منجم في الرحم



منجم في الرحم

جعفر حمزة

جريدة التجارية ٩ يناير ٢٠٠٨

بدت الأقمشة السوداء واللوحات الفنية، فضلاً عن الأعلام السوداء وكأنها تعانق الجدران والبيوت في مختلف مناطق البحرين، فهي على موعد لموسم ديني مميز يشارك فيه الجميع بلا استثناء، موسم يشكل محطة زمنية سنوية تتظافر فيها كل الجهود لإظهاره بصورة حضارية ومتنوعة في كل عام.
وما زالت البحرين منذ عقود طويلة تقدم شهر محرم الحرام بطعم يجذب الكثيرين من دول الجوار والدول العربية والإسلامية، حتى باتت مركزاً للإهتمام والمكان الذي يتوقع منه الجميع تقديم الجديد في كل مرة.
وتلك اللوحة الإعلامية تشكلها الصور المتعددة التي ترسم الملامح الفريدة لعاشوراء البحرين، لتتحوّل الأخيرة إلى محط أنظار المهتمين والمتابعين، ومن تلك الصور:
المجالس الحسينية المتنوعة في الطرح والموضوع، المواكب العزائية المميزة بتنظيمها، الفعاليات التي تقيمها بعض الجمعيات والجهات للأجانب بتعريفهم على هذا الموسم الديني من خلال تقديم نهضة الإمام الحسين (ع) وقيمها الإنسانية النبيلة، فضلاً عن بعض الصور والفعاليات التي تلامس الجانب الفني من خلال المرسم الحسيني السنوي، حيث يفتح ذراعيه للجميع، والجانب الإنساني عبر حملات التبرع بالدم..
وكل تلك المفردات تشكل رافداً إعلامياً واقتصادياً مهماً للدولة إن هي أحسنت الاستفادة من حضور موسم عاشوراء بقوة.
ودور مؤسسات المجتمع المدني والأخرى ذات العلاقة المباشرة بتزويد هذا الموسم بعطاءاته ستسهم هي الأخرى إن تضافرت الجهود مع الدولة في بلورة “سياحة دينية” يرسمها جهود أهل البحرين بأطيافه المتعددة مع مؤسسات الدولة.
وتمثل “السياحة الدينية” من ضمن الروافد الثقافية والاقتصادية للدول، ففي كثير من الدول تعتمد في سياحتها على الأماكن الدينية أو التراثية لجذب السياح، وإذا ارتبط الأمر بأماكن ذات قدسية أو احترام خاص لبعض الديانات أو المذاهب فإن ساحة التفاعل في الدائرتين الاقتصادية والفكرية تتسع ويزداد تأثيرها، ولا أدل على ذلك من أماكن السياحة الدينية في العديد من البلدان الإسلامية وغير الإسلامية كالسعودية، والعراق وسوريا وإيران ومصر ولبنان والهند وتايلند والتيبيت وإيطاليا والفاتيكان والبرازيل.
إلا أن ما يجعل البحرين مميزة على خارطة السياحة الدينية في المنطقة هو نشاطها المحموم وإبداعها في تقديم موسم محرم كل عام بطريقة مختلفة، وكأن البحرين تعيش “كرنفال ديني” كل عام من خلال العديد من الفعاليات والأفكار والأنشطة.

إن المواسم الدينية إحدى أفضل الأوقات التي يمكن من خلالها إرسال العديد من الرسائل ذات المضامين الحركية بما يخدم السلم المجتمعي، وتعزز مفهوم السياحة الدينية ذات المردود المؤثر في الجانب الاقتصادي للدولة. فضلاً عن تقديم الرسائل المشتركة بين الدولة والمجتمع، ولا أدل على ذلك من إطلاق مشروع عاشوراء البيئي الذي ينظمه مركز المنامة الإعلامي بالشراكة مع وزارة البلديات ووزارة الصحة والهيئة العامة للبيئة والثروة البحرية والحياة الفطرية، ومجلس بلدي المنامة، بالإضافة إلى الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتدشين رسالة سلام من البحرين للعالم وهي إحدى الصور التي يتمثل فيها التعاون بين الجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، وما حملات التبرع بالدم في موسمي محرم وصفر إلا صورة أخرى تتمثل فيها الرسالة الإنسانية لنهضة الإمام الحسين (ع).
كل تلك الصور تقدم المعادلة التي تجعل من البحرين لها القابلية لتكون مركزاً مميزاً للسياحة الدينية في المنطقة وما في ذلك من مردود إعلامي واقتصادي تضيفه البحرين إلى رصيدها، ويتمثل ذلك عبر إفراد مساحة محترمة تليق بموسم عاشوراء في الإعلام الرسمي، ووضع الخطط التنظيمية المشتركة ليكون عاشوراء موسماً يساهم في صناعة الصورة للدولة أو ما يسمونه ب” كونتري براند”
وفي ظل تطور الطرح العاشورائي في الخطاب والصورة التي تمثل عملية نمو متصاعدة للجسم الديني للموسم حركة وصورة ومنهجاً، نعتقد بأنه من المناسب في ظل تلك الرؤية أن يتم طرح أفكاراً إبداعية تنقل من مستوى الخطاب والصورة من مستوى متعارف عليه إلى مستوى التميز والجذب الإبداعي.
“كرنفال عاشوراء” من ضمن الأفكار التي يمكن طرحها كصورة حركية ورسالية وإعلامية لموسم محرم، حيث يمكن استعراض رسالة الإمام الحسين(ع) وثقافة محرم من خلال مسيرة شاحنات مجهزة بمجسمات وعروض متنوعة من تمثيل وتقديم السمعيات والمرئيات والمطبوعات بلغات متعددة، ليكون “كرنفالاً دينياً” يحتضنه أهل البحرين على مستوى العالم الإسلامي، وهي نقطة جذب رئيسية ستدفع الكثيرين من زوار وإعلاميين ومهتمين ومثقفين إلى شد الرحال إلى هذه الجزيرة النشطة بأهلها.
للبحرين بثقافتها وتراثها نقاط قوة وجاذبة "بوتينشال براند" يمكن الاستناد عليها لتقديم أنموذج حي لتفاعل شعبي رسمي يقل مثيله في الدول، فهل سيتحول محرم الحرام إلى منجم يمكن البحث فيه عن فرص لتحويل البحرين إلى محطة للسياحة الدينية، أم تظل الصور كما هي من داخل الساحة المحلية فقط؟؟

0 التعليقات: