قراءة في الخطاب الاعلامي لشعار (معاً ضد الغزو غير الاخلاقي) للمجلس العلمائي





قراءة في الخطاب الاعلامي لشعار (معاً ضد الغزو غير الاخلاقي) للمجلس العلمائي
1431 هـ

مجلة الطف-البحرين
جعفر حمزة
“مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي”

مقدمة اجتماعية واقعية
إعلانات طرق، ومواقع إنترنت، ويافطات معلقة على مدخل قرية أو شارع، وأقراص مدمجة، فضلاً عن رسائل نصية قصيرة، إلى جانب ندوات ومؤتمرات وجلسات حوارية متنوعة.

أصبحت تلك صوراً من وسائل التواصل الإعلانية والإعلامية التي تتبعها بعض الجهات الدينية للتعبير عن موقف تتبنّاه أو رأياً تود طرحه، وسبب ذلك سُنّة التدافع التي لا بد منها فيمن يطرح رأيه بقوة وبحجج دامغة ممزوجة بتوليفة عصرية ذات أثر تتركه على المتلقي.
فهل تكفي كل الصور البصرية والمكتوبة في “وقف” التيارات الجارفة التي تتبنّى فكراً مختلفاً وتؤصل لسلوكيات هي أبعد ما تكون عنه تلك المجتمعات؟
وهل يرضى البعض أنفسهم أو يُخال لهم ذلك عندما ينزلون “إعلامياً وإعلانياً” للساحة المحلية بشعارات متنوعة تعكس هويتهم دون دراسة الأثر بعد حين وتلمّس مؤشر التغيرات الحاصلة قبل وبعد “النزول بصرياً”؟
كل ذلك يدفع لمراجعة الخطاب الإعلاني والإعلامي الذي يقدم المفاهيم والقيم في قبال “سيل جارف” من منتجات ثقافية ظاهرة وباطنة، وضمن “ماكينة إعلانية وإعلامية” ضخمة. يجعل المرء المتفكر في الأمر يتوقف قليلاً ويراجع أدبيات الخطاب المقدم في أي مجتمع من حجم قرية إلى حجم مجتمع إسلامي يضم فوق المليار مسلم في العالم.
ذلك التوقف يستلزم نفساً عميقاً وعينان ثاقبتان ونقد عملي لا يعرف المحاباة، للوصول إلى تشذيب الخطاب والأخذ بأسباب التأثير لا الطرح فقط. ولتوسعة أثر الحصاة المرماة على سطح بركة المجتمع.

وضمن سياق الحركة “الموسمية” للمجلس العلمائي الإسلامي والذي يحظى بحضور لافت في السنوات الأخيرة بالمجتمع البحريني عبر حراكاته الثقافية المتنوعة، والتي برزت بشعار في كل عام بداية من سنة ٢٠٠٥
تأتي القراءة لمراجعة الأثر وقياس النتيجة ورصد الصدى أمراً لازماً في ظل خطابات ترفعها اليافطات وتحتضنها النشرات، فهل لتلك من رجع صدىً في المجتمع؟ وإن كان، فما مقداره؟ وكيف؟
ومن أساسيات المراجعة لأثر العنوان المطروح، قراءة مكوناته وطريقة طرحه البصرية للمجتمع من فئات مستهدفة عدة وضعها الشعار في عين الاعتبار.

لذا نحاول تقديم ذلك التفكيك البصري للشعار المطروح لعام ١٤٣١هـ، وهو “معاً... في مواجهة الغزو غير الأخلاقي”. وذلك عبر المحاور التالية :
أولاً: عن الشعار تركيباً وتحليلاً.
ثانياً: مقومات القوة لأي خطاب.
ثالثاً: نقاط القوة والضعف في الخطاب.
رابعاً: توصيات لإحداث الأثر.







أولاً: عن الشعار تركيبا وتحليلاً

يقدّم الشعار صيغة التوافق بين الجهة المطلقة للشعار وهو المجلس العلمائي وبين الفئة المخاطبة وهي المجتمع،وذلك في مواجهة أطروحات لا تتناسب -وفق الجهة المخاطِبة (بكسر الطاء)- مع مبادىء الإسلام، وقد أخذت تلك الأطروحات أثرها في المجتمع بطريقة سلبية، من خلال العديد من السلوكيات والصور اليومية التي تعكس بُعداً واضحاً عن الإسلام في عناوينه العامة.
وعند النظر للشعار، يمكن تفكيكه والنظر له كالتالي:

معاً: الصف الواحد في الخندق الواحد، ليس هناك بُعد بين الجهة المخاطِبة (المجلس) والجهة المخاطَبَة (المجتمع).
في مواجهة: صيغة ترقب واستعداد وحماية وصد وبالتالي حذر ومراقبة ومتابعة لازمة.
الغزو*: هجوم وتربص من قبل جهات معينة وسلوكيات غير محببة وسلبية في الموقف وتهديد للهوية.
غير الأخلاقي: تحديد لطبيعة الميدان المراد التحرّك قباله ومواجهته.

فالحديث هنا يدور حول حملة شعار تستهدف “توجيه” سلوك و”صد” سلوك آخر. وذاك يستلزم وقتاً وجهداً متواصلين، لأننا نتناول “سلوكاً”، وهو أصعب ما يمكن معالجته عبر حملة مؤقتة بعام واحد وتتركز في أيام معدودات فقط وتنتهي.
فالترويج لسلوك وتثبيته يختلف عن الترويج لمنتج أو خدمة يتم تناول خصائصها ومزاياها وفائدتها للفرد، وما على الأخير إلا تجربتها ومن ثم ينتج التفاعل بينه وبينها.
ومانتناوله عبر هذا الشعار “معاً.. في مواجهة الغزو غير الأخلاقي”، هي راية مرفوعة تهدد بنخر “الهوية“، فهل الهوية عند أفراد المجتمع بمهم أصلاً؟ وما الهوية بداية؟ وما الحد الفاصل بين التواصل مع الآخر والتفاعل معه في ظل زمن معولم، وبين “الغزو” الذي يستبطن كلمة “هجومية”؟
تلك الأسئلة وغيرها يبنغي أن تكون من أساسيات طرح الخطاب قبل التوجه في تسليط الضوء على النتائج أو الآثار أو حتى “التحذير” منه.
لذا لا بد من معرفة مقومات القوة للخطاب الموجهة، لنعرف بعد حين بأي صيغة نقدّم العنوان، وبأي أداة يمكن النزول في الميدان.


ثانياً: مقومات القوة لأي خطاب

في الشعار المقدم للمجلس العلمائي الإسلامي للسنة الهجرية ١٤٣١أو قبلها من سنوات، أو بصورة عامة في أي شعار يستهدف السلوك والفكر وصياغة التوجهات، هناك ثلاثية يمكن الإعتماد عليها والبحث في كل منها بعمق لإكمال مثلث التحوّل المطلوب في الطرف المخاطب.
وأضلاع المثلث ذاك موضحة في الشكل المرفق.

وفي هذا المثلث لا بد من التفكير الحر في ابتكار آليات تواصل وتفاعل يعيش معها الفرد الشعار في كل لحظة لا بمعنى الضيف الثقيل، ولكن أن يكون حضور الشعار جزء من شخصية المخاطب أينما كان، وليصبح جزء من كلامه وسلوكه ونكتته وإشاراته. وبالتالي يدخل في عمق سلوكه اليومي. وعندها يمكننا القول بأن الشعار قد أخذ مداه وتغلغل. حينها ينزل الشعار من اليافطة إلى قلب وفكر الإنسان بالمجتمع. وينتقل من الخطبة إلى السلوك الخاص بالفرد، وبعد ذلك نضمن أن يتحول الشعار إلى سلوك جمعي كفيل بتحقيق أهدافه، لأن كل فرد أصبح مترجماً للشعار بعد فهمه له واقتناعه به وإيمانه بأهمية التغيير من أجله.



ثالثاً: نقاط القوة والضعف

تمتّع الشعار المقدّم بتسليط الضوء على ملف يمس حياتنا اليومية وبأكثر من طريقة، وقد أخذ جوانب سياسية بمقدار وزنه الاجتماعي والتربوي، والحديث هنا يتناول عن بعض القرارات والبنود الموجودة والمقرّة من قبل السلطة السياسية في ملفات يعتبرها الكثيرون خارج إطار الهوية الإسلامية التي ينتمي لها المجتمع البحريني.
فبالتالي فقد أخذ الشعار بُعداً أكبر مما يتصوره الكثيرون من أنه مقتصر على جوانب تربوية واجتماعية بحتة فقط، مع أهمية ذينك الجانبين وخطورتهما طبعاً.
وفي استعراض سريع لنقاط القوة للشعار المطروح، يمكن تفكيك تلك القوة وفرد عناصرها كالتالي:
أولاً: تناول وتسليط الضوء على ملف واقعي ومحسوس لكل فرد بالمجتمع، وهو نتاج الغزو غير الأخلاقي.
ثانياً: تقديم الشعار عبر رموز لها ثقلها الاجتماعي والسياسي والديني بالمجتمع، مما قد يعطيها بُعداً جماهيرياً.
ثالثاً: محاولة التوسّع في آليات الخطاب المقدمة للشعار، من خلال اليافطات وموقع إلكتروني وأقراص مدمجة وندوات.

وعند الحديث عن نقاط الضعف الموجودة في آلية طرح الشعار، فهي:
أولاً: بالرغم من أهمية الشعار إلا أن أدواته المقدمة كانت “كلاسيكية” وذات أثر محدود جداً في الامتداد والإنتشار المؤثر.
فاقتصار أدوات الخطاب بالطرق التقليدية في الإعلان والإعلام لم يُضف للشعار حيوية ملموسة في السلوك للفئة المستهدفة من الخطاب. ومن تلك الأدوات “اليافطات، والتصاميم المعتادة من كلمة وصورة لصاحب الكلمة مع زخرفة إسلامية، إلخ”.

ثانياً: الاعتماد في الخطاب على رموز بعينها “حجّم” مساحة انتشارها وتأثيرها على دوائر أخرى بالإمكان التعاون معها وبسط الخطاب المشترك بينها ومعها لتكون دائرة التفاعل أكبر وذات تواصل أوسع.

ثالثاً: “موسمية” الشعار أفضى إلى “محدودية” إيصال الرسالة من وراء الشعار، فما إن تنتهي مدة الخطاب إثر تزامنها مع موسم معين حتى تنتهي أدواته وتواصله وفعالياته، دون ترك آلية معينة للتواصل وتشكيل الأثر بعد ذلك. من قبيل تأسيس أدوات تفاعل متنوعة لمختلف الفئات العمرية المستهدفة من الخطاب، لتكون معهم مذكرة حاضرة للشعار معهم بطريقة يحبونها ويتفاعلون معها.


رابعاً: توصيات لإحداث الأثر

بالرغم من تمتّع الخطاب الإعلاني والإعلامي للمجتمع الشيعي بشعبيته وتغلغله في أفراد المجتمع حضوراً، وبالرغم من وجود كوادر ذات أهليّة عالية المستوى في التقديم والطرح والعمل والإبداع بمسحة جديدة وابتكار خلّاق في الخطاب، إلا أن جمع تلك القطع المتناثرة من إبداع وتخطيط حسن وتنظيم جيّد ودراسة أثر ما زالت غير مكتملة الملامح.
فالخطابات المقدمة سواء ما نتناوله الآن هنا من قبل المجلس العلمائي الإسلامي أو غيره من الجهات يفتقد لأمور عدّة نعتبرها أساساً جوهرياً إن أردنا أن نصيغ إعلاماً وإعلاناً لا يترك الأثر بل يُوجده إيجاداً. ومن تلكم الأمور:

أولاً: أهمية وجود استراتيجية واضحة ومجدولة للخطاب الموجّه للشعار المطروح على المديين المتوسط والطويل. خصوصاً عند الحديث عن تشكيل سلوك. وذلك باستخدام أحدث نظريات الإعلان والخطاب الإعلامي.
ثانياً: استخدام الأدوات الحديثة في التواصل، من مواقع تفاعلية وبرامج مستحدثة وفعاليات مُبتكرة وطرق جديدة، لضمان وصول الرسالة لأكبر عدد ممكن من فئات المجتمع، والتعاون مع الجهات ذات العلاقة لإحداث الأثر وفق خطة زمنية موضوعة.
ثالثاً: تكييف طرح الشعار وفق متطلبات كل فئة من فئات المجتمع المختلفة، فالخطاب الموجّه لفئة الشباب في مرحلة المراهقة تختلف عنها لأولياء الأمور وهكذا.


ما نود أن نقوله هو ضرورة إخضاع الخطابات المرسلة في قوالبها الإعلانية والإعلامية لأدوات المهنية في هذا المجال، من أجل إحداث الأثر المرتقب وضمان وصول الرسالة المقدمة وتفاعل الفئة المستهدفة منها .
وما عدا ذلك تكون الجهود مبعثرة والطاقات مشتتة دون ترك بصمة تمشي مع المجتمع أينما كان.

هامش
* قد نختلف في مفهوم الغزو الذي يستبطن في ذاته ضعف من وقع عليه، فذاك أمر طبيعي، إلا أن استخدام مصطلح “الغزو” اعتراف واضح بضعف المغزو، وبالتالي لا “عَتَبَ” إن سرى القوي على الضعيف، من باب سنة طبيعية، وهي أن الأقوى خطاباً وتأثيراً يأخذ محله في النفوس.
مقال للكاتب عن الموضوع بعنوان “الغزو الثقافي..ترف فكري أم حقيقة واقعة؟”.
http://www.alwaqt.com/art.php?aid=132672

وصلة للمواد الإعلامية لحملة المجلس العلمائي
http://www.olamaa.net/new/news.php?newsid=5326

0 التعليقات: