أبطال بنكهة عربية




أبطال بنكهة عربية


جعفر حمزة*

التجارية ٢٨ مايو ٢٠٠٨
هو عربي خالص-ولم أشك في ذلك-، فقد كنتُ أعرفه منذ نعومة أظفاري، بل الكل يعرفه، فهو من أرض بلاد الضاد، اسمه ولباسه وثقافته ولغته عربية صرفة، هذا ما فتحت عيني عليه، وكان مضرب المثل في الشجاعة والإقدام والتي تمثل جزءً من القيم العربية والإسلامية التي صاغته شخصاً وسلوكاً وهوية، ليصبح بمثابة “الأسطورة” في الثقافتين العربية والإسلامية. أصبح مذكوراً في الكتب والروايات، والعديد من الصور الثقافية الأخرى. ولما رأيته في تلك الدار، بدا غريب السمات وتغيرت لهجته بل لم يعد فيها شيء من أحرف الثماني والعشرين العربية من شيء، ولم يقتصر الأمر على تغير الملامح واللغة بل تغيرت سلوكياته وأصبح ذا “هوية” جديدة، فما الذي حصل لصاحبنا العربي الأسطورة الذي ما إن رآني في دار السينما حتى بادرني بالسؤال عن حالي بالقول “How are you my friend?” كان ذلك صاحبنا “علاء الدين”الذي ضمته “هوليوود”، وقد تبيّن لي عند سؤالي عن أحواله أنّ صاحبنا الأسطورة التي ذكرته الكتب العربية “السندباد” هو الآخر كان يعمل في استوديوهات “”DreamWorks”. وبدا لي الأمر وكأنها “هجرة جماعية” لشخصيات من تراثنا العربي إلى الغرب، ولم يستمر عتابي طويلاً حتى بدّد “علاء الدين” علامة الاستفهام من وجهي بالقول: ( لا تنسى أنّ هجرة عقولنا العربية مستمرة لحد الآن. هناك خلل فاصلحوه”. وذهب في عجلة في أمره مع مدير أعماله الذي ناداه بالتعجيل في الذهاب، ربما لاجتماع أو تمثيل أو توقيع عقد جديد. لا أدري. لكن الذي أعرفه أنّ ما قاله كان صحيحاً، حتى أصبح الغرب بمثابة “مكنسة العقول والهويات”، بدأت من “كنس” الشخصيات التاريخية مروراً بالعقول العربية الحالية. ولكن هل يستمر الوضع على ما هو عليه؟ “إن لم تستطع أن ترسل ثقافتك للآخرين، فسيقوم غيرك بذلك”، هذا ما قاله رئيس شركة “بكتون” الأفريقية للإنتاج الكرتوني. ويبدو أنّ ما قاله صحيح بالكامل. وبالرغم من “الإغراءات” وعوامل الجذب المختلفة والكبيرة التي تتمتّع بها بلاد الغرب في جذب “العقول العربية” منذ الزمن الغابر إلى يومنا هذا، إلا أن هناك العديد من العوامل التي يمكن الاعتماد عليها في الرهان ليس على بقاء تلك العقول والشخصيات في أوطانها، بل ونموها وتثبيت أقدامها في بلاد العرب والانتقال إلى كل العالم حاملة تلك القيم الأصيلة التي تعكس الهوية الحقيقية للثقافة العربية والإسلامية. ومع لحاظ حجم الإنفاق العربي على الألعاب والدمى وألعاب الفيديو، والذي يقدرها السيد “Jeff Dekson” المسؤول بشركة “Epoc Messe Frankfurt ” للمعارض بأنها تربو على المليار دولار سنوياً. والتي تُعد منطقة الشرق الأوسط ثاني أعلى نسبة في الإنفاق على الألعاب في االعالم بعد أمريكا الشمالية . (١) فكيف السبيل لتكون تلك الثروة في دائرة أصحابها وبطريقة إبداعية وتسويقية ناجحة بوجود نماذج عربية قابلة للتسويق؟ ويتمثّل الجواب في مثلث القوة التالي: . الفكرة والهوية. .التقنية الحديثة. .السيولة المالية. وبها مجتمعة يمكن الحفاظ على تلك الشخصيات وتوسيع قاعدتها التأثيرية، لتتحوّل إلى “أيقونة-Icon” يمكن أن تأخذ مساحتها من التأثير عبر وجودها التفاعلي مع الفرد، وذلك عبر ولادتها في السوق كماركة تجارية Brand، حيث تُثبت بعض التجارب المعاصرة إمكانية تحويل بعض الأفكار لتكون بمثابة “بوابة تفاعلية” من خلال شخصيات مُبتكرة انتقلت من دائرة “الولادة” إلى دائرة “القيادة”، ومن تلك التجارب: .في دائرة الفتيات، الدمية “فلة”. .في دائرة الأسرة، مسلسل “فريج”. . في دائرة البطولة والحركة، “شخصيات ال ٩٩”. وقد أخذت تلك الشخصيات في كل تجربة مسافة متقدمة من النمو والتطوير، حتى أصبح لكل واحد منها موقعاً لا بأس به، بل ويُتنبأ له بنجاح على مستوى الفكرة والتسويق। فما الذي قدمته الفتاة العربية الشابة “فلة”، والعجائز الإماراتيات “فريج” والأبطال الخارقون “ال”٩٩ لقد اكتسحت “فلة” بطلّتها العربية الأسواق في الشرق الأوسط وتعدتها لأسواق غربية، لتكون البديل عن الأنموذج الغربي “Barbie”، ولو أنها تتلقّى منافسة شديدة من قبل دمى ظهرت مؤخراً ك”Bratz” على سبيل المثال لا الحصر، ومع ذلك يبقـى حضور “فلة” قوياً من خلال دعم بصري متواصل عبر قناة “Spacetoon”، والاستراتيجية التفاعلية المتواصلة من الشركة المصنعة “New Boy”، ولا أدل على ذلك من حجم الحضور الملموس لماركة “فلة” في العديد من المنتجات بالأسواق وسير بضاعتها المتصاعد. أما العجائز الأربع، فيبدو أن لهنّ حضور سيكون أكبر من مجرد “زيارة رمضانية” في كل عام، حيث يُقال بأنّ هناك توجهاً لانتاج فيلم سينمائي لهنّ، وتلك استراتيجية ذكية بدأت بجس النبض في رمضانين، وكانت النتيجة مشجعة جداً ، لتكون الخطوة التالية عبر الشاشة الكبيرة. ويبدو أن الأبطال الخارقون يميلون إلى الأشياء الكبيرة لتكون بحجم “قرية” مثلاً. حيث أُبرم اتفاق تعاون بين مجموعة تشكيل للإعلام صاحبة والحقوق لشخصيات الــ٩٩ والشركة المتحدة للسياحة والترفيه لإنشاء قرية الــ٩٩ على موقع سليل الجهراء في شمال دولة الكويت، وذلك في خريف ٢٠٠٨ وهو الأول من نوعه في العالم، ومن المقرر إطلاق سلسلة من المتنزهات في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي قريباً. ويبدو أنّ العلامة التجارية لأولئك الأبطال الخارقون ستتعدّى المجلات المصورة Cmic Books، لتُصبح أداة تفاعلية “يلمسها” الفرد من خلال ذلك المشروع. وبافتتاح تلك القرية فإننا لا نستبعد منتجات ذات علاقة بالعلامة التجارية، مثل الكراسات والدمى والملابس والألعاب والهدايا وغيرها. فما الهدف من تلك القرية؟، يقول أب ال ٩٩ ولداً، وهو الدكتور نايف المطوع مؤسس مجموعة تشكيل للإعلام :(نرغب في أن يستمتع الجميع بتجربة الرسالة الإيجابية التي تحمل معاني التسامح والعمل الجماعي والاحترام والتي تظهر في كل قصة من قصص ال ९९ ستزود منتزهات ال 99 الأسر بجو آمن وترفيهي للاستمتاع والتعليم من خلال شخصيات مستوحاة من ثقافتهم وقيمهم) (٢) لم أشأ إلا أن أكون منصفاً في فرد المساحة لكل تجربة، فهناك فتاة واحدة، وبعدها أربع عجائز، أما هنا ف ٩٩ شخصية. وهناك تجارب منفردة قد لا تطمح الدخول في معترك التسويق، إلا أنها تحمل عناصر النجاح وبامتياز، من بينها مسلسل “صلاح الدين” بتقنية الأبعاد الثلاثية 3D، والذي تم انتاجه من قبل شركة “MDCE” الماليزية لصالح قناة الجزيرة للأطفال، والذي من المقرر عرضه في الربع الأخير من هذا العام على قناة الجزيرة للأطفال ضمن ٢٦ حلقة. ومن الجدير بالذكر أن هذا الإنتاج قد شكل ضجة على مستوى العالم حينما فاز بجائزة “Tokyo Big Sight” ضمن معرض طوكيو للرسوم الكرتونية العالمي ٢٠٠٧”.(٣) ويبدو أنّ صلاح الدين لم يكتفِ بالانتصار في اليابان، حيث جدد انتصاره المبهر من خلال فوزه بجائزة أفضل تقنية في مهرجان سيؤول الدولي لأفلام الكرتون والرسوم المتحركة (SICAF) (٤) ويبدو أنّ هناك الكثير من النماذج في الطريق ليس للظهور فحسب، بل والنجاح والتميز، ولو أنّ صاحبينا “علاء الدين” و”السندباد” لم يكن لهما نصيب من هذه المبادرات، وكأن “هوليوود” قد امتلكتهما بعقد لا ينتهي، فإنّ التحدي الأكبر هو “إرجاعهما” بروحهما الأم العربية، فما دام صلاح الدين قد رجع، فيمكن تحريرهما ليرجعا إلى بلادهما العربية. أو أنهما يفضلان البقاء في أرض العم سام! وتلك النماذج دليل على إمكانية بقاء الهوية العربية في القمة والتميز، سواء في دائرة الهوية أو التسويق، ولئن أدار “علاء الدين” ظهره لي. فلي في “فلة” و”فريج” و ”ال٩٩” و”صلاح الدين” والقادمون الجدد خير تعزية و”تسلية” وفخر!

(١) جريدة الرياض السعودية، ٣٠ ديسمبر ٢٠٠٢م.

(٢)

www.teshkeelcomics.com/pr/ara/may08

(٣،٤) الوقت، ٩ نوفمبر ٢٠٠٧.

* مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي.

0 التعليقات: