اغتصاب الصورة
الحيلة المفضلة لسّراق أفكار الإعلانات

جعفر حمزة * 

أتَاني وفي عينيه بريق اكتشاف طالما أترقبّه من صاحبي “علي”، ففي كل مرة يصدحُ لي بمعلومة أو بخبرٍ تقني. ولم أُدرك أنَّ بريقَ عينيه هذه المرة يخفي وراءه خبر سرقة تخصنّي!
“لقد تمتْ سرقة فكرتك يا صاحبي!
 فعندما كنت أتسوّق في مجمّع بالسعودية لحظتُ إعلاناً لمستحضر تجميل، وعندما مررت بقربه استوقفني؛ لأني استرجعت ذاكرتي، واكتشفت أن ما أراه هي نفس فكرتك تماماً، في الفكرة العامة وفي الصورة وفي الرسالة، وبالمختصر رأيت فكرتك “مسروقة” بالكامل”.
انتهى كلام صاحبي، و كنتُ انتظر منه أن يُريني ما كان بين يديه من منشور لذلك المنتج الحاوي للفكرة المسروقة من فكرة إعلاني، وتريّثتُ لبضع ثوانٍ حتى رأيتُ ما يقطع الشك باليقين بأن الإعلان ليس مصادفة تشابهه مع إعلاني، بل هو هو طبق الأصل في الفكرة والصورة والرسالة 
Concept, Visual and Message
، وأعطوه سعةً من مساحة التطبيق المختلف على أكثر من مثال لا غير.

و للعلم فالإعلان الذي أخرجته وبمساعدة من زميلي عمل هنديين في شركة "ماركوم الخليج" التي كنت أعمل فيها، كانت فكرتي والذي ألهمتنيه زوجتي، هو الفائز بالجائزة الفضية في مسابقة
Creativity Award
 في الولايات المتحدة الأمريكية من بين ٢٢ ولاية و ٣٦ دولة حول العالم. 
وقد فاز بهذه الجائزة تحت صنف أفضل إعلان مطبوع لمجلة في عام 2010 
وتقدّم فكرة إعلاني عن مستحضر تجميل “كريم” ضد التجاعيد، وذلك عبر صورة امرأة في عينيها التحدي وتحتهما خطين مرسومان كالذي يضعه المحاربون القدامى لإرهاب العدو ودلالة على الإقدام والشجاعة، وما زال الأمر مستخدماً للاعبي كرة القدم الأمريكية، وكذلك لفرق الكوماندوز أيضاً، والفكرة هنا هو في استخدام مستحضر التجميل في رسم هذين الخطين، مع عنوان “حارب تقادم العمر
Fight Aging”،
تلك هي فكرتي في الإعلان ببساطة.

وما نراه من الإعلان المُقلِّد للفكرة الأم هي نفس الفكرة حذو الشعرة بالشعرة كما يُقال، فالشكل العام لم يختلف، ووضع الكريم تحت العينين لإيصال فكرة المحارب لم تختلف، بل وحتى الرسالة لم تختلف “دافعي عن بشرتك”، وزادوها بُهاراً بتطبيق الفكرة على أمثلةٍ عدّة، فأتوا بالمرأة في المدينة مع “درع”، والرجل في الساحل ب”سكين” والطفل في مدرسته ب “قفاز ملاكمة”!! ولم يبقوا من الفكرة ولم يذروا شيئاً حتى “حلبوها دماً” كما يُقال.





هي بالفعل حالة “اغتصاب” بصرية عياناً جهاراً، ولا عزاء للمغتصب حقه سوى رفع الصوت وإعلانها مدوية بأن هذا “الاستخفاف” بالعقول و”الاستهبال” الذي “يُتقنه” ُسُرّاق أفكار الإعلانات”، لا بد أن يُكشف للناس الذين أصبحوا أكثر إطلاعاً على العالم من بين إصبعين عبر النت.
وهذا النوع من الاغتصاب البصري للأفكار، يستنفر المغصوب حقه، ويجعل كلام الناس عن هذا الفعل لمن يكتشفه مداراً للحديث، وبالتالي يدخل في دائرة هذا الصنع المقرصن أطرافاً عديدة، هي:
صاحب العلامة التجارية للمنتج، وكالة الإعلان، المستهلك، الجهة المسروق فكرها وجهدها، فضلاً عن المتلقين للأمر بصورة عامة والمطلعين عليه.
ومن يصنع هذه الدائرة هي وكالة الإعلان أولاً وأخيراً، والتي يكون لها سعةً من الوقت والجهد في تقديم أفكار “إبداعية” مفترضة لزبونها “صاحب العلامة التجارية”، وقد تظن -ويا لسوء ظنها- أن تقليد أفكار لإعلانات زبونها سيكون “سهلاً” و”لن يلتفت إليها أحد”!
وذلك هو قمة “الاستهبال” و”الاستحمار” لصاحب العلامة التجارية وللفئة المستهدفة من الإعلان.  
وفي عالم يتنفّس كثيرون فيه “السرقة الفكرية” مثل “الهواء” لسهولتها، وذلك لأسباب عدة لا مجال لذكرها هنا، يكون حرياً بالمُدركين للأمر، سواء من مختصين أو متابعين أو مكتشفين لأي نوع من ذلك “الاغتصاب البصري والفكري”، يكون حرياً بكل أولئك أن يرفعوا الصوت عالياً ليتوقف هذا “الإسفاف” في التعامل مع الآخرين والمنطلق من “دكاكين السرقات” ذات الأسماء البراقة والمكاتب المنمقة، والمُسماة وكالات إعلان، والتي تظن أنها “تستذكي” على زبونها والناس ب “اغتصابها” المقرصن دون إحداث ضجة في بيت المسروق.

وعوداً إلى صاحبي “علي”  بعد تقديمه الإعلان السارق لي، سألني: وماذا ستفعل الآن؟
وأنا أُدرك أن سرقة والأفكار كاصطياد الغزلان في البراري، ولا قانون للصيد ولا حظر عليه، فقلت سأضع لافتة في منطقة الصيد، لعلّ وعسى أن يقرأها البعض ويعي إسفاف ما يقوم به. وهذا المقال هي “اللافتة”!
وصلة الموضوع في صحيفة الوسط: http://www.alwasatnews.com/pdf/index.php?issue=3555&cat=fir
وصلة المقال بالإنكلينزية في أحد مواقع الإعلانات العالمية: http://adsoftheworld.com/forum/130121
ملاحظة: يمكن البحث في "غوغل" عن كلمة البحث التالية لتجد عدداً من المواقع العربية والأجنبية قد نشرت الإعلان الفائز:
Fight Aging+jaafar Hamza
أو 
Fight Aging+Gulf marcom

* مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي

0 التعليقات: