صحيفة “أوان” الكويتية تحاور جعفر عن كتابه “أنا أحب دميتي”













منظر طفلة متعلقة بدميتها، هو ما قاد الكاتب البحريني جعفر حمزة لإصدار كتابه «أنا أحب دميتي»، والذي تلمس به تشكل صورة الإنسان مصغرة في هذه الدمى، فتتبع سيرتها منذ البدء ليرصدها، ويناول القراء كامل البهجة التي فيها دون أن يبعثر ملامحها أو يهتك دهشة «أليس» بعجائب بلادها.
«أوان» التقت الكاتب لتحاوره، وليتحدث عن سر توجهه نحو «الدمى»، وعن دورها في تشكيل ثقافة الطفل أو تشكل وعيه فيها، عن أثر الدمى في نفس الكاتب.. وعن ملامح العلاقة بينها وبين الطفل، مما أتاح فضاء يستفز الطفولة التي تبقى طفلا لا يهدهده الكبر في العمر:


{ لم اخترت الدمية تحديدا، وهل للورش التي تقيمها علاقة في اختيارك للموضوع؟
- يُقال إنه يمكن معرفة شخصية الفرد من خلال بعض الإشارات التي يمكن الوصول إليها عبر أدوات معينة، سواء ذلك عبر «لغة الجسد» أو من خلال بعض السلوكيات البسيطة أو بعض العبارات التي تعطي الانطباع العام للشخص. ويجري نفس الأمر على المجتمعات والأمم، من خلال تفاصيل العمران والألبسة وكيفية التعامل وسلوكيات التعاطي مع الأفراد داخل المجتمع ومن في الخارج. وتمثل الدمية أحد المؤشرات التي يمكن أن تقدّم انطباعاً غير متوقع، حالنا كالفتاة «أليس» التي دخلت في جحر الأرنب، لترى عوالم مختلفة من خلال ذلك الجحر البسيط، أو كحال «نيو» الذي اختار الحبة الزرقاء ليدخل في عالم «المصفوفات» وتلابيبها المعقدة البسيط في آن معاً في فيلم «ماتريكس». والنظر إلى بعض الأدوات يمكنها أن تقدّم «السيرة الذاتية» للمجتمع، بل و«الخريطة الجينية» لها إن أمعنّا النظر وتدبرنا فيه، والتفكّر هو الأداة التي يمكنها أن تعزلنا عن النسق والنظام العام الذي ندخل فيه يومياً بين فتح عيوننا في الصباح حتى إغلاقهما في المساء.
وتمثل الدمية إحدى أهم الصور البصرية والمادية التي تحظى بخصوصية فريدة من نوعها، والتي يتبيّن من خلال البحث التاريخي أنها كانت رفيقة الإنسان منذ أكثر من ٤ آلاف سنة، وربما أقدم.
فما هذا الشيء القديم الجديد، والذي ما زال موجوداً بين أيدينا صناعة وترويجاً وتسويقاً؟ بالرغم من نشأتها القديمة جداً، والذي من الصعب التكهّن ببداية ظهورها حتى.
وكباحث في الثقافة البصرية رأيت أن الدمية أحد أهم الصور الثقافية البصرية التي تقدم العديد من الرسائل، فاخترت الدمية لكونها «صورة» الإنسان التي لازمته آلاف السنين، وما زالت، بل وتحولّت إلى «أنموذج» لصورة مرجوة تتهافت عليها الأنامل الصغيرة حول العالم، بل ويتعدّى الأمر إلى الكبار لتكون صناعة وتجارة لهم تدر الملايين، وتغير القناعات البصرية للملايين أيضاً. وليست هناك علاقة مباشرة بين الورش التي أقيمها واختياري لموضوع الكتاب، فطبيعة الورش المقدمة تتناول الثقافة البصرية بشتى آلياتها وأودواتها.
{ وهل حنينك إلى الدمية قادك لهذا الكتاب؟
- لم تكن لي دمية في الصغر بالمعنى المتعارف عليه، حيث كانت ألعابي هي ألعاب الصبية التي تتميز بالتوسّع والخروج من ذراع الشخص إلى رجليه ككرة القدم وغيرها من الألعاب الشعبية الأخرى التي عشنا معها وشغفنا بها. في حين تكون الدمية للبنات وفي إطار الذراعين وما لا يزيد عن دائرة صغيرة تُحيط بالفتاة، بعكس الفتى الذي تتسع دائرته ويتحرك في نطاق أوسع، وقد اختلف هذا اليوم لتأخذ مساحتها أبعد من الذراعين فتتحرك وتقذف الدمى أشياء، لتوفر الشركات ما يوفر التفاعل الكافي ويحقق الانتشار والربح.
وما قادني للكتاب هو ملاحظة صغيرة التقطتها حينما كنت في أحد أماكن التسوق، إذ لاحظت شغفاً وحباً وتعلقاً من قبل فتاة تجاه إحدى الدمى الموجودة في المحل، ورأيت كمّ الإكسسوارات الموجودة مع الدمية، مما يعني وجود خطوط متشابكة تفضي في النهاية إلى شراء أكثر من مجرد اللعبة الأم، وبالتالي تتحول الفتاة من مقتنية للدمية إلى متفاعلة لترى ما هو الجديد، وعندئذ تدخل في دائرة الاستهلاك التفاعلي الذكي في عالم الدمى منذ صغرها. وبدأت الاهتمام بالدمى كمقال في صحيفة إلى بحث رئيس في أحد أعداد مجلة القافلة السعودية، ومن ثم إلى كتاب بفضل من الله وبتشجيع من زوجتي.
{ إلى أي مدى يمكن للدمية أن تكون محركا أو ملهما للطفل؟
- بقدر ما تصل الدمية إلى مرحلة «الشحن» ومن ثم «التفريغ» بانتظار «ردة الفعل» من الطفل. وتصل الدمية إلى مرحلة «الشحن» من خلال كمية الأدوات والقيم البصرية الموجودة فيها، سواء كانت قيما تميل للأنثى كالجمال والرشاقة أو تلك التي تركن إلى الرجولة كالقوة والجرأة. وعندما تتمتع الدمية بالشحن من خلال جودة التصنيع وأدوات التفاعل مع الطفل/الطفلة، بالإضافة إلى نوعية القيم التي تحتضنها الدمية ليتم التفريغ إلى الطرف المقابل، والذي سيدخل عالمها عبر تفاعله، سواء عبر اللعب أو تقمص الشخصية أو انتخاب القيم، بل وتتسع دائرة التفاعل إلى الإنترنت من خلال مواقع إلكترونية يمكن للفتاة أن تختار ثياب دميتها وتنتخب لها الشعر والثياب والحذاء، بل وحتى الثياب الداخلية. والتي تعطي رسالة تفاعلية على نوعية اللباس والمكياج والجسم المثالي من خلال الدمية.
وقد ارتفعت أصوات من المجتمع الأميركي ضد الدمية الشقراء «باربي» لما تمثله من أنموذج غير واقعي وسيئ للبنات، بل وصل الأمر عند هذه الدمية لأن تقول في أحد إصداراتها التفاعلية «إن مادة الرياضيات صعبة»، وهي رسالة سلبية ومحبطة عن التعليم وتلقيه، وهو ما دفع بعض الجمعيات الاجتماعية في أميركا إلى الدعوة لسحب ذلك الإصدار الذي يقدم مثالاً سلبياً للفتاة الأميركية.
وأمثلة الشحن والتفريغ الموجودة في معظم الساحات العالمية سلبية نوعاً ما، إلا أن من رحم ذلك العالم أيضاً وُلدت نماذج إيجابية نوعاً ما كالدمية العربية «فلة» والدمية الأميركية المسلمة «رزان» والدميتين الإيرانيتين «سارا ودارا» كبديل عن الأنموذج الغربي.
ويمكن لتجارب عربية أخرى أن تكون مشروعاً للدمى، كمسلسل فريج وشخصيات الـ99 وشخصية بكار المصرية.
من أجل أطفال أسوياء..
{ بلا عقد أو تطرف أو تفكير حاقد، كيف يجب أن يكون شكل الدمية؟
- هناك العديد من الأمثلة لدمى تمثل في مسحتها السلام والمؤانسة المباشرة حين النظر لها، بل والقيم الإيجابية نوعاً ما، فمنها الأميركية واليابانية والإيرانية. إلا أن ما ينقصها هو الترويج والتسويق القويين، لتكون هي من في الواجهة لتقديم قيمها بدلاً من تلك الدمية الشقراء «باربي» أو تلك الناعسة «براتز».. وشكل الدمية هو عنصر واحد في تشكيل هويتها، فهناك الشكل وطريقة التصنيع ونوع الثياب والرسائل الصادرة منها -إن كانت تتكلم- وإكسسواراتها، وأصدقاؤها، وبيتها، واهتماماتها، وغيرها من المتعلقات التي تصوغ شخصية الدمية وتعطيها الهوية الإيجابية أو السلبية حسب المجتمع وقيمه وما يميل إليه.
{ أي الدمى أقرب إلى نفس الطفل، المصنوعة بيده.. أم الغريبة.. أم المقاربة بشكلها إلى الحقيقة، الباردة أم الدافئة؟
- أقرب الدمى للطفل هي تلك التي أخذ صيتها يلامس الطفل قبل أن تلامسه بجلدها الصناعي. ففي وقت كانت الدمى تُصنع باليد ويتفاعل معها الطفل ويبني قصصاً وحكايات عنها ومعها، حيث كان هو المتحكّم فيها تخيلاً وحركة، أما اليوم فقد انقلبت الآية، حيث باتت الدمية هي التي تعطي خياراتها للطفلة وتوجه مسيرتها التفاعلية معها، من خلال نوعية اللباس والمكياج والبيت وغيرها، وكأنها توحي بأن الطفلة لها الخيار، إلا أنها محصورة ضمن شخصية موجهة الرسائل ومبرمجة مسبقاً.
تقدم تجربة «فلة» العربية أنموذجاً يُثبت أن «حمامة الحي قد تُطرب»، وذلك عند معرفة عناصر الشد والجذب والاستئناس العملي مع الدمية في رسالتها وهويتها، لتكون الدمية العربية موجودة على رفوف قبالة رفوف الدميتين الأميركيتين «باربي» و«براتز»، ولكل ذوقه.
تجربة الدمية «فلّة»
{ وإلى أي مدى يمكن للدمية أن تجيب عن أسئلة الطفل؟
- بقدر جمعها بين المحتوى والتفاعل، فعندما تكون نسبة التفاعل جيدة، والتي يقترب الطفل منها نتيجة الشكل والتصنيع يتحرّك المحتوى من رحم ذلك التفاعل ليقدم الرسائل للطفل عن طريق اللعب والرموز البصرية التي تتمتع بها الدمية.
وكمثال على ذلك تجربة الدمية العربية «فلة» مع قيم إيجابية وسلوكيات مرغوبة في المجتمع العربي والمسلم، وهي أداء الصلاة وحب العلم، ذانك هما القيمتان الموجودتان في الدمية، ولإيصالهما إلى الطفلة لا بد من تفاعل يأتي من خلال التصنيع وتبعات الهوية من أغنية وملصقات وإكسسوارات ومنتجات تدفع الطرف المتلقي وهو الطفلة للدخول في دائرة التفاعل تحت مظلة المحتوى، لذا نرى وجود سجادة للصلاة من فلة، وأدوات طبيبة الأسنان من فلة، وهكذا. مع اندماج نوع التفاعل مع المحتوى يمكن أن تجيب الدمية عن بعض الأسئلة التي يمكنها أن تتحرك في مساحتها وتقدم الأجوبة عنها.
… شخصية الطفل
{ كيف يمكن أن تقرأ شخصية طفل من دميته؟
- كما يمكن قراءة هوية الدمية من الطفل، أي أن العملية عكسية. فانتخاب نوعية الدمية وطريقة تفاعل الطفل معها وطريقة تعامله مع إكسسواراتها، هو الذي يقدم الانطباع عن شخصية الطفل في مدى تفهمه لقيم مختلفة كالجمال، والتخيل والصداقة والأنانية والكرم. فقد نلاحظ طفلة تعيش في جو ملتزم من ناحية الالتزام بالحجاب والصلاة وغيرها من القيم المجتمعية الأخرى، ومع ذلك نراها تقتني دمية شبه عارية وترتدي ثياباً قصيرة وتضع المكياج الثقيل كما يقولون، وهو ما يسلط الضوء على مساحة موجودة، وقد تكون مخبأّة في ذهنية الطفل، بل وفي ذهنية من يحيط بها من الوالدين والمجتمع والأصدقاء والأقرباء أيضاً.
وكما تكون الدمية تكون شخصية الطفل بنسبة أو بأخرى، فإن لم تكن هناك علاقة بصرية أو على الأقل وجود مساحة مشتركة من الشعور بين الدمية والطفل، فلن نجد الطفلة تمسك بهذه الدمية أو تلك.. وبالتالي هناك العنصر المشترك ولو كان بسيطاً ممن له القدرة على تقديم «كشف» ولو بسيط عن شخصية الطفل.
بشرط ألا يكون الطفل قد شاهد فيلم الدمية الشريرة «شاكي»، وإلا فإنها لن تكون من ضمن خياراتها عند اللعب.
{ تأليفك للكتاب.. هل قرّبك من الأطفال؟
- بل جعلني أفهمهم أكثر، وأدخل في دائرة عالمهم الخاص كعالم «أليس» في بلاد عجائبها الخاص. وقربني من فهم ميكانيكية تصنيع الهويات قبل تصنيع الدمى في هذا العالم الذي أصبح محاطاً بالماركات وتوليد الهويات الجديدة كل يوم، ولن يكون الأطفال بعيدين عن تلك «البرمجة» التي يجني أصحابها الملايين. وذلك عندما نقول إن الدمية «باربي» تُباع منها اثنتان كل ثانية حول العالم!
{ وكيف تعبر الدمية عن ثقافة الطفل؟
- علاقة الدمى بثقافة الطفل كعلاقة اللعب بثقافة الطفل، والدمية مصداق من اللعب، لذا لا يمكن فصل الدمية عن الطفل في ثقافته وهويته وتفاعله، بل لم تكن مفصولة عنه منذ أكثر من ٤ آلاف سنة، فكيف بها الآن؟ وقد امتدت أذرع كثيرة للدمية من خلال الإنترنت وغيرها من الوسائط المبتكرة

http://awan.com/pages/kids/210864

0 التعليقات: