يُقال أنّ كمية المعرفة المنتشرة في الشابكة "الإنترنت" في العقد الأخير تعادل أضعاف ما أنتجته البشرية مذ اختراع يوهان غوتنبرغ الطابعة عام 1447م.
هذا التولّد المعرفي أصبح لحظياً ومتجدداً بشكل متشعب لدرجة لا يمكن تخيلها، وتلك التخمة المعرفية يتم صناعتها من الجميع، حكومات ومؤسسات وأفراد على حد سواء، وتعمل اللوغاريثمات عملها في التشبيك بين صانع المعرفة ومستخدمها بحثاً وتدويراً وظهوراً، حتى أصبحت "ديمقراطية رقمية واسعة النطاق".
وسرّعت الجائحة وتيرة تدوير المعرفة ونشرها بشكل ملحوظ جداً، ويمكن للمراقب ملاحظة كمية المواقع والمنصات التي تقدم المعرفة على هيئة ورش عمل ودروس رقمية وغيرها. بل أن بعض الجهات حجزت موقعها من ذلك التدوير المعرفي في ظل الجائحة. من قبيل الدورات التي تقدمها جائزة كان الدولية Cannes lions.
لم يعد الحصول على المعرفة وبشكل موثوق ميسراً قدر ما نراه لحد الآن، ولئن كان ما تبحث عنه موفوراً في فيديو أو بحث نصي أو صوتية، إلا أن نمط تقديم المعرفة أصبح أكثر تنظيماً من جهة واكتسب صفة اعتبارية، من قبل العديد من منصات تقديم الدروس مع شهادات، منها على سبيل المثال:
udemy, udacity,coursera, edx, 42 courses, Dmoestika
ولكثرة المشاع المعرفي، تم وسمه بعنوان MOOC وهي اختصار لكلمة
Massive Open Online Courses
وللاسم دلالات منها:
. Massive : الكمية الضخمة للمحتوى
. Open: مفتوح للجميع، فلا حدود للغة أو جغرافيا أو عرق أو دين، وفي غالبها يكون مجاناً أو بمبلغ زهيد
. Online: مرونة في المكان والزمان بوجود الإنترنت
. Courses: الهيكل المعرفي للمحتوى على شكل منظم
وبلغ عدد الدورات حتى نهاية 2019 قرابة 13,500 دورة، وقد ساهمت 900 جامعة حول العالم في تقديمها، وهنا مربط الفرس الذي نود التأكيد عليه.
الزحف القائم من MOOC يتعدى الزمان والمكان ليصل للإنسان بمعرفة مفتوحة له دون شروط، وهي تساهم في رفع كفاءته في كثير من المهارات والمعرفة، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما قامت شركات عالمية معروفة مثل Google و Apple و IBM بأنه لم يعد من المطلوب شهادة جامعية لبعض المهن لديها.
وهو ما يمكنني تسميته بـ NDR “No Degree Requirement”
وهذه نقلة نوعية ستغير حتماً النظرة للمعرفة والتي لا يمكن أن تكون الجامعات وشهاداتها حِكراً لها، ونتحدث هنا طبعاً عن بعض التخصصات المستقبلية مثل التصميم والبرمجة وغيرها وستطول القائمة بلا ريب.
وهنا يكون السؤال المحوري والذي يمكن أن تلعبه الجامعات الوطنية في موجة MOOC التي ستزداد مع الوقت وستتطور حتماً مع الوقت.
فالبقاء على النمط الكلاسيكي من مناهج تتم بطريقة رتيبة وغير محدثة في أكثرها بسبب ربطها بنسخ مطبوعة لا يمكنها مسايرة التطورات التي تتم بشكل لحظي وليس يومي حتى!
فلا عجب أن تدخل قرابة 900 جامعة حول العالم ضمن هذه الموجة لتكون مساهمة فاعلة بدلاً من كونها في موقع المنتظر.
والأمر يسري بشكل أكبر على المعاهد والأكاديميات أيضاً.
وليس على الجامعات إلا المسايرة الذكية بإنتاج MOOC، وذلك لأسباب منها:
. استدامة صناعة المحتوى، بدلاً من تلقّيه فقط، والعمل على MOOC خاصة بالجامعات أو المعاهد، يعطيها مساحة مفتوحة للتطوير والتفاعل مع الجمهور، عوضاً عن أن يكون المحتوى حكراً لمصدر واحد أو تراتبية هرمية.
. تأمين مورد مالي مستدام بالاعتماد على تقليل التكلفة وزيادة رقعة المستفيدين منها
. تأسيس حضور هوية الجامعة أو المعهد، لتتسع لجمهور مستهدف ثانوي Secondary Target ، وهذا ما يعزز تواجدها وتداولها بين جمهور يمكنه أن يتحول لزبون متردد عليها.
مع تسارع وتيرة حضور MOOC واتساع ثقافة العقلية الماهرة وليس بالضرورة ربط ذلك بشهادة أكاديمية بوجود NDR، ما السبيل الذي ستنتهجه الجامعات بالبلد لتخطي كل هذه التحديات؟
فالحصول على مهارات احترافية أصبح مشاعاً لمن أراد، ويعزز هذا الخيار توجه شركات كبيرة وكثيرة.
فإما نبقى على المناهج الصلبة ويستمر تفريخ حملة شهادات بغياب احترافية المهارات في الغالب الأعم، ويكون أكثر ما عندنا هو "هدر" لرأس مال بشري، أو التماشي الذكي مع المتغيرات، لتخريج طلبة لا يدركون لغة التطور الحاصل فقط، وإنما يُسهمون في تلك اللغة بمحتوى وابتكارات.
بين MOOC و NDR، ما الذي يمكنه أن تقوم به جامعاتنا المحلية؟
…
* مؤلف ومحاضر، ومؤسس شركة BOXOBIA
وصلة الموضوع بالصحيفة
https://albiladpress.com/posts/684991.html
0 التعليقات:
إرسال تعليق