قراءة في كتاب "الأوريغامي المقدّس" بقلم أ.عبدالإله يوسف 3-3


القسم الثالث : قراءة في كتاب ( الأوريغامي المقدس )
مرحبا بكم في القسم الثالث والأخير من قراءة في كتاب ( الأرويغامي المقدس ) ، وكنّا قد أنهينا القسم الأوّل والثاني من القراءة ببعض الخلاصات حول الكتاب أجملها فيما يلي :
1) الأوريغامي المقدس هو فنّ تأويل كلام الله من خلال ( إسقاط حركي ) لكلام الله في حياتنا المعاصرة .
2) الأوريغامي المقدس يستخدم نماذج وشخصيات مقدسة ورد ذكرها لتوضيح هذا الإسقاط الحركي .
3) هذه النماذج المختارة تشترك مع بعضها في نقطة منهجيّة واحدة تصبغ فلسفة الكتاب هي انتماؤها لمايعرف ب( فلسفات الذات ) التي تجعل من صلاح الذات وفسادها المحور الرئيس في عملية النهوض والإصلاح للمجتمع .

هذه النقاط تلخّص ماتوصلنا له من مفاهيم تتعلّق بكتاب ( الأوريغامي المقدس ).
في هذا القسم الأخير سنجعله لمتابعة تفاصيل النماذج المذكورة والمختارة في الكتاب كأشكال عمليّة تصبّ في اتجاه التوصّل للإسقاط الحركي لكلام الله وآياته في حياتنا العمليّة ، ولكي نستطيع بعد ذلك أن نحكم على هذا النوع من التأويل لكلام الله ونرى هل نجني منه فائدة عمليّة في حياتنا ؟ وهل وفّق الكاتب في صياغة تأويل حركي لكلام الله أم أن عملية التأويل لم تقدم أي جديد على صعيد فهم كلام الله ؟
الطريقة التي سأتبعها سأحاول إيراد شواهد من كلام الكاتب حول فكرة ( الإسقاط الحركي ) لآيات الله وأغضّ النظر عن الكلام النظري الذي قد لايخدم هذه الفكرة .
وسوف أقتصر على نموذج واحد فقط هو التأمّل الأوّل لأنني سبق وأشرت في القراءة الثانية لنموذج فلسفات الذات ومايتعلّق بهذا النموذج من تحديات على الصعيد المنهجي ، ولذا أكتفي هنا بهذا النموذج كمادة للتحليل وأنا مدرك تماما أنّ ذلك قد لا يفي بالغرض لقراءة فاحصة ودقيقة لجهد الأخ ( جعفر حمزة ) لكن للوقت أحكامه ، وأرجو ان يعذرني أخي العزيز ( جعفر ) إن ابتسرت قراءة كتابه ولم أوفه حقه ، والعذر عند كرام الناس مقبول .
( التأمّل الأوّل ) وهو سورة الفاتحة :-
1) (( بسم الله الرحمن الرحيم هي آية اشتعال محرّك كلّ فعل وعمل ونيّة للسماء على وجه الأرض )) ص14
2) (( وتمثّل البسملة – كقول – اعترافا واضحا بالخط العملي للإنسان ، فلا يقول السارق بسم الله وهو يسرق ، ولا يقول الزاني بسم الله وهو يزني ، ولايقول القاتل بسم الله وهو يقتل )) ص15
3) (( البسملة خطة ومسار وخارطة طريق المؤمن وجهره بها إعلان بخطه الرسالي وهو مايجعل فعل الجهر بها من صفات المؤمنين )) ص15
4) (( وإذا غاب الهدف الحركي والمكرّم للإنسان في حياته الدنيا بسبب السبيلين " التعدديّة أو الإلحاد " غاب الإنسان وأصبح كمثل إنسان الغاب )) ص16
5) الرحمن الرحيم (( إعادة الصفتين هنا تربية يوميّة يذكرها الإنسان المسلم في صلاته كلّ يوم " ست عشرة مرة" )) ص16
6) (( وأولى الخطوات العمليّة للتغيير هو تزويد محرّك العمل للإنسان المؤمن بالله بوقود العبوديّة أوّلا )) ص18
7) (( وعندما يقرّ العبد بعبوديته لمولاه ، فإن المولى يهبه القدرة والتصرّف )) ص18
8) (( المنهج هو الحثّ على استمرار العمل بغضّ النظر عن المردود الذي ليس بالضرورة أن يأتي في وقت وجودنا المادي الجسدي فقط )) ص19
9) (( تلك هي فلسفة العمل المتجرّد من الزمان والعمل الذي يجعل الإنسان في حركة دؤوبة ومنتجة لا تتوقف مهما بلغت الظروف من قساوة )) ص20
10) (( بداية ظهور النعمة بوجود الأنبياء واعلان الثورة ، ثم الصفّ الثاني وهو الصديقون لمواصلة الإصلاح والثورة على ظلم الإنسان لنفسه وغيره ، وبعدها تأتي مرحلة التضحية والفداء بالروح عبر الشهداء )) ص20
هذه 10 فقرات من التأمّل الأوّل لسورة الفاتحة أرى من وجهة نظري أنّها تتصل وتتعلّق بما يحاول الكاتب إيصاله من تطبيق كلام الله وآياته في حياتنا لنستخلص الدروس العمليّة منها .
وفي الحقيقة فإن القارئ لهذا التأمّل أو لنقل أغلب التأملات يجدها وقد اصطبغت بلوحة شاعريّة من المفردات تخلق جوّا من الحماس والأمل الباعث على التغيير لكنّ هذه اللغة الشاعريّة للأسف الشديد تخلق جوّا من الغموض وعدم الدقة عند محاولتنا الحديث عن العمل وسبله في الحياة الإنسانيّة . فهي تشحن القارئ بحماس وحبّ التغيير لكن تفقده من جانب آخر وضوح الرؤية والخطوات المنهجيّة للتغيير ، وبعبارة أخرى مالدينا من تأملات تصلح كبيان أدبي بلاغي لكن لا تصلح كبيان علمي منهجي .
لنحاول تطبيق الكلام السابق على الفقرات العشر التي اقتبسناها من تأمّل سورة الفاتحة ، أوّل مانلاحظه من سمة غالبة على الفقرات جميعها هو إرخاء ظلال المقدس على حركة التغيير التي ينتهجها الإنسان في حياته ، فالبسملة هي خطة وخارطة الطريق للمؤمن ، والرحمن الرحيم هما ذكر المؤمن كلّ يوم ست عشرة مرة ، والعبوديّة هي المحرّك الباعث على العمل والتغافل عن المردود الآني هو هم المنهج العملي السليم ، والحركة الدؤوبة والمنتجة هي فلسفة العمل ، والثورة على الفساد والظلم تبدأ بطريق الأنبياء ثمّ الصديقين ثمّ الشهداء .
تشعر وأنت تقرأ الفقرات السابقة وتستخلص منها المفاهيم أنّك غارق في بحر من المفاهيم المقدسة والمتعالية ( البسملة – الذكر – العبوديّة- الشهادة – النبوة – الصديقين ) ، بالطبع هذا أمر مفروغ منه أن يكتسي الكتاب بشحنات قداسة فنحن نتكلّم في إطار كلام الله وآياته وهو أقدس الكلام وأعلاها في المرتبة ، لكن ماأشير إليه هو السؤال التالي : أين الإسقاط الحركي في هذا الكلام ؟ من المفروض أنّنا وكما سبق وأشرنا له أمام محاولة إنزال المتعالي إلى ساحة الوجود ، أو محاولة تقريب المفاهيم المقدسة من البعد المادي البشري ، لكننا هنا أمام محاولة أخرى لإبقاء البعد المقدس كما هو في قداسته وتعاليه دون تلوثه بالبعد المادي ، أو بتعبير آخر نحن هنا أمام محاولة ليس لتحريك المقدس في البشر بل تحريك البشر في المقدس ، وهذا فارق مهمّ بين الأمرين .
فكان من المتوقع لمحاولة ( الأوريغامي المقدس ) أن يتحرّك المقدس في البشر ويصطبغ بلونهم وحياتهم العمليّة فيصبح المقدس من هذا العالم لكن مانجده هنا هو العكس تماما أي أنّ مالدينا هو تحريك البشر في المقدس ، فلم يكن هناك إسقاط حركي للمقدس وإنزال بل صعود وإعلاء ، لم ينزل المقدس للبشر ، بل صعد البشر للمقدس .
بسمل في عملك وحافظ على الذكر وتحلّى بالعبوديّة وكن شهيدا ، هذا هو الطريق العملي ، وهذا هو الإسقاط الحركي ، وهذا هو الأوريغامي المقدس لسورة الفاتحة.
هذا ليس إسقاط حركي ، هذا تصعيد حركي إن جاز التعبير ، ففعل البسملة الذي أبدأ به كلّ أمر ذي بال يصلني بالمقدس ويربطني به ، وذكر الرحمن الرحيم ست عشر مرة في اليوم يصلني ويربطني بالمقدس ، وتحلّي الفرد بالعبوديّة يصلني ويربطني بالمقدس ، لكن ليس هذا هو المطلوب من الإسقاط الحركي والتأويل للمقدس ، أو لنقل بصورة أخرى ليس هذا هو فنّ تأويل المقدس ، تأويل المقدس وإسقاطه الحركي هو أنسنته ، أنسنة النصّ المقدس أو رفع الطابع المقدس عن النصّ وإحلال البعد الزمني والمكاني مكانه وبعبارة أخرى إقصاء النصّ الأعلى لإثبات الأنا البشريّة ( إنما هو خط مسطور بين الدفتين لا ينطق ، وإنما يتكلّم به الرجال ) ، هذا هو فنّ تأويل المقدس وإسقاطه الحركي ، وهذا النوع من التأويل أو الأنسنة لا يمكن الحصول عليه بالعلوم التقليديّة أو بالتفسير المتناول ، هذا النوع من التأويل توفره العلوم الإنسانيّة ( علم الإجتماع – الأنثروبولوجيا- علم النفس – اللسانيّات – السيميولوجيا ) .
البسملة والذكر والعبوديّة في هذا التحليل لا تصبح مجرّد كلمات تربطك بالمقدس ، بل هي تجارب بشريّة في التواصل مع الذات ، والأوريغامي لهذه التجربة هو الوصف والفهم لكي نصل في النهاية إلى الكشف عن نموذج التواصل ونمطه الخاصّ .
عندما يتحوّل المقدس إلى ( تجربة ) يصبح من ينطق به هم الرجال ويمكن فهمه حينئذ لأنّه يتحرّك وتتعدد دلالته مع الحركة البشريّة وتصبح كلّ تجربة بشريّة هي غنى وثراء للمقدس ويصبح الطريق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق أو كما قال الفخر الرازي ( من جرّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي ) .
محاولة الأخ ( جعفر حمزة ) في ( الأوريغامي المقدس ) محاولة جميلة ونبيلة المقصد لأنّه حاول ارتكاب فعل التأويل ، والتأويل هو الحقيقة البشريّة الراسخة التي أفرزت تعدد المذاهب والأفكار وكلّ التنوع الخلاّق الموجود في العالم ، لكن لا يكفي أن تعرف هذه الحقيقة فقط بل عليك ممارستها بجرأة وفعاليّة .
الأوريغامي المقدس مارس فعل التأويل لكن كان بحاجة لدفع التأويل خطوة للأمام كي تكتمل دائرة الفعل التأويلي وكي يكون ( الأوريغامي ) أوريغامي لكن ليس مقدس ، أوريغامي بشري يتلون بفهم البشر وحياتهم ويتشكّل بعدد التجارب البشريّة ، لكن لأنّ المقدس هنا رفض الأنسنة وحافظ على العلاقة التقليديّة المتعارفة أصبح الأوريغامي هو ( الأوريغامي المقدس ) .
إلى لقاء على أمل أن نرى ( الأوريغامي البشري ) .
عبد الإله يوسف 2013

المصدر:

http://www.mutak2.com/vb/showthread.php?t=16552

0 التعليقات: