فإلى "نتف" الريش:


الريش الأول:
هل من حق "التأمينات" إقراض "ممتلكات"؟ بمعنى آخر، هل يمكن للتأمينات أن تقوم مقام البنوك لتقديم القروض بغض النظر عن الجهة التي طلبت القرض؟ وهل هو مال خاص ليكون ذلك الإقراض مشروعاً، أم أنها أموال الشعب العامل؟ وهل يجوز الإقراض من أموال الشعب دون الرجوع إلى جهة تمثلهم، وهم النواب في مثل هه الحالة؟

الريش الثاني:
ما هو رأي البنك المركزي من دخول "التأمينات" على مساحة "الإقراض" والتي هي من مهام البنوك، وليست جهات حكومية ترعى المال العام؟

الريش الثالث:
ألا تستطيع "ممتلكات" أخذ القرض من البنوك، بدلاً من طلب ذلك من "التأمينات"؟، وهي التي ترغب البنوك بالإقتران بها قرضاً ومعاملة؟

الريش الرابع:
كيف يتأتى لوزير يشغل منصبين في وقت واحد، وخصوصاً إذا تعلق الأمر بتقديم سيولة ضخمة من تعب الناس إلى جهة أخرى يترأس الوزير رئيس مجلس إدارتها؟ فأين ضمانة الحيادية في مثل هذه القضية؟
وللعلم ، فإن وزير المالية هو رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، والذي يشغل أيضاً منصب رئيس مجلس إدارة شركة ممتلكات البحرين القابضة!

الريش الخامس:
لم هذا "الحماس" المُنزل على إدارة التأمينات عند الحديث عن إقراض ممتلكات، في حين كان "الفتور" ديدنهم عند تقديم بعض الكتل النيابية مقترحات لها بما يتعلق بحقوق المتقاعدين والاستفادة من أموال العاملين بطريقة استثمارية مربحة؟ وهناك من المشاريع الاستثمارية المضمونة التي يمكن للهيئة الدخول فيها عوضاً عن مشاريع "تبيع السمك في البحر" كما يقولون-أي بدون وجود ضمان للاسترجاع في حال عدم إمكانية السداد؟

الريش السادس:
"إنّ هذا القرض بهذه الشروط وبهذه المخاطر المحدودة يعد فرصة سانحة لاستثمار بعض فوائد الهيئة النقدية وتحقيق سياسة الهيئة التي أقرها مجلس إدارتها في تنويع الاستثمار وتوزيع المخاطر"(١)
هذا ما قاله الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية. ولا ندري عن أي "محدودية" للمخاطر الموجودة في تقديم القرض، مع غياب تفاصيل القرض وأوجه الاستثمار فيه، فضلاً عن "غياب" أي ضمانة للاسترداد.
فأي أجنحة يريدون وضعها على "عنزاتهم" ليصدق الناس بأن ما يقومون به هو الصواب، بعيداً عن القراءة القانونية وواقع الاقتصاد الحاصل؟

الريش السابع:
لم هذا "التطاير" السريع على الموافقة من قبل أعضاء مجلس إدارة الهيئة على القرض، دون التأني في قراءته قانونياً واستثمارياً؟
مجلس الشيوخ الأمريكي، بالرغم من معرفة أن اقتصاد بلاده على الهاوية، إلا أنه لم يوافق على رصد تلك الميزانية من جيوب ضرائب المواطنين إلا بعد تعديلات وجولات من المفاوضات والأخذ والرد. في حين "يطير" البعض لدينا في الموافقة على "إعطاء" أموال الشعب دون "ضمانة" أو "وضوح" لشركة ليست بحاجة إلى "السلفة" من هيئة التأمينات الاجتماعية. فلا تدري أي نوع من "العنز" يودون أن تقوم بالطيران من أجلهم؟



الريش الثامن:
إن سلمنا جدلاً بأهمية تقديم القرض لشركة "ممتلكات"، فهنا يتقدم سؤالين مهمين في الواجهة، هما:

أ- ما نوع المشروع الذي ستقدم عليه ممتلكات" ليستلزم هذا المبلغ الضخم من عرق الناس وتعبهم الطويل؟.
ب- ما هي الضمانات التي ستقدمها "ممتلكات" لإرجاع المبلغ لمكانه، في حال تدهورت "ممتلكات" أو خسرت أو تفتت أو انقرضت؟ أو أفضل الاحتمالات أن المبلغ قد يذهب مع الريح في خضم الاضطرابات الاقتصادية التي لن تهدأ قريباً في العالم.
ومع موجة "تسونامي" الاقتصادية الآتية من بلاد العم سام، لتغرق كل العالم، وخصوصاً الاقتصاديات المرتبطة عملة وتعاملاً وسياسة مع الاقتصاد الأمريكي. ولا نعلم على أي بقعة من الأرض سيتم استثمار هذا المبلغ الضخم؟ ربما في توظيفه لبناء مستوطنات على القمر؟ ربما!

ولو عددنا وبسطنا و"نتفنا" كل ريش الطيور في العالم، لن يقتنع صاحب "العنزة الطائرة" بأن ما تخيله كان خطئاً، وهناك من هو مستعد لنتف الريش وبقوة، منها ما توعدته بعض الكتل النيابية من مسائلة للوزير المعني، فضلاً عن نقابة العمال وبعض الأعضاء المعنيين بالقضية في "التأمينات"، والذين وقفوا بشجاعة أمام قرار قد يُذهب جهود مئات الآلاف من المواطنين العاملين والموظفين أدراج الرياح.

وإلى حين وقت "النتف" تحت قبة البرلمان، يبدو مستغرباً جداً مواصلة البعض في إقناع نفسه والآخرين بأن العنزة تطير، وليس ذلك بمستغرب إذ تم استنزاف أموال الهيئة سابقاً ليُعلن إفلاسها، ويتم التصريح بعجز إكتواري، لنرى فجأة بأن "بوابة علي بابا" قد فُتحت أمام "ممتلكات" لتقترض أو لتأخذ، وهي العبارة الأصح، بلحاظ غياب "ضمانات" و"صورة واضحة" لهدف القرض، حتى بتنا نناقش ماهية القرض وفائدته مع إغفال خطأ أصل الفعل نفسه من الهيئة وهو الإقراض.

وفي حين تعاني اقتصاديات الدول الكبرى من اهتزازات كبيرة، يقوم البعض بالمجازفة في بحر لجي لا يمكنهم الإبحار فيه، لنستيقظ على تغريد "عنزة" ظننا -أو هكذا- أُريد لنا أن نتصور، ولتطير بعدها كل جهود الناس وتعبهم محلقة بعيدة عنهم، لأن البعض يمتلك "تركيب" الأجنحة المناسبة لتطير أموال الناس بتصويت عدد من الأعضاء، وذلك لسبب بسيط، وهو أن البعض يمتلك من الأجنحة أشكالاً وألواناً وأحجاماً مختلفة لكل قضية، وما عليه إلا وضعها على ما يريد لتطير. ويبدو أن حجم أجنحة النسور هذه المرة من تم انتقائها لتطير أموال الناس دون "ضمان" أو" وضوح"، ونحن بانتظار "النتف".

(١) الوسط، ١٤ سبتمبر ٢٠٠٨م

*مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي

1 التعليقات:

  غير معرف

٢٦ أكتوبر ٢٠٠٨ في ١:٢٠ م

ياريت بس العنزة الي طارت اليوم 110 مليون عنزة طارت وما بقى للعمال المتقاعدين الى الريش
تحيه للمثلين العمال في التامينات ما كنا نعرف ويش كان ادور خلف الكواليس من سرقات وبوقات لولا وجودهم
اعتقد انهم استطاعو ان يفضحو المستور
وكل عنزه وانتم بخير