أسئلة الوجود الثلاثة وخلق التموجات.
لمَ نحن هنا؟! وإلى أين متجهون؟! وما المطلوب منا خلال وجودنا الأرضي؟!
معرفة جواب هذه الأسئلة ستشكل "خارطة طريق-Road Map" واضحة المعالم للإنسان من أجل أن يكون وجوده ذو هدف وغاية ضمن نظام كوني دقيق حد الإعجاز في كل تكوينه.
لماذا؟ الجواب القرآني للرد على السؤال الوجودي الأكبر هو "وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون" المهمة واضحة لمخلوقَيْن عاقلين هما الإنس والجن معاً، مع أفضلية وتعاظم مهمة البشر، فالتكليف الأول عليهم، وكون الأنبياء منهم ومهمة الإعمار في الأرض "وقفٌ" على البشر دون الجن، وللوصول إلى تلك الـ"ليعبدون"، لا بد من أدوات يمكن تسخيرها لترجمة تلك العبادة بربطها بمفهوم "الاستخلاف" في الأرض وتحقيق القيمة القصوى من الوجود، بتحويل الطاقة الكونية المختزنة في الإنسان إلى "تموجات" تُحدث التغيير وتُكيف الوضع المحيط به إلى ما ينشده من راحة وطمأنينة وبناء العش الفِطري له. ومع تلك القدرة التي يتمتع بها هذا المخلوق الذكي دون سواه، نلحظ منه الشطط والإنحراف عن "عش الفطرة" ليتجه نحو الـ"فرعنة" باغترار قوته بأقصى درجاتها أو ينغمس في "القَرْوَنَة" - نسبة إلى قارون – عندما يشعر بتخمة المال بين يديه، أو يصاب بغرور "البَلْعَمَة" -نسبة إلى بلعم بن باعورا- حين يصيب علوماً ومعرفة تُشعره بنشوة السيطرة الذهنية.
لذا كانت القوانين الكونية هي المرجعية للتفكير والتدبر وهي المحفّز للتغيير بالرغم من ثباتها، فكان الاستدلال المنطقي للأنبياء عبرها في الخلق وآيات الله في الأرض، وكانت دعوة القرآن الكريم للتدبر والتفكر هي "شرارة" الإيمان للوصول إلى "المعادلة الكبرى"، وهي التي تتضمن الجواب على السؤال الأكبر "لماذا؟".
ما هي هذه العبادة المطلوبة، ليتم خلق هذا الكون البديع من أجله؟ ما طبيعتها ليكون الإنسان ضمن أدق وأجمل منظومة معقدة ما زلنا في السطح نرفع اللثام عن بعض مكونات المعادلة الكبرى للكون. ولم يصل الإنسان لهذه القدرة من السيطرة والإبداع فيه إلا من خلال فهم سُنة الله، وسُنته هي قوانينه التي نعيش بها ونسير عليها، وفيها مساحة حرة من التحرك كسعة الكون نفسه.
ما هي هذه العبادة التي توصلك إلى فهم ميكانيكة هذا الكون بما فيها الإنسان نفسه؟
هل هي الصلاة والصوم والحج والزكاة فقط؟ تلك "مَرْكبات" لها خاصية التأثير إذا ما تم وضع الفكر الكوني الصحيح فيها للتغيير ومن أجل "لماذا"، وإلا تحولت إلى محطات "استنزاف" للطاقة، وحرفٌ لهدفها الأول لتكون "مرتعاً" لمكبِّ الأفكار الخاصة فيها. وآية أخرى تقدم جواب "لماذا" عبر "يا أيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاًِ فملاقيه"، الخطاب لكل إنسان على وجه الأرض، الكدح الإنساني العام له من يراه ويُقيّمه ويُجازَى به. والكدح به استهلاك مضاعف للطاقة من الإنسان. مما يعني وجوب الظفر بمصدر طاقة متجدد لضمان الكدح الحاصل في طول عمر الإنسان. وهذه المعرفة بالكدح هنا "كدحاً" واللقاء هناك "فملاقيه".
هناك "إلا ليعبدون" وهنا "كدحاً فملاقيه"، فالعبادة كدح وعمل وتفكر وتبصر وتخطيط ورؤية وإنجاز وترك أثر. و"لماذا" هي الموجة الأم لتردد موجات الأسئلة الكبرى الأخرى والتي تأتي تباعاً:
لمن التغيير؟ وكيف التغيير؟
لمن؟
جوابه الآية الكريمة "إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها". معادلة بسيطة في تركيبها وبحاجة إلى كدح في تحصيل عناصرها. كل طاقة تنبعث من الإنسان سلباً أو إيجاباً تعود عليه في بناء تركيبته النهائية في آخر مطافه على هذه الأرض، أي تكون شحناته تراكمية مثل طبقات الجو أو الأرض، وهو ما يسميها القرآن بالدرجات “ورفع بعضكم فوق بعض درجات”، وتكون الطبقة الأهم وقمة الجبل فيه هي خاتمة حياته، لذا يكون الدعاء بحسن الخاتمة كونها الطبقة النهائية التي يكون عليها الإنسان قبل انتقاله لعالم آخر تكون المحاسبة فيه على ما عمل وختم به حياته.
بعد معرفة “لماذا”؟” وهو الدافع، لا بد من معرفة “لمن؟”أي المتلقي، و لمن سيعود التغيير بالفائدة؟ ليكون الإنسان هو الجواب على ذلك. أما كيف؟ وهو السؤال الأرضي الكبير، والذي كان وما زال هاجس الإنسان نبياً أو مصلحاً، مفكراً أو مخترعاً أو حتى ذلك المُغرِّد خارج سربه الرتيب، فيكون جوابه في أعجب معادلة كونية فيزيائية ثابتة يذكرها القرآن الكريم...
0 التعليقات:
إرسال تعليق