النبيان موسى ويوسف في شركة "دريم ووركس"







قراءة في الرسوم الدينية
النبيان موسى ويوسف في شركة "دريم ووركس"


جعفر حمزة

" ما زالت التقنية الحديثة في الإنتاج الكرتوني للأفلام تقدم أكثر من مجرد صورة، فهي تحاكي المشاعر وتنسج الأحلام، بل وتصيغ التاريخ وتعرضه من جديد". لم يكن الحديث فضلاً عن التنويه بالحقائق التاريخية الدينية في تاريخ السينما الأمريكية بالخصوص بأمر يمكن الدخول فيه بسهولة، فمن خلال أشواط متعددة في "الجرأة الدينية السينمائية" في الطرح مثلّت بيئة خصبة لكسر "الطوق الديني" الذي كان منسوجاً من قبل التزام كان جزء من البيئة الأمريكية في فترة من الزمن. واستعراض التاريخ الديني كان كلاسيكياً في كثير من الأحيان عبر السرد المستند على الكتب المقدسة أو الروايات الدينية، وفي قليل من الأحيان كان إبداعياً في طرح الصورة والفكرة، إلا ن القاعدة المشتركة لكل تلك الأفلام هو عرض المقدس من خلال دور السينما، وانتقلت مرحلة الأفلام الدينية لتدخل عصراً جديداً لم يكن معهوداً من قبل لا من ناحية التقنية ولا من ناحية السرد القصصي المحكم، والذي دخل إلى عالم الأطفال وتعداه إلى الكبار من خلال أفلام "الأنيميشن"، فهل هي مرحلة جديدة ترسم ملامحها بعض شركات الإنتاج السينمائي العملاقة لتكون "الأب الروحي" لصناعة جديدة من التاريخ والدين عبر الصورة الكرتونية؟ "أعمال الأحلام" هي الأيقونة التي بدأت في تأسيس فعلي لمفردات السينما الدينية الكرتونية - إن صح التعبير-، فشركة "دريم ووركس" التي تأسست في عام 1994 بتعاون كل من المخرج الشهير "ستيفين سبيلبيرغ"، "جيفري كاتزينبيرغ" و"ديفيد كيفن"، تعدت عملها كشركة لتصنيع الأفلام ومنها أفلام "الأنيميشن" لتكون منتجة لأفلام التلفزيون، والشبكات التلفزيونية في أمريكا، بالإضافة إلى الفيديو المنزلية الترفيهية.
"أمير مصر" بين الحقائق التاريخية والميول الدينية:
رسمت شركة"دريم ووركس" منهجها الكرتوني في المساحة الدينية من خلال إنتاج أول فيلم ديني كارتوني يتمتع بقوة إبداعية تأخذ بالأبصار نتيجة التركيبة الممتازة والاستخدام الأمثل للون والإضاءة والصوت والسيناريو، حيث يُعتبر فيلم "أمير مصر –برينس أوف إيجيبت " وهو من إنتاج سنة 1998م تُحفة فنية تأخذ ببصرك وسمعك وكل أحاسيسك بغض النظر بكل ما تعتقد حول نبي الله موسى (عليه السلام)، حيث أن ما تشاهده هي الصورة التي امتلكت القوة لتكون حاضرة بين يديك، والقصة مُصاغة بطريقة ممتازة وحبكة أحداث لا تستطيع أن تدير وجهك عنها حتى تُنهي الفيلم بأكمله (مدة الفيلم 93 دقيقة)، ونحن شخصياً شاهدناه أكثر من خمس إلى ست مرات لما فيه من إبداع لا يسعك إلا النظر إليه، وهناك الكثير مما ورد في القرآن الكريم فيما يخص المعجزات التي أجراها الله تعالى على يد نبيه موسى (عليه السلام) من الضفادع والقمل والدم والجراد والجفاف فضلاً عن انقلاب العصا إلى ثعبان عظيم وانشقاق البحر وهو أقوى المشاهد التي يقف معها شعر الإنسان. (تحكي قصة فيلم "أمير مصر" على إظهار سيدنا موسى كداعية للحرية لشعب بني إسرائيل ضد استغلال واضطهاد المصريين القدماء الذين هم "نازيو القرون الماضية"!. والفيلم يبدو في مظهره بريئًا، ولكنه مخادع أشد الخداع، بما يبثه في وعي المشاهد، من خلال الإبهار البصري اللوني والضوئي والسمعي الموسيقي والمرئي والحوار من خلال التشكيل الفني للحركة، واستخدام الشخصيات الكرتونية التي تضفي البراءة على الشخصيات الإسرائيلية، واستخدام الخطوط الحادة المقوَّسة، التي تبرز ملامح القسوة والعنف على الشخصيات المصرية!)، وهذه المقولة تعني بعبارة اخرى تزوير لحقائق تاريخية قدمها الفيلم بدون أدنى دليل، يقول الأستاذ عبد الحليم نور الدين الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار وعميد كلية الآثار جامعة القاهرة فرع الفيوم في كتابه "آثار وحضارة مصر القديمة": ( أن السينما الأمريكية قد اسهمت بدور كبير في الافتراء على التاريخ المصري ضارباً المثل بالفيلم الذي دعمه "ستيفن سبيلبيرغ" (أمير مصر). ويقول نور الدين: ( إن كل من شاهد الفيلم الكرتوني "أمير من مصر" للمخرجين برندا شابمان، ستيف هكنر وسيمون ويلس، يعتقد أن المصريين كانوا يدبرون مؤامرة لبني إسرائيل، حيث حرص الفيلم على تصوير جداريات وهمية تسجل قتل أبناء اليهود، وهذا افتراء واضح فلا توجد لوحة أو بردية أو رسم يشير إلى ذلك إلا في خيال المخرج".
"ستيفن سبيلبيرغ" رسول يحمل الكاميرا
( وُلد ابني يحمل الكاميرا بيد والتوراة باليد الأخرى) تلك مقولة منسوبة لوالدة المخرج الأمريكي الشهير "ستيفن سبيلبيرغ" وهو أشهر من نار على علم، حيث أُشتهر بأفلامه الضخمة المتنوعة والإنسانية، منها فيلم "الفك المفترس" و "الحديقة الجوراسية" و"التيرمنال" وآخر أفلامه هي "حرب العالم"، ما يضع الكثير من علامات الاستفهام التي تتبدد عندما نقترب من الرؤية السينمائية الخاصة لهذا المخرج حول بعض القضايا الحساسة، ومنها القضية الصهيونية، وتعاطفه الملموس مع مدعيات المحرقة النازية لليهود، وذلك عبر إخراجه لفيلم "قائمة شليندر" التي تدور أحداث الفيلم حول تلك المدعيات، وترسم هذه التوجهات الرؤية العامة التي تنسج الحركة المميزة لسلوكه السينمائي في الإخراج. كان "سبيلبيرغ" من المؤسسين الأوائل لشركة "دريم ووركس" التي انتهجت سلوكاً تقنياً ميّزها عن غيرها، فهي من الشركات التي عملت وطورت تقنية (كمبيوتر جينيريتد- سي جي)، ويبدو أن ثنائية التقنية الحديثة والإبداع الإخراجي كانتا الذراعين التي مكنتا "سبيلبيرغ" في تقديم "رؤيته التوراتية" الخاصة بأسلوب "الأنيميشن" الذي لم توظفه بقية شركات الإنتاج الأمريكية كمثل الذي عملته "دريم ووركس". ويبدو أن المقولة المنسوبة إلى والدة المخرج لن تكن اعتباطاً او لغواً، حيث تثبت تجربة هذا المخرج المخضرم صحة الرأي القائل بأن "سبيلبيرغ" ما كان إلا رسولاً يحمل كاميرته بين يديه، في إشارة إلى التوجه الفكري الديني في بعض أفلامه، فهل تتكرر نسخ "سبيلبيرغ" عبر الرسوم المتحركة كمنفذ أولي لسبيل بات خصباً لتقديم الحقائق التاريخية أو تحريفها!
يوسف ملك الأحلام!
إحدى الروائع التاريخية الدينية التي أنتجتها شركة "دريم ووركس"، تحكي قصة الفيلم الكارتوني قصة صبي امتلك موهبة رؤية المستقبل في منامه، وبسبب تفضيل والده له دون أحد عشر أخاً مما كان سبباً لأخوته بأن يتخلصوا منه ويدعوا بأن الذئب قد أكله، وتتوالى الأحداث لتوصل يوسف إلى مُلك مصر بعد أن قام بتأويل ما رآه الملك في منامه، وأنقذ شعب مصر من المجاعة.
يتميز الفيلم بالبراعة اللونية في الإخراج، والتركيب المكاني الجميل بالإضافة إلى الاستعانة بالغناء كعنصر جذاب للأطفال، يقول المحلل السينمائي "ستيفين د.جريدانيوس" بشأن المقارنة بين فيلمي "أمير مصر" و" يوسف، ملك الأحلام"، بأن فيلم "أمير مصر" أكثر من مجرد فيلم كارتوني للأطفال، بل أنه يخاطب الكبار أيضاً، سواء من ناحية الشخصيات أو السرد القصصي.
الكتاب المقدس بعيون كرتونية
بالرغم من انقطاع التواصل الديني الكرتوني بعد تجربتي "أمير مصر" 1998 و "يوسف، ملك الأحلام" 2000، فإن تسليط الضوء على ما هو شرقي لم ينقطع من خلال إنتاج أفلام تتناول التاريخ العربي "سندباد" 2003، ونعتقد أن الحصيلة الدينية بصورة كرتونية ستكون على موعد معنا في قصص قد تلامس الخطوط الحمر لبعض الأديان والتاريخ لبعض لشعوب التي لم تسلم من تزوير تاريخها من قبل "هوليوود" فلا أقل من المساس بذلك التاريخ وإن كان دينياً بصورة كرتونية.

0 التعليقات: