البلاد: مثقفون رأوا في رمضان فرصة لمحاسبة النفس وتحفيزاً على الكتابة


الاثنين 25 أغسطس २००९



ينطفئ أوار المثقف في شهر رمضان، فيتوارى عن الأنظار، خلف أسرته/ كتابه/ أوراقه، فيدوِّن ما يشاء، وما يريد من هواجس تؤرقه، وهواجس تستزاد بالجنون، وما يترتب عليها من ألق لطيف يوحي لهذه الليالي بملامسة مستفيضة.

من جهته يرى الكاتب جعفر حمزة أن الخمول لا يتواجد داخل “دائرة حركة المثقف ونشاطه، بقدر ما يكون هناك تحوّل للقناة التي يتفاعل بها مع المجتمع، ففي غير الشهر الكريم هناك السُبُل التي ينتهجها المثقف للتفاعل والتقديم للمجتمع، في حين يحتفظ شهر رمضان بخصوصية قنواته، التي يتراءى للمراقب بأنّ المثقف بعيدٌ عنها؛ في حين أن لتلك القنوات جوّها وعالمها الخاص من التجمعّات الدينية والحركات الجماعية الاجتماعية العرفية لدى المسلمين. والمثقف جزء من المجتمع، وليس هو في تفاعله مع نفسه والآخرين ببعيد عنها، لذا يكون الشهر الكريم للمثقف محطة روحانية ومراجعة للنفس، والعيش ضمن أجواء لا تتكرر إلا مرة في السنة لا غير، وليس للمثقف في حركته بطء بل تزوّد بالوقود المطلوب يملؤه في هذا الشهر المتميز زماناً وحركة ومعيشة”.


وشبه استرجاعه لذكريات رمضان “كالطفل الصغير الذي يسترجع ذكريات العام الفائت من الشهر الكريم، إلا أنّ الفارق هو في الحِمل الذي يضعه المثقف على عاتقه في ضرورة الاستفادة القصوى من خصوصية هذا الشهر في العمل في خطين متوازيين، على مستوى الفرد في المراجعة والصفاء الروحي، وعلى مستوى المجتمع في دق أبواب تُلفت الآخرين للزوايا المنسية في التغيير في شهر رمضان، لذا يتحول شهر رمضان إلى تراكم من الذكريات والتجارب التي تُشبع نمط التفكير للمثقف ليحولها إلى سلوكيات فكرية وعملية إيجابية في المجتمع”.
ويعلل حمزة نتيجة الخمول، “ببطء حركة المثقف لا لنقص فيه، بل لظروف خاصة بالشهر الكريم، لأن مسؤولية المثقف مضاعفة نتيجة قراءته وتعامله مع المفردات المحيطة به، وبالتالي تكون مسألة مراجعة الذات من أولويات المثقف، فهي كاستراحة المحارب الذي يراجع خططه، ويسترد قواه ويعد للحركة التالية”.
وعن القراءات قال في نهاية حديثه “هناك أم القراءات وهي قراءة القرآن الكريم، التي ينبغي أن تكون أنيس المثقف أيا كان توجهه ومدرسته الفكرية، فالحديث هنا يدور حول كلام سماوي من رب العالمين، وقراءة كلام الخالق هي الباب الأساس لفتح مدارك لم تُفتح من قبل، ألا ترى أنك كلما قرأت القرآن وجدت فيه شيئاً جديداً؟”.


وعن ذلك يقول القاص جمال الخياط “هذا هو الاعتقاد السائد لكنه ليس كذلك في حالتي؛ فشهر رمضان هو فترة النشاط الأمثل كوني أحصل على ساعات عمل أقل، وتتوفر لي بالتالي ساعات أكثر للراحة والكتابة. أغلب إصداراتي بدأت كتابتها في هذا الشهر الفضيل، وحاليا أعكف على إصدار جديد هو مجموعة قصصية أنجزتها في رمضان الفائت”.
ويضيف “أعتقد أن المثقف يجب أن ينأى بنفسه عن مثل هكذا عادات استهلاكية يمقتها هو بالتحديد، ويستغل أجواء هذا الشهر المحفزة على الإبداع، وألا ينجرف مثل العامة في عادات النوم ثم السهر وقتل الوقت”.
فرصة للإبداع…
وأشار الخياط إلى أن ذكريات رمضان “راسخة في الوجدان، ويقيناً تؤثر إيجاباً في المبدع بصورتها المباشرة في النتاج أو غير المباشرة”.
وتابع “الجميل في رمضان تنوعه الغني بعادات التواصل وهو ما يحرك في المبدع شجونا يسترجع من خلالها ذكرياته، تعرفين أن فعل الكتابة يعتمد أكثر على الذاكرة ومخزونها الثري الذي ينهل من حوادث جرت أو عبور مؤثر. لرمضان خصوصيته في هذه الناحية وتميزه كذلك من ناحية نوعية الذكريات وجماليتها الآسرة”.
ويرى الخياط أن المراجعة الذاتية لا تكون حاضرة، “إلا أني من أشد المؤمنين بأن على المثقف أن يمارس نقداً ذاتياً على نفسه كلما وجد طمأنينة تقربه من الرضا، وعليه، يجب أن يتمرن على نقد الذات بشكل منتظم حتى تستوي عنده الحالة الواقعية بلحظة الكتابة”.
وختم بالقول “أحبذ القراءة الخفيفة لذلك تجدني أركز على القصة القصيرة والشعر أكثر من الرواية بحكم الصيام، وتخصيص وقت أكبر للكتابة، وهذا أمر طبيعي”.

0 التعليقات: